الفولكلور (موسيقى -)
دخلت كلمة فولكلور folklore الأجنبية على اللغة العربية مصطلحاً يطلق على الفنون الشعبية ومنها الغناء والرقص، والتي هي جزء من الفولكلور، الذي أبدعه الشعب وعاش معه وتمثل فيه عبر مئات بل آلاف السنين. والأغنيات الفولكلورية مجهول ناظمها وملحنها، وغالباً ما تكون من دون مرافقة موسيقية (وفي بعض الحالات ترافق بالطبول) تتداولها الشعوب جيلاً بعد جيل. وفي الوطن العربي ثروة مهمة من الفولكلور تظهر واضحة في مختلف مجالات الحياة الشعبية. والألوان الفولكلورية على السواحل البحرية، تختلف عنها في المناطق المتاخمة للصحارى، وما يؤديه أهل الشمال من هذه الفنون، يختلف في مظاهره عما يؤديه سكان الجنوب، وهذا التباين في الألوان الفولكلورية يشمل أيضاً مناطق السهول والجبال، ومناطق السهول تختلف فيما بينها بين السهول المبستنة وغير المبستنة، كذلك الأمر في مناطق الجبال الجرداء، والجبال المشجرة التي تكسوها الغابات. ولكل منطقة من هذه المناطق في الوطن العربي الكبير مواسمها وأعيادها الشعبية مختلفة الألوان من ألعاب وفروسية وفنون يدوية وموسيقى وعزف وغناء ورقص وما إليها من مظاهر الحياة الشعبية المادية والعقلية والاجتماعية. والأغنية الشعبية جزء مهم من الفنون التي أبدعها الشعب، وتطوَّرت عبر التاريخ بتطوره وأحداثه، وخدمت أغراضاً دينية وبيئية واجتماعية وغزلية واقتصادية وسياسية ونضالية حتى غدت على الصورة التي تُرى عليها اليوم.
في بلاد الشام - سورية الطبيعية - ثروة مهمة من الفنون الشعبية، مثلها مثل مصر والسودان والمغرب العربي والعراق والحجاز وغيرها، تظهر واضحة في مختلف مجالات الحياة. والأغنية الفولكلورية التراثية السورية، تمتد عميقاً في تاريخ سورية الطبيعية، وقد توارثتها وغنَّتها الأقوام التي عاشت في المنطقة بلغاتها من كلدانية وآشورية وآرامية وكنعانية ونبطية وغيرها، إلى أن غلبتها اللغة العربية فيما غلبت بخصائصها ومميزاتها اللغوية، فحفِظَتها من عاديات الزمن. وزاد عليها العرب من فنونهم وأشعارهم الشيء الكثير في مرحلة البداوة، فطبعتها بطابعها قبل أن تتطور إلى الأفضل في مرحلة الاستقرار البدوي وامتهان الزراعة إضافة إلى الرعي، ولتبلغ الأوج فيما بعد بفضل لغة قريش التي سيطرت بعد الفتح العربي الإسلامي على اللغات السائدة ولاسيما في المدن، في حين ظلت في الأرياف تحتفظ بلغاتها زمناً إلى أن انصهرت في بوتقة اللغة العربية الأفصح والأقوى، اللهم إلا من بعض القرى في القلمون وحول حمص وفي الجزيرة التي أصرت على الاحتفاظ بلغاتها الكلدانية والآشورية والآرامية ـ السريانية ـ كما في العراق، بدافع قومي وديني، على الرغم من الجذر العربي لهذه اللغات. ويظهر في الساحل السوري وجباله تأثير تلك اللغات القديمة من وراء استبدال الأحرف الصوتية في العديد من الكلمات، كاستبدال حرف الألف بالياء في كلمة «حيط» بـ «حاط» في جزيرة أرواد، واستبدال الواو بالألف مثل فعل «قال» بـ «قول» وغيرها من الكلمات التي احتفظت بها بعض الأغنيات.
