اقتصاد الطاقة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اقتصاد الطاقة





    اقتصاد طاقه

    Energy economics - Economie d'énergie

    اقتصاد الطاقة

    اقتصاد الطاقة Economy of Energy، في المفهوم الاقتصادي، تعبير يقصد به إنتاج الطاقة واستثمارها واستهلاكها والعوائد الناجمة عنها، ويشمل ذلك جميع الوسائل والإجراءات التي تهدف إلى زيادة مردود استخدام الطاقة وخفض ضياعها إلى الحد الأدنى من دون التأثير في معدل النمو الاقتصادي، أي استهلاك أقل مقدار من الطاقة لإنتاج أكبر كمية من السلع أو الخدمات من دون المساس بمواصفاتها، واستغلال الطاقة الاستغلال الأفضل بأقل كلفة ممكنة.
    كذلك فإن اقتصاد الطاقة يهدف من جهة أخرى إلى استخلاص أكبر قدر ممكن من الطاقة من مصادرها الأولية مع الحفاظ على البيئة وتقليل الإضرار بها إلى الحد الأدنى.
    أنواع الطاقة ومصادرها
    تستمد الطاقة[ر] المتاحة على الأرض بمختلف أنواعها من المصادر الأولية الأساسية الأربعة الآتية:
    1ـ الشمس: وتكاد أن تكون المصدر الذي تستمد منه كل الطاقة المستهلكة على كوكب الأرض، فإليها يعود الفضل في تكوين الوقود الأحفوري (النفط والفحم والغاز والصخور الزيتية ورمال القار) والكتلة الحيوية biomass وطاقة الماء والرياح [ر]، إضافة إلى طاقة الإشعاع المباشر (الطاقة الشمسية).
    2ـ عمليات التركيب الكوني: وعنها تنشأ الطاقة النووية [ر] بشكليها الانشطاري والاندماجي [ر] والطاقة الكهربائية ـ الكيمياوية (الخلايا الوقودية fuel cells).
    3ـ حركة القمر: وعنها تنشأ طاقة المد والجزر.
    4ـ التركيب الجوفي لباطن الأرض: وهو منشأ الطاقة الأرضية الحرارية.
    ويبين المخططان في الشكلين 1 و2 توزع الطاقة العالمية لعام 1993 بين مصادرها ومناحي استهلاكها مقدرة بملايين البراميل المكافئة من النفط في اليوم الواحد والتطور المتوقع للطلب العالمي للطاقة حتى عام 2010.
    كانت الأرض مُستَقرّاً لبضع مئات الملايين من البشر عند بداية الثورة الصناعية، في حين أصبح عدد سكانها اليوم أكثر من خمسة مليارات نسمة يشغلون نحو مليار مسكن، ويقودون نحو 500 مليون مركبة ذات محرك. وارتفعت الطاقة الإجمالية التي يستهلكها البشر من نحو 8 ملايين برميل نفط مكافئ يومياً في عام 1860 إلى 190 مليون برميل في عام 1993. وإذا ما استبعد خشب الوقود من الحساب فإن الطاقة المستهلكة (ومعظمها فحم ونفط وغاز وماء) ازدادت بما يقارب 70 ضعفاً. وسوف يزيد الإقبال على الطاقة بسبب التغيرات الاقتصادية المتوقعة في الدول النامية. ويقدر متوسط استهلاك الفرد في أكثر النظم الاقتصادية فقراً إلى الوقود التقليدي (مثل الخشب وغيره من النفايات العضوية) بما يكافئ برميلاً واحداً أو برميلين من النفط في العام مقابل 10 إلى 30 برميلاً في أوربة واليابان وأكثر من 40 برميلاً في الولايات المتحدة وكندا. ومن المتوقع أن يزداد معدل النمو في طلب الطاقة في البلدان النامية نحو 5% سنوياً في حين لايتجاوز2.5% في معظم الدول المتقدمة.
    اقتصاد الطاقة وتكاليف إنتاجها
    تتطلب المعالجة الموضوعية لمسألة اقتصاد الطاقة دراسة المعادلة: «الطاقة = الرفاهية» دراسة وافية. فالطاقة تسهم إسهاماً إيجابياً في زيادة رفاه الإنسان بما تقدمه من خدمات كالتدفئة والإضاءة والطبخ والنقل والتسلية والاستجمام وغيرها وبكونها زاداً لازماً للإنتاج الاقتصادي. إلا أن تكاليف الطاقة تسلب جزءاً من هذه الرفاهية. وهي تكاليف باهظة على كل حال تشمل المال والموارد الأخرى اللازمة للحصول على الطاقة واستثمارها كما تشمل الآثار البيئية والاجتماعية التي تنجم عنها، وقد تُدفع هذه التكاليف بتحويل مفرط لرأس المال والقوى البشرية والدخل يتسبب في حدوث تضخم وانخفاض في مستوى المعيشة. كما أن لها آثاراً بيئية واجتماعية سلبية.
    بدت مشكلة التكاليف الباهظة للطاقة إبان القرن المنصرم أقل حدة وتهديداً من مشكلة عوز الإمداد، فبين عامي 1890 و1970 بقيت التكاليف المالية للإمداد بالطاقة وكذلك أسعارها ثابتة تقريباً. كما كان ينظر إلى التكاليف البيئية والاجتماعية على أنها نفقات محلية محدودة أو مؤقتة.
    ولكن هذا كله تغير منذ سبعينات القرن العشرين، بسبب القفزات الكبيرة في أسعار النفط بين عامي 1973 و1979. ففي عام 1973 كان استهلاك النفط يعادل تقريباً الاستهلاك السنوي العالمي من أنواع الطاقة الصناعية الأخرى (الغاز الطبيعي، الفحم الحجري، الطاقة النووية والقوة المحركة المائية). وقد تسبب ارتفاع أسعار النفط في رفع أسعار أنواع الطاقة الصناعية الأخرى. وتبين النتائج الحاصلة أخطار زيادة التكاليف المالية للطاقة زيادة كبيرة: مثل الركود العالمي وازدياد حجم الديون مما تسبب في هدر إمكانات البلدان الفقيرة إلى النفط وإعاقة تنميتها وازدياد الأعباء الاقتصادية على الفقراء في الدول الصناعية، إضافة إلى تفاقم مشكلات التلوث البيئي التي تهدد صحة الإنسان واستقرار البيئة وتقلص الرفاه الاقتصادي. كما أن التوسع في بعض أشكال الإمداد بالطاقة قد يسبب تكاليف تفوق الفائدة المتحققة منها. وكان السؤال المحير في بداية التسعينات هو: هل انتهى حقاً عصر الطاقة الرخيصة أو أن تضافر موارد جديدة وتقنيات جديدة وتغيرات في السياسات الاقتصادية العالمية سيعيد الطاقة إلى ما كانت عليه؟ ولعل الجواب يكمن في زيادة الطلب الكبير على الطاقة الناجم عن ازدياد عدد السكان، في السنوات المئة الأخيرة، مصحوباً بازدياد استهلاك الفرد من أنواع الطاقة الصناعية.
    إن الإمداد بالطاقة بمعدلات تقع في مجال 10 تيراواط (أي1012واط) إنجاز هائل، وقد تحقق أول مرة في أواخر الستينات من القرن العشرين، واقتضى تحقيقه في السبعينات استخراج نحو ثلاثة مليارات طن من الفحم، وقرابة 17 مليار برميل نفط، وما يزيد على تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وربما ملياري متر مكعب من الحطب. واقتضى ذلك أيضاً استعمال الفحم القذر إضافة إلى النظيف، واجتثاث غابات كاملة.
