الفن الجديد Modern art تيار فني عمّ جميع النشاطات الإبداعية، في العمارة والنحت وغيرها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفن الجديد Modern art تيار فني عمّ جميع النشاطات الإبداعية، في العمارة والنحت وغيرها

    الفن الجديد
    غوستاف كليمت: «القبلة» (نحو 1907-1908)
    مجاراةً للتطور العلمي والصناعي الذي ابتدأ منذ القرن التاسع عشر في أوربا؛ ظهر تيار فني عمّ جميع النشاطات الإبداعية، في العمارة والنحت والتصوير والفنون التطبيقية، وأطلق على هذا التيار اسم الفن الجديد l’art nouveau في فرنسا. والأسلوب الحديث modern style في إنكلترا. كما أطلق عليه في ألمانيا والنمسا وسويسرا اسم يوغِنْد شتيل Jugendstil.
    وكان القصد أن يتماشى الفن مع التطور الاقتصادي السريع، ومع الأفكار والحركات التحررية الاجتماعية والثورية التي ظهرت في القرن التاسع عشر.
    وكانت السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر والسنوات الأولى من القرن العشرين، الزمن الذي انتشر فيه هذا الفن، وكان دعاته من المفكرين والمعماريين من أمثال الكاتب الإنكليزي جون رَسكين[ر] J.Ruskin والمهندس المعماري فيوليه لو دوك[ر] Viollet-le Duc، وكانت طروحات دعواتهم تأكيداً لعلاقة الفن بالمجتمع، ولضرورة الجمع بين جميع أشكال الفنون، ولعدم فصل الحرفي عن عالم الإبداع كما فعلت مدرسة الباوهاوس[ر] Bauhaus.
    أكَّد رَسكين ضرورة عودة فن العمارة إلى الطبيعة واستلهام الحياة، ناقداً اتجاه مدرسة الفنون الجميلة في باريس، التي كانت محافظة على التقاليد الكلاسية، كما يعترف آنغر[ر] Ingres الذي أراد تطوير اتجاه المدرسة التي تولى إدارتها نحو المشاركة في الحركات الاجتماعية، وفي تمثُّل الحياة اليومية وإزاحة هيمنة «منبر أبولون» عن المدرسة كما يقول.
    هكذا ابتدأ الفنانون بالتزام شعارات كانت قد استقرت على صفحات وسائل الإعلام، مؤكّدة ضرورة ارتباط الفن بالمجتمع والشعب عن طريق دمج كل أشكال الإنتاج، حتى الاستعمالي منها، بالإبداع والفن. وكان أتباع مدرسة ما قبل الرافائيلية[ر] préraphaélite في إنكلترا منذ منتصف القرن التاسع عشر قد أسهموا برفع مكانة الفن التطبيقي إلى مستوى الفن الجميل، ودعموا آراءهم في مجلة The Germ.
    صار الفن الجديد هدفاً لتجديد الإنتاج وتحقيق مطامح المجتمع، لقد كان اتجاهاً نقدياً ثورياً يسعى إلى قلب المفاهيم الأكاديمية الجامدة والتطلع إلى مسايرة التطور التقاني والفكري.
    هكذا بدا الفن الجديد انطلاقاً من منتصف القرن التاسع عشر لدى الشاعر والفنان الإنكليزي وليم بليك[ر] W.Blake برسومه ذات الأشكال اللهيبيّة، مروراً بأعمال ما قبل الرافائيليين، والجمالية الخطية لدى كرين[ر]، وتلاعب الخطوط مع بيردسلي Beardsley. وانتقل أثر بليك إلى الفن الجديد عبر غابرييل روسيتي G.Rossetti.
    ويبدو الفن الجديد مقدمة للانطباعية[ر] Impressionism إذ يهتمُّ بالشكل والخط والمساحة متجاوزاً المنظور التقليدي. وبدا أكثر اهتماماً بتأويل عناصر الطبيعة كما في الرقش العربي[ر]، والعمل على إعطائها مدلولاً رمزياً. واشتدَّ الاهتمام بالحدود الخارجية للأشياء المرسومة كما هو الأمر في الفن الياباني، والاتجاه نحو التبسيط والتجريد. وكان لسورا[ر] Seurat تأثير في هذا الاتجاه كما يتحدث في ذلك مادسن Madsen.