التزمت بعض الأغاني الفولكلورية السورية في موسيقاها وإيقاعاتها رقصة الدبكة العربية على اختلاف أنواعها وأدائها في ديار الشام كافة، وبعضها الآخر لم يلتزم الرقص على إيقاعاته مثال ذلك «العتابا» و«الميجانا». وتتألف العتابا من أربعة أبيات من بحر الوافر، والأبيات الثلاثة الأولى تكون على قافية واحدة، في حين يأتي البيت الرابع على قافية مختلفة. والميجانا مثل العتابا، غناء شاكٍ وحزين يُنظم من بحر الرجز، ويتألف أيضاً من أربعة أبيات، والمذهب الغنائي المتداول فيه، ناظمه مجهول وبه يستهل الغناء، ويعاد بعد كل غصن من أغصان الميجانا:
يا ميجانا ويا ميجانا ويا ميجانا
زهر البنفسج يا ربيع بلادنا
وهذا المذهب يستخدم أيضاً مذهباً في العتابا.
يعود جذر كلمة أغنية «دلعونة» إلى الآرامية، والأرجح إلى الكنعانية. و«دلعونة» أو «دل - عنات» بالكنعانية هي ابنة الآلهة «إيل»، وكانت كما تروي الأساطير فائقة الجمال، إضافة إلى كونها آلهة الخصب والحبّ والحرب عند الكنعانيين. وترجع هذه الأغنية إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة. والأغاني الشعبية الأخرى التي انبثقت عنها بعد تطورها، لا تُغنّى حتى اليوم إلاَّ في المناطق التي أقام فيها الكنعانيون، أي في بلاد الشام الممتدة على طول الساحل السوري من أقصى فلسطين جنوباً ولغاية إسكندرونة شمالاً، وقد ورثتها الأجيال جيلاً بعد جيل، وتفنن الشعراء، على المدى الطويل في نظم أبياتها، على إيقاعها الموسيقي الراقص، وغنَّتها النساء بإيقاع بطيء نوعاً ما، بينما غنَّاها الرجال منذ العصر الرعوي للبداوة بإيقاعها السريع المتداول اليوم، والذي يتماشى مع إيقاع الدبكة العربية. ولأغاني الدلعونة سبعة إيقاعات وتنظم أبياتها من بحر البسيط:
على دلعونة وعلى دلعونا يا ليل طوّل ع اللي يحبونا
يُطلق اسم الأغاني الجفراوية، على عدد كبير من الأغاني الشعبية الموغلة في القدم، والتي يعود أغلبها إلى زمن استقرار البدوي. من هذه الأغاني: «الموليه»، و«ع اليادي»، و«الروزانا»، و«أم الزلف»، و«يا غزيّل»، و«سكابا يا دموع العين»، وغيرها كثير مما يصعب حصره وتعداده. تتألف الأغاني الجفراوية في نظمها من أربع شطرات، تكون في بعضها الشطرات الثلاث الأولى على قافية واحدة، وتخالفها الشطرة الرابعة في ذلك، وقد تأتي هذه الشطرة أحياناً ثانية أو ثالثة كما في أغنية «سكابا يا دموع العين» الشهيرة.
سكابا يا دموع العين سكابا
تعي وحدك لا تجيبي حدابا
وإن جيتي وجبتي حدا معاك
لهد الدار واجعلها خرابا
غنَّى مشاهير المطربين والمطربات الأغاني الفولكلورية وأبدعوا فيها، ثمَّ غنوا الأغنية الشامية أي أغنية ديار الشام الشعبية الحديثة التي يعود تاريخ نشأتها وتداولها إلى أواخر القرن السابع عشر. وقد استطاع الموسيقي صلحي الوادي أن ينقل عن وفيق فوق العادة بعض هذه الأغاني. كما أن الموسيقي مصطفى هلال جمع وحقق ودوّن موسيقياً وسجَّل غناء عشرات من هذه الأغنيات التي مازالت متداولة حتى اليوم في المشرق العربي أكثر منه في المغرب العربي.
