التفكير المجمع والتفكير المفرق ويعتبر ان لهما اسلوبين متضادين من الدفاع. فالمجمع يبتعد مستحيياً من التعامل مع الناس ومن الانفعالات الشخصية ويكرس طاقاته وأفكاره للأمور غير الشخصية . وهو بمعنى من المعاني يحتمي بهذا من الاضطرابات العظيمة التي يسببها له التعامل مع الناس ، وذلك لأنه يعتبر الناس والتعامل معهم منطقة خطر يبتعد عنها . وهو يقول : « ان المجمع يستعمل نوعاً من الحاجز العقلي ضد الأفكار والمشاعر التي تقلقه . واستعمال مثل هذه الحواجز تؤمن له - أمان يكون ضمنها حراً في متابعة اهتمامه دون عائق من التمزق الانفعالي . فيما يبدو منطقة - ( هدسون ١٩٦٦ ) .
ان هذه الفكرة عن المجمع وكونه حذراً من المشاعر والأفكار غـــير المستقرة قد تكون التفسير لرغبته في الموافقة والالتزام وتبنيه للأفكار الشائعة وتصلب تفكيره . ان هذه الأمور ليست إلا طرائق دفاعية ضد القلق الذي تسببه الأمور غير المألوفة والصراعات . ولكي يحمي نفسه من القلق فإنه يلجأ الى الانكماش الذي يشعره بمزيد من الأمان .
لقد قبل العلماء المتأثرون بالتحليل النفسي هذا الرأي ونتج عن ذلك الاعتقاد بأنه رد فعل غير صحي على ضغوط الحياة وانه يدل على تكيف ، من جهة أخرى، الذي يظهر النزعات المضادة فقد فقير نسبت اليه أوضاع صحية وحسنة التكيف وصحيحة . بيد ان ( هدسون ) يتساءل عن مدى صحة ذلك وعما إذا كانت إرادة المفرق في التعبير عن انفعالاته واستمتاعه بالعلاقات الشخصية لا تخفي أيضاً بعض الضعف ؟ أليس هذا التباهي ، هذا التعبير السهل عن الانفعالات يقصد به تغطية سطحيته الأساسية ؟ ان التفكير المجمع بالنسبة لبعض الأشخاص قد يكون محاولة للهروب من القلق الذي يسببه الاندماج بالانفعالات والتعامل مع الناس . ومن جهة أخرى فإن الافتراض بأن تجنب المجمع للأمور الشخصية يجب أن يكون دوماً نكراناً للانفعال ونوعاً من الدفاع أمر فيه مغالطة ان اهتمام بعض الناس بالعالم المادي من حولهم لا يقل طبيعية عن ميل آخرين للاهتمام بالناس ، أضف الى هذا ان ما يستتليه ذلك من تصنيف المجمعين باعتبارهم مفكرين من الدرجة الثانية أمر مضلل ، ذلك بأنهم أيضاً وبدورهم قادرون على القيام بإنجازات هامة ولا سيما في ميدان العلوم والمنطق والرياضيات .
ولا ننسى أن نذكر في هذا الصدد الفيلسوف ( كانت Kant ) الذي لم يكتب إلا في المنطق والميتافيزيك والرياضيات والذي كان المواطنون الصالحون من أهل (كونغسبرغ) يضبطون ساعاتهم على نزهته اليومية عند الظهر .
