أقليات Minoritésمجموعات بشرية ذات سمات تختلف عن مثيلاتها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أقليات Minoritésمجموعات بشرية ذات سمات تختلف عن مثيلاتها



    اقليات

    Minorities - Minorités

    الأقليات

    الأقليات minorities هي مجموعات بشرية ذات سمات وخصائص تختلف عن مثيلاتها في مجتمع الأكثرية، ولكل أقلية منها سمات قومية أو إثنية أو دينية مشتركة بين أفرادها.
    تختلف الأقليات فيما بينها نوعاً وهوية وانتماء، كما تأخذ تسميات مختلفة مثل: جالية أو فئة أو طائفة أو ملة أو فرقة أو مجموعة وغيرها من تسميات تدل في الغالب على جذور الأقلية وأصولها، وهويتها الاجتماعية والبشرية. وتنضوي تحت مفهوم الأقليات أنماط وأنواع مختلفة منها: الأقلية العرقية والأقلية الدينية والأقلية اللغوية والأقلية المذهبية والأقلية القبلية ـ العشائرية والأقلية الإقليمية والأقلية الثقافية والأقلية السياسية والأقلية الاقتصادية ـ الاجتماعية والأقلية القومية المتعددة الجذور. وما عداها مشتق منها ومتفرع عنها أو جامع لها بصيغة أو بأخرى، مثل القول بأقلية إثنية أو عنصرية وغير ذلك. ومع ذلك فإن الأقليات العرقية والإثنية العنصرية، هي والأقليات الدينية ـ المذهبية، أكثر أنماط الأقليات ظهوراً في العالم، وتكمن وراء أغلب الصراعات التي تنشب من حين إلى حين بين الأقلية والأكثرية في بلد ما.
    ويجدر بالذكر أن مفهوم الأقلية يذوب أحياناً في مفهوم القومية، ويثير هذا جدلاً حول مجموعة بشرية ما، كما هي الحال في قوميات الصين الشعبية وروسية الاتحادية، وغيرها. فالأقلية القومية، هي في الواقع أقلية ذات هوية متعددة الانتماء تجتمع فيها عناصر العرق والأصل واللغة والعادات والتقاليد والتراث الحضاري والتاريخي، وأحياناً الدين والعقيدة وغيرها من مكونات تختلف فيها عن الأكثرية. وتعيش الأقليات القومية في ظل حكم أكثرية قومية، تخضعها لقوانينها وأنظمتها وتهيمن عليها. ففي الاتحاد السوفييتي السابق المتعدد الأعراق والقوميات حَوَّل الفكر الستاليني ـ الشيوعي البلاد إلى دولة أقليات قومية بوضعه الدولة فوق الفرد وفوق الأمة (القومية)، مع حكم الأقوام التابعة حكماً عنصرياً تسيطر فيه الأكثرية السلافية على مقدرات القوميات التي مُنحت حقوقاً صورية أو شكلية مثل جمهورية ذات حكم ذاتي ومقاطعة ذات حكم ذاتي وإقليم ذاتي الحكم، ناهيك عن الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي. وتمارس تجاه الأقليات القومية وغيرها عادة أنماط من التمييز العنصري المبطن أو المعلن مختلفة نوعاً وزماناً ومكاناً. مع تمتع تلك الأقليات بحقوق اجتماعية وثقافية وفكرية معينة، من دون أن تكون لها حريات سياسية واقتصادية وأيدلوجية وإدارية مستقلة.
    أما من الناحية العددية فالأمر متباين من حيث القول بنسبة مئوية تحدد الأقلية والأكثرية، بغض النظر عن نوعية الأقلية وهويتها. والغالب أن تسمّى مجموعة بشرية، أقلية إذا كان عدد أفرادها يقل عن 50% من مجموع السكان الإجمالي لبلد ما. وقد تقل هذه النسبة عن 1% بل و0.1% بصرف النظر عن الموقف الرسمي منها.
    وللمسألة العددية أهمية متباينة من حالة إلى حالة بحسب تمثيل الأقلية في المجتمع ومؤسساته وفي السلطة والإدارة، وممارستها حقوقها الثقافية والاجتماعية والسياسية. ففي بعض الحالات لا ترتبط أهمية الأقلية ودورها بالعدد ولا بالنسبة المئوية الممثلة لها، بل بدور تلك الأقلية ونفوذها ومركزها المميز في مجتمع الأكثرية، مع قلة عدد أفرادها (اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً). وقد يرتبط الأمر أحياناً بفرد من أفرادها له نفوذ مالي أو سياسي أو اجتماعي مكنه من