    لقد أخذت عناصر اللوحة، أو عناصر أي عمل تطبيقي من العالم المرئي الواقعي في نطاق مظاهر الحيوان والنبات، التي تحولت إلى عناصر زخرفية تجريدية متحركة متعرجة، حلزونية أو دائرية مع تموجات رشيقة وتشكيلات لهيبيّة، وتأويل جريء لأشكال الأزهار والنباتات النادرة، أو الطحالب المتموجة، أو بتمثيل حركات الحيوانات البحرية.
    ابتدأ الفن الجديد بالعمارة بوصفها وعاء جميع الفنون التشكيلية، وكانت الثورة واضحة على ذلك «الذوق الكئيب» الذي كان سائداً في العمارة الانتقائية الملفقة، والتي ترضي الذوق البرجوازي المبتذل، وكان لابد من استغلال المنجزات التقانية واستعمال الإسمنت والحديد والزجاج في العمارة، وكان المهندس هنري ڤان دي ڤيلد[ر] H.van de Velde في فرنسا والمهندس الإسباني غاودي[ر] A.Gaudï من أعلام هذا الاتجاه الجديد في العمارة.
    المهندس غاودي: «دار باتلو» (تفصيل الواجهة)
    لقد بدا الفن الجديد على نحو أوضح في الفنون التطبيقية، وذلك في زخارف مداخل المترو في باريس من تصميم هنري غيمار H.Guimard، وزخارف ورق الجدران عند الفنان الإنكليزي موريس W.Morris، أو فن الإعلان كما في أعمال توروب G.Toorop الهولندي، أو الأثاث الداخلي كما في أعمال ڤالان Vallin.
    ولم يمتد تاريخ هذا الفن الجديد إلى أبعد من عام 1906، إذ توقّف لأنه لم يستطع التوفيق بين الطابع الرومنسي الذي تبنَّاه ومفهوم التجديد الذي اقتصر في الواقع على الفنون التطبيقية والزخرفية، فلم يقدم صورة واضحة لمفهوم التجديد والتحديث، لذلك أُهمل هذا الفن كليّاً، وبقيت مرحلة ظهوره غامضة، لولا عودة المؤرخين إليه بعد الحرب العالمية الثانية، ولاسيما في ألمانيا، لإعادة دراسته وبيان دوره في التحولات الجمالية والفنية التي تتالت في القرن العشرين.
    تخطّت نظريات الفن والعمارة في القرن العشرين منطلقات الفن الجديد، ولم يستطع الكتّاب الدفاع عنه بعد أن تخلى عن ممارسته المعماريون والتشكيليون وصار مجرد أسلوب تزييني، شأنه في ذلك شأن أنماط الزخرفة التي عرفتها أوربا في عصر الباروك[ر] baroque.
    لم يكن الفن الجديد منتمياً إلى القرن التاسع عشر أو القرن العشرين في مجالي الفن والعمارة، بل بقي جسراً انتقالياً يسعى إلى التخلص من تركة الفن البرجوازي في القرن التاسع عشر، ساعياً إلى أن يكون تمهيداً لفن القرن العشرين الذي تطور بسرعة مذهلة، باتجاه الانفصال عن جميع الالتزامات التي فرضت على الفن والعمارة في العصور السابقة، والتي أوصلت الفن إلى القطيعة والتجريدية بدءاً من مدرسة الدادا [ر] Dadaïsme وصولاً إلى التجريدية[ر] Abstraction.
    ولكن لابد من الاعتراف بهدف هذا الفن، الذي سعى إلى إقحام الفن في جميع مظاهر الحياة، وعمل على تجميلها في نطاق الشارع والبيت، لبثّ الفرح والسرور والمتعة، ولم يقصر في نقل الفن من جدران الغرف والصالات إلى واجهات الأبنية وعناصر تكونها في الأثاث واللباس، وكان لابدَّ من التوفيق بين الفن الجديد والإنسان الجديد، فهو ليس نهضة بمعناها المدرسي بل هو تحول شامل باتجاه الجمهور، عن طريق جميع وسائل حياته، وليس عن طريق لوحة جامدة.
    عفيف البهنسي
يعمل...
X