الجنون والعبقرية
في الفقرة السابقة ظهرت لنا صورة المجمعين بحسب رأي بعض علماء النفس على النحو التالي : دفاعيين ، مكبوتين ، وسيئي التكيف . أما الصورة المكملة للمفرقين فهي صورة تجعلهم مبدعين ، منفتحين للخبرة ، غير مكبوتين ، أصحاء ، حسني التكيف ، فعالين الخ وقد نتج عن ذلك زعم يقول : اننا لو حررنا أنفسنا من كبتنا لأمكن أن نكون مبدعين ( كوبي Kubie ) عام ١٩٥٨ ، فإلى أي حد يمكن اعتبار هذه الأقوال صحيحة ودقيقة ؟ وماذا عن الاعتقاد الشائع بالصلة القريبة بين الجنون والعبقرية ؟
اذا نظرنا في دراسات ( تيرمان Terman ) عن العباقرة ( عام ١٩٢٦- ١٩٥٩ ) تلك الدراسات التي تتبعت حيوات الأطفال الذين يزيد حاصل ذكائهم عن ١٤٠ من الطفولة الى الرشد الى العمر المتوسط نجد انها قررت بتأكيد ان المواهب العظيمة كانت مصحوبة بالاستقرار السوي والصحة الجيدة أكثر بكثير من العكس . بيد انه لا بد لنا ان تعريف العبقرية بارتفاع حاصل الذكاء تعريف ضيق بالرغم من انه قد يشمل الكثيرين من الأشخاص الناجحين ذلك بأن حاصل الذكاء العالي لا يقتصر على ذوي المواهب المبدعة العالية . ولذلك فإن رأي تيرمان لا يمكن اعتباره الكلمة الفصل في الموضوع .
هذا وانه لسهل أن نضع قائمة طويلة بأسماء مشاهير المبدعين الذين أظهروا ملامح عصابية أو ذهانية أو الذين عاشوا حياة غريبة ، متمردة أو عنيفة مما يدفع الانسان الى الشك في توازنهم النفسي . وهكذا فإننا نستطيع أن نذكر من بين الموسيقيين ( بيتهوفن ) و ( بارتوك ) ومن بين الكتاب والفلاسفة نذكر ( هنري جيمس ) و ( رمبو ) و ( نيتشه ) و (بروست) و ( يوجين اونيل ) ، ومن بين الرسامين ( فان جوخ ) ومن بين العلماء ( كبلر ) و ( داروين ) و ( نيوتن ) وسواهم ممن يجد فيهم الانسان ملامح من أمراض نفسية . ومع ذلك فإن هذه الأمثلة ليست دليلاً على اتجاه عام، ذلك بأنه من الأسهل أن نضع قائمة أطول بكثير بأسماء عدد عديد من المشاهير والعباقرة الذين كانوا أسوياء تماماً متزفين أحسن الاتزان .
ولنعد الآن الى دراسة بركلي عن المهندسين المعماريين والكتاب والرياضيين المبدعين ولننظر في صحتهم العقلية . لقد اشتملت الدراسة - فيما اشتملت عليه على روائز تدرس أموراً من مثل الهمود والوساوس والهستيريا والبارانويا والانحرافات النفسية والذهانات الخ ولقد أظهرت هذه الدراسات ان الفرقاء المبدعين أظهروا ميلاً الى الإصابة بهذه الأمراض يزيد على ما أظهره ممثلو مهنهم العاديون . ان الكاتب المبدع المتوسط كان من بين الـ ٥٠% من مجموع السكان الأعلى إصابة بهذه الأمراض أما المهندس المعماري المبدع فقد كان أقل انحرافاً – بقليل – ولكنه مع ذلك أعلى من المتوسط بكثير بالنسبة لمجموع السكان . نقول هذا بالرغم من ان هؤلاء المبدعين لم يكونوا نزلاء في مستشفيات الأمراض العقلية بل على العكس كانوا مشاهير في مهنهم وكانت لهم انجازات رائعة . انهم قلبوا ضعفهم الى قوة ومنبع انتاج. ولقد ظهر أنهم يتمتعون بقوة للأنا Ego Strength باهرة ، وانهم مزجوا بين الضغط النفسي والكفاية الشخصية حتى لكأن الأول كان مصدر الثانية .
ومما تقدم يتبين انه من الصعب نكران وجود ترابط يزيد عن الصدفة بين المصاعب النفسية والقدرات الإبداعية بالرغم من ان هذا القول لا ينطبق على كل شخص مبدع . هذا ولعله ليس من قبيل الاتفاق أن يكون ما قلناه منطبقاً على الكتاب والفنانين أكثر من انطباقه على أرباب المهن الأخرى .
