الفلسفة في العصر الوسيط medieval philosophy تمازج فلسفي ديني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفلسفة في العصر الوسيط medieval philosophy تمازج فلسفي ديني

    الفلسفة في العصر الوسيط

    الفلسفة في العصر الوسيط medieval philosophy تمازج فلسفي ديني ناتج من اتصال التقاليد الدينية الحية بالفلسفة اليونانية اتصالاً تاماً، أسهم في تكوينه المسلمون واليهود والمسيحيون على السواء، وكان الأساس الفلسفي الرئيسي في بلورته هو النصوص الأرسطية يصحبها تيار غامض من الأفلاطونية الجديدة أثّرت في تفسير أرسطو[ر]، واستطاعت أحياناً التعبير عن نفسها بطريقة مستقلة. وقد واجهت الأديان الثلاثة جميعاً الاختيار بين أولوية الدين، وأولوية الفلسفة، وإمكانية وضع مركب منسجم منهما.
    اتصل المسلمون بالفلسفة اليونانية حين امتدت فتوحاتهم إلى آسيا الصغرى متجهة صوب أبواب القسطنطينية. وقد نجح ابن سينا[ر] في الوصول إلى مزيج منسجم يرضيه بين القرآن وبين نمط أفلاطوني جديد لنظرية صدور الأشياء جميعاً عن الله، أي الفيض[ر]، مصوغة بمصطلحات أرسطية. ويعد ابن رشد[ر] شارح أرسطو بلا منازع في العصور الوسطى، بيد أن تأكيده نظرية قِدَمَ المادة وإنكاره الخلود الفردي كان خروجاً على أصول الدين الإسلامي. وعقب وفاته، وضع رد الفعل اللاهوتي الذي مهد له الصوفي الغزالي[ر] حداً للمرحلة الحاسمة في الفلسفة العربية والإسلامية[ر].
    وخضع المفكرون اليهود في إسبانيا لمؤثرات فلسفية مماثلة، إذ تأثر سليمان بن جبرول مؤلف كتاب «ينبوع الحياة» بالروح الأفلاطونية الجديدة إلى حد كبير. وكتب موسى بن ميمون[ر] Maimonides «دلالة الحائرين» الذي يعد أفضل تطوير للفلسفة الأرسطية ينسجم مع التوحيد اليهودي، وكان له تأثير سلبي ملحوظ على القديس الأكويني[ر] St.Aquinas، فأحدث ردة فعل لاهوتية قضت على النظر الفلسفي اليهودي في العصر الوسيط.
    أما الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط فهي فلسفة المجتمع الإقطاعي في أوربا الغربية التي امتدت من سقوط الامبراطورية الرومانية (القرن 5) حتى ظهور الأشكال الأولى للمجتمع الرأسمالي (القرنين 14و15). وقد صاحب انهيار المجتمع العبودي القديم تدهور في الفلسفة. إذ ضاع التراث الفلسفي القديم، ولم يعرفه المدرسيون (السكولائيون) scholastics في أوربا الغربية حتى النصف الثاني من القرن الثامن عشر.
    وتعرف الفلسفة الأوربية اللاتينية في العصر الوسيط باسم الفلسفة المدرسية Scholasticism، أي التي كانت تعلّم في المدارس، وموضوعها لاهوتي، غير مرتبط بزمان أو مكان، أو بأي من المذاهب الفلسفية أو بالأديان. فهي تعبير عن موقف فلسفي لاهوتي أساساً، سواء عند مسيحيي الغرب أو عند العرب المسلمين أو اليهود، هدفها التوفيق بين الدين والفلسفة أو بين العقل والوحي، مع غلبة الطابع الإيماني عليها. فقد اتخذت من السلطة الدينية معياراً للحقيقة، ومنحت حقائق الدين أولوية مطلقة، فجعلت الفلسفة خادمة للدين. وقد اعتمدت الفلسفة المدرسية على أفكار الفلسفة اليونانية[ر] أفلاطون وأرسطو، إضافة إلى اعتمادها المطلق على نصوص الكتاب المقدس[ر] وتأويله بغرض التوفيق بينهما من أجل أغراضها الخاصة.
    ومن أشهر أساتذة العصر الوسيط القديس أوغسطين[ر] Augustine مؤسس الأفلاطونية المسيحية، ومثقف العصر الوسيط بمؤلفاته الزاخـرة بالأدب والفلسفة واللاهوت؛ وديونيسيوس[ر] المنتحل Dionysius الأسقف السوري الذي كـتب باليونانية، فكانت مؤلفاتـه مـرجـعاً للإلهيات والتصوف؛ وبويثيوس Boethius نحـو (480-524) الفيلسوف الإيطالي الذي جعل مصادر الفلسفة اليونانية في متناول العالم الغربي بفضل ترجمته وشرحه بعضَ التصانيف الأساسية في الفلسفة والمنطق الأرسطي، وكذلك كتاب «إيساغوجي» Isagogé لفورفوريوس[ر] Porphyry of Tyre وغيرها. وهذه كانت من أهم العوامل في تحول الفكر من الأفلاطونية إلى الأرسطية، فقد أدى تدريس المنطق الأرسطي تحت اسم الجدل، وملاحظات فورفوريوس في «إيساغوجي» إلى توجيه الأنظار إلى مسألة علاقة المعاني الكلية بالواقع.
