انتخاب
Election - Election
الانتخاب
الانتخاب election هو أسلوب ديمقراطي غير مباشر يؤدي إلى تسمية نواب للشعب يمارس بهم الشعب سلطته. وكانت الأسرة في العصور القديمة الخلية الأولى للدولة ثم نمت الأسر وتطورت إلى العشيرة فالقبيلة، ثم القرية فالمدينة، وأخيراً الدولة. وفي هذه المجتمعات البشرية كان تنصيب القائمين على السلطة في مظاهرها الثلاثة، التشريعي والتنفيذي و القضائي يتسم بالطابع الفردي المسيطر. ثمّ تطورت أساليب تنصيب القائمين على هذه السلطة على مر القرون حتى عصرنا هذا وفق مفهومات أساسية متناقضة.
ففي المفهوم الأول كان القائمون على السلطة يفرضون أنفسهم اعتماداً على مكانتهم الدينية أو العرقية تارة، وعلى نفوذهم أو قوتهم وسيطرتهم تارة أخرى؛ وهذا ما غلب في المجتمعات البشرية القديمة. والمفهوم الثاني نشأ عن تطور أنظمة الحكم الفردي التي انتهت إلى النظام الديمقراطي، الذي يعني «سلطة الشعب»، أي أن يمارس الشعب وحده السلطة بوصفه صاحب السيادة في الدولة. فكان يعهد بها في الديمقراطيات القديمة إلى شخصيات من الوجهاء والأعيان. ولتحاشي انحراف بعضهم كان تكليفهم يحدد بمدد معينة، تقبل التجديد أو لا تقبله. وكان انتقاء هؤلاء يجري إما بالقرعة وإما بمعرفة المجموعة المشرفة على الإدارة. أما المفهوم الثالث فإن الشعب يمارس سلطته غير المباشرة هذه بأن يختار نواباً عنه يتولون السلطة باسمه، وذلك عن طريق انتخابهم، من بين الذين يجدهم أهلاً لهذه المهمات. وبطريقة الانتخاب هذه تتحقق الديمقراطية غير المباشرة. وقد اختارت الديمقراطيات الحديثة هذا الأسلوب الأخير.
إن أغلبية الدول لم تقصر نظام الانتخاب على المسار السياسي فحسب، بل وسعت دائرته ليشمل التعيين في المناصب القضائية ، وهو المتبع في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك في تعيين قضاة بعض المحاكم الاستثنائية في فرنسة وليشمل أيضاً مؤسسات شبه عامة، كالنقابات المهنية وغرف التجارة والزراعة وغيرها، وكذلك بعض الشركات المساهمة وسواها .
الانتخاب والاستفتاء
إن السلطة التي يمارسها الشعب عملياً ذات شقين، يتناول أولهما تسمية الأشخاص الذين يقومون على إدارة دفة الحكم، والثاني وضع الأسس التي يسير عليها هؤلاء والقوانين والأنظمة التي يطبقونها ويشرفون على حسن أدائها. ففي الشق الأول، ينتخب الشعب الأشخاص الذين ينوبون عنه في تسيير أمور البلد. وفي الشق الثاني إما أن يقوم ممثلو الشعب المنتخبون بوضع هذه الأنظمة والقوانين وإقرارها، وإما إن يستفتى فيها الشعب فتكون له الكلمة في إقرارها أو رفضها. فالشعب يمارس سلطته بأسلوبين: أولهما الانتخاب (الديمقراطية غير المباشرة)، وثانيهما الاستفتاء[ر] (الديمقراطية المباشرة)، والفرق بينهما واضح، فالانتخاب ينصرف إلى تسمية نواب الشعب في ممارسة السلطة. والاستفتاء référendum ينصرف إلى إقرار القوانين والأنظمة التي تسوس البلد، كما يدخل في مفهوم الممارسة المباشرة ما أقرته دساتير بعض الدول من تسمية رؤسائها من قبل الشعب مباشرة بطريقة التصديق الشعبي plébiscite الذي انتهى العرف إلى دمج مفهومه مع الاستفتاء.
الانتخاب والبيعة
ثمة شبه بين الانتخاب ونظام البيعة[ر] عند العرب، فالبيعة وردت في لغة العرب بمعان عدة، أهمها في هذا الموضوع الطاعة على أمر أو العهد (وكل ما بين العباد من مواثيق فهو عهد). والبيعة هي طريقة تولية رئيس الدولة فلا يتولى الخلافة إلا من تمت له بيعة الانعقاد من الأمة بالرضا والاختيار، فالبيعة إذاً إثبات لحق الأمة في تنصيب الحاكم، وهي بالبيعة تخلع عليه مظاهر السلطان لأنها هي صاحبة السلطان، وبهذا تلتقي الديمقراطية مع نظام الانتخاب. وعند ابن خلدون: «البيعة هي العهد على الطاعة». إلا أنه مع التزام الأمة الطاعة يبقى لها الحق في استخدام سلطانها في محاسبة الحاكم إن هو خرج عن حدود البيعة.
إن أنظمة الانتخاب وضعت شروطاً وأحكاماً مفصلة لإجراءات الانتخاب، وليس شيء من ذلك في نظام البيعة، فلم تحدد الأعراف والعادات الصفات و الوسائل التي كان يتم بها أخذ البيعة، إنما تصح بأي وسيلة تؤدي إلى عقدها فقد كانت تعطى بالمصافحة باليد رجلاً لرجل، أو كتابة، أو مشافهة من دون مصافحة (بيعة النساء بعد فتح مكة). ولا تشترط لها ألفاظ معينة وإنما تكفي الألفاظ التي تفيد التزام الطاعة والنصرة لرئيس الدولة، والتزام هذا الرئيس العدل بين أفراد الأمة والمساواة بينهم.
