انسور (جيمس)
Ensor (James-) - Ensor (James-)
إنسور (جيمس ـ)
(1860-1949)
جيمس سيدني إنسور James Sidney Ensor، مصور بلجيكي ولد في أوستند من أم فلمنكية وأب إنكليزي.
يُعد جيمس إنسور من مؤسسي الاتجاه التعبيري في الفن التشكيلي الذي ظهر في الشمال الأوربي في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وينطبق على إنسور ما ينطبق على مؤسسي التعبيرية[ر] في مرحلتها الأولى: فان كوخ[ر] وادوارمونش[ر] وإميل نولد[ر] وفرديناند هودلر[ر]، في أن كلاً منهم عمل وحيداً في وسط مناهض له متحدياً العوز ومتحملاً عبء البحث عن أسلوب فردي، وقد ترك كل منهم كتابات وجدانية في الفن وفي الحياة.
بدأ إنسور في سن الخامسة عشرة، بتصوير مناظر من مسقط رأسه أوستند، وبقي طوال حياته مشدوداً إلى البحر هناك مأخوذاً بألوانه المتغيرة. والتحق سنة 1877، بأكاديمية الفنون الجميلة في بروكسل ودرس على مديرها جان بورتائلز Jean Portaels وهو مروج فن الاستشراق في بلجيكة. بقي إنسور في الأكاديمية حتى سنة 1880، ولم يكن في أثناء ذلك متلائماً مع التعليم الرسمي فأخذ يرتاد المتاحف ويدرس بتمعن أعمال مشاهير المصورين أمثال فرانز هالس[ر] ورمبرانت[ر] وغويا[ر] وتورنر[ر] ودومييه[ر] ومانيه[ر]، وقد ظهر تأثير هؤلاء في أعمال إنسور الأولى.
بدأ إنسور إنتاجه الفني بأعمال واقعية مستوحاة من الحياة في أوستند ومن تلك الأعمال: «السيدة بالأزرق» و«بعد الظهر في أوستند» (سنة 1881)، كما صور في تلك المرحلة الطبيعة الصامتة في أكثر من لوحة منها: «زجاجة العطر الزرقاء» (1880).
أخذ إنسور يميل إلى اصطناع الألوان الصارخة منذ سنة 1882، ومعها أخذ أسلوبه بالتطور السريع نحو التعبيرية، كما في لوحة «المجذّف» (1883، متحف أُنفرس)، وكان دافعه إلى ذلك التغيير أنه بدأ يعاني عدم التأقلم مع بيئته في أوستند ويبدو ذلك واضحاً في كتاباته التي نشرت في بروكسل سنة 1944. وبعد أن انتقل إلى بروكسل اعترضته صعوبات في عرض لوحاته في صالاتها مع أن صالتي إرنست ومارييت روسو كانتا من مشجعيه وأول من اقتنى لوحاته. وفي سنة 1884 غدا إنسور عضواً مؤسساً في جماعة «العشرين» في بروكسل.
ولما كانت أسرة إنسور تملك حانوتاً في أوستند لبيع الطرائف كالأقنعة التي تستعمل في كرنفال المدينة فقد اعتاد إنسور المشاركة في إدارة الحانوت، واحتلت تلك الأقنعة التي كان يمعن النظر فيها منذ صغره حيّزاً مهماً في لوحاته، فكان يضمنها تحليلاً نفسياً ويبني عليها مفهومه الجمالي، وقد أضاف الهيكل العظمي إلى الأقنعة في رسومه حتى أصبح العنصران أساسيين في أعماله بين سنتي 1887و1891، وتعد تلك الأعمال من أمتع ما أنتجه إنسور لأنه جمع الهزل والمأساة في جو مأسوي وهذا ما لم يعتده جمهور المشاهدين من قبل.
وإضافة إلى ذلك فقد صوّر إنسور مشاهد الكرنفال نفسها، وفيها المقنعون والمتسكعون والهياكل العظمية وحتى العفاريت، فأبرز المأساة الإنسانية ورصد القلق المعاصر وروح التحدي، وعبر عن ذلك بأسلوب يرتاد به عالم الخوارق. وقد برهن إنسور بذلك أنه وريث أصحاب الخيال الفلمنكيين القدامى مثل جيروم بوش[ر] وبروغل[ر]. ومن أعمال تلك المرحلة «الكرنفال على الشاطئ» سنة 1887.
أنتج إنسور بين سنتي 1887 و1890 لوحات بموضوعات دينية أظهر فيها جرأة في التعبير والابتعاد عن الواقع إلى جانب غرابة المقامات اللونية الصارخة، كما ضمّن تلك الموضوعات سخريته المعتادة، ومن تلك اللوحات: «إغراء القديس أنطونيوس» (1887، متحف الفن الحديث في نيويورك)، «سقوط الملائكة» (1889، متحف أنفرس)، «المسيح يهديء الموج» (متحف إنسور في أوستند)، «دخول المسيح إلى بروكسل» (1888، متحف أنفرس)، «دخول المسيح إلى أورشليم القدس» (1885، متحف جان).
تعد لوحة «دخول المسيح إلى بروكسل» من أهم أعمال إنسور لضخامة حجمها (4×2.60متراً) ولصخب الأشكال والألوان فيها، إذ جاءت تلك اللوحة معبرة عن فوضى حيّة، وحشد الفنان في لوحته جماعات تصرخ، وكثيراً من الوجوه المندهشة أو المختفية وراء أقنعة ساخرة إضافة إلى عازفي طبول وأبواق وحاملي أعلام وشعارات تلوح في الهواء. ويبدو هذا العمل لناظره اليوم عملاً معاصراً مع أنه من أواخر القرن التاسع عشر.
ترك إنسور كذلك أعمالاً في الحفر أظهر فيها براعة في الرسم وقوة في تضاد المعتم والمضيء. من تلك الأعمال: «الكاتدرائية» و«حفلة راقصة» و«حفلة خيرية في الطاحون» و«الموت يلحق بالناس».
عاش إنسور تسعاً وثمانين سنة ولكنه حقق أحسن أعماله في السنوات العشرين الأولى من إنتاجه، وبعد ذلك فقدت أعماله جذوة اللون والجرأة اللتين عرفتهما أعماله الأولى. كذلك كان لإنسور أسلوبه المبتكر في العزف على البيانو كما استهواه المسرح في شيخوخته فألف أوبرا - باليه أسماها «سلّم الحب» la gamme de l'amour وصمم الديكورات والأزياء لها.
صرف إنسور جهده المبدع إلى تصوير الموضوعات المحببة إليه بأسلوب ذاتي، ولم يبال بابتكار لغة تشكيلية كمعاصره سيزان[ر] كما لم يغامر بحثاً وراء النور كمعاصره فان كوخ[ر]، ولم يهرب نحو فردوس أسطوري كمعاصره غوغان[ر]، لقد كان فناناً هازئاً لم يتقيد بحدود المدارس الفنية المعاصرة ونظرياتها الجمالية.
فاتح المدرس، إلياس الزيات