    وتنقسم الفلسفة المدرسية تاريخياً إلى ثلاث فترات: الفترة المبكرة وتمتد من القرن التاسع إلى القرن الحادي عشر، وكانت تحت تأثير الأفلاطونية الجديدة (أريجينا وأنسلم وابن سينا وابن رشد وابن ميمون)؛ والفترة الكلاسيكية وتمتد من القرن الثاني عشر وحتى القرن الرابع عشر، وكانت تسودها الأرسطية المسيحية (ألبرت الكبير وتوما الأكويني)؛ والفترة المتأخرة التي تمتد من القرن الخامس عشر إلى السادس عشر، وقد هيمنت عليها المنازعات بين اللاهوتيين الكاثوليكيين (سواريز Francisco Suarez وكاجيتان Cajetan) والبروتستنتيين (ميلانختون Melanchthon)، والتي أظهرت الصراع الذي شنته الكنيسة الكاثوليكية[ر] ضد حركة الإصلاح الديني[ر].
    وكان الدين الأيديولوجية السائدة ـ الكاثوليكية الرومانية والأرثوذكسية اليونانية ـ وهيمنت الكنيسة بمعتقداتها الجامدة حول الطبيعة والعالم والإنسان على مجال التعليم، وأدى تطور المدارس العلمانية والدينية وقيام أولى الجامعات في منتصف القرن الثاني عشر (في إيطاليا وإنكلترا وفرنسا) إلى دفع الفلاسفة ووضع تفسيرات فلسفية للمعتقدات الدينية السائدة. وهكذا بقيت الفلسفة خادمة للاهوت قروناً عدة، وهذا هو الدور الذي قامت به على أيدي اللاهوتيين المدافعين عن المسيحية ضد الكفار. فكان أهم أعلام الفترة المبكرة - في القرن التاسع - جون سكوت أريجينا[ر] John Scotus Erigena، الذي أدى دوراً بارزاً بمذهبه الأوغسطيني (الأفلاطوني الجديد) في صياغة فلسفة العصر الوسيط، ونادى بمقولة «الفلسفة الحقة هي الدين الحق».
    ثم حدثت بعض الاضطرابات، عطلت الحركة الفكرية في القرن العاشر، استؤنف بعدها النشاط العقلي في القرن التالي، فنبغ جدليون ولاهوتيون كان أبرزهم القديس أنسلم[ر]St. Anselm، الذي دعا إلى تعقل العقائد والبحث في موجباتها، فوضع مؤلفه الشهير «بروسلوجيوم» Proslogium ومقولته «الإيمان الساعي نحو الفهم»، وذلك اقتداءً بقول أشعيا «إن لم تؤمنوا فلن تفهموا» (9:7)، وابتكر فيه الدليل الأنطولوجي لإثبات وجود الله.
    وعندما استقرت الحياة الاجتماعية، في القرن الثاني عشر، وازدهرت الصناعة والتجارة، ونشطت الفنون بأنواعها، ولاسيما فن بناء الكاتدرائيات، قامت رهبنات جديدة زادت في عدد المدارس إلى حد كبير، وخاصة في فرنسا كمدرسة «شارتر»، التي ناشدت الحركة الأدبية والحركة العلمية، فظهرت الموسوعات اللاهوتية الكبرى إضافة إلى سلسلة من المصنفات ذات طابع عملي وقانوني، ضمت مختلف الأحكام المتعلقة بالحياة المسيحية، عالجت القوانين الكنسية، البراءات والفتاوى البابوية، كان أشهرها تلك التي وضعها بطرس اللومباردي Peter Lombard (المتوفى سنة 1164)، الملقب بأستاذ الأحكام، وصارت أساساً لكل التعاليم اللاهوتية، كما ظهر لاهوتيون أفادوا من دراسة العلوم اليونانية واللاتينية، فترجموا كتب اليونان والمسلمين من فلـسفة وعـلوم، من العربية إلى اللاتينية، ككتب الكندي[ر] والفارابي[ر] وابن سينا، كما ترجمت كتب أرسطو الرئيسية إلى اللاتينية، الكتب التي أثارت فتنة شعواء بسبب ما تضمنته من قضايا مخالفة للدين. وقابلتها الكنيسة في بادئ الأمر بالعداء، وصدرت إدانتها وتحريمها. بيد أن بعض المفكرين تشبث بآراء أرسطو على الرغم من التحريم الكنسي عام 1277، واعترفت الكنيسة فيما بعد بالنظريات الأرسطية أساساً فلسفياً مسيحياً، وغدت مفاهيم أرسطو وفلسفته مصدراً رئيسياً للفكر الوسيط، وأصبح المدرسيون شرّاحاً لأرسطو ويدافعون عنه، ولاءَموا الأفكار الأرسطية مع مفاهيمهم الدينية والفلسفية، وحولوا الجوانب البالية من مذهبه إلى عقائد قطعية كالنظرية القائلة إن الأرض مركز الكون، ومبادئ الطبيعة الأرسطية، ورفضوا كل بحث عن الجديد في العلم.
