عِطرُ امرأة Scent of a Woman
( اليوم الذي سنتوقف فيه عن البحث عن النساء .. هو اليوم الذي سنموتُ فيه )
رغم كل شهرة الممثل " آل باتشينو " ، التي كرّسها دورُه المميز في الفيلم الشهير ( العرّاب ) بأجزائه الثلاثة في الأعوام 1972 ، 1974 ، 1990 ، و الترشيحات و الجوائز العديدة التي نالها ، إلا أنه لم ينل جائزة الأوسكار سوى مرة واحدة ، و ذلك عن دوره الرئيس في هذا الفيلم ( عطر امرأة Scent of a Woman ) ــ 1992.
و كان قد بات نجماً سينمائياً ذا حضور بارز منذ سبعينيات القرن العشرين ، ثم كرّس هذا الحضور من خلال تجسيده أدواراً متميزة في فترة الثمانينيات ، مِثل دورِ صنيعِ المافيا الأمريكية ، الكوبيِّ المهاجر الى أمريكا " توني مونتانا " في فيلم ( الوجهُ ذو الندبة Scarface ) ، الصادر عام 1983 ، من إخراج الأمريكي من أصل إيطالي " براين دي بالما " ، إضافةً الى أدوار متميزة عديدة أخرى .
فيلمُ ( عطر امرأة ) ، الذي من إخراج الأمريكي " مارتن بريست " لا يتحمل كثيراً من الكلام ( الصحافي ) ، ذلك لفرط رِقـّـتهِ ، ولتميز موضوعه بخصوص الإغواء الذي يحصل في مناسبات عامة أو خاصة بين رجل و امرأة ، إنه فيلمُ تأمُّلٍ بخصوصِ الغرام الذي يأسر روحَين و يُطهّرُهما أو يُحرّرُهما من قيود المجتمع التي تأسرُهما بما لا يطيقانه .
في هذا الفيلم ، الطرفُ الأكثر أهلية و استقبالاً لهذا التطهير و التحرر هو الكولونيل الأعمى " فرانك سلايد " ( آل باتشينو ) ، أما النساءُ فهن أما عابراتٍ تركن أثراً في نفسه أو أنهن في هيأة ذكرى إمرأة .. أو فكرة إمرأة .
في الفيلم حصل التعارف بين رجلٍ من نخبة المجتمع ، الكولونيل المتقاعد الأعمى ، و امرأة عابرة " دونا " ( غابريل أنور ) . صادفَ وجودُها في المطعم الراقي الذي تواجد فيه الكولونيل ، لكنها فاتنةٌ و ذاتُ سحرٍ عطري يُدلُّ الأعمى على هوى عاطفته الموّارة المأخوذة بسحر المرأة .. و تلك ميزة هذه الإمرأة . و " غابريل أنور " تظهر في هذا الفيلم في مشهدٍ يستغرق سبعَ دقائق فقط ، ثم تختفي نهائياً ، و قد اشتهرت به كونَها رقصت رقصة ( التانغو ) مع " آل باتشينو " . لكن هذه الواقعة العابرة لا تمثل مركزيةَ الفيلم ، إنها من مطيبات الفيلم لا أكثر ، غير أنها تُضفي عليه نكهةً عميقة . و نحنُ لو شرّحنا الفيلم فسنجدُ أن هذا المشهد لا يرتبط ارتباطاً عضوياً بما قبله و بما بعده من المَشاهد ، حتى لــيبدو أنه مَشهدٌ مُلصقٌ بالفيلم ، و قد نذهب الى فكرة إمكانية حذفه . ولكن لو أن ذلك قد حصل لفقَدَ الفيلمُ نبضَه و نكهتَه ، لأن فكرتَه قائمةٌ على اللامرئي من أسباب نشأة العلاقات العاطفية : رجلٌ فياضُ الهيام بالمرأة ، سلبتهُ حياتُه العسكريةُ نعمة التمتع بجمالها ، بسحر تكوينها الجسدي بواسطة حاسة البصر فباتت حاسةُ الشَمِّ وسيلته .. أو ملاذَه .
