كان أينشتين محقًا، التغيرات في الجاذبية تنتشر بالفعل على شكل موجات عبر الفضاء. تمكنت تجربة ليجو LIGO من التقاط موجات كهذه نتجت عن اصطدام ثقبين أسودين تبلغ كتلتهما 36 و 29 مرة كتلة الشمس (توصف هذه الطريقة في القياس بالكتلة الشمسية). لكن الاندماج الناتج عن هذه الكتل الشمسية البالغ مجموعها خمس وستون اقتصر على اثنتين وستون كتلة شمسية فقط، فماذا حدث للثلاثة الباقية؟ الثلاثة الباقية استهلكوا في خلق دفقة من موجات الجاذبية، في تجسيد مدهش لمعادلة أينشتين الشهيرة: E=Mc2، حيث الكتلة والطاقة صنوان.
كانت هذه مجرد بداية. فالآن وقد صار بإمكاننا قياس موجات الجاذبية، يمكن لنا استخدام تجارب مثل LIGO لدراسة حوادث في الكون لم يكن لنا لندركها في السابق، مثل اندماج الثقوب السوداء ذات الكتلة الضخمة (فائقة الكتلة) في بدايات الكون. لكن إلى أي مدى يمكن لنا أن نبتعد في الماضي. ماذا عن الموجات “الأولية” التي نشأت عن ميلاد الكون ذاته؟ هل سيمكن لاكتشاف الLIGO مساعدتنا في التقاطها؟
العودة بالزمن
بالرغم من أن الكتل في الحدث المذكور تعد كبيرة بالمقاييس النجمية، فهي تتضائل أمام الثقوب السوداء فائقة الكتلة، والتي يعتقد علماء الفضاء بوجودها في قلب كل مجرة. فمجرتنا نحن، درب التبانة، تضم ثقبًا تبلغ كتلته أربعة ملايين كتلة شمسية، تم الكشف عنه من خلال مراقبة النجوم التي تدور حوله. حتى هذا الثقب يبدو ضئيلا بالمقارنة بالثقوب التي تبلغ كتلتها عشرات الملايين من الكتل الشمسية والتي يعتقد بتواجدها في قلب المجرات الأكبر حجمًا.
هناك الكثير مما يود علماء الفضاء معرفته عن هذه الثقوب فائقة الكتلة. في الوقت الحالي يمكن لنا رصد هذه الثقوب بواسطة رصد كم ضخم من الإشعاع الكهرومغناطيسي، مثل الضوء المرئي وأشعة X، التي تنتج عن سقوط الغازات بداخل تلك الثقوب. نحن نعرف أن هذه العملية تساعد الثقوب على النمو، ومع هذا يظل الأمر محيرًا، فمعظم الغازات في المجرات تتحرك بسرعة كبيرة جدا أو على مسافات كبيرة جدا تمنع الثقوب من التقاطها. فكيف يمكن لهذه الثقوب أن تكبر إلى هذه الدرجة؟
من الممكن أن يكون التصادم فيما بين هذه الثقوب فائقة الكتلة هو السبب الذي ساعد على نموها، خاصة عندما كانت في أوائل عمرها ولم تكن قد امتصت بالفعل الكثير من الغاز. لكن التصادم بين ثقبين فائقي الكتلة لا يمكن أن يحدث على الأرجح إلا إذا اصدمت المجرتين الحاويتين لهما، واندمجا بالمثل، وهو حدث شديد الندرة في الكون المجاور، حيث أن المجرات تكون بعيدة جدًا عن بعضها البعض. لكن المرجح أن الأمر كان أكثر اعتيادًا عند نشأة الكون في الانفجار العظيم، حين كانت المجرات أكثر قربًا من بعضها.
لذا فإن التقاط موجات الجاذبية من التصادمات المماثلة هو نوع من النظر للماضي، ومراقبة أكثر المجرات بعدًا. فالضوء الصادر عن هذه المجرات بدأ رحلته إلينا بعد وقت قصير نسبيًا من الانفجار العظيم، لذا فيمكن لهذا أن يعطينا أدلة مباشرة عن أهمية هذه الحوادث في تكبير الثقوب فائقة الكتلة في بدايات عمرها. هذا الأمر ذو علاقة مباشرة بوجودنا نحن، فالإشعاع الكهرومغناطيسي الوارد إلينا أثناء نمو هذه الثقوب كان له تأثير ضخم في تشكيل المجرات التي تعيش فيها النجوم والكواكب، بما فيها كوكبنا، جنبًا إلى جنب في سلام.
يحتاج القيام بعمليات المراقبة المماثلة إلى مراصد أكبر بكثير من مرصد LIGO ذو الأذرع البالغ طولها أربعة كيلومترات. تجربة eLISA المقترحة، ستقوم بوضع ثلاثة أقمار صناعية في مدارات على شكل مثلث متساوي الأضلاع، طول الضلع الواحد منها يفوق المسافة بين الأرض والقمر.
مشكلة الموجات الأولية
لكن رصد تصادمات الثقوب فائقة الكتلة ليس هو الهدف النهائي. فالانفجار العظيم، وتحديدًا وقت التمدد السريع والمسمى بعصر التضخم inflation، والذي يعتقد العلماء أنه بدأ في وقت قريب بعد الانفجار، تضمن في الأغلب كتلا فائقة الكبر تتحرك بسرعات تقترب من سرعة الضوء. مايعني أن هذه الكتل قد صنعت موجات جاذبية شديدة القوة. بالرغم من ذلك، فإن أقوى الإشارات لن تصدر إلا عن كتل تكاد تضاهي كتلتها كتلة الكون ذاته. وبسبب أن الطول الموجي لأمواج الجاذبية يكون عادة أكبر من الكتلة المصدرة له، فالطول الموجي لهذه الموجات يكون مماثلا لحجم الكون. لذا فإن LIGO أو أية تجربة أخرى حجمها أقل من حجم الكون لن تكون قادرة على التقاط هذه الموجات.
التقاط هذه الموجات يجب على الأرجح أن يتم بشكل غير مباشر عن طريق مراقبة تأثيرها على إشعاع الخلفية الكونية فائق الصغر cosmic microwave background radiation (CMB)، وهو البقايا الإشعاعية للانفجار العظيم.
عندما تتموج موجات الضوء في اتجاه معين، يقال عن هذا الضوء أن له قطبية معينة. فإذا كانت موجات الجاذبية موجودة عند ولادة إشعاع الخلفية الكونية، فالمرجح أنها خلفت وراءها نمطًا حلزونيًا متفردًا، تجعدات قطبية في الضوء، تسمى بنسق ب B modes. احدى النتائج المقاسة بناءا على نسق ب تم الإعلان عنها منذ بضع سنوات، ما اتضح لاحقًا أنها كانت مجرد إشارة سببها الغبار الكوني، وهو واحد من عدة عوامل متنافسة لتشويش قطبية الCMB، ما يعطي فكرة عن مدى صعوبة التقاط الإشارة الحقيقية.
الاحتمالات مرتفعة جدًا، والنتائج الإيجابية قد تعطي دليلا على نظرية التضخم الكوني، وهي الأكثر قبولا، وقد تعطي تفسيرًا عن ملامح محيرة كثيرة في الكون، مثل السر وراء توزع المادة بهذا التجانس. ورغم أن إلتقاط مثل تلك الإشارة يعد تحديًا مستحيلا، فإن التقاط موجات الجاذبية كان مستحيلا كذلك قبل نصف قرن.