لانا قاسم
عن جماليات القبح
قضية الحكم على شيء ما بالقبح أو الجمال تتعلق بالذوق أكثر مما تتعلق بالعقل والموضوعية بهذه الكلمات بدأ الأستاذ محمد راتب الحلاق محاضرته التي قدمها ضمن نشاطات فرع اتحاد الكتاب العرب الثقافية وقال الحلاق الحكم على شيء بأنه جميل أو قبيح ليس ثابتا وإنما يختلف باختلاف الثقافات واختلاف الأمكنة والأزمنة لكن يبقى الجمال كالحب من الأمور التي تعاش وتستعصي على التعريف والتقنين الفن ينبثق من النفس الإنسانية إبداعا وابتكارا ويعود إليها تذوقا واستمتاعا والفنان الأصيل يحاول ان يجعل المألوف غريبا ثم يأتي الملقي ليجعل الغريب مألوفا عبر عملية التأويل التي تتجاوز الظاهر والقريب
والمتلقي المتذوق لا يكتفي بفهم النص وإنما يحاول أن يعيد إنتاجه بما يتناسب مع ثقافته وخبرته فعملية التذوق قابلة للتنمية والتربية فهي من المنعكسات المكتسبة
الجمال جزء مكمل لجوهر الإنسان وحاجة أساس من حاجات وجوده والفن أحد أهم الوسائل التي تحتفي بالجمال مما يجلب للإنسان المتعة والإحساس بالأشياء الجميلة ويتفاوت الإحساس بالجمال من حيث الدرجة والفاعلية من فرد إلى آخر لأسباب عديدة
وبتتبع آراء الفلاسفة والنقاد والفنانين والمشتغلين بعلم الجمال يمكننا أن نلمس فكرة تطور مفهوم الجمال ولكننا لا نجد مثل هذه العملية المعرفية حين يتعلق الأمر بالقبح
عُرّف القبح في أغلب المراحل بأنه نقيض الجمال مع أن الجمال في حد ذاته مفهوم ملتبس ولا يعني شيئا واحدا عند الجميع إلا في العموميات والاهتمام بالجمال كان يضمر دائما اهتماما بالقبح من باب استدعاء النقيض لنقيضه
وتابع الحلاق عبارة جماليات القبح الواردة في عنوان المحاضرة تشي لأول وهلة بالتناقض الصارخ إذ كيف يمكن لشيء ما أن يكون جميلا وقبيحا في الآن ذاته لذلك أقول إن مصطلح جماليات القبح أراد منه واضعوه جماليات الإبداع الفني في تناوله لما يتعارف عليها بأنها أمور و أشياء قبيحة
وقد اتفق الفنانون والنقاد على قبول أن تكون الأشياء القبيحة موضوعا للإبداع طالما أن الحكم سيكون على طريقة التناول وليس على الموضوع فالحكم على جمال عمل فني ما أو قبحه ينحصر في الحكم على التقنية الفنية وعلى الشكل وليس على المضمون ويقول الفيلسوف الألماني كانت الفن ليس تصويرا لشيء جميل وغنما تصوير جميل لشيء ما كيفما كان هذا الشيء
كلما كان الفنان أصيلا استطاع أن يبرر موضوعه من منظور جمالي فكم من أشياء قبيحة في الواقع استطاع الفنان أن يحولها لأشياء باذخة الجمال : أحدب نوتردام أحدب ابن الرومي الحسناء والوحش حذاء فان كوخ المومس العمياء للسياب و وديوان أزهار الشر للشاعر بودلير يقدم دليلا فذا على قدرة الشاعر على تحويل الأشياء القبيحة الى قصائد في غاية الروعة
الحياة الواقعية مفعمة بما هو جميل وما هو قبيح لذا كان من الطبيعي أن يتناول الفنانون في مجالات الفنون كافة القبيح والجميل كما لو كانا متساويين في حق الوجود طالما أنهما يتساويان في الحضور في ذاكرة الفنان ويحضر في الذهن هنا قيام الممثل بأداء الأدوار السلبية والأدوار الإيجابية المهم بالنسبة له إتقان العمل