يبدأ الفيلمُ بموسيقىً تلامسُ الوجدان ، لموسيقار الأفلام الأمريكي " توماس نيومان " صُحبة التايتل ، لتأخذنا كاميرا المصور " دونالد ثورين " الى مدرسة ( بيرد ) التي يُكمل فيها الطالب " تشارلي سيمز " سَنته الثانوية النهائية ، و قد لعب دورَه الممثل " كريس أودونّيل " في أداء رائعٍ جداً .
و الجُملةُ الموسيقية التي افتتح بها " توماس نيومان " الفيلمَ ستتكرر في أوقاتها المناسبة .
" تشارلي سيمز " وَجَدَ على حائط إعلانات المدرسة إعلاناً وضعته " كارين روسي " ( سالي مارفي ) تبحث فيه عن شخصٍ قادرٍ على مرافقة عَمّها الكولونيل المتقاعد الأعمى ، في عطلة نهاية كل أسبوع ، و " تشارلي " بحاجة الى هذا العمل ، و هو يشعر بالفارق المعيشي بينه و بين زملائه الذين يقضون عطلتهم الصيفية في منتجعات سويسرا . و في هذه المدرسة نتعرف على الممثل الرائع الراحل " فيليب سيمور هوفمان " ( 1967 ــ 2014 ) في أول دورٍ سينمائي له ، كطالبٍ مُشاكس هو " جورج ويليس " . و من خلال هذا الدور الثانوي سنكتشفُ أننا أمام ممثلٍ موهوبٍ متميز سيؤسس لمكانته السينمائية ، و قد نال جائزة الأوسكار كأفضل ممثل عام 2005 عن دوره في فيلم ( كابوتي ) . ولكن الوسط السينمائي العالمي فُجع بموته مبكراً ، عام 2014 ، عن 47 عاماً ، وحيداً في شقته ، بسبب تناول جرعة زائدة من المخدرات ، و قد عُثر في الشقة على كمية كبيرة من الهيروين .
كان مجلس الأمناء قد منح سيارة ( جاكوار ) لمدير المدرسة مستر " تراسك " ( " جيمسن ريبورن " 1948 ــ 2014 ) ، و عندما يركنها في مكانٍ من ساحة المدرسة يُبدي الطالب الخبيث " هاري " (نيكولاس سادلر ) إعجابه بها أمام زملائه ، ثم يتبع السيد " تراسك " ليكرر أمامه هذا الإعجاب ، ولكن يبدو أنه كان يخطط لمقلبٍ يُهين به المدير ، هذا المقلب حَضّرَهُ ليلاً ليُنفذهُ في النهار ، و قد لمحه " تشارلي " و " ويليس " و معهما الآنسة " هونسايكر " ( جون سكويب ) ، التي أخبرت المديرَ بمراقبتهما لعملية تنفيذ المقلب ولكنها لا تعرف من هو المُنفذ . " شارلي " و " ويلس " وحدهما اللذان يعرفان . و لأن المدير يعرف ظروف " تشارلي " المالية و طموحَه الدراسي " فقد وعده بالقبول في جامعة ( هارفارد ) العريقة مقابل إخباره بإسم مدبّر المَقلب ، غير أن " تشارلي " لم يخضع لشروط المساومة .
هذه المساومة يتوقف عندها الكولونيل " فرانك سلاد " ، بعد أن أدرك نقاء شخصية مرافقه " تشارلي " ، فيقدّم مُرافعةً مذهلةً عنه أوصلت الفيلمَ الى الذروة ، لتكشف عن معدن و طبيعة شخصية الكولونيل .
عندما يتعرف الطالب " تشارلي " على الكولونيل الأعمى ، في لقائه الأول به ، يجد نفسَه أمام شخصٍ غريبِ الأطوار ، بصيرٌ رغم عَماه ، يتميز سلوكُهُ بالعصبية الحادة ، مُدمن على الكحول ، لا يقبل أن يقاطعه أحد ، و راح يُفرغ غضبَه على الآخرين ، كأنه ينتقم ــ على حسابهم ــ من الجيش الذي سَرّحهُ و أسكنه في مكانٍ معزولٍ مغمورٍ بأوراق الخريف المتساقطة بكثافة ، كإشارة الى خريف عمره و خريف ما تبقى من مجده العسكري ، بعد أن كان ضمن كتيبة حماية الرئيس الأمريكي " لندون جونسون " ، ولكنه فقد بصره بعد أن فلت من بين أصابعه دبوسُ قنبلة يدوية ، بسبب ثمالته إثر تناوله أربعة كؤوس من الفودكا عند الإفطار ، كما سيوضحُ ذلك " راندي " إبن أخيه " ويلي " أثناء جلسةٍ عاصفةٍ خلال الإحتفال بعيد الشكر في بيته .