    حل النفط والغاز محل القسم الأعظم من أنواع الطاقة الصناعية في القرن التاسع عشر، وهما أكثر أصناف الوقود الأحفوري المتوافر على الأرض سهولة استخراج وتنوعاً في الاستعمال وقابلية للنقل ورخصاً في الثمن. وبلغ الاستهلاك التراكمي في مدى قرن نحو 200 تيراواط سنة من النفط والغاز أي ما يساوي 20% من المقدار المحدود الذي يمكن استخراجه في النهاية من هذين الصنفين من الوقود. وإذا استمر استهلاك النفط والغاز في تصاعده هذا ليتضاعف كل 15 أو 20 سنة، فإن المخزون الأولي منهما سوف يستنفد بنسبة 80% في مدى 30 أو 40 سنة أخرى. وقد نفدت فعلاً أرخص مكامن النفط والغاز باستثناء حوض النفط الهائل في شرق المتوسط، وفقدت التوجهات التي مكنت من تجميد الأسعار قوتها في مقابل الاستنزاف التراكمي الناجم عن تحقيق الاكتشافات الجديدة في مجالي النفط والغاز، وعن اقتصاديات زيادة الإنتاج لخفض الكلفة في معالجة الوقود ونقله. ولو اكتشفت بضعة حقول نفط عملاقة إضافية فإنها لن تغير الحالة كثيراً إزاء الاستهلاك الذي يجري بمعدلات هذه الأيام. ولا مفر من أن يتزايد استخراج النفط والغاز في معظم البلدان من حقول أصغر حجماً وأكثر تبعثراً، ومن بيئات بحرية بعيدة عن الشاطئ أو من القطب الشمالي أو من مصادر أرضية أكثر عمقاً، كما لا مفر من الاعتماد على الاستيراد، الذي لا يمكن التعويل عليه تعويلاً تاماً، كما أنه فوق الإمكانات المالية للمستوردين. أما المصادر الأخرى التي يمكن أن توفر الكميات اللازمة من الطاقة كالفحم الحجري، والطاقة الشمسية والوقودين النوويين الانشطاري والاندماجي فيتطلب تحويلها إلى كهرباء أو إلى وقود سائل لسد حاجات المجتمع، عمليات معقدة ومرتفعة الكلفة. ولا يملك أي مورد منها احتمالات جيدة جداً لتوفير كميات كبيرة من الوقود بأسعار توازي أسعار النفط والغاز كما كانت قبل عام 1973، أو لتوفير كميات كبيرة من الكهرباء بأسعار تكافئ أسعار الكهرباء التي كانت توفرها في الستينات من القرن العشرين المحطات الرخيصة التي تحرق الفحم أو التي تعمل بقوة المياه. ومن هذا يبدو أن الطاقة الغالية الثمن هي شرط دائم ولو لم تراع عواقبها البيئية. فثمة مسوغ قوي للاعتقاد أن ضرورات الطاقة للحضارة تتغير اليوم تغيراً أساسياً لا سطحياً، فقد استقر في الأذهان أن تكاليف الطاقة في تصاعد مستمر بسبب عوامل بيئية قبل كل شيء. وإذا ما وضع في الحسبان منظومات الإمداد بالطاقة القائمة اليوم وتقنيات استهلاكها النهائي فمن المحتمل أن تكون غالبية الدول الصناعية قريبة من المرحلة التي يتسبب نمو استهلاك الطاقة الإضافي فيها في تكاليف هامشية تفوق الفوائد المرجوة منها.
    ومع ذلك ستبدو الحاجة ماسة إلى تغيير في منظومات الإمداد بالطاقة وأنماط الاستعمال النهائي، لمجرد الإبقاء على مستوى الرفاه الحالي. ومن غير ذلك، سيؤدي الاستهلاك التصاعدي للموارد الممتازة ونقص مقدرة البيئة على امتصاص آثار الطاقة إلى تكاليف إجمالية متصاعدة، ولو بقيت معدلات الاستهلاك ثابتة. ويتطلب ذلك نمواً اقتصادياً، بلا تكاليف بيئية تقوض المكاسب، بالانتقال سريعاً إلى تقانات إمداد بالطاقة ليس لها تأثير كبير على البيئة وذات كفاية أعلى في الاستعمال النهائي.
    ومع أن هذا الوضع يطرح تحديات كبيرة فالمرجح أن أكثر الدول الصناعية المتقدمة تملك من الموارد والتقنيات ما يمكنها من حل معظم المشكلات التي تواجهها في هذا المضمار.
    وتستطيع أغنى الدول، إذا شاءت، أن تحقق نمواً يسيراً في إنتاج الطاقة وزيادة الرفاه الاقتصادي عن طريق زيادة الكفاية. وتستطيع هذه الدول أن تدفع أثماناً أعلى للطاقة من أجل تمويل الانتقال إلى تقانات إمداد بالطاقة أقل ضرراً للبيئة. ولكن لا توجد دلائل على حصول هذا الشيء فعلاً حتى اليوم.
    وتزداد حدة الصعوبات في البلدان الأقل نماءً، فهي ترغب في السير في عمليات التصنيع بالطريقة التي اتبعتها الدول الغنية، أي بالطاقة الرخيصة. ولكن الآفاق المستقبلية لتحقيق ذلك ضعيفة بسبب ارتفاع تكاليف إنتاج الطاقة التي تفرضها سوق النفط العالمية، أو بسبب التحول إلى خيارات أخرى لإنتاج طاقة أنظف. ويقوي قصور رأس المال في هذه الدول الميل إلى الخيارات الأقل كلفة مع غض النظر عن الآثار البيئية الضارة للطاقة الرخيصة وغير النظيفة، وترى فيها مقايضة لا بد منها لسد الحاجات الأساسية لمواطنيها والسير في طريق التنمية الاقتصادية.
    ومع أن نصيب البلدان، الأقل نماء، من استخدام الطاقة العالمي متواضع اليوم، فإن الأحوال السكانية في هذه البلدان وتطلعاتها الاقتصادية تملك إمكانات نمو كبيرة في استخدام الطاقة. وإذا ما تحقق هذا النمو عن طريق استهلاك الوقود الأحفوري بالمقام الأول فسوف يضيف حملاً جديداً إلى الأحمال الجوية من ثاني أكسيد الكربون والملوثات الأخرى محلياً وعالمياً، ومع أن البلدان الأقل نماء تستاء من أسلوب تنمية الطاقة البطيء وتقاومه، في حين يشجعه كثير من الدول الصناعية للتقليل من الأخطار البيئية العالمية، فإن تلك البلدان هي الأكثر تعرضاً لخطر التغير البيئي العالمي، لأن احتياطيها الغذائي قليل والأغذية المتوافرة لديها فقيرة إلى المواد الأساسية، والمستويات الصحية فيها متدنية إضافة إلى أن مواردها من رأس المال والبنية الأساسية التي تعتمد عليها محدودة.



  • #2
    ترشيد استهلاك الطاقة: يقصد بترشيد استهلاك الطاقة استخدامها استخداماً عقلانياً مدروساً وتقليل الهدر في استهلاك الطاقة بأصنافها المختلفة. وإن ترشيد استهلاك الطاقة عملياً هو جملة الإجراءات الواجب إتباعها للحد من الهدر في منظومات الطاقة في مختلف مراحلها بدءاً من محطات تحويل الطاقة وانتهاءً بالأجهزة الطرفية المستهلكة للطاقة.
    بدأ أول إجراءات الترشيد من المحطات الأولية لتحويل الطاقة، فالتشغيل الاقتصادي الأمثل لهذه المحطات هو الوسيلة الأكثر فعالية في هذا المجال، كما أن الحفاظ على جاهزية محطات الطاقة والتقيد الصارم ببرامج الصيانة من الوسائل الأساسية لترشيد الطاقة في المراحل الأولى من منظومات الطاقة المتكاملة.
    وتأتي بعد ذلك إجراءات ما يسمى «إدارة الأحمال» load management وهي التحكم المركزي في مؤسسات الطاقة، في تصرف المستهلك زمنياً وكمياً بوساطة أجهزة خاصة تركب لهذا الغرض، وعن طريق تطوير نظم تعرفة ملائمة تضطر المستهلك إلى تجنب الهدر في الاستهلاك والاستخدام العقلاني للطاقة، فمثلاً: إن تسخين المياه بالطاقة الكهربائية يُعد من الاستخدامات غير العقلانية للطاقة، ذلك أنه قد سبق أن هُدر أكثر من 66% من الطاقة الحرارية لتحويلها إلى طاقة كهربائية، إضافة إلى ضياع الطاقة في شبكات النقل والتوزيع التي توصل الطاقة الكهربائية إلى المستهلك. لذا فإن الحد من استخدام أجهزة التسخين الكهربائية هو أحد السبل التي يتضمنها برنامج إدارة الأحمال بهدف تحقيق الاستخدام العقلاني للطاقة، ومن الإجراءات المفيدة في هذا المجال:
    ـ تشجيع استخدام أجهزة التسخين والتدفئة المتطورة التي تستهلك أقل كمية من الوقود بأعلى مردود وأقل تلوث، وذلك بخفض أثمانها، وتحمل الدولة جزءاً من تكاليفها التأسيسية وخفض أسعار المحروقات المستخدمة في هذه الأجهزة.
