ابن فرحون (إبراهيم بن علي -)
(730-799هـ/1329-1396م)
إبراهيم بن عليّ بن محمّد بن القاسم بن محمد بن فرحون، القاضي البرهاني أبو الوفا، ابن الإمام المحدّث نور الدين بن أبي الحسن اليعمريّ المدنيّ المالكيّ، مغربيّ الأصل، وُلد بالمدينة المنوّرة ونشأ بها، وسمع من الحافظ جمال الدين المطريّ «التحفة اللّطيفة في تاريخ المدينة الشريفة»، كما سمع من الزبير بن علي الأسواني والمحدّث أبي عبد الله الوادياشي وغيرهم، وقرأ على أبي عبد الله محمّد بن أحمد ابن علي بن جابر الهوّاريّ الأندلسيّ عجالة الراجز في علم العربيّة، من نظمه بعد كتابة نسخة منها بخطّه حين كان بالمدينة، انتهى منها في نهاية شعبان سنة ستّ وخمسين وسبعمئة، وكتب الإجازة عنه رفيقه الشيخ أبو جعفر أحمد بن يوسف بن مالك الرعينيّ، وأشاد به، ووصفه بالشيخ الفقيه الجليل النبيل الفاضل الكامل المجيد المفيد، وأنّه ممّن يستفاد من علمه، لأنّه بلغ من العلم المراد، ووصف القراءة بأنّها قراءة كشفت أسرار عجالة الراجز، واستخرجت الدرّ من بحارها، واجتنت الغضّ من أزهارها، وعرّفت بمطالع أقمارها، واستملى عليها ابن فرحون وقيّد، واقتنص ما فيها من فوائد، وشرحها وبسّطها ليسهّل فهمها لطالب العلم.
ولابن فرحون باع في النظم والنثر وله آراء في الفقّه، وبرع في المذهب المالكي، وجمع وصنّف وحدّث، وسمع منه الفضلاء، وممّن أخذ عنه الشيخ أبو الفتح المراغيّ، إذ قرأ عليه «الموطّأ» رواية يحيى بن يحيى، و«الشفاء» وسمع عليه غير ذلك «كتاريخ المدينة للجمال المغربيّ»، وبعض «إتحاف الزائر» لابن عساكر، وسمع عليه المحبّ الطبريّ، وأهم ما كتب ابن فرحون كتاب «الديباج المذهّب في أعيان علماء المذهب»، بدأه بمقدّمة تشتمل على ترجيح مذهب مالك والحجّة في وجوب تقليده، ملخصاً كلام الإمام أبي الفضل عيّاض بن موسى اليحصبيّ الوارد في مقدّمة كتابه المسمّى بـ«المدارك»، وأتبع ذلك بترجمة يسيرة للإمام مالك بن أنس والتعريف به، وأحال من أراد تقصّي المذهب إلى كتاب «شفاء الغليل» للقاضي عيّاض في «المدارك»، وقام بترتيب «الديباج» على حروف المعجم ليسهّل الكشف عن اسم العلم المطلوب، وحوى «الديباج» تراجم موجزة لأكثر من ستمئة وثلاثين علماً، منها ترجمة لوالد ابن فرحون الشهيد أبي القاسم ولأخيه القاضي أبي بكر، ولمشاهير الرواة والأعيان الناقلين للمذهب المالكي والمؤلّفين فيه، ومن تخرّج به من المشاهير ومن حفّاظ الحديث، وأضرب عن ذكر المغمورين إيثاراً للاختصار، فالإحاطة بهؤلاء متعذّرة في رأيه، فهو يترجم للنخبة، واستقصاء الجميع يخرج الكتاب عن مقصده، علماً بأنّه ذكر عدداً من المتأخرين ممّن لم يبلغ درجة الأئمّة المقتدى بهم قصداً، للتعريف بحالهم لأنهم قصدوا التأليف، فهو يقرّ بضرورة التجديد، وبأنّ لكلّ زمان علماءه ومشاهيره، فذكر بعض رواة الحديث وحفّاظه من المتأخرين المعاصرين له، لأنّهم ممن نبه ذكرهم، ولم يرتّب أسماء هؤلاء في الديباج المذهّب حسب تسلسل الأحرف الأبجديّة، بل وقع في إيرادهم تقديم وتأخير، لعلّه كان ينوي فعل ذلك، وقد اعتذر عن هذا النقص في نهاية البحث، وتداول الناس الديباج المذهّب وانتفعوا به كثيراً مع اقتصاره على شذرات قليلة من التراجم، وقد أفرد فيه للمالكيّة كتاباً مستقلاً.
وقد ذيّل بدر الدين القرافي (ت بعد سنة 975هـ) الديباج المذهّب، وسمّى هذا التذييل «توشيح الديباج وحلية الابتهاج»، ومن مؤلّفات ابن فرحون أيضاً: «تبصرة الحكّام في أصول الأقضية» وهو مجلّد كبير ذكر فيه شيئاً كثيراً من فوائد السبكي والبلقيني، وفيه مسائل غريبة، و«مناهج الأحكام» و«درَر الغوّاص في أوهام الخواص» و«طبقات علماء المغرب» و«تسهيل المهمّات في شرح جامع الأمهات» لابن الحاجب، وهو كتاب في الفقه، وله أيضاً: «إرشاد السالك إلى المناسك»، ورحل القاضي ابن فرحون إلى مصر والقدس والشام سنة 792هـ، وولي قضاء المالكيّة بالمدينة المنوّرة سنة ثلاث وتسعين وسبعمئة، ثمّ أُصيب بالفالج في شقّه الأيسر، فمات بعلّته عن عمر يناهز السبعين عاماً في المدينة المنوّرة ودفن بالبقيع.