ماذا يفعلُ شابٌ مثل " تشارلي " في مُقتبل مشواره العَمَلي و قد أصبح مُرافِقاً لشخصيةٍ عامةٍ غريبةِ الأطوار ، تجترحُ قوانينَها الشخصية و تتمرد على السائد من السلوك العام ؟
أحداثُ الفيلم تقوم على هذا الحبل الرفيع المتوتر بين تكوين الشخصيتين غير المتكافئ . و هو ما يجعل المُشاهِدَ في حالةِ مُراقبةٍ شديدة ، بانتظار أية زَلةٍ قد يأتي بها الكولونيل " فرانك " ليَهوي الشاب " تشارلي " بسببها ، و كاد ذلك أن يحدث حين شهر " فرانك " المسدسَ بوجهه ، ولكن تبيّن أنه ينوي الإنتحار . و يصرخ " فرانك " ، و يكرر الصرخة : ( ليست لدي حياة .. إنني أعيش في الظلام ) ، و في ذلك خلاصةُ ما يعيشه الكولونيلُ من مُعاناةٍ لم يُدرك عُمقَها غيرُ " تشارلي " الذي سيُصبح صنوَه . و سنكتشف مع " فرانك " أن " تشارلي " فتىً مبدأيٌ ــ أخلاقياً ــ رغم أنه لم يعش في كنف أبيه الذي هجر عائلته ، لذلك فهو يرفض ممارسة الوشاية ، النقطة التي سيلتقطها " فرانك " ــ و التي تتوافق مع مبادئه ــ و منها سينطلق في الدفاع عنه ، و سيُعرّي زيف مبادئ مدرسة ( بيرد ) التي يزعمها مديرُها " تراسك " و يُـفنـّـدُ إدّعاته ــ وَفقاً لسياسة الإبتزاز و المساومة التي يمارسها مع " تشارلي " ــ كوْنَ المدرسة قد أنجبت خيرةَ رموز المجتمع .
في حالة احتدامٍ ، بسبب عدم انضباط سلوك " فرانك " ، يصرخ " تشارلي " بدوره : ( إذاً استسلم ، أنا سأستسلمُ أيضاً ، أنت على حق بقولك أنني انتهيت . لقد انتهى أمرُنا نحنُ الإثنين ، لذا فلنمُت . إضغط على الزناد أيها الأعمى السافل البائس ) . هنا ، أدرك " فرانك " بدوره معدن الشاب ، الأمر الذي قاده الى المرافعة المذهلة في الدفاع عنه في وجه مدير المدرسة الذي ابتزه و ساوَمَه على الوشاية .غير أن السيناريو يقودنا الى تكثيفٍ رائعٍ لنسيجٍ باهر يُتوّج نهاية الفيلم الذي سنصفق له بانبهار .
في هذا الفيلم سنجد أنفسَنا أمام رجلٍ فقدَ حاسة البصر لكنه تمكن من بقية حواسه ، و كأنه كثفها في حاسةٍ سادسة .
ولكن السؤال : مع هذا الفيلم ، هل نحنُ أمام موازنة عاطفية ، أم اجتماعية ، أم أخلاقية ، أم نفسية .. و نحن نراقب سلوك الجنرال الأعمى ؟
عنوان الفيلم ( عطر إمرأة ) يكثف لوعةَ رجلٍ فقد حاسة البصر للتمتع برؤية الأنثى التي هي رمزُ الوجود بكل محتواه ، و ( العطرُ ) ــ هنا ــ مدخلٌ لتكثيفٌ الحواس التي تنقصها حاسة البصر .