صميم الشريف
دخلت كلمة فولكلور folklore الأجنبية على اللغة العربية مصطلحاً يطلق على الفنون الشعبية ومنها الغناء والرقص، والتي هي جزء من الفولكلور، الذي أبدعه الشعب وعاش معه وتمثل فيه عبر مئات بل آلاف السنين. والأغنيات الفولكلورية مجهول ناظمها وملحنها، وغالباً ما تكون من دون مرافقة موسيقية (وفي بعض الحالات ترافق بالطبول) تتداولها الشعوب جيلاً بعد جيل. وفي الوطن العربي ثروة مهمة من الفولكلور تظهر واضحة في مختلف مجالات الحياة الشعبية. والألوان الفولكلورية على السواحل البحرية، تختلف عنها في المناطق المتاخمة للصحارى، وما يؤديه أهل الشمال من هذه الفنون، يختلف في مظاهره عما يؤديه سكان الجنوب، وهذا التباين في الألوان الفولكلورية يشمل أيضاً مناطق السهول والجبال، ومناطق السهول تختلف فيما بينها بين السهول المبستنة وغير المبستنة، كذلك الأمر في مناطق الجبال الجرداء، والجبال المشجرة التي تكسوها الغابات. ولكل منطقة من هذه المناطق في الوطن العربي الكبير مواسمها وأعيادها الشعبية مختلفة الألوان من ألعاب وفروسية وفنون يدوية وموسيقى وعزف وغناء ورقص وما إليها من مظاهر الحياة الشعبية المادية والعقلية والاجتماعية. والأغنية الشعبية جزء مهم من الفنون التي أبدعها الشعب، وتطوَّرت عبر التاريخ بتطوره وأحداثه، وخدمت أغراضاً دينية وبيئية واجتماعية وغزلية واقتصادية وسياسية ونضالية حتى غدت على الصورة التي تُرى عليها اليوم.
في بلاد الشام - سورية الطبيعية - ثروة مهمة من الفنون الشعبية، مثلها مثل مصر والسودان والمغرب العربي والعراق والحجاز وغيرها، تظهر واضحة في مختلف مجالات الحياة. والأغنية الفولكلورية التراثية السورية، تمتد عميقاً في تاريخ سورية الطبيعية، وقد توارثتها وغنَّتها الأقوام التي عاشت في المنطقة بلغاتها من كلدانية وآشورية وآرامية وكنعانية ونبطية وغيرها، إلى أن غلبتها اللغة العربية فيما غلبت بخصائصها ومميزاتها اللغوية، فحفِظَتها من عاديات الزمن. وزاد عليها العرب من فنونهم وأشعارهم الشيء الكثير في مرحلة البداوة، فطبعتها بطابعها قبل أن تتطور إلى الأفضل في مرحلة الاستقرار البدوي وامتهان الزراعة إضافة إلى الرعي، ولتبلغ الأوج فيما بعد بفضل لغة قريش التي سيطرت بعد الفتح العربي الإسلامي على اللغات السائدة ولاسيما في المدن، في حين ظلت في الأرياف تحتفظ بلغاتها زمناً إلى أن انصهرت في بوتقة اللغة العربية الأفصح والأقوى، اللهم إلا من بعض القرى في القلمون وحول حمص وفي الجزيرة التي أصرت على الاحتفاظ بلغاتها الكلدانية والآشورية والآرامية ـ السريانية ـ كما في العراق، بدافع قومي وديني، على الرغم من الجذر العربي لهذه اللغات. ويظهر في الساحل السوري وجباله تأثير تلك اللغات القديمة من وراء استبدال الأحرف الصوتية في العديد من الكلمات، كاستبدال حرف الألف بالياء في كلمة «حيط» بـ «حاط» في جزيرة أرواد، واستبدال الواو بالألف مثل فعل «قال» بـ «قول» وغيرها من الكلمات التي احتفظت بها بعض الأغنيات.
