انتروبولوجيه انسان قديم
Palaeoanthropology - Paléoanthropologie
أنتروبولوجية الإنسان القديم
يختص علم الأنتروبولوجية القديمة paleo anthropology بدراسة نشوء الإنسان القديم phyloenie وتطوره. وهو يسعى إلى معرفة أصل الإنسان وتحديد التحولات الفيزيولوجية والحضارية التي طرأت عليه على امتداد العصور. وتعود المحاولات العلمية الأولى لفهم أصل الإنسان إلى القرنين السادس والخامس قبل الميلاد، عندما حاول فلاسفة اليونان تفسير الوجود الإنساني بمعزل عن الميتولوجية السائدة في حينه. تبعهم في ذلك فلاسفة العرب المسلمين في العصور الوسطى. ومع بداية عصر النهضة في القرن التاسع عشر أخذ هذا الموضوع أبعاداً جديدة ومختلفة فظهر تيار علمي جاد يعتمد على البحث العلمي المدعم بالأعمال الميدانية والمخبرية من أجل تحديد مكانة الإنسان في عالم الطبيعة والحياة. وقد توج هذا التيار بأعمال الباحث الإنكليزي شارل داروين Ch. Darwin الذي لخص أفكاره في كتابيه: «أصل الأنواع» و«أصل الإنسان» بالمبادئ التالية:
ـ أن عالم الحياة هو عالم متحول، وليس ثابتاً، والأنواع الحية تتبدل باستمرار فتظهر أنواع جديدة وتختفي أخرى قديمة.
ـ إن تحول عالم الحياة بطيء وتدريجي ويستمر زمناً طويلاً وليس مفاجئاً ولا يتم في قفزات.
ـ إن الأحياء كلها تعود إلى أصل واحد ومشترك.
ـ إن عملية التطور والتحول تخضع لقانون الاصطفاء الطبيعي القائم على صراع الأنواع وبقاء الأفضل.
وقد أثارت الداروينية نقاشاً بقي مستمراً حتى اليوم، وحققت العلوم المتعلقة بأصل الإنسان إنجازات مهمة على هذا الصعيد، إذ يصنف الباحثون في هذا المجال الإنسان بأنه كائن ينتمي إلى عالم الحيوان الذي تتفرع عنه تدريجياً شعبة الفقاريات، ومنها صف الثدييات التي تفرعت عنها الرئيسات Primates التي خرجت منها فصيلة الإنسانيات، ومنها تفرع جنس الإنسان الذي يمثل قمة تطور تلك الرئيسات. وتجدر الإشارة إلى تباين وجهات نظر الباحثين حول سير خط عملية تطور الإنسان وتفاصيلها، وإن كانت الأكثرية ترى أن أقدم الرئيسيات الحفرية هو ما سمي بالقرد المصري Aegyptopithecus الذي وجدت أجزاء من هيكله العظمي في الفيوم بمصر حيث عاش منذ نحو ثلاثين مليون سنة، ومنه تطور نوع آخر من الرئيسات سمي القرد الشجري، الدريوبيتك Dryopithecus الذي عاش في إفريقية منذ نحو عشرين مليون سنة. ومنذ نحو 15 مليون سنة حصل تبدل جغرافي ومناخي مهم فاتصلت إفريقية ببقية القارات وأصبح مناخها أقل حرارة، وتراجعت الغابات الكثيفة لتنتشر الأحراج. وقد رافق تلك التحولات ظهور نوع جديد من الكائنات هو الرامابيتك Ramapithecus، الذي عاش بين نحو 8 – 15 مليون سنة في مختلف مناطق العالم القديم. ويعتقد الكثيرون أن الرامابيتك هو الجد المباشر الذي تطور منه الإنسان معتمدين على التشابه الفيزيولوجي بينه وبين الإنسان، وخاصة فيما يتعلق بالفكين والأسنان. وهكذا فالرامابيتك كان الكائن الذي ترك العيش على الشجر وسار على قدمين وتلاءم مع نمط الحياة على الأرض ليتطور في مرحلة لاحقة نحو الإنسان. في حين تطور الدريوبيتك نحو القرد. ومهما يكن فإنه في ضوء واقع البحث الحالي يجب التأكيد أن الإنسان نفسه لم يتطور من القرود المعروفة اليوم وأن هذه القرود ليست نماذج بشرية بدائية، وهي لن تتطور نحو الإنسان كما قد يظن البعض، ولكن للقرود والإنسان صفات مشتركة كثيرة تشير إلى انحدارهما من أصل واحد مشترك، ليس قرداً ولا إنساناً، تفرعا عنه، وسار كل منهما في طريق منفصل منذ أكثر من عشرين مليون سنة خلت. وقد ظهرت أنواع مختلفة من الرئيسات، لكنه يبدو أن نوع الرامابيتك هو الذي تطور نحو الإنسان (الشكل1).
