انتفاع (حق)
Usufruct - Usufruit
الانتفاع (حق ـ)
الانتفاع usufruct لغة: هو الاستفادة من الشيء. وهو الغرض الرئيسي من حق الملكية[ر]. أما اصطلاحاً فهو «حق عيني يتعلق باستعمال شيء يخص الغير واستغلاله». وهو يخول صاحبه سلطات مباشرة على الشيء الذي يَرِدُ عليه الحق تمكنه من الإفادة من حقه من دون وساطة مالك الشيء كالعقار مثلاً. كما يكون له التقدم والتتبع، فإذا باع المالك عقاره الجاري عليه حق الانتفاع فإن البيع لا يشمل حق المنتفع بل يظل المنتفع يتمتع به ما لم ينزل عنه نزولاً صريحاً. وهو حق يولي صاحبه استعمال شيء يخص الغير واستغلاله من دون التصرف به: كأن يسكن الدار مثلاً. وعليه فحق المنتفع مستقل عن حق مالك العقار فيجوز له النزول عن حق الانتفاع أو التصرف به. وهو لا يرد على الأشياء الاستهلاكية لأن المنتفع يلتزم أن يحافظ على الشيء وأن يرده في نهاية حق الانتفاع، وهذا يستلزم أن يكون الشيء الذي يرد عليه الحق من الأشياء التي تقبل الاستعمال المتكرر من دون أن تنعدم بالاستعمال. وهو حق لا يجوز تقريره، من حيث المبدأ، إلاّ لشخص طبيعي أي لفرد من أفراد الناس فلا يجوز تقريره لمصلحة شخص اعتباري، ذلك لأن الشخص الاعتباري كالدولة أو المؤسسة أو الجمعية قد تطول مدة بقائه، أي قد لا ينتهي وجوده أو قد ينتهي لكن بعد أمد طويل. فإذا تقرر له حق الانتفاع أصبحت ملكية رقبة الشيء عديمة الفائدة وتحوّل حق الانتفاع إلى ضرب من الوقف.
محل حق الانتفاع
الأصل في حق الانتفاع أنه يرد على أي شيء يمكن أن يرد عليه حق الملكية. وإذا كان حق الانتفاع يمكن أن يرد على المنقول، فإن محل هذا الحق يمكن أن يكون شيئاً مادياً كالسيارة مثلاً، أو غير مادي كحق المؤلف والمخترع، كما يمكن أن يكون محله متجراً بجميع عناصره المادية والمعنوية، ويمكن أيضاً أن يكون محله الأوراق المالية[ر] كالأسهم والأسناد التجارية. وعلى هذا يكون إنشاء حق الانتفاع صحيحاً إذا خوَّل مالك الأسهم التجارية المنتفع استيفاء أرباحها في سنوات معينة.
طرق إنشاء حق الانتفاع
يتم إنشاء حق الانتفاع واكتسابه بإحدى الطرق التالية:
العقد: ويكون سبباً لكسب حق الانتفاع إما بطريق الإنشاء وإما بطريق الاحتفاظ. ويكون بطريق الإنشاء، عندما يرتب مالك العين، عقاراً كانت أو منقولاً، حق الانتفاع عليها لمصلحة شخص آخر. وقد يكون ذلك بمقابل، فيكون بيعاً، أو بغير مقابل فيكون هبة.
ويكون بطريق الاحتفاظ، عندما ينقل مالك العين ملكية رقبتها للغير مع الاحتفاظ لنفسه بحق الانتفاع منها وغالباً ما يكون ذلك طول حياته ويكون العقد بذلك منشئاً لملك الرقبة لا لحق الانتفاع كما لو باع الأب لابنه ملكية منزله واحتفظ بالانتفاع به مدى حياته.
الوصية: وهي الطريق الأهم لإنشاء حق الانتفاع والأكثر شيوعاً في الحياة العملية. ويكسب حق الانتفاع بالوصية بأحد طريقين: إمّا أن يوصي مالك العين بحق الانتفاع لشخص معين فتبقى الرقبة(الملكية) للورثة، وإما أن يوصي مالك العين بالرقبة(الملكية) لشخص معين ويبقى حق الانتفاع للورثة. ولكن يجب أن يراعى في جميع الحالات ألا تتجاوز الوصية النصاب الذي يجوز الإيصاء به وهو ثلث التركة على ما قرره فقهاء المسلمين من أهل السنة.
