فريدريك الثاني
(1194-1250)
فريدريك (فريدريش) الثاني فون هوهنشتاوفن Frederick II von Hohenstaufen ملك ألمانيا (1212-1250) وقيصر الامبراطورية الرومانية المقدسة (1220-1250) وملك القدس والصقليتين (1229-1250). ولد في مدينة إيزي Iesi الإيطالية، والده الامبراطور هنري السادس وجده فريدريك الأول باربروسا[ر] من أسرة هوهنشتاوفن الألمانية، وأمه كونستانس وريثة المملكة النورماندية في صقلية. حصل هنري السادس عام 1196 على موافقة أمراء ألمانيا على اختيار ابنه فريدريك الثاني خلفاً له على العرش الامبراطوري، ثم ذهب بعد ذلك إلى إيطاليا، حيث مات سنة 1197، وهو يتأهب للقيام بحملة صليبية كبيرة على المشرق العربي.
مات الامبراطور هنري السادس وابنه فريدريك الثاني لا يزال صغير السن، فقامت والدته بتتويج الطفل الصغير فريدريك ملكاً على صقلية، وكذلك أعدت العدة لأن يصبح البابا إنوسنت الثالث Innocent III وصياً عليه حتى يبلغ سن الرشد؛ أي الرابعة عشرة من عمره. وقد أمضى فريدريك طفولته في قصر بالرمو وحدائقها الجميلة، وتمكن من استخدام السلاح، فأصبح فارساً ممتازاً، ونهل من العلوم والمعارف وأصبح ملماً بالفلسفة والقانون واللغات، حتى إن المؤرخين ومعاصريه أطلقوا عليه لقب «أعجوبة الدنيا»، وبتأييد من البابا إنوسنت الثالث انتخب فريدريك امبراطوراً عندما كان في السابعة عشرة من عمره، وبعد ذلك الوقت تميز حكم الامبراطور فريدريك بالصراع المرير مع البابوية، فقد كانت أهدافه أن يجعل من إيطاليا وصقلية مملكة واحدة في إطار الامبراطورية، ولكن البابوية رفضت هذا حيث كان لها أملاك واسعة في إيطاليا مما يجعلها مطوقة من الجنوب والشمال. كما كان الصراع على أشده في أوربا بين السلطة الزمنية الممثلة بالملوك والسلطة الدينية الممثلة بالبابوات، إذ كان البابا يدعي أن الله منحه سلطة تنصيب الملوك وخلعهم، أما الامبراطور فليست لديه مثل هذه السلطة، وأعلن الامبراطور أنه استمد نفوذه الدنيوي من الله مباشرة.
وكان فريدريك الثاني قد وعد البابا إنوسنت الثالث سنة 1215 بالقيام بحملة صليبية على المشرق، كما وعده أيضاً بفصل صقلية عن الامبراطورية، إلا أنه أخذ يماطل في القيام بالحملة التي وعد بها، وتوج ابنه هنري سنة 1220 ملكاً ليخلفه في حكم صقلية والامبراطورية، فأصبح فريدريك العدو اللدود للبابوات. وفي سنة 1227 أصدر البابا غريغوري التاسع قراراً بحرمان فريدريك الثاني من رحمة الكنيسة بسبب مماطلته في القيام بالحملة الصليبية، وبهذا فتح باب النزاع على مصراعيه بين البابوية والامبراطورية.
