الفصل الأول
أ - تربية الإبداع
في خطاب وجهه ( غيلفورد) عام ١٩٥٨ الى جماعة الفن الباسيفيكية قال ان التقدير المتزايد للحاجة الى رفع مستوى الإنجاز الإبداعي بين الناس قد قاد الى محاولات تربوية كثيرة . ولا شك في ان الكثيرين من المعلمين قد شعروا بأنه لا بد من فعل شيء بهذا الخصوص . وأنتم بوصفكم معلمي فنون فإنكم تحتلون مكاناً فريداً بالنسبة لهذا الأمر وقد تشعرون بأن عليكم مسؤولية تتجاوز مجرد المساهمة في تربية الفنانين المبدعين . هذا ويتفرد موضوع الفن - من بين الموضوعات المدرسية الأخرى - بأن الطلاب لا يتمتعون بشيء من حرية الإبداع فحسب بل انه يتوقع منهم أن يكونوا مبدعين. وللذين يتمتعون بمسؤولية تعليم الفنون سؤال مزدوج : أولاً : هل يمكن تنمية عادات الإبداع من خلال دروس الفن . وثانياً : هل من الممكن جعل مثل هذه العادات قابلة للانتقال بحيث تصبح فعالة ومؤثرة في الميادين العقلية الأخرى .
ويعترف غيلفورد بأنه ليس على علم بما أجري بخصوص تنمية الإبداع في دروس الفن . ولكنه يسترعي الانتباه الى ما يجري خارج مجال الفن وفي ميادين العلوم والمعارف المختلفة ويقول : ان عدد البحوث قد زاد زيادة كبيرة جداً وان ثمة قرابة ألفي درس من دروس الإبــداع كانت تعطى في مختلف أنحاء الولايات المتحدة في ذلك الحين ( عام ١٩٥٨ ) . وذلك في الجامعات والمصانع والوكالات الحكومية . ولقد كانت هذه الدروس تتألف من محاضرات عن طبيعة الإبداع وتدريبات عن التفكير المبدع وحل المشكلات .
ولقد كان من الطرق التي اتبعت جلسات ( إمطار الدماغ ) التي سبق ذكرها والتي صممها (ألكس أوزبورن Osborn ) ، وذلك لتوليد أفكار جديدة تستعمل بصورة خاصة في الإعلام وتتلخص هذه الطريقة - نموذجياً - مجمع فريق صغير من الأفراد لغرض التفكير وإيجاد أفكار جديدة لمواجهة حاجة ما يعلن عنها مسبقاً. ويكون الجو عادة غير نقدي ومتسامح تماماً بحيث يذكر أي شيء يخطر بالبال ، ومن المنتظر أن تثير ملاحظات شخص ما افكار الآخرين بحيث ينتج عن ذلك نتاج أعظم وأغزر مما لو عمد الأفراد أنفسهم الى التفكير انفرادياً . ويجب الاعتراف بأنه لم تجر تجارب دقيقة ومفصلة على أهمية هذه الطريقة ولكن الانطباعات عنها تشير الى أنها تزيد من انتاج الأفكار وتدرب المشتركين على عادات التفكير المفيدة .
ولكن الأفضل من الدروس الخاصة بالتفكير المبدع والطرائق الخاصة التي تتبع فيه هو الاهتمام المتزايد بالابداع والانتباه العارض اليه في المواضيع وهناك العديد من ميادين التعليم التي تتاح فيها الفرص لدفع الطالب الى تمارين التفكير المبدع . وتشتمل هذه الميادين على العلوم والعلوم الانسانية والدراسات الاجتماعية والفنون بطبيعة الحال . وطبيعي ان بعض الميادين تتيح الفرصة للتفكير المبدع أكثر من سواها ، ولكن في جميعها تتوقف الفرص بصورة أساسية على كيفية تعليم الموضوع وعلى المواقف التي يتخذها المعلم . ان فهم طبيعة الانجاز المبدع على ضوء القدرات وغيرها من الصفات التي تساهم فيه تعين عوناً كبيراً على اختيار مواد التعليم وطريقة تقديم هذه المواد وتكوين المواقف المناسبة عند التلميذ .
ونستطيع القول بأن تنمية الإبداع عند الطلاب تتوقف في معظمها على المواقف المتغيرة لكل من المعلم والطالب . ان الاحترام الشديد للكتاب المقرر واستهداف الطالب حفظ هذا الكتاب لكي ينجح في الامتحان الذي يحرص على مثل هذه المعلومات ينتج عنه ان الطالب يعرف ما قال العالم الفلاني عن الموضوع الفلاني ولكن يصبح قليل الاستعداد والقدرة على معالجة المشكلات الجديدة ، لا سيما إذا كان الكتاب يقصر عن ذلك . ولسنا نريد بالطبع التقليل من أهمية المعلومات . ان الحصول على المعلومات ليس مضراً بحد ذاته في الإبداع وذلك على اعتبار ان الاختراع يتوقف على المعلومات السابقة ولكن الموقف المتخذ قبل المعلومات هو الذي كثيراً ما يعيق التفكير المبدع .