    ـ الاستفادة القصوى من الطاقة الشمسية في تسخين المياه وفي التدفئة ما أمكن ذلك.
    ـ رفع أسعار الأجهزة الكهربائية المعدة لتسخين المياه والتدفئة وفرض ضريبة عالية عليها.
    وهناك الكثير من الإجراءات والبرامج التي تساعد على ترشيد استهلاك الطاقة والإقلال من الهدر كالعزل الحراري الجيد للمباني الذي يوفر نحو 25- 30% من الطاقة المستهلكة في التدفئة شتاء أو التكييف صيفاً. كذلك فإن تطبيق «التوقيت الصيفي» يمكّن من الاستفادة القصوى من ضوء النهار ومن نشاط الإنسان في فصل الصيف، إذ تسطع الشمس في هذا الفصل باكراً ويطول النهار، ويسهم ذلك كثيراً في خفض الطاقة المستهلكة في الإنارة والتكييف.
    ويعد استخدام المحطات المركزية للتدفئة وتسخين المياه من الأساليب الناجعة لترشيد استهلاك الطاقة والحد من الهدر لمردودها العالي وعملها المضمون في شروط فنية واقتصادية قريبة من المثلى. كما أن التشجيع على استخدام وسائط النقل العامة يخفض إلى حد كبير من استهلاك الوقود اللازم لقطاع النقل والمواصلات.
    وأخيراً فإن للإعلام دوراً مهماً في هذا المجال، بتوعية المواطن وتعريفه أهمية ترشيد استهلاك الطاقة والحد من هدرها في مختلف مناحي حياته وأنشطته. وعلى وسائل الإعلام بأنواعها المرئية والمسموعة والمقروءة تقديم برامج توعية توضح للمواطن أهمية ترشيد استهلاك الطاقة وتبين مدى الخسارة الناجمة عن الهدر الذي يمكن أن يسببه أي فرد عن قصد أو عن غير قصد وكيف أن هذا الهدر الإفرادي الذي يستهين به المواطن يسبب خسارة إجمالية كبيرة في الدخل القومي تقدر ببلايين الدولارات سنوياً.
    رفع كفاية التقنيات في اقتصاد الطاقة
    يتزايد استهلاك الطاقة في العالم مع تزايد عدد السكان والسعي للارتقاء إلى مستويات معيشة أفضل، وهذا التزايد المستمر في طلب خدمات الطاقة يتسبب في مشكلات كثيرة منها استنزاف موارد البلد وتفاقم تلوث البيئة الناتج من استهلاك الطاقة بأنواعها.
    ومن المعلوم أن كيلو واطاً ساعياً واحداً من الكهرباء يكفي، مبدئياً، لإضاءة مصباح استطاعته 100 واط مدة 10 ساعات، أو رفع طن واحد إلى ارتفاع 300 متر. كما يكفي استهلاك 20 لتراً من البنزين في سيارة متوسطة لقطع مسافة 180 كم. ومن أجل الاقتصاد في الطاقة يمكن أن يوفر الكيلو واط الساعي نفسه إمكانيةَ إنارة أكبر أو مقداراً أكبر من العمل الميكانيكي المفيد بتحسين كفاية الوسائل التقنية المستخدمة استناداً إلى أبحاث كل من جامعة هارفرد وبرنستون بيركلي في كاليفورنية ومعهد مصادر الطاقة WRI، وقد وجد أنه بالإمكان، من الناحية التقنية، الاقتصاد في استهلاك الطاقة بنسبة تراوح بين 25 و45%، ولا يقصد هنا التقنين في استخدام الطاقة، بل استخدام الطاقة بكفاية أعلى. ولقد حققت اليابان معدلات كبيرة في توفير الطاقة باعتماد تقنيات حديثة. وفيما يلي أهم مجالات الاقتصاد في الطاقة:
    1ـ اشتملت معظم خطوات الاقتصاد في استهلاك النفط، حتى اليوم، على تحسينات تقنية أدخلت على تصميم السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل كاستخدام الأجهزة الإلكترونية وتخفيف وزن السيارة وتحسين شكلها الانسيابي وغيرها، وبذلك انخفض استهلاك السيارة العادية في الخمسة عشر عاماً الماضية بنحو 25% في ألمانية، ونحو 50% في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك أدخلت تحسينات كثيرة على صناعة الطائرات وانخفض استهلاك محركاتها النفاثة. وإذا ما علم أن نصف إنتاج النفط العالمي تستهلكه 500 مليون سيارة وشاحنة وأن متوسط الزيادة السنوية في أسطول السيارات لا يقل عن 4.8% فستكون نسبة استهلاك السيارات العاملة في عام 2030م أكبر من ذلك بكثير.
    2ـ تطورت التقنيات الحديثة في توليد الطاقة الكهربائية من الوقود الأحفوري، وارتفع مردود محطات التوليد الكهربائية من 25% إلى 48%. ويبين الشكل 3 إحدى التقنيات المتقدمة لتوليد الكهرباء المسماة «الدورة المركبة المتكاملة للفحم المحول إلى غاز» Intergrated Coal Gasification Combined Cycle - IGCC. إذ يحول الفحم إلى خليط غازي بتفاعله مع البخار والأكسجين قبل حرقه، وتقوم المنظومة بعد ذلك بتشغيل الدورة المركبة، فيُحرق مزيج الغازات في عنفة غازية ثم تُردّ حرارة الغازات الخارجة من العادم إلى العنفة الغازية، بعد إدخالها في مبدل لتبخير الماء، ويقوم بخار الماء بتدوير عنفة بخارية تقليدية.
    إن الدورات المركبة أكثر كفاية من دورات البخار التقليدية، لأنها تستخلص قدراً أكبر من الطاقة من كل وحدة فحم أو نفط أو غاز تحرق في المحطة. أما في محطات توليد الكهرباء التقليدية فيحرق الفحم أو النفط أو الغاز لتسخين ماء المرجل وتحويله إلى بخار يدير عنفة بخارية، وتطرح الغازات الحارة الناتجة عن الاحتراق من مدخنة إلى الجو من دون أن تستغل.
    ويوضح الشكل 4 أهم تقنيات استخدام الوقود الأحفوري المتطورة، والكفاية والمردود لكل نوع من المحطات، الذي قد يصل إلى 55%، ويظهر بجلاء أهمية أبحاث الاقتصاد في الطاقة وحماية البيئة من التلوث.
    3ـ إن استخدام تجهيزات للإنارة أكثر كفاية ومردوداً يمكن أن يوفر في استهلاك الطاقة الكهربائية بنسبة تزيد على 80% في مجال الإنارة، ومثال على ذلك أن استخدام المصباح الفلوري الصغير الاستطاعة باستطاعة 18 واط يصدر ضوءاً مماثلاً لضوء مصباح متوهج عادي استطاعته 70 واط ويخفض كلفة الإنارة بنسبة 80% في البيوت والمكاتب، ويزيد عمر تلك المصابيح تسع مرات إلى ثلاث عشرة مرة على عمر المصابيح المتوهجة العادية، وتتوافر اليوم أدوات إنارة عالية الكفاية لكل الاستخدامات تقريباً.