وأخيراً أدرك فريدريك الثاني أن مصلحته تستدعي القيام بحملة صليبية على فلسطين، فتشكلت بقيادته الحملة الصليبية السادسة سنة 1228 وانطلقت إلى المشرق، ووصل عكا على رأس قوة صغيرة حيث لم يقصد الحرب، وإنما اعتمد على الأساليب الدبلوماسية والمفاوضات للحصول على كسب سريع. وتمكن فريدريك الثاني في يافا من عقد معاهدة مع السلطان الأيوبي الكامل، حصل فيها على القدس وبيت لحم وشريط ساحلي ضيق في فلسطين، وبذا حقق نصراً عجزت عنه الحملات الصليبية الكبيرة التي وفدت إلى فلسطين بعد تحرير القدس سنة 1187 على يد صلاح الدين الأيوبي، وتوج فريدريك نفسه ملكاً على القدس عام 1129. لم تطل إقامة فريدريك الثاني في فلسطين، بل عاد بسرعة إلى إيطاليا فوجد قوات البابا غريغوري التاسع Gregory IX قد استغلت فرصة غيابه وأغارت على أملاكه في جنوبي إيطاليا، بل بلغ الأمر بالبابا أن أذاع خبر موت الامبراطور في المشرق ليضعف مركزه في إيطاليا وألمانيا. ولما وصل الامبراطور الألماني إلى إيطاليا اضطر البابا لعقد الصلح معه، وبمقتضى هذا الصلح رفع عنه قرار الحرمان من رحمة الكنيسة، وسمي هذا صلح «سان جرمانو» (1230)، وقد استمر النزاع بين البابوية والامبراطورية حتى وفاة الامبراطور فريدريك الثاني في إيطاليا وهو في طريقه لمواجهة خصومه في شمالي إيطاليا.
كانت صقلية في ظل حكم فريدريك الثاني أكثر دول أوربا تقدماً وحضارة. وقبل قدوم النورمانديين إليها كانت تحكم من قبل العرب الأغالبة الذين أقاموا فيها حضارة متقدمة. وقد أحب فريدريك الطابع الشرقي لصقلية واتخذ حراسه من العرب، وأسس عام 1224 جامعة نابولي، وجدَّد القوانين على يد رئيس وزرائه المحامي ديلافينيا، وكانت كل أوربا معجبة بمواهبه، فقد كان يتقن ست لغات عالمية، ويشجع الفن المعماري، والشعر والفلك والهندسة والطب، وكتب دراسة عن البيزرة (الصيد بوساطة الصقور) مازالت تعد من أهم المراجع.
كان فريدريك الثاني واحداً من أعظم الأباطرة في التاريخ، وبوفاته انتهت الصبغة العالمية للامبراطورية الرومانية المقدسة، لأنه كان في الواقع آخر الأباطرة العظام الذين تمسكوا بفكرة الامبراطورية، وأصروا على سمو الامبراطورية وطابعها العالمي.
محمد الأحمد
(1194-1250)
مات الامبراطور هنري السادس وابنه فريدريك الثاني لا يزال صغير السن، فقامت والدته بتتويج الطفل الصغير فريدريك ملكاً على صقلية، وكذلك أعدت العدة لأن يصبح البابا إنوسنت الثالث Innocent III وصياً عليه حتى يبلغ سن الرشد؛ أي الرابعة عشرة من عمره. وقد أمضى فريدريك طفولته في قصر بالرمو وحدائقها الجميلة، وتمكن من استخدام السلاح، فأصبح فارساً ممتازاً، ونهل من العلوم والمعارف وأصبح ملماً بالفلسفة والقانون واللغات، حتى إن المؤرخين ومعاصريه أطلقوا عليه لقب «أعجوبة الدنيا»، وبتأييد من البابا إنوسنت الثالث انتخب فريدريك امبراطوراً عندما كان في السابعة عشرة من عمره، وبعد ذلك الوقت تميز حكم الامبراطور فريدريك بالصراع المرير مع البابوية، فقد كانت أهدافه أن يجعل من إيطاليا وصقلية مملكة واحدة في إطار الامبراطورية، ولكن البابوية رفضت هذا حيث كان لها أملاك واسعة في إيطاليا مما يجعلها مطوقة من الجنوب والشمال. كما كان الصراع على أشده في أوربا بين السلطة الزمنية الممثلة بالملوك والسلطة الدينية الممثلة بالبابوات، إذ كان البابا يدعي أن الله منحه سلطة تنصيب الملوك وخلعهم، أما الامبراطور فليست لديه مثل هذه السلطة، وأعلن الامبراطور أنه استمد نفوذه الدنيوي من الله مباشرة.