ومثل هذا يمكن أن يقال عن الطرائق . قد يكون لدى الطالب مبالغة في احترام قداسة الطرائق . وكم من طلابنا يعاقبون لأنهم يخرجون على الطرائق المتبعة التقليدية ؟ وكم منهم يكافأون لالتزامهم بالطرائق المألوفة . إن من واجب المعلم أن يشجع الأصالة عند طلابه وأن لا يقسرهم على طرائق الكتاب .
ثم كم من العوائق تقام ضد الجهد الإبداعي عند الطالب المتوسط ؟
اننا حين نقنع الطالب بأنه عاجز عن الإبداع يصبح بالضرورة كذلك وهناك فيما يبدو رأي شائع يرى ان الإنجاز المبدع وقف على فئة قليلة وهبها الله اياها ، ولذلك فإذا صنف المعلم الطالب أو صنف الطالب نفسه في فئة غير المبدعين فإنه في الأعم الأغلب سيتقبل قدره ولا يبذل أي جهد من أجل الإبداع. ولكن الحقيقة العلمية التي توصلت اليها البحوث الحديثة ترى ان الأشخاص المبدعين المتميزين يملكون بدرجة عالية نفس القدرات التي نملكها جميعنا الى حد ما. إن الايمان بهذه الحقيقة جدير بأن يدفع الكثيرين الى محاولة الإبداع وعدم الخشية منه والثقة بأنفسهم ثقة نؤكد انها ستكون مثمرة .
والسؤال الذي نود طرحه ها هنا هو : مع التأكيد بأن تعليم الفنون يقدم فرصاً عديدة لتعليم عادات الإبداع ، فهل نستطيع تنمية مثل هذه العادات المتعلمة في ميدان الفنون بحيث تؤثر على الإنجاز الإبداعي في الميادين الأخرى وفي الحياة بعامة ؟ لا شك في ان هذا السؤال على صلة بمسألة انتقال التدريب المعروفة في علم النفس التربوي . وكلكم يعلم ان علماء النفس في مطلع هذا القرن وقفوا ضد فكرة الانتقال وقالوا بأن التعلم متخصص، ولكن غيلفورد يرى ان الأوان قد آن للتخلص من هذه النظرة المبالغ فيها وهو يرى ان التعلم قابل للتعميم أكثر مما حسب بعض العلماء . نعم ان هناك حدوداً لانتقال التدريب ولكن ثمة انتقالاً كثيراً يحدث .
ويرى غيلفورد ان ثمة دلائل كثيرة على مقدار الانتقال ونوعه يتوقفان بصورة كبرى على طريقة وأسلوب التعلم ، وكذلك على تشابه المهام التي يحدث بينها الانتقال . ولو كان التشابه بين المهام هو الأساس الوحيد للانتقال فإن تعلم عادات الإبداع ومهاراته في الفن لن ينتقل الى الميادين الأخرى كالعلوم مثلاً . ولذلك من عمل المعلم أن يصل بين الفن وغيره من الميادين .
وانه لمن سوء الحظ أن يكون الانسان العادي في وقتنا الحاضر مصراً على ان الفن أمر مختلف عن سواه وانه ميدان منعزل والحق ان الفن أن ينظر اليه بوصفه وجهاً من وجوه الحياة : ويبدو ان الناس قد يجب بدأوا يؤمنون بهذا الذي قلناه وأخذوا يولون الفن مزيداً من الاهتمام في مختلف ميادين الحياة . وفي هذا حفز للمربي عامة وللمعلم خاصة على الوصل بين الفن والعلم وبين الفن والحياة .
ويطرح غيلفورد في نهاية خطابه أسئلة يستهلها بالقول بأنه يقال بأن على وجه الأرض من السكان الآن بقدر ما وجد عليها من فجر التاريخ حتى الآن . فهل عندنا الآن حصتنا من العباقرة المبدعين ؟ أم هل نعيش على رأسمالنا الموروث ؟ وهل نستطيع أن نفعل شيئاً بهذا الخصوص ؟
ويقول انه متأكد من شيء واحد ألا وهو : اذا استطعنا رفع مستوى الإبداع عند الانسان المتوسط ولو بنسبة مئوية صغيرة فإن النتائج الاجتماعية ستكون عظيمة .