    كذلك فإن استخدام الفوسفور والإلكترونيات واعتماد الترددات العالية (30 كيلو هرتز) يزيد من كفاية المصابيح ومردودها، ويمكن استرداد كلفة استبدال المصابيح الجديدة بالمصابيح التقليدية في مدى سنة ونصف عن طريق الاقتصاد في الطاقة المستجرة، وإذا ما طبقت تلك التقنيات على ملايين المصابيح في بلد مثل سورية أو على مليارات المصابيح الموجودة في العالم فيمكن تقدير مدى الاقتصاد الكبير في الطاقة والتخفيف من التلوث.
    4ـ وضعت الدول المتطورة معايير دقيقة لصناعة التجهيزات الكهربائية من حيث استخدام الكهرباء بكفاية عالية وبمردود مرتفع، ويبين الشكل 5 تطور استهلاك براد منزلي من الطاقة الكهربائية، وكان هذا الاستهلاك السنوي عام 1970 في حدود 1726 كيلو واط ساعي وأصبح عام 2000 بحدود 580 أي أقل من 50% من استهلاك براد قديم.
    ولما كانت الآلات الصناعية تستهلك بأنواعها 40% من الطاقة العالمية، فإن أي تحسين في كفايتها يؤدي إلى تخفيض مطرد لهذه النسبة. ويبذل العلماء والمهندسون جهوداً كبيرة لرفع كفاية استخدام الطاقة، وقد تمكنوا بنتيجة ذلك من زيادة الإنتاج الصناعي في العشرين سنة الماضية زيادة كبيرة، وأدى ذلك إلى خفض استهلاك الطاقة الإجمالي في الصناعة. وتُقدِّم المحركات الكهربائية مثالاً واضحاً على ذلك لأنها تستهلك 60 - 70% من الكهرباء المخصصة للصناعة، ويبين الشكل 6 آلية رفع كفاية محرك كهربائي يحرك مضخة سوائل صناعية.
    إن تجهيز المحرك بمنظم إلكتروني للسرعة يرفع من كفاية منظومة مضخة المحرك من 31% إلى 72% ويستطيع المستثمر استرجاع كلفة ذلك المنظم في مدى سنتين أو أقل، أما الأثر الصافي لمنظم السرعة في الحالة المذكورة فهو اقتصاد في الطاقة بنحو 21%.
    وقد بينت التجارب أن التحسينات التي أجريت على أفران القوس الكهربائية في صناعة الفولاذ حققت مكاسب في توفير الطاقة بحدود30%.
    ويمكن تلخيص أهم النتائج والمكاسب التي قد يحققها كل بلد باعتماد مبدأ الكفاية في استخدام الطاقة الكهربائية على النحو التالي:
    ـ خفض نفقات تشغيل المحطات (وقود وصيانة وأجور) على المدى القصير.
    ـ تجنب تكاليف بناء محطات توليد جديدة على المدى المتوسط.
    ـ تجنب نفقات تبديل محطات التوليد القديمة على المدى البعيد.
    ـ تحقيق المنافسة الصناعية بين وسائل الإنتاج، فالشركة التي تخفض كلفة الكهرباء بنسبة 20% أو30% توفر لمنتوجاتها أسعاراً منافسة قوية.
    ـ إيجاد حلول للمشاكل الكبرى التي تعانيها الدول النامية لأن المال اللازم لشراء محطات التوليد وتشغيلها يستهلك 25% من رأس مال التنمية، ويمكن توفير هذه المبالغ من أجل تنفيذ مشاريع تنموية مثمرة.
    طاقة الوقود الأحفوري
    شاع استعمال الوقود الأحفوري لسهولة استخراجه من مكامنه وإتقان استخدامه لإنتاج الخدمات التي يحتاج إليها الإنسان، وسهولة نقله، واختزانه قدراً كبيراً من الطاقة الحرارية، وكذلك سهولة تحويله من حالة إلى أخرى (صلبة أو سائلة أو غازية).
    ويعد الوقود الأحفوري من المواد الخام الممتازة لإنتاج الكيمياويات واللدائن، وسيبقى الوقود الأحفوري يحتل مكانته البالغة الأهمية طوال القرن المقبل لأن تطوير بدائل منافسة يتطلب جهوداً كبيرة وزمناً طويلاً.
    وقد تزايد استهلاك العالم من الغاز والنفط والفحم في المدة بين السبعينات والتسعينات من القرن العشرين بنسبة 50% عما كان عليه، فارتفع من 4733 مليون TEP عام 1971 إلى 7255 مليون TEP عام 1992، ( TEP= الطاقة الحرارية المتوسطة، الناتجة من احتراق طن واحد من النفط)، علماً أن الاحتياطي الذي لم يستغل حتى اليوم لايزيد على 760 مليار TEP. وتختلف كلفة إنتاج النفط من مكان إلى آخر وتراوح بين 10- 30 دولاراً للبرميل.
    1ـ الغاز الطبيعي: بينت الدراسات أن مخزون الغاز العالمي أكبر بكثير من مخزون النفط، ويكفي حاجة العالم أكثر من 50- 150 سنة. وقد بلغ حجم المخزون المحدد نحو120 مليار TEP، وأما المخزون العالمي الإجمالي فيعادل 230 مليار TEP، ويؤكد أكثر خبراء الطاقة أن الغاز الطبيعي هو طاقة المستقبل. ويبين توزع مخزون الغاز الطبيعي في العالم، كما في الشكل 7، أن إنتاج الغاز الطبيعي سيتركز في عام 2020 في روسية وفي الشرق الأوسط وسينتج القليل منه في الأمريكتين وفي أوربة الشمالية.
    والمعروف أن استخدام الغاز الطبيعي بدلاً من الفحم يوفر للبيئة بعض الحماية، إلى أن يتم استكمال تقنيات إنتاج طاقة بديلة غير أُحفورية.
    2ـ الفحم الحجري: تبين التقديرات الأولية لاحتياطي الفحم العالمي أنه يكفي استهلاك العالم حتى عام 2200، ويوضح الشكل 8 توزع الاحتياطي العالمي من الفحم الحجري واستهلاكه سنوياً في القارات الخمس. ويبلغ الاستهلاك العالمي اليوم نحو 2.3 مليار طن سنوياً، وهو قابل للزيادة إلى 4.1 مليار طن عام 2020، أي بنسبة 79% تقريباً، والميزة الأساسية للفحم هي انخفاض سعره بالموازنة مع النفط والغاز. أما أهم مساوئه فهو أنه ملوث كبير للبيئة.
    وهناك أبحاث تثير اهتماماً عالمياً، حول منظومة الدورة المركبة المتكاملة للفحم المُغوَّز (أي المحول إلى غاز). والهدف الأساسي من هذه التقنية تحويل الفحم إلى غاز مصنع يتكون أساساً من الهدروجين H2 وغاز أول أكسيد الفحم CO مع كميات أقل من غاز الميتان وغاز الفحم وكبريتات الهدروجين ويمكن استعمال هذه الغازات الناتجة وقوداً ذا مردود عالٍ نسبياً.
    3ـ النفط: إن تقديرات الاحتياطي النفطي في العالم تكفي الاستهلاك مدة 30 - 100 سنة ويعود عدم دقة التقدير إلى تباين نسبة استخراج النفط، وزيادة الاستثمارات الخاصة بالتنقيب عن النفط واستخراجه. ويبين الشكل 9 أهم منابع النفط في العالم. ويلاحظ من الشكل أن احتياطي العالم يتركز في عشر مناطق تقريباً أهمها: دول الخليج العربي وإيران والمكسيك وفنزويلة ودول آسيا الوسطى وروسية والأمريكتين. وتشير تقديرات الخبراء اليابانيين لعام 2020 إلى أن نفط الخليج سيكون المنتج الوحيد في العالم وسيزداد الاعتماد عليه في السنين القادمة. وسوف يزداد وسطي استهلاك النفط بنسبة 48% من اليوم حتى عام 2020.
