اقتصاد (علم)
Economics - Economie
الاقتصاد (علم ـ)
علم الاقتصاد economics هو العلم الذي يهتم بمشكلة الموارد النادرة أو المحدودة واستعمالها على نحو يسمح بالحصول على أكبر إشباع لحاجات المجتمع غير المحدودة. وهو بعبارة أخرى علم إدارة الموارد المحدودة لتلبية حاجات غير محدودة. فموضوعه هو الثروة الاجتماعية من جهة، وسلوك الإنسان الاقتصادي من جهة ثانية.
يهتم علم الاقتصاد بأحد وجوه النشاط الإنساني في العالم، وهو النشاط الاقتصادي الذي يشتمل على جميع تصرفات الأفراد التي تتصل بكل من الإنتاج والتبادل والاستهلاك والتوزيع، وما يتفرع عنها من ظواهر اقتصادية مثل التنمية والدخل والادخار والاستثمار والتضخم والدورات الاقتصادية والبطالة وغيرها.
فالنشاط الاقتصادي واحد من أهم جوانب السلوك الإنساني العام. ووحدة شخصية الإنسان تؤدي إلى انعكاس الأوضاع الاقتصادية في مختلف المجالات القانونية والسياسية والفكرية للمجتمع. ولهذا فقد عدَّ كارل ماركس [ر] Karl Marx البنيان الاقتصادي للمجتمع الأساس الذي تستند إليه جميع البنى الفوقية من قانونية وسياسية واجتماعية. حتى المعارضون لفكره لا ينكرون أن التطور الاقتصادي يمثل وجهاً من وجوه التطور في التاريخ لابد له من أن ينسجم مع الوجوه الأخرى، ويسير معها في الاتجاه نفسه، وقد يسببها أو ينتج عنها. أي إنه قد يسبقها، وقد يتبعها. وبذلك فإن تحليل المجتمع لا يمكن أن يكون تاماً إذا استبعد الجانب الاقتصادي من التحليل، كما أن دراسة الجانب الاقتصادي للمجتمع لا تكون كاملة إذا استبعدت الجوانب النفسية والسياسية والقانونية والاجتماعية من الدراسة أيضاً.
المشكلة الاقتصادية
تعد المشكلة الاقتصادية economic problem أو مشكلة الندرة scarcity problem كما يطلق عليها بعضهم سبب نشوء علم الاقتصاد، لذلك فإن مفهومها هو المدخل الأساسي لإدراك العلاقة الوثيقة بين الفرد والمجتمع من ناحية، والموارد الاقتصادية من ناحية أخرى. وتتلخص هذه المشكلة في أن أول ما يشعر به الإنسان حاجته إلى الطعام والشراب والملبس والمأوى للمحافظة على استمرار حياته، وهذا ما يدفعه إلى السعي بحثاً عن الوسائل اللازمة لإشباع حاجاته هذه. ويكتشف، وهو يسعى أن حاجاته أكثر من أن يتمكن من إشباعها جميعاً ضمن حدود مقدرته والموارد المتاحة له. ولمقاربة الواقع لا بد من تأكيد أن الإنسان لا يواجه المشكلة الاقتصادية بمعزل عن بقية أفراد المجتمع، بل تكون المواجهة ضمن إطار المجتمع الإنساني الذي يعيش فيه. مما يفرض على جميع أفراد المجتمع مواجهة مشكلة نقص الموارد المتاحة لإشباع حاجاتهم؛ وتتخذ المواجهة صيغة التعاون بين جميع أفراد المجتمع في سبيل الإنتاج، ليتم التخصص وتقسيم العمل بينهم على النحو الذي يضمن أن ينتج كل فرد بمفرده أو بالتعاون مع الآخرين بكفاية أعلى. ويترتب على التخصص وتقسيم العمل بين الأفراد خطوة منطقية تالية هي التبادل، ويقصد به أن ينزل كل فرد عن جزء مما أنتج مقابل حصوله على جزء من إنتاج غيره. ومن المتفق عليه أنه كلما ازداد التخصص وتقسيم العمل بين الأفراد