ويجب قانوناً شهر التصرفات التي من شأنها إنشاء حق الانتفاع على العقار أي تسجيلها في السجل العقاري. أما التصرفات التي تتناول إنشاء حق الانتفاع على المنقول فهي غير واجبة التسجيل إلاّ إذا وقعت على السفن والسيارات. فحق الانتفاع على السفن لا ينشأ فيما بين المتعاقدين ولا يحتج به إزاء الغير إلاَّ بالتسجيل في السجل لدى المديرية العامة للموانئ، في حين ينشأ حق الانتفاع على السيارات فيما بين المتعاقدين بمجرد العقد؛ إنما لا يسري على الغير إلاَّ من تاريخ تسجيله في السجل الخاص المحفوظ لدى وزارة النقل ولدى مديرياتها في المحافظات.
التقادم المُكْسِب: [ر. التقادم] ويشترط لجواز كسب الحق بالتقادم أن يكون قابلاً لأن يصبح ملكاً خاصاً، وألاَّ يكون هناك نص قانوني يحرّم كسبه بالتقادم. وعلى هذا فلا يكتسب حق الانتفاع بالتقادم في العقارات التي تم إخضاعها لنظام السجل العقاري. كما لا يكتسب هذا الحق على العقارات الجارية تحت إدارة أملاك الدولة، ولا على العقارات التي يحرم كسبها بالتقادم مثل الأملاك العامة والأوقاف. أما العقارات التي لم تخضع بعد لنظام السجل العقاري، مع أن اكتساب حق الانتفاع في تلك العقارات أمر نادر الوقوع، فيجوز كسب حق الانتفاع بالتقادم بحسب نوعها. فإذا كان حق الانتفاع مرتباً على أرض أميرية أمكن كسبه بالتقادم في مدة عشر سنوات، وإذا كان مرتباً على عقار ملك أمكن كسبه في خمس سنوات، إذا كان بيد المنتفع سند صحيح وكانت حيازته بحسن نية وإلاَّ فإن كسب هذا الحق لا يكون إلاّ بعد مرور خمس عشرة سنة.
أمّا المنقول فيجوز كسب حق الانتفاع عليه بمجرد حيازته إذا كانت الحيازة، مقترنة بحسن نية وبسببٍ صحيح عملاً بالقاعدة الحقوقية القائلة: «الحيازة في المنقول سند الحائز» إذ تهدف هذه القاعدة إلى حماية من يتلقى المنقول (ويسمى حائزاً) من غير مالكه وهو يعتقد بحسن نية أنه يتعامل مع المالك الحقيقي. أما إذا كانت الحيازة غير مقترنة بحسن نية وسبب صحيح فيجوز كسب حق الانتفاع على المنقول بمرور خمس عشرة سنة.
التزامات المنتفع وحقوقه
فرض القانون على المنتفع أن يقوم قبل بدء الانتفاع بتنظيم كشف بالأشياء أو الأموال التي سينتفع بها، ويهدف الكشف إلى معرفة ما يجب رده إلى مالك العين عقاراً كانت أم منقولاً عند انتهاء حق الانتفاع. ويعد هذا الكشف وثيقة يتقي بها مالك العين إنكار المنتفع تسليمه بعض الأشياء أو زعمه بأنه تسلمها في حالة سيئة.
قد يتلف المنتفع الشيء المنتفع به أو يلحق به ضرراً، وخشية عدم قيامه بتعويض الضرر، بسبب إعساره أو عدم ملاءته، أوجب القانون عليه تقديم كفيل مقتدر يرجع عليه المالك بما قد يتقرر له من تعويض عن تلف الشيء المنتفع به كلاً أو بعضاً. والكفالة بالأصل تكون كفالة شخصية، على أنه يجوز للمنتفع أن يستعيض عنها بتقديم رهن أو تأمين عقاري، إلاّ أنه يجوز إعفاء المنتفع من هذين الالتزامين (تنظيم كشف وتقديم كفالة) بنص السند الذي ينشأ بموجبه حق الانتفاع. ذلك لأن هذين الالتزامين مقرران لمصلحة مالك العين، وتبعاً لذلك يجوز له أن يعفي المنتفع من تنظيم الكشف أو من تقديم الكفالة أو من الاثنين معاً.
ويخول حق الانتفاع صاحبه حقين: حق استعمال الشيء وحق استغلاله. للمنتفع الحق في استخدام الشيء المنتفع به استخداماً مادياً لما أُعدَّ له، فإذا كان ما يرد عليه حق الانتفاع داراً كان له أن يستعملها بنفسه فيسكنها، أو أرضاً زراعية فيكون له زراعتها، أو سيارة فله ركوبها، وهو في كل هذا يستخدم الشيء لمنفعته الذاتية أو لمصلحته الشخصية.