وفي حين انه يجب أن يكون من الواضح انه ما كل كاتب أو فنان مبدع يشكو من انحراف نفسي أو عقلي وانه ما كل عالم بعيد عن كل انحراف فإن الدراسات العلمية الجدية تبدو وكأنها تؤيد الرأي الشائع والقائل بأن الكتاب والفنانين المبدعين يميلون الى أن يكونوا أكثر انحرافاً نفسياً من الانسان العادي المتوسط .
ان هذه الفكرة عن المجمع وكونه حذراً من المشاعر والأفكار غـــير المستقرة قد تكون التفسير لرغبته في الموافقة والالتزام وتبنيه للأفكار الشائعة وتصلب تفكيره . ان هذه الأمور ليست إلا طرائق دفاعية ضد القلق الذي تسببه الأمور غير المألوفة والصراعات . ولكي يحمي نفسه من القلق فإنه يلجأ الى الانكماش الذي يشعره بمزيد من الأمان .
لقد قبل العلماء المتأثرون بالتحليل النفسي هذا الرأي ونتج عن ذلك الاعتقاد بأنه رد فعل غير صحي على ضغوط الحياة وانه يدل على تكيف ، من جهة أخرى، الذي يظهر النزعات المضادة فقد فقير نسبت اليه أوضاع صحية وحسنة التكيف وصحيحة . بيد ان ( هدسون ) يتساءل عن مدى صحة ذلك وعما إذا كانت إرادة المفرق في التعبير عن انفعالاته واستمتاعه بالعلاقات الشخصية لا تخفي أيضاً بعض الضعف ؟ أليس هذا التباهي ، هذا التعبير السهل عن الانفعالات يقصد به تغطية سطحيته الأساسية ؟ ان التفكير المجمع بالنسبة لبعض الأشخاص قد يكون محاولة للهروب من القلق الذي يسببه الاندماج بالانفعالات والتعامل مع الناس . ومن جهة أخرى فإن الافتراض بأن تجنب المجمع للأمور الشخصية يجب أن يكون دوماً نكراناً للانفعال ونوعاً من الدفاع أمر فيه مغالطة ان اهتمام بعض الناس بالعالم المادي من حولهم لا يقل طبيعية عن ميل آخرين للاهتمام بالناس ، أضف الى هذا ان ما يستتليه ذلك من تصنيف المجمعين باعتبارهم مفكرين من الدرجة الثانية أمر مضلل ، ذلك بأنهم أيضاً وبدورهم قادرون على القيام بإنجازات هامة ولا سيما في ميدان العلوم والمنطق والرياضيات .
ولا ننسى أن نذكر في هذا الصدد الفيلسوف ( كانت Kant ) الذي لم يكتب إلا في المنطق والميتافيزيك والرياضيات والذي كان المواطنون الصالحون من أهل (كونغسبرغ) يضبطون ساعاتهم على نزهته اليومية عند الظهر .
الجنون والعبقرية
في الفقرة السابقة ظهرت لنا صورة المجمعين بحسب رأي بعض علماء النفس على النحو التالي : دفاعيين ، مكبوتين ، وسيئي التكيف . أما الصورة المكملة للمفرقين فهي صورة تجعلهم مبدعين ، منفتحين للخبرة ، غير مكبوتين ، أصحاء ، حسني التكيف ، فعالين الخ وقد نتج عن ذلك زعم يقول : اننا لو حررنا أنفسنا من كبتنا لأمكن أن نكون مبدعين ( كوبي Kubie ) عام ١٩٥٨ ، فإلى أي حد يمكن اعتبار هذه الأقوال صحيحة ودقيقة ؟ وماذا عن الاعتقاد الشائع بالصلة القريبة بين الجنون والعبقرية ؟
اذا نظرنا في دراسات ( تيرمان Terman ) عن العباقرة ( عام ١٩٢٦- ١٩٥٩ ) تلك الدراسات التي تتبعت حيوات الأطفال الذين يزيد حاصل ذكائهم عن ١٤٠ من الطفولة الى الرشد الى العمر المتوسط نجد انها قررت بتأكيد ان المواهب العظيمة كانت مصحوبة بالاستقرار السوي والصحة الجيدة أكثر بكثير من العكس . بيد انه لا بد لنا ان تعريف العبقرية بارتفاع حاصل الذكاء تعريف ضيق بالرغم من انه قد يشمل الكثيرين من الأشخاص الناجحين ذلك بأن حاصل الذكاء العالي لا يقتصر على ذوي المواهب المبدعة العالية . ولذلك فإن رأي تيرمان لا يمكن اعتباره الكلمة الفصل في الموضوع .