الإنسان ــ الرجل ، قد يكون قادراً على تحمل فقدان حواسه أمام المرأة ، لكن الأمر خانقٌ لروحه حين يُحرَمُ من حاسة البصر وقد فقدت عيناه متعة التمتع بسحر تكوينها الجسدي .. بصرياً
سينما العالم
( اليوم الذي سنتوقف فيه عن البحث عن النساء .. هو اليوم الذي سنموتُ فيه )
رغم كل شهرة الممثل " آل باتشينو " ، التي كرّسها دورُه المميز في الفيلم الشهير ( العرّاب ) بأجزائه الثلاثة في الأعوام 1972 ، 1974 ، 1990 ، و الترشيحات و الجوائز العديدة التي نالها ، إلا أنه لم ينل جائزة الأوسكار سوى مرة واحدة ، و ذلك عن دوره الرئيس في هذا الفيلم ( عطر امرأة Scent of a Woman ) ــ 1992.
و كان قد بات نجماً سينمائياً ذا حضور بارز منذ سبعينيات القرن العشرين ، ثم كرّس هذا الحضور من خلال تجسيده أدواراً متميزة في فترة الثمانينيات ، مِثل دورِ صنيعِ المافيا الأمريكية ، الكوبيِّ المهاجر الى أمريكا " توني مونتانا " في فيلم ( الوجهُ ذو الندبة Scarface ) ، الصادر عام 1983 ، من إخراج الأمريكي من أصل إيطالي " براين دي بالما " ، إضافةً الى أدوار متميزة عديدة أخرى .
فيلمُ ( عطر امرأة ) ، الذي من إخراج الأمريكي " مارتن بريست " لا يتحمل كثيراً من الكلام ( الصحافي ) ، ذلك لفرط رِقـّـتهِ ، ولتميز موضوعه بخصوص الإغواء الذي يحصل في مناسبات عامة أو خاصة بين رجل و امرأة ، إنه فيلمُ تأمُّلٍ بخصوصِ الغرام الذي يأسر روحَين و يُطهّرُهما أو يُحرّرُهما من قيود المجتمع التي تأسرُهما بما لا يطيقانه .
في هذا الفيلم ، الطرفُ الأكثر أهلية و استقبالاً لهذا التطهير و التحرر هو الكولونيل الأعمى " فرانك سلايد " ( آل باتشينو ) ، أما النساءُ فهن أما عابراتٍ تركن أثراً في نفسه أو أنهن في هيأة ذكرى إمرأة .. أو فكرة إمرأة .
في الفيلم حصل التعارف بين رجلٍ من نخبة المجتمع ، الكولونيل المتقاعد الأعمى ، و امرأة عابرة " دونا " ( غابريل أنور ) . صادفَ وجودُها في المطعم الراقي الذي تواجد فيه الكولونيل ، لكنها فاتنةٌ و ذاتُ سحرٍ عطري يُدلُّ الأعمى على هوى عاطفته الموّارة المأخوذة بسحر المرأة .. و تلك ميزة هذه الإمرأة . و " غابريل أنور " تظهر في هذا الفيلم في مشهدٍ يستغرق سبعَ دقائق فقط ، ثم تختفي نهائياً ، و قد اشتهرت به كونَها رقصت رقصة ( التانغو ) مع " آل باتشينو " . لكن هذه الواقعة العابرة لا تمثل مركزيةَ الفيلم ، إنها من مطيبات الفيلم لا أكثر ، غير أنها تُضفي عليه نكهةً عميقة . و نحنُ لو شرّحنا الفيلم فسنجدُ أن هذا المشهد لا يرتبط ارتباطاً عضوياً بما قبله و بما بعده من المَشاهد ، حتى لــيبدو أنه مَشهدٌ مُلصقٌ بالفيلم ، و قد نذهب الى فكرة إمكانية حذفه . ولكن لو أن ذلك قد حصل لفقَدَ الفيلمُ نبضَه و نكهتَه ، لأن فكرتَه قائمةٌ على اللامرئي من أسباب نشأة العلاقات العاطفية : رجلٌ فياضُ الهيام بالمرأة ، سلبتهُ حياتُه العسكريةُ نعمة التمتع بجمالها ، بسحر تكوينها الجسدي بواسطة حاسة البصر فباتت حاسةُ الشَمِّ وسيلته .. أو ملاذَه .
