اقتصاد طاقه
Energy economics - Economie d'énergie
اقتصاد الطاقة
اقتصاد الطاقة Economy of Energy، في المفهوم الاقتصادي، تعبير يقصد به إنتاج الطاقة واستثمارها واستهلاكها والعوائد الناجمة عنها، ويشمل ذلك جميع الوسائل والإجراءات التي تهدف إلى زيادة مردود استخدام الطاقة وخفض ضياعها إلى الحد الأدنى من دون التأثير في معدل النمو الاقتصادي، أي استهلاك أقل مقدار من الطاقة لإنتاج أكبر كمية من السلع أو الخدمات من دون المساس بمواصفاتها، واستغلال الطاقة الاستغلال الأفضل بأقل كلفة ممكنة.
كذلك فإن اقتصاد الطاقة يهدف من جهة أخرى إلى استخلاص أكبر قدر ممكن من الطاقة من مصادرها الأولية مع الحفاظ على البيئة وتقليل الإضرار بها إلى الحد الأدنى.
أنواع الطاقة ومصادرها
تستمد الطاقة[ر] المتاحة على الأرض بمختلف أنواعها من المصادر الأولية الأساسية الأربعة الآتية:
1ـ الشمس: وتكاد أن تكون المصدر الذي تستمد منه كل الطاقة المستهلكة على كوكب الأرض، فإليها يعود الفضل في تكوين الوقود الأحفوري (النفط والفحم والغاز والصخور الزيتية ورمال القار) والكتلة الحيوية biomass وطاقة الماء والرياح [ر]، إضافة إلى طاقة الإشعاع المباشر (الطاقة الشمسية).
2ـ عمليات التركيب الكوني: وعنها تنشأ الطاقة النووية [ر] بشكليها الانشطاري والاندماجي [ر] والطاقة الكهربائية ـ الكيمياوية (الخلايا الوقودية fuel cells).
3ـ حركة القمر: وعنها تنشأ طاقة المد والجزر.
4ـ التركيب الجوفي لباطن الأرض: وهو منشأ الطاقة الأرضية الحرارية.
ويبين المخططان في الشكلين 1 و2 توزع الطاقة العالمية لعام 1993 بين مصادرها ومناحي استهلاكها مقدرة بملايين البراميل المكافئة من النفط في اليوم الواحد والتطور المتوقع للطلب العالمي للطاقة حتى عام 2010.
كانت الأرض مُستَقرّاً لبضع مئات الملايين من البشر عند بداية الثورة الصناعية، في حين أصبح عدد سكانها اليوم أكثر من خمسة مليارات نسمة يشغلون نحو مليار مسكن، ويقودون نحو 500 مليون مركبة ذات محرك. وارتفعت الطاقة الإجمالية التي يستهلكها البشر من نحو 8 ملايين برميل نفط مكافئ يومياً في عام 1860 إلى 190 مليون برميل في عام 1993. وإذا ما استبعد خشب الوقود من الحساب فإن الطاقة المستهلكة (ومعظمها فحم ونفط وغاز وماء) ازدادت بما يقارب 70 ضعفاً. وسوف يزيد الإقبال على الطاقة بسبب التغيرات الاقتصادية المتوقعة في الدول النامية. ويقدر متوسط استهلاك الفرد في أكثر النظم الاقتصادية فقراً إلى الوقود التقليدي (مثل الخشب وغيره من النفايات العضوية) بما يكافئ برميلاً واحداً أو برميلين من النفط في العام مقابل 10 إلى 30 برميلاً في أوربة واليابان وأكثر من 40 برميلاً في الولايات المتحدة وكندا. ومن المتوقع أن يزداد معدل النمو في طلب الطاقة في البلدان النامية نحو 5% سنوياً في حين لايتجاوز2.5% في معظم الدول المتقدمة.
اقتصاد الطاقة وتكاليف إنتاجها
تتطلب المعالجة الموضوعية لمسألة اقتصاد الطاقة دراسة المعادلة: «الطاقة = الرفاهية» دراسة وافية. فالطاقة تسهم إسهاماً إيجابياً في زيادة رفاه الإنسان بما تقدمه من خدمات كالتدفئة والإضاءة والطبخ والنقل والتسلية والاستجمام وغيرها وبكونها زاداً لازماً للإنتاج الاقتصادي. إلا أن تكاليف الطاقة تسلب جزءاً من هذه الرفاهية. وهي تكاليف باهظة على كل حال تشمل المال والموارد الأخرى اللازمة للحصول على الطاقة واستثمارها كما تشمل الآثار البيئية والاجتماعية التي تنجم عنها، وقد تُدفع هذه التكاليف بتحويل مفرط لرأس المال والقوى البشرية والدخل يتسبب في حدوث تضخم وانخفاض في مستوى المعيشة. كما أن لها آثاراً بيئية واجتماعية سلبية.