التزمت بعض الأغاني الفولكلورية السورية في موسيقاها وإيقاعاتها رقصة الدبكة العربية على اختلاف أنواعها وأدائها في ديار الشام كافة، وبعضها الآخر لم يلتزم الرقص على إيقاعاته مثال ذلك «العتابا» و«الميجانا». وتتألف العتابا من أربعة أبيات من بحر الوافر، والأبيات الثلاثة الأولى تكون على قافية واحدة، في حين يأتي البيت الرابع على قافية مختلفة. والميجانا مثل العتابا، غناء شاكٍ وحزين يُنظم من بحر الرجز، ويتألف أيضاً من أربعة أبيات، والمذهب الغنائي المتداول فيه، ناظمه مجهول وبه يستهل الغناء، ويعاد بعد كل غصن من أغصان الميجانا:
يا ميجانا ويا ميجانا ويا ميجانا
زهر البنفسج يا ربيع بلادنا
وهذا المذهب يستخدم أيضاً مذهباً في العتابا.
يعود جذر كلمة أغنية «دلعونة» إلى الآرامية، والأرجح إلى الكنعانية. و«دلعونة» أو «دل - عنات» بالكنعانية هي ابنة الآلهة «إيل»، وكانت كما تروي الأساطير فائقة الجمال، إضافة إلى كونها آلهة الخصب والحبّ والحرب عند الكنعانيين. وترجع هذه الأغنية إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة. والأغاني الشعبية الأخرى التي انبثقت عنها بعد تطورها، لا تُغنّى حتى اليوم إلاَّ في المناطق التي أقام فيها الكنعانيون، أي في بلاد الشام الممتدة على طول الساحل السوري من أقصى فلسطين جنوباً ولغاية إسكندرونة شمالاً، وقد ورثتها الأجيال جيلاً بعد جيل، وتفنن الشعراء، على المدى الطويل في نظم أبياتها، على إيقاعها الموسيقي الراقص، وغنَّتها النساء بإيقاع بطيء نوعاً ما، بينما غنَّاها الرجال منذ العصر الرعوي للبداوة بإيقاعها السريع المتداول اليوم، والذي يتماشى مع إيقاع الدبكة العربية. ولأغاني الدلعونة سبعة إيقاعات وتنظم أبياتها من بحر البسيط:
على دلعونة وعلى دلعونا يا ليل طوّل ع اللي يحبونا
يُطلق اسم الأغاني الجفراوية، على عدد كبير من الأغاني الشعبية الموغلة في القدم، والتي يعود أغلبها إلى زمن استقرار البدوي. من هذه الأغاني: «الموليه»، و«ع اليادي»، و«الروزانا»، و«أم الزلف»، و«يا غزيّل»، و«سكابا يا دموع العين»، وغيرها كثير مما يصعب حصره وتعداده. تتألف الأغاني الجفراوية في نظمها من أربع شطرات، تكون في بعضها الشطرات الثلاث الأولى على قافية واحدة، وتخالفها الشطرة الرابعة في ذلك، وقد تأتي هذه الشطرة أحياناً ثانية أو ثالثة كما في أغنية «سكابا يا دموع العين» الشهيرة.
سكابا يا دموع العين سكابا
تعي وحدك لا تجيبي حدابا
وإن جيتي وجبتي حدا معاك
لهد الدار واجعلها خرابا
غنَّى مشاهير المطربين والمطربات الأغاني الفولكلورية وأبدعوا فيها، ثمَّ غنوا الأغنية الشامية أي أغنية ديار الشام الشعبية الحديثة التي يعود تاريخ نشأتها وتداولها إلى أواخر القرن السابع عشر. وقد استطاع الموسيقي صلحي الوادي أن ينقل عن وفيق فوق العادة بعض هذه الأغاني. كما أن الموسيقي مصطفى هلال جمع وحقق ودوّن موسيقياً وسجَّل غناء عشرات من هذه الأغنيات التي مازالت متداولة حتى اليوم في المشرق العربي أكثر منه في المغرب العربي.
صميم الشريف