الفاسي (عبد الحفيظ بن الحسن بن محمد -)
(1280-1356هـ/1863-1937م)
السلطان أبو السخاء عبد الحفيظ ابن الحسن بن محمد الحسني العلوي، من سلاطين الدولة العلوية في المغرب، كان فقيهاً أديباً عمل على قيام نهضة علمية كبيرة، وإن لم يسعفه عهده القصير بإكمالها، وقد ألّف عدداً من الكتب، وموّل طباعة كتبٍ كثيرةٍ في مطابع المغرب، بل في مطابع مصر أيضاً، كما وصل العلماء بصلاتٍ سخيّةٍ، وقرّر لهم الأعطيات، وعمل على تجميل عمران المدن في بلاده، إذ أمر بتأسيس المتنزهات الأنيقة فيها، كما بنى المساجد الجميلة الواسعة، وهذا السلطان هو أول من أسس الجيش على النظام الأوربي المعاصر لوقته، وهو أول من اكتفى بلبس القلنسوة «بدون عمامة» عند جلوسه على العرش لسماع المظالم، وهو آخر من أقام الحد الشرعي وغير ذلك.
ولد بفاس، ونشأ في قبيلة بني عامر(في الجنوب الغربي من مراكش)، وحين توفي والده السلطان حسن سنة 1894م، خلفه على العرش ولده عبد العزيز، وكان فتىً صغيراً لا دراية له بالحكم، لذا استبدّ بالحكم الوزير الأكبر أبو أحمد، وأدى استبداده إلى قيام ثورةٍ داخلية ضدّه، وقد غذّى الفرنسيون هذه الثورة ودعموها لرغبات وغايات كانت في نفوسهم وهي احتلال المغرب.
وقد انتصرت القوات الثائرة على جيوش السلطان عبد العزيز في مواقع كثيرة، ونادت بشقيقه عبد الحفيظ سلطاناً على البلاد، الذي كان عاملاً على مراكش منتدباً من قبل أخيه.
وهكذا انقسمت الدولة بين عبد العزيز في فاس، وأخيه عبد الحفيظ في مراكش، ولجأ عبد العزيز إلى الألمان طالباً نصرتهم، ولجأ عبد الحفيظ إلى الفرنسيين طالباً دعمهم، وقام بخلع عبد العزيز في فاس، وقاد الجيوش ضدّه وانتصر عليه وذلك سنة 1908م.
كان عبد الحفيظ من رجال الإصلاح، فأعطيت حركته صفة الإنقاذ والتحرير، وبايعه ممثلو الشعب على أساس تحرير مدينتي طنجة والدار البيضاء، وكانتا محتلتين من قبل القوات الفرنسية.
وما كاد السلطان عبد الحفيظ يتربّع على العرش حتى شرع في تنفيذ برنامجه الإصلاحي، فألّف لجنةً لوضع دستورٍ للبلاد، نُشر بالصحف مباشرةً بعد تأليفه، ولكن النجاح لم يكتب لمشروع عبد الحفيظ الإصلاحي، لأنه لم يُمنح الوقت الكافي لتنفيذه، إذ فوجئ بتحرّك بعض القبائل ضدّه، وتقدّمت بقواتها لمحاصرته في عاصمته فاس، كما قام أخٌ ثانٍ له هو المولى زين بثورةٍ ضدّه في مكناس، وكان كل ذلك يتم بتحريكٍ من فرنسا في الخفاء، وذلك لإجباره على طلب العون منها، وهذا ما حصل، ونتيجة للضغوط التي مورست عليه داخلياً وخارجياً، والتي دفعته إلى طلب العون من الحكومة الفرنسية التي كان يرغب من أعماقه في التخلص منها ومن تدخلاتها، وكانت فرنسا تنتظر ذلك الطلب بفارغ الصبر، فقامت من فورها بتلبية طلبه وأرسلت جيوشها لمساعدة عبد الحفيظ، والذي كان قبل ثلاث سنوات فقط رمزاً للتحرر القومي.
