ڤولفرام فون إشِنباخ
(نحو 1170 - نحو 1220)
ڤولفرام فون إشنباخ Wolfram von Eschenbach، مؤلف ملاحم وشاعر ألماني بارز في ذروة المرحلة الإقطاعية الأوربية. ولد في بلدة إشنباخ بالقرب من مدينة أنسباخ Ansbach في منطقة فرانكن Franken وتوفي فيها. وهو سليل أسرة فرسان عريقة تعرضت لكوارث متلاحقة فافتقرت. عمل مدة من الزمن في خدمة السادة الإقطاعيين في منطقته، ثمَّ في خدمة الأمير فون ڤِرتهايم von Wertheim إلى أن التحق منذ عام 1201 بخدمة حاكم ولاية تورينغن Thüringen، وعاش مدة طويلة بعد ذلك في مدينة شتايرمارك Steiermark حتى عاد إلى مسقط رأسه.
كان ڤولفرام يزعم ساخراً أنه أميّ، كي يتجنَّب كثيراً من المضايقات المزعجة في بلاطات أمراء الريف، مصراً على أنه خبير في شؤون الأسلحة. وقد أثبتت الدراسات العلمية التي تركزت حول أعماله والتي شغلت البحاثة في القرنين التاسع عشر والعشرين أنه رجل مثقف واسع المعرفة على صعيد اللاهوت والتاريخ والأدب وأنه كان يجيد اللغة الفرنسية.
يعدُّ فون إشنباخ مبدع أعظم ملحمة أدبية في اللغة الألمانية أواخر العصور الوسطى من حيث العمق الفكري والفن اللغوي والحجم الهائل، وهي «بارسيڤال»Parzival ما بين (1200-1210)؛ إذ بلغ عدد أبياتها (28840) بيتاً. اعتمد الكاتب في ملحمته على عمل شعري شهير للكاتب الفرنسي كريتيان دي ترواChrétien de Troyes ما بين (1135-1183) بعنوان «بِرسِڤال» Perceval معارضاً إياه في تأويل الأحداث وسلوك الشخصيات وأهدافها ومنعطفات تطورها. وقد رأى علم الأدب الألماني في هذه الملحمة أول «رواية تطورية» Entwicklungsroman في تاريخ الأدب الألماني. يربط الكاتب في عمله بين مفهوم الخلاص المسيحي وقوانين أخلاق الفروسية في أثناء رحلة بارسيڤال الطويلة في العالم، من ارتكاب الأخطاء نتيجة الجهل إلى إدراك المعرفة عبر التجارب القاسية وصولاً إلى مرحلة الإشراق والخلاص فالغفران. وكان هدف الكاتب الجلي توجيه نقد تفصيلي إلى تناقضات ممارسات أخلاق الفروسية في عصره. ومن مواقفه النقدية التي عارضت ما كان سائداً على صعيد «أغاني الحب» Minnelieder التي روّجها المغنون الجوّالون troubadours عن الحب العذري الشفاف غير الدنيوي، يؤكد فون إشبناخ قيمة الحب الزوجي وتأثيره في ترسيخ أركان العائلة. ففي نهاية الملحمة يعود بارسيڤال إلى زوجته المحبة ليخدم الربّ والدنيا على قدم سواء، وقد انتشرت هذه الملحمة في العصور اللاحقة وكثر قراؤها في جميع المناطق الألمانية.
إضافة إلى «بارسيڤال» كتب فون إشنباخ ملحمتين بقيتا غير مكتملتين أولاهما بعنوان «ڤيلهالم» Willehalm عام (1251) وموضوعها هو التسامح الديني والشعور الإنساني وحبّ الزوجة والأسرة والإخلاص، أما مادتها فهي المعارك الدائرة في جنوبي فرنسا بين الفرسان المسيحيين والفرسان العرب المسلمين. وعند نشر الملحمة أسهم أولريش فون دِم تورلين U. von dem Türlin في كتابة مدخلها، وكذلك أولـريش فـون تورهايـم U. von Türheim في كتابة خاتمتها، وذلك بين 1247-1250. والملحمة الثانية هي «تيتورِل» Titurel بعد (1215)، وهي عمله الوحيد الذي ولدت جميع أحداثه من خيال الكاتب من دون اقتباس، وهي أحداث تدور في أجواء البلاط حيث عاشت أسرة بارسيڤال. وما يميز هذه الملحمة هو أن كاتبها قد نظمها في أبيات تقليدية على نقيض ملاحمه الأخرى.
يضمّ تراث فون إشنباخ ثماني قصائد طويلة من نوع «أغاني الحب» التقليدية، إلا أن خمساً منها تختلف من حيث تناول موضوع الحب، فأدرجت تحت مصطلح جديد هو «أغاني النهار» Tagelieder؛ لأنها تعالج الحب الزوجي بمفهومه الدنيوي في إطار العائلة. ويدل أسلوب فون إشنباخ في هذه الأشعار على سعة خبرة الشاعر وعلى تمكّنه من اللغة برشاقة وبساطة تساعد على إبراز طرافة النقد أو حدته، وفي عرض الأفكار من دون أي غموض أو تعقيد.
لقد صارت ملحمة «بارسيڤال» مادة غنية لكثير من فروع الأدب والفن، فقد اقتبسها ڤاغنر R.Wagner في أحد أعماله الأوبرالية، كما جعل من مؤلفها إحدى شخصيات عمله الأوبرالي الآخر «تنهاوزر» Tannhäuser، واقتبسها آخرون مثل مالوري Malory في أعمالهم.