أ - تربية الإبداع
في خطاب وجهه ( غيلفورد) عام ١٩٥٨ الى جماعة الفن الباسيفيكية قال ان التقدير المتزايد للحاجة الى رفع مستوى الإنجاز الإبداعي بين الناس قد قاد الى محاولات تربوية كثيرة . ولا شك في ان الكثيرين من المعلمين قد شعروا بأنه لا بد من فعل شيء بهذا الخصوص . وأنتم بوصفكم معلمي فنون فإنكم تحتلون مكاناً فريداً بالنسبة لهذا الأمر وقد تشعرون بأن عليكم مسؤولية تتجاوز مجرد المساهمة في تربية الفنانين المبدعين . هذا ويتفرد موضوع الفن - من بين الموضوعات المدرسية الأخرى - بأن الطلاب لا يتمتعون بشيء من حرية الإبداع فحسب بل انه يتوقع منهم أن يكونوا مبدعين. وللذين يتمتعون بمسؤولية تعليم الفنون سؤال مزدوج : أولاً : هل يمكن تنمية عادات الإبداع من خلال دروس الفن . وثانياً : هل من الممكن جعل مثل هذه العادات قابلة للانتقال بحيث تصبح فعالة ومؤثرة في الميادين العقلية الأخرى .
ويعترف غيلفورد بأنه ليس على علم بما أجري بخصوص تنمية الإبداع في دروس الفن . ولكنه يسترعي الانتباه الى ما يجري خارج مجال الفن وفي ميادين العلوم والمعارف المختلفة ويقول : ان عدد البحوث قد زاد زيادة كبيرة جداً وان ثمة قرابة ألفي درس من دروس الإبــداع كانت تعطى في مختلف أنحاء الولايات المتحدة في ذلك الحين ( عام ١٩٥٨ ) . وذلك في الجامعات والمصانع والوكالات الحكومية . ولقد كانت هذه الدروس تتألف من محاضرات عن طبيعة الإبداع وتدريبات عن التفكير المبدع وحل المشكلات .
ولقد كان من الطرق التي اتبعت جلسات ( إمطار الدماغ ) التي سبق ذكرها والتي صممها (ألكس أوزبورن Osborn ) ، وذلك لتوليد أفكار جديدة تستعمل بصورة خاصة في الإعلام وتتلخص هذه الطريقة - نموذجياً - مجمع فريق صغير من الأفراد لغرض التفكير وإيجاد أفكار جديدة لمواجهة حاجة ما يعلن عنها مسبقاً. ويكون الجو عادة غير نقدي ومتسامح تماماً بحيث يذكر أي شيء يخطر بالبال ، ومن المنتظر أن تثير ملاحظات شخص ما افكار الآخرين بحيث ينتج عن ذلك نتاج أعظم وأغزر مما لو عمد الأفراد أنفسهم الى التفكير انفرادياً . ويجب الاعتراف بأنه لم تجر تجارب دقيقة ومفصلة على أهمية هذه الطريقة ولكن الانطباعات عنها تشير الى أنها تزيد من انتاج الأفكار وتدرب المشتركين على عادات التفكير المفيدة .
ولكن الأفضل من الدروس الخاصة بالتفكير المبدع والطرائق الخاصة التي تتبع فيه هو الاهتمام المتزايد بالابداع والانتباه العارض اليه في المواضيع وهناك العديد من ميادين التعليم التي تتاح فيها الفرص لدفع الطالب الى تمارين التفكير المبدع . وتشتمل هذه الميادين على العلوم والعلوم الانسانية والدراسات الاجتماعية والفنون بطبيعة الحال . وطبيعي ان بعض الميادين تتيح الفرصة للتفكير المبدع أكثر من سواها ، ولكن في جميعها تتوقف الفرص بصورة أساسية على كيفية تعليم الموضوع وعلى المواقف التي يتخذها المعلم . ان فهم طبيعة الانجاز المبدع على ضوء القدرات وغيرها من الصفات التي تساهم فيه تعين عوناً كبيراً على اختيار مواد التعليم وطريقة تقديم هذه المواد وتكوين المواقف المناسبة عند التلميذ .
ونستطيع القول بأن تنمية الإبداع عند الطلاب تتوقف في معظمها على المواقف المتغيرة لكل من المعلم والطالب . ان الاحترام الشديد للكتاب المقرر واستهداف الطالب حفظ هذا الكتاب لكي ينجح في الامتحان الذي يحرص على مثل هذه المعلومات ينتج عنه ان الطالب يعرف ما قال العالم الفلاني عن الموضوع الفلاني ولكن يصبح قليل الاستعداد والقدرة على معالجة المشكلات الجديدة ، لا سيما إذا كان الكتاب يقصر عن ذلك . ولسنا نريد بالطبع التقليل من أهمية المعلومات . ان الحصول على المعلومات ليس مضراً بحد ذاته في الإبداع وذلك على اعتبار ان الاختراع يتوقف على المعلومات السابقة ولكن الموقف المتخذ قبل المعلومات هو الذي كثيراً ما يعيق التفكير المبدع .