    وتأسس النظامان الدومينيكاني (المذهب الأكويني الأرسطي المسيحي) والفرنسيسكاني (المذهب الأوغسطيني الأفلاطوني) في أوائل القرن الثاني عشر لمحاربة الهرطقات والنزعات المناهضة للكنيسة والأفكار الفلسفية الجديدة «الكاتاريين» (فرقة مانوية) و«الفالديين» (طائفة مسيحية إنجيلية). فعارض بيير أبيلار Pierre Abélard صاحب الذهن التأملي الوقاد، النزعة المتطرفة لدى هراطقة الجدل، كما قام المدرسيون اللاهوتيون المنتمون إلى هذين النظامين بتصحيح تعاليم أرسطو كي تلائم العقيدة المسيحية الكاثوليكية نزولاً عند رغبة البابا غريغوري التاسع، ثم ظهرت الجامعات في باريس وأكسفورد.
    ويعدُّ القرن الثالث عشر العصر الذهبي لاكتمال فلسفة العصر الوسيط بوصفه فترة استيعاب نقدي لفكر أرسطو، إذ استخدم اللاهوتيون الأوغسطينيون، والأشد رجعية، المعرفة الأرسطية والمنهج الأرسطي الجديدين، مع إخضاعهما في الوقت نفسه إخضاعاً صارماً لتقليد اللاهوت المسيحي، فبرز آنذاك المدافعون الرئيسيون عن النزعة المدرسية أمثال بونافنتورا[ر] Bonaventura، ثم ألبرت الكبير Albert the Great الذي وقف نفسه للعلم الجديد، ووضع تلميذه الأكويني تركيب العصر الوسيط الذي ألف فيه بين الأرسطية واللاهوت المسيحي، وخلفه في الجيل التالي جون دنس سكوت[ر] Duns Scotus. هذا وقد رسَّمت الكنيسة الأكويني قديساً وأعلنت تعاليمه مذهباً فلسفياً رسمياً لها في النصف الثاني من القرن الثالث عشر.
    وظهرت في الوقت نفسه حركة قوية مناهضة للمدرسية مثلّها في جامعة باريس أتباع أرسطو الأشد تطرفاً، وهم الرشديون اللاتينيون الذين أخذوا بتأويلات ابن رشد، وتزعمهم سيجر البرابانتي[ر] Siger of Brabant، ووصلوا إلى نتائج فلسفية مناهضة للدين.
    ومع تطور الدين في القرن الثالث عشر، وتطور المدن والحرف والتجارة والطرق التجارية والاتصالات مع الشرق التي أقامها الصليبيون، نهضت الفلسفة، فتعين على فلاسفة العصر الوسيط أن يتعرضوا لمشكلة الكليات، فظهرت النزعة الواقعية والمذهب الاسمي، وكان النزاع حول الكليات بارزاً في الفلسفة الاسمية التي كان من أبرز ممثليها - في الفترة المتأخرة من القرن الرابع عشر - وليام الأوكامي[ر] William of Ockhamوأتباعه من المدرسة الأوكامية الباريسية، فقد استطاع بمذهبه الاسمي أن يصل بالفلسفة إلى نقطة للبداية ذات طابع تجريبي منطقي.
    ومع إطلالـة القرن الخامس عشر بدأ يظهر تيار جـديد يسعى مفكروه إلى إحياء الآداب اليونانية والرومانية القديمة، فظهر المذهب الإنساني في عصر النهضة[ر]، ثم توالت المحاولات حتى القرن التاسع عشر الذي شهد فترة إحياء كبيرة للفلسفة المدرسية، وحدت بين المدارس المختلفة للفلسفة الكاثوليكية، فظهرت الفلسفة التوماوية الجديدة والمدرسة الأوغسطينية الأفلاطونية والمدرسة الفرنسيسكانية وغيرها.
    سوسن بيطار
يعمل...
X