والقانون يلزم المنتفع باحترام تخصيص الشيء المنتفع به فيما أُعِدَّ له، وتبعاً لذلك إذا كان حق الانتفاع وارداً على متجر فلا يحق له أن يحوّله إلى دار للسكن، لكنه يستطيع بوجه عام تحسين طريقة استعمال الشيء بشرط ألا يضر به، فإذا كانت الأرض المنتفع بها بوراً فيستطيع تحسين طريقة زراعتها.
وللمنتفع الحق في استغلال الشيء المنتفع به وكسب ثماره. ويقصد بالثمار كل ما ينتجه الشيء دورياً من دون المساس بجوهره أو الانتقاص من أصله كمحصول الأرض وأجرة المباني والأراضي الزراعية. كما أن للمنتفع في سبيل استغلال المال المنتفع به أن يقوم بجميع أعمال الإدارة، كأن يؤجره، أو يرهنه، أو ينزل عنه.
فكما أنه يحق له أن يستغل العقار بنفسه يحق له أيضاً أن يستغله بوساطة غيره، كأن يؤجره، إلاّ أنه لا يحق له أن يؤجر العين المنتفع بها أكثر من المدة التي يبقى فيها حق الانتفاع قائماً، لأنه بطبيعته حق مؤقت، ولا يجوز بأي حال أن يبقى الإيجار بعد انتهاء حق الانتفاع إلاّ إذا كانت العين أرضاً زراعية فلا يجوز إنهاء الإيجار قبل نقل المحصولات.
ويجوز للمنتفع أن يرتب على حق الانتفاع المقرر له رهناً تأمينياً، كما يجوز له أن ينزل عن حقه للغير مقابل مبلغ من المال، كما في البيع أو بدون مقابل كما في الهبة، ما لم يوجد شرط في سند الانتفاع بخلاف ذلك. والنزول يكون مقيداً بمدة انتفاع المنتفع المتنازل، لأنه ليس للمنتفع أن يملِّك أكثر مما يملك.
فإذا كان الانتفاع مقرراً لمدة معينة، وانتهت هذه المدة سقط حق الانتفاع، وسقطت معه حقوق المنزول له. وكذلك إذا توفي المنتفع فإن حق الانتفاع يسقط، ولو كان المنزول له باقياً على قيد الحياة.
كما يلتزم المنتفع دفع الضرائب المختلفة ونفقات الترميم اللازمة لصيانة العين المقرر عليها الانتفاع. وعند انتهاء حق الانتفاع إذا أحدث المنتفع تحسينات أو إنشاءات على الشيء المنتفع به بموافقة مالك العين فإنه يكون من حقه أن يتقاضى تعويضاً عما أحدثه. أما إذا أحدث تحسينات أو إنشاءات من دون موافقة المالك فإن جميع النفقات التي ينفقها تقع على عاتق المنتفع من دون أن يكون له الحق بالرجوع على مالك العين، ذلك لأن المنتفع استفاد من هذه التحسينات في أثناء مدة انتفاعه.
سقوط حق الانتفاع
إن حق الانتفاع حق مؤقت بطبيعته لذلك فإنه يسقط بانتهاء الأجل المحدد فيه. أما إذا لم يُذكر في سند إنشائه أجل ينتهي به فإن حق الانتفاع يُعدّ مقرراً مدى حياة المنتفع مهما طالت مدتها.
وينتهي حق الانتفاع بموت المنتفع حتماً، ويترتب على ذلك أنه لا يجوز الاتفاق على ما يخالف ذلك كتوريث حق الانتفاع إلى ورثة المنتفع، فإن ذلك يكون مخالفاً للنظام العام.
و يسقط حق الانتفاع بإساءة استعمال الشيء المنتفع به استعمالاً غير مألوف يؤدي إلى إنقاص جوهر الشيء أو تلفه. وإذا هلك الشيء المنتفع به هلاكاً كلياً فإن حق الانتفاع يسقط لانعدام محله ولا ينتقل هذا الحق إلى بقايا الشيء أو أنقاضه. وهلاك الشيء قد يكون هلاكاً مادياً كما إذا تهدم البناء أو احترق، وقد يكون قانونياً كما إذا نُزعت ملكية عقار للمنفعة العامة كان مقرراً عليه حق انتفاع (كالاستملاك مثلاً)، ففي هذه الحالة ينتقل حق الانتفاع إلى مبلغ التعويض الذي تدفعه الدولة.
وأخيراً فإن حق الانتفاع يسقط باتحاد ملك الرقبة (ملكية العين) وحق الانتفاع لشخص واحد كأن يُتوفى مالك الرقبة وليس له وارث غير المنتفع أو كأن يشتري أحدهما حق الآخر. ففي هذه الحالة تزول التجزئة الطارئة على حق الملكية وتجتمع في يد المالك السلطات الكاملة على الشيء من استعمال واستغلال وتصرف.
هشام عوض