    وتسعى الدول الكبرى إلى المحافظة على سعر النفط منخفضاً لدوره الكبير في كلفة الإنتاج الصناعي العالمي. كما تعمل شركات النفط على زيادة فاعلية إنتاج النفط ومردوده باعتماد الحفر الأفقي بعد الوصول إلى طبقة النفط. واستعمال أجهزة متطورة لتحديد المخزون وحجمه، وتخفيض كلف الحفر باعتماد تقنيات جديدة، وإعادة استثمار البئر المستنزفة بتحسين وسائل الاستخراج وتنقية النفط من الشوائب. إذ من الصعب استخراج كل ما في البئر من نفط، وأفضل الوسائل المستعملة إلى اليوم لا تستطيع استخراج أكثر من 45% من مخزون البئر الكامل، ويمكن التوصل إلى استخراج نحو 60% من ذلك المخزون بوسائل متطورة مما يزيد في الإنتاج ويخفض الكلفة.
    ومع أن النفط أفضل مصادر الطاقة المتوافرة اليوم فإن التوقعات المستقبلية البعيدة المدى غير مشجعة لأن النفط مادة ملوثة للبيئة.
    ويسبب تخفيض سعر النفط الخام خسارة مادية كبيرة للدول المنتجة له، ولكن يدفعها في المقابل إلى التحول من الاعتماد على الريع إلى الاعتماد على الإنتاج مدعوماً بثروة نفطية، الأمر الذي يعطي البلد المنتج للنفط ميزة عامة تتمثل في خفض كلفة الإنتاج بسبب انخفاض كلفة الطاقة. ومن المتوقع في السنوات المقبلة أن تصبح الدول النفطية واحدة من أهم الأسواق الناشئة في العالم الجاذبة لرؤوس الأموال، إذا اتخذت الإجراءات الآيلة إلى دمج اقتصادها بالاقتصاد العالمي.
    ولأن النفط سيبقى مصدراً رئيساً للطاقة حتى الربع الأول من القرن الحادي والعشرين فقد بدأت تظهر اليوم عدة استراتيجيات لتوفير الطاقة، غير مكلفة نسبياً، وتراوح بين زيادة كفاية استخدام الوقود الأحفوري وتطوير مصادر غير أحفورية محسنة يمكن أن تكون بدائل مسوَّغة اقتصادياً ويمكن استعمالها على نطاق واسع.
    4ـ هيدرات الميتان: بينت دراسات قعر المحيطات أن مخزونها الضخم من غاز هيدرات الميتان قد يكون مصدراً للطاقة يفوق أهمية كل مخزون العالم من النفط والغاز الموجود على الكرة الأرضية.
    يعود الفضل في اكتشاف هذا المصدر لمشروع أبحاث دولي هدفه دراسة قعر المحيطات في كل أنحاء العالم، تنفذه مؤسسة علم المحيطات المشتركة ضمن مشروع «جويدس» JOIDES Resolution بموجب برنامج الحفر في المحيطات Ocean drilling programme (ODP). وقد تم اكتشاف غاز هيدرات الميتان محبوساً في الخمسمئة متر الدنيا من الرواسب الموجودة في القعر على أعماق سحيقة تراوح بين 3000 و4500 متر وعلى مساحة تزيد على 3000 كم2 عند شاطئ ولاية كارولينة الشمالية في الولايات المتحدة الأمريكية. ويقدر العلماء كمية غاز الميتان المحصورة في هذه الطبقة وحدها بنحو 13 ألف مليار متر مكعب، أي ما يعادل 70 ضعف الاستهلاك السنوي في الولايات المتحدة. وهوليس غازاً محبوساً في حوض للغاز بل على هيئة فلز يسمى مركبات الميتان القفصية (الكهفية) clathrate de methane، وهي مكونة من تبلور ذرات الميتان ضمن بلّورات الماء تحت شروط خاصة بالضغط والحرارة مخلوطة بذرات من صخور رملية أو رسوبية تتوضع في قعر المحيط على أعماق كبيرة وتحوي أيضاً غاز الإيتان Ethane، والبروبان propane، والبوتان butane.
    يتشكل هذا الفلز بدرجة حرارة 2ْ مئوية وبضغط يزيد على 200 بار، وإذا انخفض الضغط على الفلز تحرر الغاز بحجم يزيد على 150 ضعف حجمه ويحترق بسرعة بلون برتقالي وبحرارة شديدة، ولا يترك إلا القليل من السخام أو البقايا.
    تتشكل هيدرات الميتان أيضاً على الأرض عند توافر البرودة والضغط المناسبين في المناطق القطبية وفي ألاسكة، وسيبيرية وفي أعماق المحيطات على شواطئ الولايات المتحدة، واليابان، والبيرو وكوستاريكة وفي أعماق البحر الأسود وبحر قزوين.
    ويتم تشكل هيدرات الميتان من تفسخ البكترية على مدى ملايين السنين عند توافر الضغط المناسب وفي درجة حرارة تقارب الصفر بمعزل عن الأوكسجين وفق المعادلة التالية:
    4H2+CO2 " CH4 +2H2O
    أما استثمار هذا المخزون الهائل من الغاز في القرن الحادي والعشرين فيتوقف على عدة عوامل سياسية واقتصادية وتقنية واستراتيجية وعلى سياسة شركات النفط الكبرى في العالم.

    تعليق


    • #3
      طاقة الانشطار النووي
      عُدّت الطاقة النووية nuclear power الحل الأمثل لاقتصاد الطاقة في العالم، لكنها اتهمت لاحقاً بأنها الطريقة الأكثر خطورة والأقل ملاءمة لإنتاج الطاقة. وتَعزز اليوم موقف الرأي العام العالمي المعارض للطاقة النووية بعد حادثة تشرنوبل في أوكرانية وحادثة جزيرة ثري مايل في أمريكة، إذ توقف بناء المفاعلات النووية في عدة دول. ففي الولايات المتحدة لم يتخذ أي قرار بإنشاء مفاعلات جديدة منذ عام 1978، وفي السويد توقف بناء المفاعلات بعد استفتاء شعبي، وفي سويسرة وألمانية توقفت الأنشطة النووية.
      ويمكن حصر أهم الأسباب السياسية والاجتماعية التي تقف في طريق تطوير الطاقة النووية فيما يلي:
      أ ـ مشاكل تشغيل المفاعل النووي والأخطار المرافقة لخروجه عن السيطرة.
      ب ـ صعوبة تصريف النفايات الذرية وارتفاع تكاليف إنتاج الطاقة وصعوبة معالجتها وتخزينها.
      وقد بينت الدراسات الاقتصادية الحديثة الخاصة بالطاقة النووية أن كلفة توليد الكيلوواط الساعي من المفاعلات الذرية كبيرة جداً ومن أسبابها:
      ـ ارتفاع تكاليف بناء المحطات النووية التي تتطلب مواصفات خاصة وطول مدة البناء.
      ـ ارتفاع تكلفة عناصر الأمان اللازمة لمنع حدوث تسرب إشعاعي، كبناء حاوية من الفولاذ والإسمنت المسلح تغلف المفاعل بكامله من أجل حصر الإشعاعات في حال حدوث انفجار نووي أو خروج المفاعل عن السيطرة، والشكل 10 يبين مبدأ هذا النظام.
      ـ ارتفاع تكلفة البرامج الحاسوبية (أنظمة خبيرة) للمراقبة والتحكم وحماية عمل المفاعل والتدخل لحصر الخطر تلقائياً.
      ـ ارتفاع تكلفة معالجة النفايات المشعة وتصريفها وتخزينها.
      ـ ارتفاع كلفة التخلص من المحطة بعد انتهاء عمرها الفني المقدر بثلاثين سنة.
      ـ انخفاض معدل استعمال المحطات بسبب طول مدة الصيانة والإصلاح والتجديد، وتبين الإحصائيات أن هذا المعدل يبلغ نحو 53% من عمر المحطة.
      ويبدو أن الأبحاث الجديدة الرامية إلى تطوير محطات الطاقة النووية قد توصلت إلى اقتراح محطة نووية من طراز جديد تتمتع بمواصفات كثيرة منها:
      ـ انتفاء خطر خروج المفاعل عن السيطرة، أو خطر تسرب إشعاعي.
      ـ عدم وجود نفايات مشعة لمدة طويلة.
      ـ اعتماد وقود نووي مختلف ومتوافر في الطبيعة بكثرة هو الثوريوم thorium.
      ـ عدم إنتاج مادة البلوتونيوم الخطرة المستعملة في الأسلحة النووية، وبذلك لا تخضع مثل هذه المحطات للحظر الدولي.