الفنان إذن يعيد إنتاج ما يراه وما يختزنه في ذاكرته سواء أكان ذلك جميلا أم قبيحا ضمن سياقات فلسفية أو جمالية خاصة بهذا الفنان وقدرة الفنان تتجسد في التقاط اللحظة وإعادة إنتاجها بعد مرورها بعملية التحويل التي سبق وذكرتها
وقد ذهب بعضهم مع أرسطو إلى أن الفن عملية تطهير والفن عندما يتناول القبح فإنما يكون لأسباب تطهيرية كما في حالة الهجاء والرسوم الكاريكاتورية
وتابع الأشياء الجيدة والنافعة تخلق الرغبة في امتلاكها أم الأشياء الجميلة فتجلب المتعة وليس الرغبة في الامتلاك لأنها ببساطة شديدة منزهة عن المنفعة والمصلحة
يرى ألبرتو ايكو أن معايير الجمال تختلف من مرحلة الى أخرى ومن ثقافة إلى أخرى وبرأيه أن الجميل ليس مجرد نقيض للقبيح والملاحظ أن للقبيح إمكانات لا متناهية في حين أن إمكانات الجميل محدودة ولا سيما حين وضع الفلاسفة والنقاد القوانين لتأطيره
بعد كل ما تقد أتساءل هل مصطلح جماليات القبح شطحة أطلقها أحد ما لأن الفن لا ينتج إلا الجمال وكل ما عدا ذلك ينتظر الفنان ليخرجه إلى عالم الجمال وما نعده أو نظنه قبيحا هو جزء من نظام الكون والقبح في المضامين لا في الأشكال الفنية لأن الأشكال الفنية القبيحة تخرج نفسها من دائرة الفن
وثمة نمط من الفن يقوم على إنتاج أشكال غير جميلة وأقصد فن الكاريكاتور تحديدا الذي يقوم على تشويه النسب بشكل مبالغ فيه لخدمة غرض معين
عن جماليات القبح
قضية الحكم على شيء ما بالقبح أو الجمال تتعلق بالذوق أكثر مما تتعلق بالعقل والموضوعية بهذه الكلمات بدأ الأستاذ محمد راتب الحلاق محاضرته التي قدمها ضمن نشاطات فرع اتحاد الكتاب العرب الثقافية وقال الحلاق الحكم على شيء بأنه جميل أو قبيح ليس ثابتا وإنما يختلف باختلاف الثقافات واختلاف الأمكنة والأزمنة لكن يبقى الجمال كالحب من الأمور التي تعاش وتستعصي على التعريف والتقنين الفن ينبثق من النفس الإنسانية إبداعا وابتكارا ويعود إليها تذوقا واستمتاعا والفنان الأصيل يحاول ان يجعل المألوف غريبا ثم يأتي الملقي ليجعل الغريب مألوفا عبر عملية التأويل التي تتجاوز الظاهر والقريب
والمتلقي المتذوق لا يكتفي بفهم النص وإنما يحاول أن يعيد إنتاجه بما يتناسب مع ثقافته وخبرته فعملية التذوق قابلة للتنمية والتربية فهي من المنعكسات المكتسبة
الجمال جزء مكمل لجوهر الإنسان وحاجة أساس من حاجات وجوده والفن أحد أهم الوسائل التي تحتفي بالجمال مما يجلب للإنسان المتعة والإحساس بالأشياء الجميلة ويتفاوت الإحساس بالجمال من حيث الدرجة والفاعلية من فرد إلى آخر لأسباب عديدة
وبتتبع آراء الفلاسفة والنقاد والفنانين والمشتغلين بعلم الجمال يمكننا أن نلمس فكرة تطور مفهوم الجمال ولكننا لا نجد مثل هذه العملية المعرفية حين يتعلق الأمر بالقبح
عُرّف القبح في أغلب المراحل بأنه نقيض الجمال مع أن الجمال في حد ذاته مفهوم ملتبس ولا يعني شيئا واحدا عند الجميع إلا في العموميات والاهتمام بالجمال كان يضمر دائما اهتماما بالقبح من باب استدعاء النقيض لنقيضه