لقد أظهرت الأبحاث المتعلقة بأصل الإنسان أنه منذ نحو 5 - 6 ملايين سنة وجدت في القارة الإفريقية أنواع من الرئيسات كانت تسير منتصبة القامة ولها حجم دماغ كبير نسبياً. وقد أخذت هذه الكائنات تتطور وتزداد، وتكتسب صفات فيزيولوجية قريبة إلى صفات الإنسان إلا أنها لم تتمكن من تصنيع الأدوات المنتظمة مما أبقاها خارج الشروط الإنسانية الكاملة. وقد وجدت هياكل تلك الكائنات في الكثير من مناطق إقليم عفار في جيبوتي وأطلق عليها الباحثون اسم القرد العفاري الأوسترالوبيتك العفاري Australopithecus afarensis ويسميها بعضهم ما قبل الأوسترالوبيتك Pre-Ausralopithecus. إن معظم ما عثر عليه من هياكل هذه الكائنات لم يكن أكثر من عدة أسنان أو أجزاء من جمجمة بقيت محفوظة على امتداد الزمن. ولكن في حالة واحدة، ونادرة، عثر في موقع حضر في إقليم عفار على هيكل عظمي بقي نحو 4% منه سليماً، مما سمح بإعادة تصور كامل الهيكل الذي أطلق المكتشفون عليه اسم لوسي. وقد دلت الدراسات على أن «لوسي» كانت قصيرة القامة لم يزد طولها على المتر إلا قليلاً، ولكنها كانت تسير على قدمين. وأن حجم دماغها صغير لم يتجاوز 500سم3 ووزنها نحو 30كغ. إن لوسي لم تعرف صنع الأدوات والأسلحة لذلك لا يمكن أن يطلق عليها اسم الإنسان، وفق الشروط التي ذكرت سابقاً. ولكن هذا الاكتشاف يعدّ دليلاً مؤكداً ومباشراً على انتصاب القامة لدى الرئيسات أسلاف الإنسان. وقد تأكد ذلك بعد العثور على بقايا طبعات أقدام لكائنات عاشت في تنزانية بإفريقية، وكانت تسير على قدمين أيضاً وبقيت آثار دعساتها محفوظة في الرماد البركاني مع مرور نحو 3.6 مليون سنة عليها.
إن الكائنات التي ينطبق عليها هذا التعريف الفيزيولوجي الحضاري قد كشفت أول مرة في إفريقية منذ مطلع القرن العشرين. إذ عثر على بقايا الإنسان، من قبل الباحثين الإنكليزيين ريموند دارت R.Dart ثم لويس ليكي L.Leakey في كثير من المواقع في جنوب إفريقية وتنزانية ومن قبل آخرين في أثيوبية، وأعطيت تلك المكتشفات تسميات مختلفة يمكن جمعها كلها، على تباينها الكبير أحياناً، تحت اسم واحد هو: الأوسترالوبيتك وهو أنواع، بعضها نحيف وبعضها الآخر سمين. ومنه تفرع نوع آخر أكثر تطوراً هو الهومو - هابيل Homo Habilis أي الإنسان الماهر، الذي عاش في بيئة شبه صحراوية غنية بنباتات وحيوانات السافانا كما هي الحال اليوم. وعثر على البقايا العظمية، أسنان وجماجم، لهذا الإنسان في طبقة جيولوجية أرخت بنحو 2.5 مليون سنة، وكانت ترافقه أدوات حجرية بدائية جداً من الأحجار القاسية والسهلة التصنيع كالصوان والكوارتز، قُدَّ جانباها أو أحد جانبيها بالطرق فصار لها حد قاطع يمكن استخدامه عند الحاجة. ومن الناحية الفيزيولوجية فإن هذا النوع قد حمل صفات بدائية، فهو قصير القامة (150سم)،
تعليق