وكانت تجري لرئيس الدولة بيعتان: الأولى بيعة الانعقاد - من قبل أهل الحل والعقد الذين يتيسر اجتماعهم - وبها يصبح المبايَع له رئيساً للدولة، والثانية بيعة الطاعة أو بيعة العامة وهي بيعة الجمهرة لمجرد إعلان الطاعة. وتباينت الأقوال في عدد أهل الحل والعقد الذين يجب اجتماعهم وسماهم ابن حزم «فضلاء الأمة»، والرأي الراجح هو أن البيعة فرض كفاية، ويكتفى بالذين يتيسر اجتماعهم على أن يتحقق في المبايع له رضا الأمة بأي أمارة تصدر عنها. وهذا الأسلوب قريب من طريقة الهتاف التي كانت متبعة في إسبارطة Sparte الإغريقية حيث كانت تتلى على من يجتمع من الناخبين أسماء المرشحين تباعاً، وتعد نسبة ارتفاع الهتاف لكل منهم معياراً للفوز.
أنواع الانتخاب
للانتخاب أنواع متعددة وصور وطرق شتى، يقوم بعضها على نظريات ومبادئ مختلفة، هي:
الانتخاب العام والانتخاب المقيد: إن ممارسة الانتخاب يمكن أن تكون حقاً لكل فرد في المجتمع أو أن تكون وظيفة تقتصر على الفئة المؤهلة لها من الشعب .
وعلى النظرية الأولى، الانتخاب حق، يقوم الانتخاب العام suffrage universal في حين يقوم الانتخاب المقيد على نظرية الانتخاب وظيفة. وهذه النظرية الثانية قامت على أساس أن المواطنين فئتان، النشيطون الإيجابيون من جهة، والسلبيون غير المبالين الذين يجب إبعادهم عن ساحة الانتخاب من جهة أخرى. وقد عدت الثورة الفرنسية الكبرى جميع أفراد الشعب متمتعين بحق المواطنية، أمَّا حق الانتخاب فيقتصر على الأكفياء منهم الجديرين بهذه المهمة. والمعايير كانت تختلف بين بلد وبلد وبين زمان وزمان. فكانت تقوم تارة على الملكية العقارية أو مقدار الثروة أو انتماء المواطن إلى طبقة معينة، وتارة أخرى على القدرة المالية التي يدعمها رسم التصويت، الذي يؤديه الراغبون في ذلك. ثم اقتصرت الشروط على أن يتوافر لدى الناخب حد أدنى من المال أو حد أدنى من التعليم أو كلاهما. وفي ظل الثورة الفرنسية كان السياسي بارناف Barnave يؤكد أن مهمة الناخب وظيفة عامة يؤديها وأنها ليست حقاً مكتسباً لأحد. لم تعمِّر نظرية الانتخاب وظيفة طويلاً وتلاشت وحلت محلها نظرية الانتخاب حق وذلك من واقع أن سلطة الشعب يجب أن يتمتع بها المواطنون جميعاً، فقيرهم وغنيهم، المتعلم منهم وغير المتعلم. وأن رغبة الشعب تتحقق في الانتخاب العام لأن جميع أفراده في المواطنية و الوطنية سواء، وأن النواب المنتخبين إنما يمثلونهم جميعاً، وأنه بقدر ما يكون الانتخاب عاماً يكون التمثيل صحيحاً وصادقاً.
إن قصر الانتخاب على فئة من المواطنين أو جعله حقاً لهم جميعاً يقود إلى البحث في شخص هذا المواطن الذي يمارس الانتخاب والشروط التي يجب توافرها فيه، وبديهي استبعاد الصغار. وتُعَدُّ السنَّ المؤهلة للاقتراع، غالباً، الثامنة عشرة أو الواحدة والعشرون. وتقصر أنظمة الانتخاب ممارسته على الذين يحملون جنسية البلد دون الأجانب. وبعضها يحجب هذا الحق عن الذين يكتسبون جنسية البلد ما لم ينقضِ زمن معين على تجنسهم. كما يحجبه عن المحرومين من الحقوق المدنية أو السياسية، بموجب أحكام قضائية. وهذه الشروط التي تُبعد عن صناديق الاقتراع عدداً كبيراً من المواطنين لا تتعارض مع نظرية الانتخاب العام حتى في المجتمعات التي تنكر على المرأة حق الانتخاب. وكان التساؤل يطرح دوماً، كيف يمكن للانتخاب العام أن يكون عاماً بالفعل وواقعياً إذا كانت المرأة التي تؤلف نصف المجتمع مبعدة عن صناديق الاقتراع. وقد تطلب الاعتراف للمرأة بهذا الحق سنين كثيرة، وكانت البلاد الإنكلوسكسونية السباقة إلى ذلك بدءاً من النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وتبعتها باقي البلاد منذ مطلع القرن العشرين. أمّا سويسرة فلم تأخذ به إلا في عام 1971، وكانت فنلندة أول بلد أقر للمرأة بحق الانتخاب، في عام 1863 في مجال بلديات الريف، أما على الصعيد السياسي فقد أقرت لها به في عام 1906، وأقرت به الدنمارك في عام 1915، وتأخرت بريطانية في ذلك حتى 1918، وجاءت بعدها كندا وألمانية وبلجيكة في عام 1919، ثم الولايات المتحدة الأمريكية في 1920، أمّا فرنسة فتأخرت بإقراره حتى 1944، وقد منحت بعض الدول العربية المرأة حق الانتخاب وكانت سورية ومصر سباقتين إلى ذلك (في منتصف الخمسينات) وسبقتا بذلك بعض بلدان أوربة كسويسرة.
تعليق