بدت مشكلة التكاليف الباهظة للطاقة إبان القرن المنصرم أقل حدة وتهديداً من مشكلة عوز الإمداد، فبين عامي 1890 و1970 بقيت التكاليف المالية للإمداد بالطاقة وكذلك أسعارها ثابتة تقريباً. كما كان ينظر إلى التكاليف البيئية والاجتماعية على أنها نفقات محلية محدودة أو مؤقتة.
ولكن هذا كله تغير منذ سبعينات القرن العشرين، بسبب القفزات الكبيرة في أسعار النفط بين عامي 1973 و1979. ففي عام 1973 كان استهلاك النفط يعادل تقريباً الاستهلاك السنوي العالمي من أنواع الطاقة الصناعية الأخرى (الغاز الطبيعي، الفحم الحجري، الطاقة النووية والقوة المحركة المائية). وقد تسبب ارتفاع أسعار النفط في رفع أسعار أنواع الطاقة الصناعية الأخرى. وتبين النتائج الحاصلة أخطار زيادة التكاليف المالية للطاقة زيادة كبيرة: مثل الركود العالمي وازدياد حجم الديون مما تسبب في هدر إمكانات البلدان الفقيرة إلى النفط وإعاقة تنميتها وازدياد الأعباء الاقتصادية على الفقراء في الدول الصناعية، إضافة إلى تفاقم مشكلات التلوث البيئي التي تهدد صحة الإنسان واستقرار البيئة وتقلص الرفاه الاقتصادي. كما أن التوسع في بعض أشكال الإمداد بالطاقة قد يسبب تكاليف تفوق الفائدة المتحققة منها. وكان السؤال المحير في بداية التسعينات هو: هل انتهى حقاً عصر الطاقة الرخيصة أو أن تضافر موارد جديدة وتقنيات جديدة وتغيرات في السياسات الاقتصادية العالمية سيعيد الطاقة إلى ما كانت عليه؟ ولعل الجواب يكمن في زيادة الطلب الكبير على الطاقة الناجم عن ازدياد عدد السكان، في السنوات المئة الأخيرة، مصحوباً بازدياد استهلاك الفرد من أنواع الطاقة الصناعية.
حل النفط والغاز محل القسم الأعظم من أنواع الطاقة الصناعية في القرن التاسع عشر، وهما أكثر أصناف الوقود الأحفوري المتوافر على الأرض سهولة استخراج وتنوعاً في الاستعمال وقابلية للنقل ورخصاً في الثمن. وبلغ الاستهلاك التراكمي في مدى قرن نحو 200 تيراواط سنة من النفط والغاز أي ما يساوي 20% من المقدار المحدود الذي يمكن استخراجه في النهاية من هذين الصنفين من الوقود. وإذا استمر استهلاك النفط والغاز في تصاعده هذا ليتضاعف كل 15 أو 20 سنة، فإن المخزون الأولي منهما سوف يستنفد بنسبة 80% في مدى 30 أو 40 سنة أخرى. وقد نفدت فعلاً أرخص مكامن النفط والغاز باستثناء حوض النفط الهائل في شرق المتوسط، وفقدت التوجهات التي مكنت من تجميد الأسعار قوتها في مقابل الاستنزاف التراكمي الناجم عن تحقيق الاكتشافات الجديدة في مجالي النفط والغاز، وعن اقتصاديات زيادة الإنتاج لخفض الكلفة في معالجة الوقود ونقله. ولو اكتشفت بضعة حقول نفط عملاقة إضافية فإنها لن تغير الحالة كثيراً إزاء الاستهلاك الذي يجري بمعدلات هذه الأيام. ولا مفر من أن يتزايد استخراج النفط والغاز في معظم البلدان من حقول أصغر حجماً وأكثر تبعثراً، ومن بيئات بحرية بعيدة عن الشاطئ أو من القطب الشمالي أو من مصادر أرضية أكثر عمقاً، كما لا مفر من الاعتماد على الاستيراد، الذي لا يمكن التعويل عليه تعويلاً تاماً، كما أنه فوق الإمكانات المالية للمستوردين. أما المصادر الأخرى التي يمكن أن توفر الكميات اللازمة من الطاقة كالفحم الحجري، والطاقة الشمسية والوقودين النوويين الانشطاري والاندماجي فيتطلب تحويلها إلى كهرباء أو إلى وقود سائل لسد حاجات المجتمع، عمليات معقدة ومرتفعة الكلفة. ولا يملك أي مورد منها احتمالات جيدة جداً لتوفير كميات كبيرة من الوقود بأسعار توازي أسعار النفط والغاز كما كانت قبل عام 1973، أو لتوفير كميات كبيرة من الكهرباء بأسعار تكافئ أسعار الكهرباء التي كانت توفرها في الستينات من القرن العشرين المحطات الرخيصة التي تحرق الفحم أو التي تعمل بقوة المياه. ومن هذا يبدو أن الطاقة الغالية الثمن هي شرط دائم ولو لم تراع عواقبها البيئية. فثمة مسوغ قوي للاعتقاد أن ضرورات الطاقة للحضارة تتغير اليوم تغيراً أساسياً لا سطحياً، فقد استقر في الأذهان أن تكاليف الطاقة في تصاعد مستمر بسبب عوامل بيئية قبل كل شيء. وإذا ما وضع في الحسبان منظومات الإمداد بالطاقة القائمة اليوم وتقنيات استهلاكها النهائي فمن المحتمل أن تكون غالبية الدول الصناعية قريبة من المرحلة التي يتسبب نمو استهلاك الطاقة الإضافي فيها في تكاليف هامشية تفوق الفوائد المرجوة منها.
