الفقاريات
الفقاريات Vertebrata حيوانات تنتمي إلى شعيبة subphylum من شعبة الحبليات Chordata. تضم الأسماك والبرمائيات والزواحف والطيور والثدييات.
تتميز أفراد الفقاريات بميزة أساسية هي وجود هيكل داعم لها، تتألف عناصره من نسيج عظمي يبدأ تَكَوُّنها غالباً بشكل قطع غضروفية، تتعظَّم وتتصلب بترسب أملاح الكلس فيها تدريجياً، لتحلَّ محل النسيج الغضروفي. والفقاريات الوحيدة التي يتألف هيكلها الداخلي من نسيج غضروفي فقط مكوَّن من عمود فقري وقحف، هي الأسماك الغضروفية، كالقرش.
ويتألف العمود الفقري من قطع تسمّى الفقرات vertebrae، التي يختلف عددها بحسب الزمر، فهو على سبيل المثال 33 فقرة عند الإنسان، بينما هو أكثر من 400 فقرة عند الأفعى. وهي تتكون على حساب الحبل الظهري (الشكل-1)، الذي تبقى آثاره في الحيوانات البالغة من الفقاريات الابتدائية كالأسماك والضفادع. وتوجد بين الفقرات أقراص غضروفية تمنح العمود الفقري مرونةً تساعد الحيوان على حركته، وتربط بعضها ببعض أربطة قوية. ويعكس وجود هذه الفقرات البنية القِطَعِية segmental structure الأساسية لهذه الحيوانات، الممثَّلة بقطع عضلية قِطَعِية الترتيب، يُلاحظ وجودها في المراحل الجنينية، الذي غالباً ما يختفي لدى الحيوانات البالغة. يرتكز على هذا العمود هيكل الأطراف بوساطة هيكل الزنارين الكتفيين والحوضيين. والواقع أن الأطراف توجد لدى معظم الفقاريات على شكل زعانف شفعية أو أطراف متمفصلة. وقد ظهرت الزعانف في البداية لتأمين استقرار السباحة، وأصبحت فيما بعد أطرافاً أساسية من أجل الحركة على اليابسة. والأطراف المتمفصلة هي الصفة الملائمة للتحرك على اليابسة لأنها تسمح بتناسق حركة الحيوان على ركيزة صلبة.
أما القحف فيتألف من صفائح عظمية يلتحم بعضها ببعض، أو تتمفصل بمفاصل ثابتة مسننة تسمى الدروز sutures. يمثّل هذا الهيكل الداعم الهيكل الداخلي endoskeleton للفقاريات، الذي يختلف عن الهيكل الخارجي exoskeleton (الذي يغطي جسم مفصليات الأرجل الذي تطرحه بصورة دورية بعملية الانسلاخ moulting أو ecdysis) بأنه ينمو باستمرار، في حين يقف الهيكل الخارجي للمفصليات عن النمو بعد تكونه بسبب الترسبات الكلسية التي تدخل في تركيبه. يحيط الهيكل الداخلي بالجملة العصبية المركزية (الدماغ والنخاع الشوكي) وأعضاء الحس الرئيسية ويحميها.
وعلى الرغم من عدم وجود الهيكل الخارجي لدى الفقاريات، إلا أن معظم الأسماك والزواحف يغطي جسمَها حراشفُ قاسية تقوم بحمايتها. كما يغطي جسم الطيور ريش أو شعر يقوم بعزل جسمها ويحميه من تغيرات الظروف البيئية الخارجية التي تحيط بالحيوان وتحافظ على درجة حرارة جسمه.
وتتميَّز الفقاريات أيضاً بجملة عصبية ظهرية نسبة لجسم الحيوان، تمتد على طول الجسم، وتنتفخ في المقدمة لتشكِّل الدماغ (الشكل-2) الذي يوجد ضمن الرأس. والواقع أن تشكُّل رأس الفقاريات وأعضاء الحس الشفعية كان نتيجة تطورين جنينيين لم يظهرا إلا في الفقاريات، هما العرف العصبي neural crest الذي أدى إلى تكون الجملة العصبية[ر. العصبية عند الحيوانات (الجملة)]، والصفائح البشرية epidermal placoids التي هي ثخانات من البشرة بشكل صفائح ظهرت أمام الأنبوب العصبي وعلى جانبيه، وأعطت فيما بعد العينين والأذنين ومستقبِلات الذوق ومستقبِلات الخطين الجانبيين والمستقبِلات الكهربائية. وهكذا ظهر رأس الفقاريات بما يحمله من أعضاء حس قرب الفم (الذي تجهَّز بفكين لالتقاط الفرائس)، مما لم يكن موجوداً في أسلاف الفقاريات، في أثناء عملية التطور.