وتابع الحلاق عبارة جماليات القبح الواردة في عنوان المحاضرة تشي لأول وهلة بالتناقض الصارخ إذ كيف يمكن لشيء ما أن يكون جميلا وقبيحا في الآن ذاته لذلك أقول إن مصطلح جماليات القبح أراد منه واضعوه جماليات الإبداع الفني في تناوله لما يتعارف عليها بأنها أمور و أشياء قبيحة
وقد اتفق الفنانون والنقاد على قبول أن تكون الأشياء القبيحة موضوعا للإبداع طالما أن الحكم سيكون على طريقة التناول وليس على الموضوع فالحكم على جمال عمل فني ما أو قبحه ينحصر في الحكم على التقنية الفنية وعلى الشكل وليس على المضمون ويقول الفيلسوف الألماني كانت الفن ليس تصويرا لشيء جميل وغنما تصوير جميل لشيء ما كيفما كان هذا الشيء
كلما كان الفنان أصيلا استطاع أن يبرر موضوعه من منظور جمالي فكم من أشياء قبيحة في الواقع استطاع الفنان أن يحولها لأشياء باذخة الجمال : أحدب نوتردام أحدب ابن الرومي الحسناء والوحش حذاء فان كوخ المومس العمياء للسياب و وديوان أزهار الشر للشاعر بودلير يقدم دليلا فذا على قدرة الشاعر على تحويل الأشياء القبيحة الى قصائد في غاية الروعة
الحياة الواقعية مفعمة بما هو جميل وما هو قبيح لذا كان من الطبيعي أن يتناول الفنانون في مجالات الفنون كافة القبيح والجميل كما لو كانا متساويين في حق الوجود طالما أنهما يتساويان في الحضور في ذاكرة الفنان ويحضر في الذهن هنا قيام الممثل بأداء الأدوار السلبية والأدوار الإيجابية المهم بالنسبة له إتقان العمل
الفنان إذن يعيد إنتاج ما يراه وما يختزنه في ذاكرته سواء أكان ذلك جميلا أم قبيحا ضمن سياقات فلسفية أو جمالية خاصة بهذا الفنان وقدرة الفنان تتجسد في التقاط اللحظة وإعادة إنتاجها بعد مرورها بعملية التحويل التي سبق وذكرتها
وقد ذهب بعضهم مع أرسطو إلى أن الفن عملية تطهير والفن عندما يتناول القبح فإنما يكون لأسباب تطهيرية كما في حالة الهجاء والرسوم الكاريكاتورية
وتابع الأشياء الجيدة والنافعة تخلق الرغبة في امتلاكها أم الأشياء الجميلة فتجلب المتعة وليس الرغبة في الامتلاك لأنها ببساطة شديدة منزهة عن المنفعة والمصلحة
يرى ألبرتو ايكو أن معايير الجمال تختلف من مرحلة الى أخرى ومن ثقافة إلى أخرى وبرأيه أن الجميل ليس مجرد نقيض للقبيح والملاحظ أن للقبيح إمكانات لا متناهية في حين أن إمكانات الجميل محدودة ولا سيما حين وضع الفلاسفة والنقاد القوانين لتأطيره
بعد كل ما تقد أتساءل هل مصطلح جماليات القبح شطحة أطلقها أحد ما لأن الفن لا ينتج إلا الجمال وكل ما عدا ذلك ينتظر الفنان ليخرجه إلى عالم الجمال وما نعده أو نظنه قبيحا هو جزء من نظام الكون والقبح في المضامين لا في الأشكال الفنية لأن الأشكال الفنية القبيحة تخرج نفسها من دائرة الفن
وثمة نمط من الفن يقوم على إنتاج أشكال غير جميلة وأقصد فن الكاريكاتور تحديدا الذي يقوم على تشويه النسب بشكل مبالغ فيه لخدمة غرض معين