عبد الكريم عيد الحشاش
(730-799هـ/1329-1396م)
إبراهيم بن عليّ بن محمّد بن القاسم بن محمد بن فرحون، القاضي البرهاني أبو الوفا، ابن الإمام المحدّث نور الدين بن أبي الحسن اليعمريّ المدنيّ المالكيّ، مغربيّ الأصل، وُلد بالمدينة المنوّرة ونشأ بها، وسمع من الحافظ جمال الدين المطريّ «التحفة اللّطيفة في تاريخ المدينة الشريفة»، كما سمع من الزبير بن علي الأسواني والمحدّث أبي عبد الله الوادياشي وغيرهم، وقرأ على أبي عبد الله محمّد بن أحمد ابن علي بن جابر الهوّاريّ الأندلسيّ عجالة الراجز في علم العربيّة، من نظمه بعد كتابة نسخة منها بخطّه حين كان بالمدينة، انتهى منها في نهاية شعبان سنة ستّ وخمسين وسبعمئة، وكتب الإجازة عنه رفيقه الشيخ أبو جعفر أحمد بن يوسف بن مالك الرعينيّ، وأشاد به، ووصفه بالشيخ الفقيه الجليل النبيل الفاضل الكامل المجيد المفيد، وأنّه ممّن يستفاد من علمه، لأنّه بلغ من العلم المراد، ووصف القراءة بأنّها قراءة كشفت أسرار عجالة الراجز، واستخرجت الدرّ من بحارها، واجتنت الغضّ من أزهارها، وعرّفت بمطالع أقمارها، واستملى عليها ابن فرحون وقيّد، واقتنص ما فيها من فوائد، وشرحها وبسّطها ليسهّل فهمها لطالب العلم.
ولابن فرحون باع في النظم والنثر وله آراء في الفقّه، وبرع في المذهب المالكي، وجمع وصنّف وحدّث، وسمع منه الفضلاء، وممّن أخذ عنه الشيخ أبو الفتح المراغيّ، إذ قرأ عليه «الموطّأ» رواية يحيى بن يحيى، و«الشفاء» وسمع عليه غير ذلك «كتاريخ المدينة للجمال المغربيّ»، وبعض «إتحاف الزائر» لابن عساكر، وسمع عليه المحبّ الطبريّ، وأهم ما كتب ابن فرحون كتاب «الديباج المذهّب في أعيان علماء المذهب»، بدأه بمقدّمة تشتمل على ترجيح مذهب مالك والحجّة في وجوب تقليده، ملخصاً كلام الإمام أبي الفضل عيّاض بن موسى اليحصبيّ الوارد في مقدّمة كتابه المسمّى بـ«المدارك»، وأتبع ذلك بترجمة يسيرة للإمام مالك بن أنس والتعريف به، وأحال من أراد تقصّي المذهب إلى كتاب «شفاء الغليل» للقاضي عيّاض في «المدارك»، وقام بترتيب «الديباج» على حروف المعجم ليسهّل الكشف عن اسم العلم المطلوب، وحوى «الديباج» تراجم موجزة لأكثر من ستمئة وثلاثين علماً، منها ترجمة لوالد ابن فرحون الشهيد أبي القاسم ولأخيه القاضي أبي بكر، ولمشاهير الرواة والأعيان الناقلين للمذهب المالكي والمؤلّفين فيه، ومن تخرّج به من المشاهير ومن حفّاظ الحديث، وأضرب عن ذكر المغمورين إيثاراً للاختصار، فالإحاطة بهؤلاء متعذّرة في رأيه، فهو يترجم للنخبة، واستقصاء الجميع يخرج الكتاب عن مقصده، علماً بأنّه ذكر عدداً من المتأخرين ممّن لم يبلغ درجة الأئمّة المقتدى بهم قصداً، للتعريف بحالهم لأنهم قصدوا التأليف، فهو يقرّ بضرورة التجديد، وبأنّ لكلّ زمان علماءه ومشاهيره، فذكر بعض رواة الحديث وحفّاظه من المتأخرين المعاصرين له، لأنّهم ممن نبه ذكرهم، ولم يرتّب أسماء هؤلاء في الديباج المذهّب حسب تسلسل الأحرف الأبجديّة، بل وقع في إيرادهم تقديم وتأخير، لعلّه كان ينوي فعل ذلك، وقد اعتذر عن هذا النقص في نهاية البحث، وتداول الناس الديباج المذهّب وانتفعوا به كثيراً مع اقتصاره على شذرات قليلة من التراجم، وقد أفرد فيه للمالكيّة كتاباً مستقلاً.
وقد ذيّل بدر الدين القرافي (ت بعد سنة 975هـ) الديباج المذهّب، وسمّى هذا التذييل «توشيح الديباج وحلية الابتهاج»، ومن مؤلّفات ابن فرحون أيضاً: «تبصرة الحكّام في أصول الأقضية» وهو مجلّد كبير ذكر فيه شيئاً كثيراً من فوائد السبكي والبلقيني، وفيه مسائل غريبة، و«مناهج الأحكام» و«درَر الغوّاص في أوهام الخواص» و«طبقات علماء المغرب» و«تسهيل المهمّات في شرح جامع الأمهات» لابن الحاجب، وهو كتاب في الفقه، وله أيضاً: «إرشاد السالك إلى المناسك»، ورحل القاضي ابن فرحون إلى مصر والقدس والشام سنة 792هـ، وولي قضاء المالكيّة بالمدينة المنوّرة سنة ثلاث وتسعين وسبعمئة، ثمّ أُصيب بالفالج في شقّه الأيسر، فمات بعلّته عن عمر يناهز السبعين عاماً في المدينة المنوّرة ودفن بالبقيع.
عبد الكريم عيد الحشاش