يبدأ الفيلمُ بموسيقىً تلامسُ الوجدان ، لموسيقار الأفلام الأمريكي " توماس نيومان " صُحبة التايتل ، لتأخذنا كاميرا المصور " دونالد ثورين " الى مدرسة ( بيرد ) التي يُكمل فيها الطالب " تشارلي سيمز " سَنته الثانوية النهائية ، و قد لعب دورَه الممثل " كريس أودونّيل " في أداء رائعٍ جداً .
و الجُملةُ الموسيقية التي افتتح بها " توماس نيومان " الفيلمَ ستتكرر في أوقاتها المناسبة .
" تشارلي سيمز " وَجَدَ على حائط إعلانات المدرسة إعلاناً وضعته " كارين روسي " ( سالي مارفي ) تبحث فيه عن شخصٍ قادرٍ على مرافقة عَمّها الكولونيل المتقاعد الأعمى ، في عطلة نهاية كل أسبوع ، و " تشارلي " بحاجة الى هذا العمل ، و هو يشعر بالفارق المعيشي بينه و بين زملائه الذين يقضون عطلتهم الصيفية في منتجعات سويسرا . و في هذه المدرسة نتعرف على الممثل الرائع الراحل " فيليب سيمور هوفمان " ( 1967 ــ 2014 ) في أول دورٍ سينمائي له ، كطالبٍ مُشاكس هو " جورج ويليس " . و من خلال هذا الدور الثانوي سنكتشفُ أننا أمام ممثلٍ موهوبٍ متميز سيؤسس لمكانته السينمائية ، و قد نال جائزة الأوسكار كأفضل ممثل عام 2005 عن دوره في فيلم ( كابوتي ) . ولكن الوسط السينمائي العالمي فُجع بموته مبكراً ، عام 2014 ، عن 47 عاماً ، وحيداً في شقته ، بسبب تناول جرعة زائدة من المخدرات ، و قد عُثر في الشقة على كمية كبيرة من الهيروين .
كان مجلس الأمناء قد منح سيارة ( جاكوار ) لمدير المدرسة مستر " تراسك " ( " جيمسن ريبورن " 1948 ــ 2014 ) ، و عندما يركنها في مكانٍ من ساحة المدرسة يُبدي الطالب الخبيث " هاري " (نيكولاس سادلر ) إعجابه بها أمام زملائه ، ثم يتبع السيد " تراسك " ليكرر أمامه هذا الإعجاب ، ولكن يبدو أنه كان يخطط لمقلبٍ يُهين به المدير ، هذا المقلب حَضّرَهُ ليلاً ليُنفذهُ في النهار ، و قد لمحه " تشارلي " و " ويليس " و معهما الآنسة " هونسايكر " ( جون سكويب ) ، التي أخبرت المديرَ بمراقبتهما لعملية تنفيذ المقلب ولكنها لا تعرف من هو المُنفذ . " شارلي " و " ويلس " وحدهما اللذان يعرفان . و لأن المدير يعرف ظروف " تشارلي " المالية و طموحَه الدراسي " فقد وعده بالقبول في جامعة ( هارفارد ) العريقة مقابل إخباره بإسم مدبّر المَقلب ، غير أن " تشارلي " لم يخضع لشروط المساومة .
هذه المساومة يتوقف عندها الكولونيل " فرانك سلاد " ، بعد أن أدرك نقاء شخصية مرافقه " تشارلي " ، فيقدّم مُرافعةً مذهلةً عنه أوصلت الفيلمَ الى الذروة ، لتكشف عن معدن و طبيعة شخصية الكولونيل .
عندما يتعرف الطالب " تشارلي " على الكولونيل الأعمى ، في لقائه الأول به ، يجد نفسَه أمام شخصٍ غريبِ الأطوار ، بصيرٌ رغم عَماه ، يتميز سلوكُهُ بالعصبية الحادة ، مُدمن على الكحول ، لا يقبل أن يقاطعه أحد ، و راح يُفرغ غضبَه على الآخرين ، كأنه ينتقم ــ على حسابهم ــ من الجيش الذي سَرّحهُ و أسكنه في مكانٍ معزولٍ مغمورٍ بأوراق الخريف المتساقطة بكثافة ، كإشارة الى خريف عمره و خريف ما تبقى من مجده العسكري ، بعد أن كان ضمن كتيبة حماية الرئيس الأمريكي " لندون جونسون " ، ولكنه فقد بصره بعد أن فلت من بين أصابعه دبوسُ قنبلة يدوية ، بسبب ثمالته إثر تناوله أربعة كؤوس من الفودكا عند الإفطار ، كما سيوضحُ ذلك " راندي " إبن أخيه " ويلي " أثناء جلسةٍ عاصفةٍ خلال الإحتفال بعيد الشكر في بيته .