      ـ انتفاء طرح أي غازات تؤثر في البيئة.
      ـ انخفاض الكلفة التأسيسية.
      وقد تم اقتراح هذه المحطة النووية الجديدة سنة 1993 من قبل العالم كارلو روبيا Carlo Rubbia الحائز جائزة نوبل عام 1984. ومبدأ عملها مبين في الشكل 10.
      يعتمد مبدأ الانشطار التسلسلي على مسرع جزيئات بروتوني ملحق بالمحطة يقذف البروتون على كتلة من معدن الرصاص تملأ المفاعل، ويولد هذا الاصطدام حزمة من النيوترونات.
      عند اصطدام نيوترون بذرة ثوريوم 232 يتحول، بعد ضم النيوترون، إلى مادة مشعة هي الأورانيوم 232 فإذا ما صدمها نيوترون آخر تنشطر ذرة الأورانيوم 232 مطلقة طاقة حرارية كبيرة إضافة إلى حزمة نيوترونات تضاف إلى نيوترونات الحزمة الأولى لمتابعة الانشطار.
      ولا يسمح هذا الوقود بتكون مزيج حرج sous - critique إذ إنه يُمكِّن المفاعل من توقيف المسرِّع البروتوني فوراَ حائلاَ دون استمرار التفاعل التسلسلي.
      وقد بينت الدراسات والأبحاث الخاصة بمفاعل روبيا أن بالإمكان استخدام هذا المفاعل في تحويل البلوتونيوم الخطر، وكذلك بعض المواد المشعة الخطرة، لتنشيط الثوريوم ثم تتحول هذه المواد بعد ذلك إلى مواد مشعة بسيطة.
      ويعد مفاعل روبيا قفزة نوعية في استغلال الطاقة النووية ضمن مجال اقتصاد الطاقة والحفاظ على البيئة، ويتوقع اعتماد هذا النوع من المفاعلات على نطاق واسع.
      طاقة الاندماج النووي
      بدأت الأبحاث الخاصة بتوليد الطاقة من الاندماج النووي nuclear fusion منذ أوائل الخمسينات من القرن العشرين، وقد تبين أن من الممكن توليد الطاقة من دمج نواتين من عنصرين مختلفين بدلاَ من انشطارهما، ونجح الباحثون مخبرياً بدمج ذرتي التريتيوم والدوتيريوم أول مرة في عام 1995، وهذان العنصران نظيران لذرة الهدروجين في الشروط الفيزيائية الحدية التي عينها العالم لاوسون [ر.الاندماج النووي]، ولأن الاندماج لم يتخط عتبة الجدوى العلمية scientific feasibilitly فمن الصعب إدخاله في أبحاث اقتصاد الطاقة، لكنه يبشر بمستقبل واعد، إذ إنه يوفر طاقة هائلة وبكلفة زهيدة بالاعتماد على مواد متوافرة في الطبيعة بكثرة.
      إن مشروع مفاعل «توكا ماك» Tokamak الذي أقيم برغبة دولية مشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسية وأوربة الغربية واليابان يهدف إلى جعل الاندماج النووي صالحاً تجارياً في القرن الحادي والعشرين. وخلافاً للتصورات الشائعة فإن تقانة الاندماج الراهنة ليست نظيفة بطبيعتها، لأنها تطلق نيوترونات تجعل المفاعل والمواد المحيطة به نشيطة إشعاعياً. وتشير الأبحاث إلى احتمال تصميم مفاعلات هجينة hybrid تجمع الانشطار النووي مع الاندماج النووي.
      الطاقات النظيفة والمتجددة
      يقصد بالطاقات النظيفة الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والكتلة الحيوية، وهي طاقات غير مضرة بالبيئة يستفاد منها في توليد الكهرباء وإنتاج الوقود، وقد تزاحم الطرائق التقليدية لتوليد الطاقة من حيث التكلفة في السنين القليلة القادمة.
      إن ازدياد مخاطر تلوث هواء المدن والمطر الحمضي وتسرب النفط والإشعاع النووي وارتفاع حرارة الأرض تحض على البحث عن بدائل للفحم والنفط والمفاعلات النووية لإنتاج الطاقة، ومع أن مصادر الطاقة البديلة ليست نظيفة تماماً، فإنها تفتح المجال واسعاً أمام الخيارات التي يقل ضررها البيئي كثيراً عن مصادر الطاقة التقليدية. وأفضل تلك الخيارات الواعدة تسخير طاقة الشمس لإنتاج طاقة حرارية أو كهربائية، علماً أن التقانات الشمسية والبنى التحتية اللازمة لاستثمارها تتطور سريعاً، فالكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية ـ الحرارية ومن الرياح والكتلة الحيوية تنافس من حيث التكلفة الكهرباء المولدة بالطرائق المعروفة، كما أن الكهرباء المولدة من الخلايا الضوئية photovoltaics والوقود السائل المستخرج من الكتلة الحيوية دخلت مجال المنافسة مع نهاية القرن العشرين. ومن السابق لأوانه التنبؤ بنوع التقانة التي ستكون آنذاك، إلا أن إمدادات الطاقة الشمسية سوف تتنوع من حيث التقانة والحجم، وسوف تتسم بتنوعات إقليمية واضحة تتطلب طرائق جديدة لإدخال هذه التقنيات وإدارتها.
      1ـ الطاقة الشمسية: لقد أثبتت الطاقة الشمسية كفايتها الفنية والاقتصادية في مجال تسخين الماء وتوليد الكهرباء عن طريق الخلايا الشمسية، وتمتاز الطاقة الشمسية من غيرها من مصادر الطاقة بالتفوق في الحد من استهلاك الوقود وتلوث البيئة. فالطاقة الشمسية شبه مجانية، ولكنها تتطلب تكاليف كبيرة لإنتاج أجهزة توليد الطاقة وتحويلها، وتهدف الأبحاث الحديثة إلى خفض هذه التكاليف إلى الحد الأدنى، وقد أمكن حتّى اليوم تصميم محطات توليد شمسية باستطاعة 80 ميغاوات هجينة تعمل نهاراً على الطاقة الشمسية وليلاً على الغاز الطبيعي، وبذلك خفضت كلفة الكيلوواط الساعي إلى درجة كبيرة. على أن أسعار الطاقة الشمسية لا تخضع لقانون العرض والطلب المعروف اقتصادياً بل تعتمد على قانون اقتصاد المقياس economy of scale.
      2ـ طاقة الرياح: أصبحت تكلفة الطاقة الكهربائية المولدة بقوة الرياح منخفضة جداً. كما أن استخدام وسائل التحكم الإلكترونية الذكية واستخدام السطوح الانسيابية والتحسين المستمر للمواد المستخدمة في توليد الطاقة الكهربائية من الرياح حققت مكاسب إضافية في توفير مثل هذه الطاقة.
      3ـ طاقة الكتلة الحيوية: توفر خيارات الطاقة الشمسية تخزيناً ضمنياً في المادة الخضراء الموجودة في الكتلة الحيوية، التي تتكون بوساطة التركيب الضوئي، وتختزن جزءاً من الطاقة الشمسية على شكل طاقة كيمياوية يمكن استعادتها بحرق النبات، الشكل (11).
      تقدم الكتلة الحيوية على النقيض من الوقود الأحفوري عدداً من المزايا، إذ إنها تتوافر في معظم أرجاء الأرض، وتحتوي على أقل من 0.1 في المئة من الكبريت و3 إلى 5 في المئة من الرماد، ويعادل حجم غاز ثاني أكسيد الكربون المنطلق من الكتلة الحيوية عند حرقها أو معالجتها حجم غاز ثاني أكسيد الكربون المستهلك في عملية التركيب الضوئي. وهذا يعني أن الطاقة الحيوية لا تطرح في الجو أي كمية إضافية من ثاني أكسيد الكربون.
      تستعمل الكتلة الحيوية على نطاق واسع لتوليد الكهرباء والحرارة في صناعات منتجات الغابة، فتستخدم فضلات الخشب المتبقية من عملية الإنتاج وقوداً لمنظومات التوليد المرافق cogeneration العاملة على العنفات البخارية، وتعد هذه الطريقة اقتصادية فقط في المناطق التي يكون وقود الكتلة الحيوية الرخيص متوافراً فيها بكثرة.