وكان فريدريك الثاني قد وعد البابا إنوسنت الثالث سنة 1215 بالقيام بحملة صليبية على المشرق، كما وعده أيضاً بفصل صقلية عن الامبراطورية، إلا أنه أخذ يماطل في القيام بالحملة التي وعد بها، وتوج ابنه هنري سنة 1220 ملكاً ليخلفه في حكم صقلية والامبراطورية، فأصبح فريدريك العدو اللدود للبابوات. وفي سنة 1227 أصدر البابا غريغوري التاسع قراراً بحرمان فريدريك الثاني من رحمة الكنيسة بسبب مماطلته في القيام بالحملة الصليبية، وبهذا فتح باب النزاع على مصراعيه بين البابوية والامبراطورية.
وأخيراً أدرك فريدريك الثاني أن مصلحته تستدعي القيام بحملة صليبية على فلسطين، فتشكلت بقيادته الحملة الصليبية السادسة سنة 1228 وانطلقت إلى المشرق، ووصل عكا على رأس قوة صغيرة حيث لم يقصد الحرب، وإنما اعتمد على الأساليب الدبلوماسية والمفاوضات للحصول على كسب سريع. وتمكن فريدريك الثاني في يافا من عقد معاهدة مع السلطان الأيوبي الكامل، حصل فيها على القدس وبيت لحم وشريط ساحلي ضيق في فلسطين، وبذا حقق نصراً عجزت عنه الحملات الصليبية الكبيرة التي وفدت إلى فلسطين بعد تحرير القدس سنة 1187 على يد صلاح الدين الأيوبي، وتوج فريدريك نفسه ملكاً على القدس عام 1129. لم تطل إقامة فريدريك الثاني في فلسطين، بل عاد بسرعة إلى إيطاليا فوجد قوات البابا غريغوري التاسع Gregory IX قد استغلت فرصة غيابه وأغارت على أملاكه في جنوبي إيطاليا، بل بلغ الأمر بالبابا أن أذاع خبر موت الامبراطور في المشرق ليضعف مركزه في إيطاليا وألمانيا. ولما وصل الامبراطور الألماني إلى إيطاليا اضطر البابا لعقد الصلح معه، وبمقتضى هذا الصلح رفع عنه قرار الحرمان من رحمة الكنيسة، وسمي هذا صلح «سان جرمانو» (1230)، وقد استمر النزاع بين البابوية والامبراطورية حتى وفاة الامبراطور فريدريك الثاني في إيطاليا وهو في طريقه لمواجهة خصومه في شمالي إيطاليا.
كانت صقلية في ظل حكم فريدريك الثاني أكثر دول أوربا تقدماً وحضارة. وقبل قدوم النورمانديين إليها كانت تحكم من قبل العرب الأغالبة الذين أقاموا فيها حضارة متقدمة. وقد أحب فريدريك الطابع الشرقي لصقلية واتخذ حراسه من العرب، وأسس عام 1224 جامعة نابولي، وجدَّد القوانين على يد رئيس وزرائه المحامي ديلافينيا، وكانت كل أوربا معجبة بمواهبه، فقد كان يتقن ست لغات عالمية، ويشجع الفن المعماري، والشعر والفلك والهندسة والطب، وكتب دراسة عن البيزرة (الصيد بوساطة الصقور) مازالت تعد من أهم المراجع.
كان فريدريك الثاني واحداً من أعظم الأباطرة في التاريخ، وبوفاته انتهت الصبغة العالمية للامبراطورية الرومانية المقدسة، لأنه كان في الواقع آخر الأباطرة العظام الذين تمسكوا بفكرة الامبراطورية، وأصروا على سمو الامبراطورية وطابعها العالمي.
محمد الأحمد