دخلت القوات الفرنسية المغرب، وقضت على مقاومة القبائل التي كانت تحاصر فاس، كما قضت على حركة المولى زين في مكناس، وبعد ذلك أجبرت عبد الحفيظ على توقيع معاهدة «30 مارس/آذار 1912م» التي عُرفت بمعاهدة «الحماية»، والتي أعلنت فرنسا بموجبها حمايتها للمغرب.
وقد حاول السلطان عبد الحفيظ وضع العقبات أمام بنود المعاهدة وعدم تنفيذها لمعاداته الشديدة لها، والتي أقدم على توقيعها على كرهٍ منه، ولكن فرنسا استمرت بضغوطها عليه ولم تمهله لفعل أيّ شيء ٍيريده، وقد أدت الضغوط تلك، وما جـرى بينه وبين المقيم الفـرنسي من مناقشات ومجادلات، إلى تخلّيه عن العرش في 13 آب/أغسطس من السنة نفسها التي وقعت فيها الاتفاقية، فقد أعلن استقالته وولّي أخوه يوسف الحكم، ورحل على طرّاد فرنسي إلى مرسيليا، ومنها ذهب إلى فيشي ثم فرساي، ومنها عاد إلى طنجة والتي رحل منها إلى الحجاز للحج إلى بيت الله الحرام وذلك سنة 1913م.
ولما نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م، رحل إلى إسبانيا واستقرّ فيها إلى عام 1925، ثم غادرها متوجهاً إلى فرنسا فقبلته لاجئاً سياسياً على أن يبتعد عن أي عمل سياسي، وعاش فيها إلى أن وافته المنية، فنقل جثمانه إلى فاس حيث دفن باحتفال تكريمي مهيب.
من مؤلفاته: «منظومة في الحديث»، و«الجواهر اللوامع في نظم جمع الجوامع»، وهو في الأصول، و«ياقوتة الحكام في مسائل القضاء والأحكام»، و«العذب السلسبيل في حل ألفاظ خليل» وهو فقه المالكية، و«كشف القناع عن اعتقاد طوائف الابتداع» وهو في الرد على بعض المتصوّفة، و«نيل النجاح والفلاح في علم ما به القرآن لاح»، وله غير ذلك أيضاً.
عبدو محمد
(1280-1356هـ/1863-1937م)
السلطان أبو السخاء عبد الحفيظ ابن الحسن بن محمد الحسني العلوي، من سلاطين الدولة العلوية في المغرب، كان فقيهاً أديباً عمل على قيام نهضة علمية كبيرة، وإن لم يسعفه عهده القصير بإكمالها، وقد ألّف عدداً من الكتب، وموّل طباعة كتبٍ كثيرةٍ في مطابع المغرب، بل في مطابع مصر أيضاً، كما وصل العلماء بصلاتٍ سخيّةٍ، وقرّر لهم الأعطيات، وعمل على تجميل عمران المدن في بلاده، إذ أمر بتأسيس المتنزهات الأنيقة فيها، كما بنى المساجد الجميلة الواسعة، وهذا السلطان هو أول من أسس الجيش على النظام الأوربي المعاصر لوقته، وهو أول من اكتفى بلبس القلنسوة «بدون عمامة» عند جلوسه على العرش لسماع المظالم، وهو آخر من أقام الحد الشرعي وغير ذلك.
ولد بفاس، ونشأ في قبيلة بني عامر(في الجنوب الغربي من مراكش)، وحين توفي والده السلطان حسن سنة 1894م، خلفه على العرش ولده عبد العزيز، وكان فتىً صغيراً لا دراية له بالحكم، لذا استبدّ بالحكم الوزير الأكبر أبو أحمد، وأدى استبداده إلى قيام ثورةٍ داخلية ضدّه، وقد غذّى الفرنسيون هذه الثورة ودعموها لرغبات وغايات كانت في نفوسهم وهي احتلال المغرب.
وقد انتصرت القوات الثائرة على جيوش السلطان عبد العزيز في مواقع كثيرة، ونادت بشقيقه عبد الحفيظ سلطاناً على البلاد، الذي كان عاملاً على مراكش منتدباً من قبل أخيه.