      خلايا الوقود
      تتألف خلايا الوقود، كغيرها من الخلايا الكهربائية والكيمياوية، من مصعد ومهبط ومحلول كهربائي بينهما. إلا أن الخلايا الوقودية هذه تمتاز من غيرها بأن العامل المختزل (المهدرج) يغذي المصعد على هيئة وقود. ويكون الهدروجين هو الوقود في جميع الحالات، أي إن الخلية الوقودية تتغذى بالهدروجين وبالأكسجين لتولّد الكهرباء.
      وقد بينت الحسابات الاقتصادية لعدد من وحدات الخلايا الوقودية التي تعمل على الغاز الطبيعي أن التكاليف التأسيسية لها لم تتجاوز 1000 دولار للكيلوواط الواحد. وبمقتضى حسابات ليندشتروم الخبير السويدي في الخلايا الوقودية فإن كلفة الكيلوواط الساعي المولّد من هذه الخلايا تراوح ما بين 0.06ـ 0.07 دولار، ومردودها في حدود 50%، ومن المتوقع في المستقبل المنظور أن يرتفع مردود الخلايا الوقودية إلى 60% مما يؤدي إلى انخفاض كلفة التوليد منها وازدياد فرص المنافسة لمصلحتها.
      آفاق المستقبل لمصادر الطاقة
      يجمع خبراء الطاقة على أن طاقة المستقبل ستكون متعددة ومتنوعة من عشرات المنابع.
      وتتوزع نسبة كل منبع منها بين 5% و15% من كمية الطاقة التي تولد في العالم. وذلك تبعاً للتوليد، ونسبة الملوثات، وسهولة الاستخدام. ويرجح الخبراء ظهور إمكانات التوصل إلى طرائق أفضل لتحويل الطاقة وتخزينها تسهم في الاعتماد على الطاقات النظيفة. ومن الأمثلة المعتمدة في تخزين الطاقة الكهربائية المولدة من الطاقة الشمسية ومن طاقة الرياح استخدام تلك الطاقة في تحليل الماء إلى هدروجين وأكسجين كما هو مبين في الشكل 12.
      إن الهدروجين الناتج من تحليل الماء باستخدام كهرباء الفلطية الضوئية أو الرياح هو وقود نظيف يخزن الطاقة الشمسية كيمياوياً، وإن نقل الهدروجين أرخص كلفة من حيث المبدأ من نقل الكهرباء، لذلك يمكن أن يكون التحول إلى الهدروجين وسيلة جذابة لاستخدام الطاقة الشمسية ونقلها إلى مراكز الطلب الرئيسية.
      كما أن اعتماد محطات هجينة لإنتاج الطاقة المركبة (شمسية ـ غاز طبيعي) بإضافة منظومة وقود أحفوري رخيصة يمكن تعديل إنتاجها من الكهرباء للتعويض عن التقلبات في الإمداد الشمسي وقوة الرياح، قد يكون الطريقة الأقل ضرراً بيئياً لتوليد الطاقة.
      وقد قامت إحدى الشركات الأمريكية بإضافة مصدر حراري، يعمل على إحراق الغاز الطبيعي، إلى منظومتها الكهربائية الشمسية ـ الحرارية، ووفر هذا المصدر الحراري للشركة القدرة على زيادة إنتاجها إلى الحد الأقصى، بضمان توافر الطاقة كلما دعت إليها الحاجة.
      إن فكرة النظام «الهجين الغازي ـ الشمسي» قابلة للتطبيق أيضاً على الرياح والفلطيات الضوئية. ويمكن استخدام جيل جديد من عنفات الغاز ذات الكفاية العالية الرخيصة في هذه الهجينات.
      وقد انخفضت تكاليف الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية انخفاضاً حاداً في الثمانينات من القرن العشرين، وسوف تستمر في الانخفاض مع استمرار التحسن في تقنياتها واكتساب الخبرة (الشكل 13).
      أما الإنتاج الكلي للكتلة الحيوية فمرهون بتوافر الأرض والماء، بسبب انخفاض كفاية التركيب الضوئي وضخامة كميات المياه اللازمة لزراعة النباتات، ومع ذلك يمكن لإمدادات الكتلة الحيوية الكاملة أن تحل محل النفط المستخدم اليوم في المركبات الخفيفة، ومحل الفحم الذي يحرق لتوليد الكهرباء، شريطة استخدام وحدات ذات كفاية عالية للتحويل إلى غاز مع استخدام عنفات غازية لتوليد الطاقة ويمكن بهذه الطريقة خفض انبعاث ثنائي أكسيد الكربون إلى النصف (الشكل 14).
      اقتصاد الطاقة والحفاظ على التوازن البيئي
      ما يزال الوقود الأحفوري المصدر الأساسي للطاقة الرخيصة، وسيظل كذلك إلى أن تحل محله مصادر أخرى ملائمة من حيث الكم والكلفة، فإحراق الفحم والنفط والغاز الطبيعي يوفر في الوقت الحاضر أكثر من 80% من الطاقة التي يستهلكها العالم، لكن الغازات المنبعثة من عمليات الاحتراق تفسد البيئة إلى درجة خطرة قد تصل إلى تغيير المناخ وتهديد صلاحية الأرض للسكن في المستقبل.
      ولابد من تطوير تقنيات تهتم بتخفيف أثر المطر الحامضي ودخان المدن (الضبخان smog)، وهما الأثران المباشران الناجمان عن إحراق الوقود الأحفوري، كما يجب الانتباه إلى الأثر الثالث الأكثر خطراً وتدميراً للبيئة، وهو ارتفاع حرارة الكرة الأرضية بسبب ما يسمى بظاهرة «الدفيئة» التي تؤدي في النهاية إلى تغيير مناخ الأرض. وهذا يتطلب تخصيص أموال كافية لتطوير تقنيات الحد من التلوث وتخصيص أموال كافية لإيجاد بدائل للطاقة غير المتجددة وتخصيص أموال كافية للتخلص من الملوثات والاقتصاد في حرق الوقود الأحفوري للتقليل من الملوثات.
      وتضاف كل هذه المتطلبات إلى الكلفة الإجمالية للوقود. والشكل 15 يبين ملوثات الوقود الأحفوري وكمية Kg/Tep لكل نوع من أنواع الوقود المستخدم:
      أما الشكل 16 فيبين تغيرات حرارة الأرض في الحقبة بين عام 1860وعام2000 إذ يلاحظ أن حرارة الأرض قد زادت بنسبة (0.6ْ) مع كل ما يتبع ذلك من أخطار ومن تغيير في مناخ الأرض.
      ولقد بدأت في الظهور استراتيجيات مختلفة، غير مكلفة نسبياً، تراوح ما بين زيادة كفاية استخدام الوقود الأحفوري وتطوير مصادر غير أحفورية محسنة يمكن أن تكون بدائل اقتصادية على نطاق واسع.
      إن تغير المناخ العالمي هو من بين المشكلات البيئية الأكثر تهديداً والأصعب معالجة من نواح عدة، فالمناخ يحكم معظم العمليات البيئية التي يعتمد عليها رفاه البشر اعتماداً حيوياً. ويمكن أن يكون لتغير المناخ العالمي عواقب عميقة الأثر في نصف الكرة الجنوبي: كزيادة القحط في فصل الجفاف وزيادة الفيضانات في فصل الأمطار، وازدياد المجاعات والأمراض إضافة إلى ملايين المهجرين بسبب الكوارث البيئية. وإذا كان الشمال أقل معاناة من آثار تغير المناخ المباشرة لقدرة مجتمعاته على التكيف، فإن العالم وثيق الترابط ولاسيما بالتجارة والمصالح الاقتصادية والسياسية.
      والمجتمع العالمي اليوم في حاجة إلى تقنيات متطورة لتخفيف هذه الآثار المدمرة للبيئة تغنيه عن اللجوء إلى تقليص استهلاكه من الطاقة.