كامل إسماعيل
(نحو 1170 - نحو 1220)
ڤولفرام فون إشنباخ Wolfram von Eschenbach، مؤلف ملاحم وشاعر ألماني بارز في ذروة المرحلة الإقطاعية الأوربية. ولد في بلدة إشنباخ بالقرب من مدينة أنسباخ Ansbach في منطقة فرانكن Franken وتوفي فيها. وهو سليل أسرة فرسان عريقة تعرضت لكوارث متلاحقة فافتقرت. عمل مدة من الزمن في خدمة السادة الإقطاعيين في منطقته، ثمَّ في خدمة الأمير فون ڤِرتهايم von Wertheim إلى أن التحق منذ عام 1201 بخدمة حاكم ولاية تورينغن Thüringen، وعاش مدة طويلة بعد ذلك في مدينة شتايرمارك Steiermark حتى عاد إلى مسقط رأسه.
كان ڤولفرام يزعم ساخراً أنه أميّ، كي يتجنَّب كثيراً من المضايقات المزعجة في بلاطات أمراء الريف، مصراً على أنه خبير في شؤون الأسلحة. وقد أثبتت الدراسات العلمية التي تركزت حول أعماله والتي شغلت البحاثة في القرنين التاسع عشر والعشرين أنه رجل مثقف واسع المعرفة على صعيد اللاهوت والتاريخ والأدب وأنه كان يجيد اللغة الفرنسية.
يعدُّ فون إشنباخ مبدع أعظم ملحمة أدبية في اللغة الألمانية أواخر العصور الوسطى من حيث العمق الفكري والفن اللغوي والحجم الهائل، وهي «بارسيڤال»Parzival ما بين (1200-1210)؛ إذ بلغ عدد أبياتها (28840) بيتاً. اعتمد الكاتب في ملحمته على عمل شعري شهير للكاتب الفرنسي كريتيان دي ترواChrétien de Troyes ما بين (1135-1183) بعنوان «بِرسِڤال» Perceval معارضاً إياه في تأويل الأحداث وسلوك الشخصيات وأهدافها ومنعطفات تطورها. وقد رأى علم الأدب الألماني في هذه الملحمة أول «رواية تطورية» Entwicklungsroman في تاريخ الأدب الألماني. يربط الكاتب في عمله بين مفهوم الخلاص المسيحي وقوانين أخلاق الفروسية في أثناء رحلة بارسيڤال الطويلة في العالم، من ارتكاب الأخطاء نتيجة الجهل إلى إدراك المعرفة عبر التجارب القاسية وصولاً إلى مرحلة الإشراق والخلاص فالغفران. وكان هدف الكاتب الجلي توجيه نقد تفصيلي إلى تناقضات ممارسات أخلاق الفروسية في عصره. ومن مواقفه النقدية التي عارضت ما كان سائداً على صعيد «أغاني الحب» Minnelieder التي روّجها المغنون الجوّالون troubadours عن الحب العذري الشفاف غير الدنيوي، يؤكد فون إشبناخ قيمة الحب الزوجي وتأثيره في ترسيخ أركان العائلة. ففي نهاية الملحمة يعود بارسيڤال إلى زوجته المحبة ليخدم الربّ والدنيا على قدم سواء، وقد انتشرت هذه الملحمة في العصور اللاحقة وكثر قراؤها في جميع المناطق الألمانية.
إضافة إلى «بارسيڤال» كتب فون إشنباخ ملحمتين بقيتا غير مكتملتين أولاهما بعنوان «ڤيلهالم» Willehalm عام (1251) وموضوعها هو التسامح الديني والشعور الإنساني وحبّ الزوجة والأسرة والإخلاص، أما مادتها فهي المعارك الدائرة في جنوبي فرنسا بين الفرسان المسيحيين والفرسان العرب المسلمين. وعند نشر الملحمة أسهم أولريش فون دِم تورلين U. von dem Türlin في كتابة مدخلها، وكذلك أولـريش فـون تورهايـم U. von Türheim في كتابة خاتمتها، وذلك بين 1247-1250. والملحمة الثانية هي «تيتورِل» Titurel بعد (1215)، وهي عمله الوحيد الذي ولدت جميع أحداثه من خيال الكاتب من دون اقتباس، وهي أحداث تدور في أجواء البلاط حيث عاشت أسرة بارسيڤال. وما يميز هذه الملحمة هو أن كاتبها قد نظمها في أبيات تقليدية على نقيض ملاحمه الأخرى.
يضمّ تراث فون إشنباخ ثماني قصائد طويلة من نوع «أغاني الحب» التقليدية، إلا أن خمساً منها تختلف من حيث تناول موضوع الحب، فأدرجت تحت مصطلح جديد هو «أغاني النهار» Tagelieder؛ لأنها تعالج الحب الزوجي بمفهومه الدنيوي في إطار العائلة. ويدل أسلوب فون إشنباخ في هذه الأشعار على سعة خبرة الشاعر وعلى تمكّنه من اللغة برشاقة وبساطة تساعد على إبراز طرافة النقد أو حدته، وفي عرض الأفكار من دون أي غموض أو تعقيد.
لقد صارت ملحمة «بارسيڤال» مادة غنية لكثير من فروع الأدب والفن، فقد اقتبسها ڤاغنر R.Wagner في أحد أعماله الأوبرالية، كما جعل من مؤلفها إحدى شخصيات عمله الأوبرالي الآخر «تنهاوزر» Tannhäuser، واقتبسها آخرون مثل مالوري Malory في أعمالهم.
كامل إسماعيل