ماذا يفعلُ شابٌ مثل " تشارلي " في مُقتبل مشواره العَمَلي و قد أصبح مُرافِقاً لشخصيةٍ عامةٍ غريبةِ الأطوار ، تجترحُ قوانينَها الشخصية و تتمرد على السائد من السلوك العام ؟
أحداثُ الفيلم تقوم على هذا الحبل الرفيع المتوتر بين تكوين الشخصيتين غير المتكافئ . و هو ما يجعل المُشاهِدَ في حالةِ مُراقبةٍ شديدة ، بانتظار أية زَلةٍ قد يأتي بها الكولونيل " فرانك " ليَهوي الشاب " تشارلي " بسببها ، و كاد ذلك أن يحدث حين شهر " فرانك " المسدسَ بوجهه ، ولكن تبيّن أنه ينوي الإنتحار . و يصرخ " فرانك " ، و يكرر الصرخة : ( ليست لدي حياة .. إنني أعيش في الظلام ) ، و في ذلك خلاصةُ ما يعيشه الكولونيلُ من مُعاناةٍ لم يُدرك عُمقَها غيرُ " تشارلي " الذي سيُصبح صنوَه . و سنكتشف مع " فرانك " أن " تشارلي " فتىً مبدأيٌ ــ أخلاقياً ــ رغم أنه لم يعش في كنف أبيه الذي هجر عائلته ، لذلك فهو يرفض ممارسة الوشاية ، النقطة التي سيلتقطها " فرانك " ــ و التي تتوافق مع مبادئه ــ و منها سينطلق في الدفاع عنه ، و سيُعرّي زيف مبادئ مدرسة ( بيرد ) التي يزعمها مديرُها " تراسك " و يُـفنـّـدُ إدّعاته ــ وَفقاً لسياسة الإبتزاز و المساومة التي يمارسها مع " تشارلي " ــ كوْنَ المدرسة قد أنجبت خيرةَ رموز المجتمع .
في حالة احتدامٍ ، بسبب عدم انضباط سلوك " فرانك " ، يصرخ " تشارلي " بدوره : ( إذاً استسلم ، أنا سأستسلمُ أيضاً ، أنت على حق بقولك أنني انتهيت . لقد انتهى أمرُنا نحنُ الإثنين ، لذا فلنمُت . إضغط على الزناد أيها الأعمى السافل البائس ) . هنا ، أدرك " فرانك " بدوره معدن الشاب ، الأمر الذي قاده الى المرافعة المذهلة في الدفاع عنه في وجه مدير المدرسة الذي ابتزه و ساوَمَه على الوشاية .غير أن السيناريو يقودنا الى تكثيفٍ رائعٍ لنسيجٍ باهر يُتوّج نهاية الفيلم الذي سنصفق له بانبهار .
في هذا الفيلم سنجد أنفسَنا أمام رجلٍ فقدَ حاسة البصر لكنه تمكن من بقية حواسه ، و كأنه كثفها في حاسةٍ سادسة .
ولكن السؤال : مع هذا الفيلم ، هل نحنُ أمام موازنة عاطفية ، أم اجتماعية ، أم أخلاقية ، أم نفسية .. و نحن نراقب سلوك الجنرال الأعمى ؟
عنوان الفيلم ( عطر إمرأة ) يكثف لوعةَ رجلٍ فقد حاسة البصر للتمتع برؤية الأنثى التي هي رمزُ الوجود بكل محتواه ، و ( العطرُ ) ــ هنا ــ مدخلٌ لتكثيفٌ الحواس التي تنقصها حاسة البصر .
الإنسان ــ الرجل ، قد يكون قادراً على تحمل فقدان حواسه أمام المرأة ، لكن الأمر خانقٌ لروحه حين يُحرَمُ من حاسة البصر وقد فقدت عيناه متعة التمتع بسحر تكوينها الجسدي .. بصرياً
سينما العالم