هذا وانه لسهل أن نضع قائمة طويلة بأسماء مشاهير المبدعين الذين أظهروا ملامح عصابية أو ذهانية أو الذين عاشوا حياة غريبة ، متمردة أو عنيفة مما يدفع الانسان الى الشك في توازنهم النفسي . وهكذا فإننا نستطيع أن نذكر من بين الموسيقيين ( بيتهوفن ) و ( بارتوك ) ومن بين الكتاب والفلاسفة نذكر ( هنري جيمس ) و ( رمبو ) و ( نيتشه ) و (بروست) و ( يوجين اونيل ) ، ومن بين الرسامين ( فان جوخ ) ومن بين العلماء ( كبلر ) و ( داروين ) و ( نيوتن ) وسواهم ممن يجد فيهم الانسان ملامح من أمراض نفسية . ومع ذلك فإن هذه الأمثلة ليست دليلاً على اتجاه عام، ذلك بأنه من الأسهل أن نضع قائمة أطول بكثير بأسماء عدد عديد من المشاهير والعباقرة الذين كانوا أسوياء تماماً متزفين أحسن الاتزان .
ولنعد الآن الى دراسة بركلي عن المهندسين المعماريين والكتاب والرياضيين المبدعين ولننظر في صحتهم العقلية . لقد اشتملت الدراسة - فيما اشتملت عليه على روائز تدرس أموراً من مثل الهمود والوساوس والهستيريا والبارانويا والانحرافات النفسية والذهانات الخ ولقد أظهرت هذه الدراسات ان الفرقاء المبدعين أظهروا ميلاً الى الإصابة بهذه الأمراض يزيد على ما أظهره ممثلو مهنهم العاديون . ان الكاتب المبدع المتوسط كان من بين الـ ٥٠% من مجموع السكان الأعلى إصابة بهذه الأمراض أما المهندس المعماري المبدع فقد كان أقل انحرافاً – بقليل – ولكنه مع ذلك أعلى من المتوسط بكثير بالنسبة لمجموع السكان . نقول هذا بالرغم من ان هؤلاء المبدعين لم يكونوا نزلاء في مستشفيات الأمراض العقلية بل على العكس كانوا مشاهير في مهنهم وكانت لهم انجازات رائعة . انهم قلبوا ضعفهم الى قوة ومنبع انتاج. ولقد ظهر أنهم يتمتعون بقوة للأنا Ego Strength باهرة ، وانهم مزجوا بين الضغط النفسي والكفاية الشخصية حتى لكأن الأول كان مصدر الثانية .
ومما تقدم يتبين انه من الصعب نكران وجود ترابط يزيد عن الصدفة بين المصاعب النفسية والقدرات الإبداعية بالرغم من ان هذا القول لا ينطبق على كل شخص مبدع . هذا ولعله ليس من قبيل الاتفاق أن يكون ما قلناه منطبقاً على الكتاب والفنانين أكثر من انطباقه على أرباب المهن الأخرى .
وفي حين انه يجب أن يكون من الواضح انه ما كل كاتب أو فنان مبدع يشكو من انحراف نفسي أو عقلي وانه ما كل عالم بعيد عن كل انحراف فإن الدراسات العلمية الجدية تبدو وكأنها تؤيد الرأي الشائع والقائل بأن الكتاب والفنانين المبدعين يميلون الى أن يكونوا أكثر انحرافاً نفسياً من الانسان العادي المتوسط .
تعليق