      وفيما يتصل بتثبيت الوقود الأحفوري فيبدو أن معظم الآثار السيئة الناجمة عنه (ومنها مخاطر استخراج الفحم ومعظم المشكلات الصحية والمطر الحامضي) يمكن تخفيفها بتكاليف مالية إضافية بحدود 30% إلى الأسعار الحالية للوقود الأحفوري أو الكهرباء المولّدة منه. ومع ذلك يحتاج الأمر إلى استثمارات ضخمة من أجل تحديث المنشآت والتجهيزات القائمة أو تبديلها، وهي عقبة مهمة في بعض أجزاء العالم لنقص رأس المال وكون المنشآت والتجهيزات الموجودة أدنى بكثير من المستويات المتعارف عليها اليوم.
      أما الطاقة النووية فهي أقل إفساداً للمناخ والبيئة إلى حد كبير، بيد أن قبول التوسع في استعمالها مرتبط باعتماد جيل جديد من المفاعلات له خصائص أمان محسّنة وإيجاد حلول عملية وفعالة لتصريف النفايات المشعة، وانتشار الأسلحة النووية.
      أما الخيار الطويل الأمد والأمثل لتوفير الطاقة مع التحكم في التكلفة البيئية إلى الحد الأدنى فهو الاستفادة من الطاقة الشمسية استفادة مباشرة، وهي إلى اليوم أكثر الخيارات الطويلة الأمد كلفة وقد تبقى كذلك زمناً طويلاً.
      العلاقة بين كلفة الإنتاج والآثار البيئية الناجمة عنها
      إن قدرة البيئة على امتصاص النفايات الملوثة وغيرها من آثار تقانات الطاقة محدودة. وتتجلى في صنفين أساسيين من التكاليف البيئية: التكاليف «الخارجية»، وهي التي يفرضها إفساد البيئة على المجتمع ولا تؤثر في الحسابات المالية لمستهلكي الطاقة ومنتجيها، والتكاليف «المدخلة» وهي الزيادات على النفقات المالية التي تفرضها تدابير تهدف إلى خفض التكاليف الخارجية.
      وكلا هذين الصنفين من التكاليف البيئية كانا وما يزالان في ازدياد لأسباب كثيرة منها: تناقص الجودة في تجمعات إنتاج الوقود ومواقع تحويل الطاقة وضرورة نقل المزيد من المواد إلى مسافات أبعد وبناء منشآت أكبر، وكذلك تنامي حجم النفايات الملوثة من منظومات الطاقة وضرورة إشباع قدرة البيئة على امتصاص مثل هذه النفايات من دون أن تصاب بالتلوث، وميل نفقات التحكم في التلوث إلى الزيادة مع ارتفاع نسبة التلوث. وإن تضافر معدلات استهلاك الطاقة المتزايدة مع انخفاض الجودة في الموارد يتطلب التخلص من نسبة متزايدة من الملوثات للإبقاء على مستوى الضرر على حاله، وهذا يعني زيادة التكاليف المدخلة، إضافة إلى أن الاهتمام الجماهيري والسياسي بالبيئة يطيل وقت اختيار مواقع منشآت الطاقة والترخيص لها وبنائها، ويزيد في تواتر تعديل المشروعات ومواصفاتها قبل بدء التنفيذ وإبّانه مما يؤدي إلى ارتفاع آخر في التكاليف.
      وإنه لمن الصعب تحديد مقدار إسهام هذه العوامل المختلفة في النفقات المالية للإمداد بالطاقة. والمشكلة أن العوامل التي لا صلة لها بالبيئة كثيراً ما تتداخل مع العوامل البيئية، فقد لا يحدث التأخر في الإنشاء مثلاً بسبب قيود التنظيم فحسب، بل بسبب مشكلات هندسية وإدارية وأخرى لها صلة بمراقبة الجودة أيضاً. ومع ذلك فإن الإدخال الفعلي للآثار البيئية أو محاولة ذلك يزيد ولا شك في التكاليف المالية للإمداد بمنتجات النفط وتكاليف توليد الكهرباء والطاقة النووية.
      ويصعب تحديد آثار النفقات التي يتطلبها إنتاج الطاقة في الصحة والسلامة العامتين، فلم يتوصل الباحثون مثلاً إلى إجماع حول آثار تلوث الهواء من الوقود الأحفوري وعدد الوفيات الناجمة عن التعرض لمثل هذا التلوث وتباينت تقديراتهم حول تركيب الوقود وتقانة التحكم في تلوث الهواء.
      وثمة شكوك كثيرة حول آثار الانشطار النووي في الصحة والسلامة، ويلاحظ في هذه الحالة أن التقديرات المختلفة تنجم جزئياً عن الفروق في المواقع وطُرُز المفاعلات، وجزئياً عن الشكوك التي تحوم حول التلوث الناتج في كل مرحلة من مراحل دورة الوقود النووي، وخصوصاً إعادة معالجة الوقود والتصرف بنفايات مصانع الأورانيوم. وهناك فرضيات مختلفة حول آثار التعرض لجرعة منخفضة من الإشعاع وأكثر هذه الشكوك يتركز حول احتمالات وقوع الحوادث الكبيرة في المفاعلات وفي مصانع إعادة المعالجة وفي نقل النفايات.
      إن الأخطار التقديرية على الصحة العامة الناجمة عن محطات توليد الكهرباء بحرق الفحم أو بالطاقة النووية كثيرة جداً، وتراوح بين أخطار يمكن إهمالها وأخطار شديدة التأثير مقارنة بالأخطار المحتملة الأخرى على السكان. وثمة أساس ضعيف في هذه المجالات لتفضيل أحد مصدري الطاقة المذكورين على الآخر.
      إن حل هذه المعضلات يتطلب تبني استراتيجية واضحة وأساليب ناجعة، ومن ذلك محاولة خفض التكاليف البيئية والاجتماعية لمصادر الطاقة الموجودة. وخفض إصدار أكاسيد الكبريت والنتروجين من الوقود الأحفوري وأنواع الوقود التقليدية. وإن تقنيات كبح هذه الإصدارات أضحت في متناول اليد، وهي تعوض عن كلفتها بإنقاص الضرر الواقع على الصحة والممتلكات والنظم البيئية. وثمة حاجة لبذل الجهد لزيادة أمان المفاعلات النووية المعاصرة والحد من قدراتها ومنع استغلالها لإنتاج الأسلحة النووية، وتطوير تصميماتها تحت رقابة دولية.
      إن إقامة تعاون بين الشرق والغرب والشمال والجنوب في قضايا البيئة يمكن أن تبدأ ببحوث الطاقة، وأن تخفف أزمة تمويل هذه البحوث بمنع الازدواجية وبمشاركة القوى المتخصصة في مختلف البلدان، وبتوزيع تكاليف المشروعات الكبيرة على المشاركين ومن المهم بوجه خاص أن يشتمل التعاون في بحوث الطاقة على تقنيات الطاقة المصممة للدول النامية.
      ومن المهم جداً أيضاً التعاون الدولي في مراقبة الآثار البيئية لسد الحاجة إلى الطاقة، وإن نداءات الدول الغنية لحل المشكلات البيئية العالمية بتقييد استعمال الطاقة العالمي سوف تلقى آذاناً صماء في أقل البلدان نماء والبلدان المتوسطة اقتصادياً، مالم تقم المجموعة الأولى بإيجاد سبل لمساعدة المجموعتين الأخريين على بلوغ رفاهية اقتصادية متزايدة وحماية بيئية في آن واحد. وإلى أن يتم إحراز تقدم في هذا المجال سيكون من الصعب التكلم عن تغيير الوقود الأحفوري، فمع كل عيوب هذا الوقود، سيظل هو الأرخص نسبياً والأكثر توافراً والأيسر تكيفاً مع الاستعمالات كبيرها وصغيرها بسيطها ومعقدها، كما سيظل التحدي التقني قائماً من أجل استخلاص أكبر قدر من الطاقة التقليدية مع تقليل الإضرار بالبيئة إلى الحد الأدنى.
      مقداد مهنا، محمد هاشم أبو الخير

      تعليق

      يعمل...
      X