الوصول إلى السلطة والقرار، وأوصل معه أفراد أقليته إلى حقوقهم، أو تجاوزتها إلى درجة التسلط. كذلك قد تصل الأقلية إلى حكم الأكثرية نتيجة أحوال سياسية أو تسلط قوة متطورة ومتقدمة على أكثرية تخلفت بتأثير العهد الاستعماري وما تركه من أنماط حكم واستيطان، كما كانت الحال في جنوبي إفريقية قبل إلغاء نظام المَيزْ العنصري (الأبارتيد). وقد تصل أقلية محلية إلى التسلط على الأكثرية بالقوة كما هي الحال في بوروندي حيث تسيطر أقلية التوتسي(14% من السكان) على الأكثرية من الهوتو (85%) وبقية القوميات. وكثيراً ما أدى تسلط الأقلية، ويؤدي إلى نشوء صراعات عنيفة ومسلحة جرَّت الويلات على شتى أطراف النزاع، كما في أحداث جنوبي إفريقية قبل التحرر من الأقلية البيضاء، وكما في المذابح والعنف العنصري الذي راح ضحيته مئات الآلاف في بوروندي وجاراتها منذ عام 1993. ومع هذا كله فإن الغالب هو حكم الأكثرية عدداً، ونقيض ذلك هو الشاذ والمؤقت في العالم بحسب قوانين الطبيعة وحقائق الأمور.
    ويغلب على كثير من البلدان والمجتمعات تعدد الأقليات فيها، حتى تصل في بعض البلدان الكبيرة إلى أكثر من 120 قومية ـ أقلية كما في الاتحاد السوفييتي السابق وروسية الاتحادية، وإلى أكثر من ذلك بكثير في الولايات المتحدة الأمريكية، إذا ما أضيف إلى الأقليات القومية الأقليات الدينية والمذهبية. كذلك يعد العالم الإسلامي موطناً لأقليات كثيرة عرقية ولغوية وقومية، بحكم اتساعه وتاريخه المشترك الطويل، ونتيجة مبدأ التسامح الديني وعدم التمييز بين البشر إلا بالتقوى }وجَعَلْنَاكُم شُعُوبَاً وقَبَائلَ لتَعَارَفُوا إِنَّ أكْرَمَكُم عِندَ الله أَتْقَاكُم{ (الحجرات13).
    ويرجع تعدد الأقليات وعدد أفراد كل أقلية منها، مكانياً وزمانياً، إلى عوامل كثيرة تأتي في مقدمتها نشأة الأقليات وأسباب وجودها، كما يرجع إلى تغيير الأوضاع السياسية وتبدلات الحدود الدولية والإقليمية، التي تحوِّل مجموعة بشرية في بلد ما إلى أقلية محكومة، كما حصل في شبه الجزيرة الهندية وقيام دولتي الهند والباكستان، ثم انفصال الأخيرة إلى دولتين، وكما جرى في دول البلطيق بعد استقلالها عن ما كان يؤلف الاتحاد السوفييتي، وتحول المواطنين السوفييت من الروس وسواهم إلى أقليات قومية في بحر الأكثرية الليتوانية والأستونية واللاتفية. كذلك تغيرت نسب الأقليات والقوميات (الأقلية) في جمهوريات القفقاس الشمالي وفي ما وراء القفقاس إثر الحرب الأبخازية ـ الجورجية والحرب الأذرية ـ الأرمنية والحرب التشتشانية ـ الروسية وباقي جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، إذ رافق تغيير الحدود السياسية وقيام الكيانات الجديدة تغيرات في خريطة الأقليات والأكثريات.
    نشوء الأقليات
    وُجدت الأقليات والفوارق البشرية والاجتماعية والطبقات في مجتمعات بلدان الحضارات الأولى، واستمر وجودها حتى اليوم، نتيجة عدم استقرار الجماعات السكانية، ومن جراء تشابك العلاقات الاقتصادية والاجتماعية وتلاقح الحضارات، وتكوّن فوارق البنى الاجتماعية والبشرية في بيئات جغرافية متباينة، واختلاف في توزيع الثروات والموارد، وبالتالي ظهور مستغِل ومستغَل، فنشأت أقليات محكومة ومضطهدة من قبل أكثريات في ممالك التاريخ، جراء الغزو والاحتلال والهجرة والتهجير وسوق المغلوبين لخدمة الغالبين. وقد كانت مسألة الأغلبية والأقلية محور معظم الصراعات على السلطة والنفوذ والتملك والسيطرة على الثروات والموارد والأرض، منذ أقدم العصور حتى اليوم.
    تنشأ الأقليات عادة نتيجة عمليتين أساسيتين هما:
    ـ الهجرة أو التهجير، أي تحرك مجموعة بشرية من مواطنها الأصلية وانتقالها إلى مكان آخر تعيش فيه مجموعة بشرية تؤلف أكثرية، طوعاً، بدوافع اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها. مثل هجرة الأتراك للعمل في ألمانية، وهجرة الهنود والباكستانيين وغيرهم إلى دول الخليج العربي. وهجرة أبناء مستعمرات آسيوية وإفريقية سابقة إلى بلدان الاستعمار السابقة (المملكة المتحدة، وفرنسة وهولندة).
    أما التهجير فحركة قسرية يُطرد فيها السكان من ديارهم بالقوة إلى مكان آخر يصبحون فيه أقلية، مثل تهجير الأرمن من شرقي الأناضول، والشركس من القفقاس الشمالي على يد القيصرية الروسية، في القرن التاسع عشر، وكذلك تهجير المسلمين من شعب الروهينغيا Rohingya وطردهم إلى بنغلادش من قبل السلطة البوذية الحاكمة في مينمار (بورمة)، التي هجَّرت أيضاً شعب الكارن Karen المسيحي من مينمار إلى تايلند، في العقد الأخير من القرن العشرين. والأمثلة على هذا النمط من نشوء الأقليات كثيرة في التاريخ القديم والمعاصر وفي أنحاء شتى من العالم؛ ولاسيما في بلدان العالم الثالث.
    ـ الغزو والاحتلال والاستعمار الاستيطاني من قبل أكثرية لإقليم أو بلد، تفرض سيطرتها على سكانه وتضمّهم وأراضيهم إلى أراضيها بالقوة، مع إغراق الإقليم المحتل بمستوطنين من الأغلبية الغازية بهدف الدمج النهائي. أو القضاء النهائي على السكان المحليين الأصليين، كما هي الحال في جزر الكاريبي والأمريكتين وأسترالية وأقاليم الاتحاد السوفييتي السابق والصين إذ تحول أبناؤها من تُنَّاء (أي أصحاب البلد الأصليين) إلى أقليات في موطنهم وأرضهم. والغزو الاستيطاني الصهيوني لفلسطين نموذج حديث على هذا النوع من نشوء الأقليات، إذ كان اليهود أقلية بين العرب، الذين تحولوا بعد قيام الكيان الصهيوني إلى أقلية في بحر المستوطنين الصهاينة. ويقدر عدد السكان الذين غزت بلادهم هجرات استيطانية وتحولوا إلى أقليات محلية لاتزيد على 5 - 6% من عدد السكان، ما يعادل 300 مليون نسمة من سكان العالم عام 1996، في أكثر من 70 بلداً.
    ومن الأقليات ذات المنشأ المحلي ـ الجغرافي، الأقليات الدينية والمذهبية، إذ تتحول فئة من سكان من أصل واحد وسمات واحدة إلى مذهب ما، أو تعتنق ديانة مغايرة مختلفة فتصبح أقلية. وهذا النموذج شائع في البلدان التي يسود فيها الإسلام أو المسيحية أو البوذية. ويدخل تحت هذه المجموعة من الأقليات، الأقليات التي تنشأ نتيجة تغيير الحدود السياسية بزوال سلطة وظهور سلطة أو قوة جديدة، فالسكان العرب في جنوب شرقي تركية أصبحوا أقلية إثنية بعد رسم الحدود السورية ـ التركية (1923 - 1939م)، وألبان إقليم كوسوفو تحولوا إلى أقلية قومية في يوغسلافية بعد قيام دولة ألبانية (1912). وبالمقابل بقي قسم من السكان اليونان في الدولة الألبانية أقلية إثنية بعد رسم الحدود. إن الأمثلة على نماذج الأقليات وأسباب نشوئها في العالم أكثر من أن تحصى، نشأت في السابق والماضي البعيد، وتنشأ في الحاضر وستنشأ في المستقبل، كما أن النزاعات الإثنية، سواء حددت هويتها باللغة أو العرق أو المنشأ الإثني أو الطائفة أو الدين أو الطبقة أو القبيلة، لن تزول نتيجة الولاءات المتجذرة في المجموعات نفسها، والسياسات الحكومية التي تميز الناس بعضهم من بعض. فمن أصل أكثر من واحد وثلاثين نزاعاً مسلحاً كبيراً في عقد التسعينات من القرن العشرين، كانت نسبة كبيرة منها ناشئة عن جذور إثنية أو شبيهة بها (البوسنة والهرسك، وناغورنو ـ كاراباغ، وسيراليون، ورواندة والكونغو الديمقراطية، وكردستان والمسألة الكردية في تركية والعراق وإيران وغير ذلك)، وقد تبين أن انهيار الدول ولاسيما الكبيرة منها، يؤدي إلى نزاعات إثنية تزداد حدة وعنفاً بازدياد تفتت الدولة (الاتحاد السوفييتي السابق).





يعمل...
X