ومثل هذا يمكن أن يقال عن الطرائق . قد يكون لدى الطالب مبالغة في احترام قداسة الطرائق . وكم من طلابنا يعاقبون لأنهم يخرجون على الطرائق المتبعة التقليدية ؟ وكم منهم يكافأون لالتزامهم بالطرائق المألوفة . إن من واجب المعلم أن يشجع الأصالة عند طلابه وأن لا يقسرهم على طرائق الكتاب .
ثم كم من العوائق تقام ضد الجهد الإبداعي عند الطالب المتوسط ؟
اننا حين نقنع الطالب بأنه عاجز عن الإبداع يصبح بالضرورة كذلك وهناك فيما يبدو رأي شائع يرى ان الإنجاز المبدع وقف على فئة قليلة وهبها الله اياها ، ولذلك فإذا صنف المعلم الطالب أو صنف الطالب نفسه في فئة غير المبدعين فإنه في الأعم الأغلب سيتقبل قدره ولا يبذل أي جهد من أجل الإبداع. ولكن الحقيقة العلمية التي توصلت اليها البحوث الحديثة ترى ان الأشخاص المبدعين المتميزين يملكون بدرجة عالية نفس القدرات التي نملكها جميعنا الى حد ما. إن الايمان بهذه الحقيقة جدير بأن يدفع الكثيرين الى محاولة الإبداع وعدم الخشية منه والثقة بأنفسهم ثقة نؤكد انها ستكون مثمرة .
والسؤال الذي نود طرحه ها هنا هو : مع التأكيد بأن تعليم الفنون يقدم فرصاً عديدة لتعليم عادات الإبداع ، فهل نستطيع تنمية مثل هذه العادات المتعلمة في ميدان الفنون بحيث تؤثر على الإنجاز الإبداعي في الميادين الأخرى وفي الحياة بعامة ؟ لا شك في ان هذا السؤال على صلة بمسألة انتقال التدريب المعروفة في علم النفس التربوي . وكلكم يعلم ان علماء النفس في مطلع هذا القرن وقفوا ضد فكرة الانتقال وقالوا بأن التعلم متخصص، ولكن غيلفورد يرى ان الأوان قد آن للتخلص من هذه النظرة المبالغ فيها وهو يرى ان التعلم قابل للتعميم أكثر مما حسب بعض العلماء . نعم ان هناك حدوداً لانتقال التدريب ولكن ثمة انتقالاً كثيراً يحدث .
ويرى غيلفورد ان ثمة دلائل كثيرة على مقدار الانتقال ونوعه يتوقفان بصورة كبرى على طريقة وأسلوب التعلم ، وكذلك على تشابه المهام التي يحدث بينها الانتقال . ولو كان التشابه بين المهام هو الأساس الوحيد للانتقال فإن تعلم عادات الإبداع ومهاراته في الفن لن ينتقل الى الميادين الأخرى كالعلوم مثلاً . ولذلك من عمل المعلم أن يصل بين الفن وغيره من الميادين .
وانه لمن سوء الحظ أن يكون الانسان العادي في وقتنا الحاضر مصراً على ان الفن أمر مختلف عن سواه وانه ميدان منعزل والحق ان الفن أن ينظر اليه بوصفه وجهاً من وجوه الحياة : ويبدو ان الناس قد يجب بدأوا يؤمنون بهذا الذي قلناه وأخذوا يولون الفن مزيداً من الاهتمام في مختلف ميادين الحياة . وفي هذا حفز للمربي عامة وللمعلم خاصة على الوصل بين الفن والعلم وبين الفن والحياة .
ويطرح غيلفورد في نهاية خطابه أسئلة يستهلها بالقول بأنه يقال بأن على وجه الأرض من السكان الآن بقدر ما وجد عليها من فجر التاريخ حتى الآن . فهل عندنا الآن حصتنا من العباقرة المبدعين ؟ أم هل نعيش على رأسمالنا الموروث ؟ وهل نستطيع أن نفعل شيئاً بهذا الخصوص ؟
ويقول انه متأكد من شيء واحد ألا وهو : اذا استطعنا رفع مستوى الإبداع عند الانسان المتوسط ولو بنسبة مئوية صغيرة فإن النتائج الاجتماعية ستكون عظيمة .
تعليق