ومع ذلك ستبدو الحاجة ماسة إلى تغيير في منظومات الإمداد بالطاقة وأنماط الاستعمال النهائي، لمجرد الإبقاء على مستوى الرفاه الحالي. ومن غير ذلك، سيؤدي الاستهلاك التصاعدي للموارد الممتازة ونقص مقدرة البيئة على امتصاص آثار الطاقة إلى تكاليف إجمالية متصاعدة، ولو بقيت معدلات الاستهلاك ثابتة. ويتطلب ذلك نمواً اقتصادياً، بلا تكاليف بيئية تقوض المكاسب، بالانتقال سريعاً إلى تقانات إمداد بالطاقة ليس لها تأثير كبير على البيئة وذات كفاية أعلى في الاستعمال النهائي.
ومع أن هذا الوضع يطرح تحديات كبيرة فالمرجح أن أكثر الدول الصناعية المتقدمة تملك من الموارد والتقنيات ما يمكنها من حل معظم المشكلات التي تواجهها في هذا المضمار.
وتستطيع أغنى الدول، إذا شاءت، أن تحقق نمواً يسيراً في إنتاج الطاقة وزيادة الرفاه الاقتصادي عن طريق زيادة الكفاية. وتستطيع هذه الدول أن تدفع أثماناً أعلى للطاقة من أجل تمويل الانتقال إلى تقانات إمداد بالطاقة أقل ضرراً للبيئة. ولكن لا توجد دلائل على حصول هذا الشيء فعلاً حتى اليوم.
وتزداد حدة الصعوبات في البلدان الأقل نماءً، فهي ترغب في السير في عمليات التصنيع بالطريقة التي اتبعتها الدول الغنية، أي بالطاقة الرخيصة. ولكن الآفاق المستقبلية لتحقيق ذلك ضعيفة بسبب ارتفاع تكاليف إنتاج الطاقة التي تفرضها سوق النفط العالمية، أو بسبب التحول إلى خيارات أخرى لإنتاج طاقة أنظف. ويقوي قصور رأس المال في هذه الدول الميل إلى الخيارات الأقل كلفة مع غض النظر عن الآثار البيئية الضارة للطاقة الرخيصة وغير النظيفة، وترى فيها مقايضة لا بد منها لسد الحاجات الأساسية لمواطنيها والسير في طريق التنمية الاقتصادية.
ومع أن نصيب البلدان، الأقل نماء، من استخدام الطاقة العالمي متواضع اليوم، فإن الأحوال السكانية في هذه البلدان وتطلعاتها الاقتصادية تملك إمكانات نمو كبيرة في استخدام الطاقة. وإذا ما تحقق هذا النمو عن طريق استهلاك الوقود الأحفوري بالمقام الأول فسوف يضيف حملاً جديداً إلى الأحمال الجوية من ثاني أكسيد الكربون والملوثات الأخرى محلياً وعالمياً، ومع أن البلدان الأقل نماء تستاء من أسلوب تنمية الطاقة البطيء وتقاومه، في حين يشجعه كثير من الدول الصناعية للتقليل من الأخطار البيئية العالمية، فإن تلك البلدان هي الأكثر تعرضاً لخطر التغير البيئي العالمي، لأن احتياطيها الغذائي قليل والأغذية المتوافرة لديها فقيرة إلى المواد الأساسية، والمستويات الصحية فيها متدنية إضافة إلى أن مواردها من رأس المال والبنية الأساسية التي تعتمد عليها محدودة.
تعليق