وهكذا انقسمت الدولة بين عبد العزيز في فاس، وأخيه عبد الحفيظ في مراكش، ولجأ عبد العزيز إلى الألمان طالباً نصرتهم، ولجأ عبد الحفيظ إلى الفرنسيين طالباً دعمهم، وقام بخلع عبد العزيز في فاس، وقاد الجيوش ضدّه وانتصر عليه وذلك سنة 1908م.
كان عبد الحفيظ من رجال الإصلاح، فأعطيت حركته صفة الإنقاذ والتحرير، وبايعه ممثلو الشعب على أساس تحرير مدينتي طنجة والدار البيضاء، وكانتا محتلتين من قبل القوات الفرنسية.
وما كاد السلطان عبد الحفيظ يتربّع على العرش حتى شرع في تنفيذ برنامجه الإصلاحي، فألّف لجنةً لوضع دستورٍ للبلاد، نُشر بالصحف مباشرةً بعد تأليفه، ولكن النجاح لم يكتب لمشروع عبد الحفيظ الإصلاحي، لأنه لم يُمنح الوقت الكافي لتنفيذه، إذ فوجئ بتحرّك بعض القبائل ضدّه، وتقدّمت بقواتها لمحاصرته في عاصمته فاس، كما قام أخٌ ثانٍ له هو المولى زين بثورةٍ ضدّه في مكناس، وكان كل ذلك يتم بتحريكٍ من فرنسا في الخفاء، وذلك لإجباره على طلب العون منها، وهذا ما حصل، ونتيجة للضغوط التي مورست عليه داخلياً وخارجياً، والتي دفعته إلى طلب العون من الحكومة الفرنسية التي كان يرغب من أعماقه في التخلص منها ومن تدخلاتها، وكانت فرنسا تنتظر ذلك الطلب بفارغ الصبر، فقامت من فورها بتلبية طلبه وأرسلت جيوشها لمساعدة عبد الحفيظ، والذي كان قبل ثلاث سنوات فقط رمزاً للتحرر القومي.
دخلت القوات الفرنسية المغرب، وقضت على مقاومة القبائل التي كانت تحاصر فاس، كما قضت على حركة المولى زين في مكناس، وبعد ذلك أجبرت عبد الحفيظ على توقيع معاهدة «30 مارس/آذار 1912م» التي عُرفت بمعاهدة «الحماية»، والتي أعلنت فرنسا بموجبها حمايتها للمغرب.
وقد حاول السلطان عبد الحفيظ وضع العقبات أمام بنود المعاهدة وعدم تنفيذها لمعاداته الشديدة لها، والتي أقدم على توقيعها على كرهٍ منه، ولكن فرنسا استمرت بضغوطها عليه ولم تمهله لفعل أيّ شيء ٍيريده، وقد أدت الضغوط تلك، وما جـرى بينه وبين المقيم الفـرنسي من مناقشات ومجادلات، إلى تخلّيه عن العرش في 13 آب/أغسطس من السنة نفسها التي وقعت فيها الاتفاقية، فقد أعلن استقالته وولّي أخوه يوسف الحكم، ورحل على طرّاد فرنسي إلى مرسيليا، ومنها ذهب إلى فيشي ثم فرساي، ومنها عاد إلى طنجة والتي رحل منها إلى الحجاز للحج إلى بيت الله الحرام وذلك سنة 1913م.
ولما نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م، رحل إلى إسبانيا واستقرّ فيها إلى عام 1925، ثم غادرها متوجهاً إلى فرنسا فقبلته لاجئاً سياسياً على أن يبتعد عن أي عمل سياسي، وعاش فيها إلى أن وافته المنية، فنقل جثمانه إلى فاس حيث دفن باحتفال تكريمي مهيب.
من مؤلفاته: «منظومة في الحديث»، و«الجواهر اللوامع في نظم جمع الجوامع»، وهو في الأصول، و«ياقوتة الحكام في مسائل القضاء والأحكام»، و«العذب السلسبيل في حل ألفاظ خليل» وهو فقه المالكية، و«كشف القناع عن اعتقاد طوائف الابتداع» وهو في الرد على بعض المتصوّفة، و«نيل النجاح والفلاح في علم ما به القرآن لاح»، وله غير ذلك أيضاً.
عبدو محمد