ازدادت الفائدة وأمكن استغلال ما لديهم من موارد وإمكانات بطرائق تحقق لهم أعلى إشباع ممكن لحاجاتهم المختلفة. لذا يمكن إرجاع المشكلة الاقتصادية إلى حقيقتين أساسيتين أولاهما: تعدد الحاجات الإنسانية، وتعني أن حاجات أفراد المجتمع كثيرة ومتنوعة ولا حصر لها. وكلما أشبع المجتمع بعض حاجاته اكتشف حاجات جديدة، مما يعني أن الحاجات غير محدودة وأنها ليست ثابتة بل هي متجددة، وتختلف باختلاف الزمان والمكان. وما نمو عمل المنتجين، على مر العصور، إلا نتيجة ظهور حاجات جديدة والعمل على إشباعها، فالحاجة إلى وسائل المواصلات السريعة مثلاً، وإلى وسائل الاتصال، وإلى أجهزة التكييف، والترفيه، والصحة، والتعليم، وغيرها، لم تكن من ضمن حاجات المجتمعات البدائية، كما أنها ليست على الدرجة ذاتها لدى المجتمعات المختلفة. ومن المسلم به أن المجتمع قادر على ترتيب حاجاته اللانهائية هذه بحسب درجة أهميتها ترتيباً تنازلياً يعكس درجة إلحاحها عليه. وأما الحقيقة الثانية فهي ندرة الموارد الاقتصادية نسبياً، ويقصد بالموارد كل ما من شأنه أن يكون نافعاً، أي قادراً، بطريق مباشرة أو غير مباشرة، على إشباع الحاجات الإنسانية. وبحسب معيار نسبة وفرة الموارد إلى الحاجات المطلوب إشباعها تكون الموارد حرة أو اقتصادية، ويقصد بالموارد الحرة الحالة التي تكون فيها الموارد كافية لإشباع حاجة جميع أفراد المجتمع إليها، مثل الحاجة إلى الهواء؛ إذ بإمكان جميع أفراد المجتمع إشباع حاجاتهم إلى الأكسجين من غير أن يؤثر ذلك في درجة إشباعهم لحاجاتهم الأخرى. كما يقصد بالموارد الاقتصادية الحالة التي تكون فيها الموارد غير كافية لإشباع حاجة جميع أفراد المجتمع إليها. وهذا التفريق بين الموارد الحرة والموارد الاقتصادية ليس ثابتاً لأنه لا يعبر عن صفات كامنة في الموارد نفسها، بل يتغير بحسب طبيعة العلاقة القائمة بين الموارد، من جهة، ومستوى الحاجات المطلوب إشباعها من جهة أخرى. وتخرج الموارد الحرة من مجال اهتمام علم الاقتصاد، في حين ينصب الاهتمام كله على الموارد الاقتصادية.
تتصف الموارد الاقتصادية بعدة خصائص أهمها على الإطلاق أنها محدودة الكمية، وذلك على العكس من الحاجات الإنسانية. فهي إذن لا تكفي لإشباع حاجات جميع أفراد المجتمع. ولهذا فإنها تعد نادرة نسبياً، أي بالنسبة إلى الحاجات التي يمكنها أن تسهم في إشباعها، مما يؤدي إلى ضرورة الاقتصاد في استعمالها.
ومن هنا كان وصفها بالاقتصادية تمييزاً لها من الموارد الحرة. وتتم عملية الملاءمة بين الموارد المتاحة وحاجات المجتمع من خلال عمليتي الإنتاج والتبادل، أي «أنا أحتاج إذن أنتج وأبادل ثم أستهلك". ولهذا كان حل المشكلة الاقتصادية «بعقلنة» استخدام الموارد لمواجهة إشباع حاجات الناس وفقاً لسلم الأولويات التي يقررونها هو المهمة الرئيسية لعلم الاقتصاد الذي عليه الإجابة عن أسئلة هي: ماذا ننتج؟ وكيف؟ وكم؟ ولمن؟. والإجابة عن هذه الأسئلة وتوجيه النشاط الاقتصادي لتحقيق الأهداف الاجتماعية يختلفان باختلاف النظم الاقتصادية والاجتماعية السائدة.
تعليق