إن الجملة العصبية في الفقاريات جملة فريدة من نوعها من حيث البنية والوظيفة، فعندما تحوَّلت أسلاف الفقاريات من التغذي بالترشيح إلى الافتراس النشيط، كان من الضروري وجود أعضاء حس وحركة تساعد على تحري مواقع الافتراس والتقاطها، لذلك صُمِّمَت أعضاءُ حسٍ شفعية من أجل إدراك المواد البعيدة. وقد شمل ذلك العيون الشفعية العدسية والشبكية المقلوبة inverted retina، وتطورت مستقبِلات الضغط مثل الأذن الشفعية من أجل التوازن، التي تطورت فيما بعد لاستقبال الأصوات، ومستقبلاتٍ كيميائية تمثِّل حس الذوق والشم.
كان البلعوم لدى الحبليات الابتدائية، مثلاً دقيق الطرفين، مثقباً، ليُسهم في التغذي بترشيح filtering المعلَّقات الغذائية من الماء، فكان السطح الداخلي له مفعماً بالأهداب التي تسوق الغذاء باتجاه أنبوب الهضم، يساعدها على ذلك المخاط الذي تفرزه البشرة البلعومية. وهكذا فإنه، بانتقال الفقاريات الأولى من التغذي بالترشيح filter feeding إلى التغذي بالافتراس، تحول البلعوم إلى جهاز تغذٍ عضلي يسهم في توسيع جوف البلعوم وتضييقه في عمليات البلع. كما تحسَّن الدوران المتجه نحو الغلاصم الداخلية بإضافة شبكات دموية شعرية، وظهور قلب بطني وأقواس أبهرية عضلية (الشكل-3). كل هذه التغيرات دعمت زيادة معدل الاستقلاب الذي رافق زيادة النشاط والحركة من أجل الافتراس.
إضافة إلى ما سبق ذكره، تمتاز الفقاريات بجهازٍ إفراغي ممثلاً بكلية kidney، تتألف من أنابيب بولية nephrones تقوم بتنقية الدم وتأمين التوازن المائي والحلولي (التناضحي) بين الوسط الداخلي للحيوان ووسطه الخارجي.
ومن ميزات الفقاريات أيضاً وجود جهاز دوران مغلق closed circulatory system (مقابل جهاز الدوران المفتوح open circulatory system الذي يميز كثيراً من اللافقاريات)، يتألف من قلب وشرايين وأوردة وشعيرات دموية يجري فيها الدم المؤلف من كريات دموية حمر وبيض.
وتتميز الفقاريات أيضاً، بوجود الكبد والبنكرياس وأعضاء حس متخصصة كجهاز الخط الجانبي والأذن والعين والأنف، وبوجود بعض الغدد ذات الإفراز الداخلي (الغدد الصم) كالغدة النخامية والدرقية، وكذلك الجلد المعقد البنية الذي يتألف من بشرة وأدمة.
تتكاثر جميع الفقاريات تكاثراً جنسياً، إما بوضع البيض، كما في الأسماك والبرمائيات والزواحف والطيور، أو بالولادة كما في الثدييات.
تصنيفها
يوجد من الفقاريات أكثر من 40000 نوع، يصنِّفها العلماء في خمس مجموعات هي: الأسماك والبرمائيات والزواحف والطيور والثدييات، ويقسم المصنِّفون الأسماك إلى أربع مجموعات، هي عديمات الفك Agnatha ولوحيات الأدمة Placodermi والأسماك الغضروفية Chondrichthyes والأسماك العظمية Osteichthyes، وكلها تتحرك بالزعانف، وتعيش في الماء وتحصل على الأكسجين اللازم لها منه. أما باقي الفقاريات فتضم حيوانات ذات أطراف أربعة، فهي رباعيات أرجل tetrapodes، تعيش على اليابسة وتتنفس الهواء الجوي.
تعدُّ البرمائيات أصغر مجموعات رباعيات الأرجل، وهي تضم نحو 4000 نوع. ومعظم البرمائيات، مثل الضفادع وسمادل الماء، تعيش في البيئات الرطبة. ومعظمها، كالأسماك، تضع الإناث بيوضها في الماء، لأنها تجف بسرعة في الهواء، بسبب عدم وجود غلاف يحمي البيوض من التجفاف، وتفقس البيوض عن يرقات تسبح في الماء بفضل ذيلها المنبسط شاقولياً، وتتنفس الأكسجين الموجود في الماء. وعندما تصل إلى المرحلة البالغة، تظهر لها الأطراف التي تسمح لها بالتحرك على اليابسة، والرئات التي تساعدها على تنفس الهواء الجوي.
أما الزواحف فهي، مقارنة بالبرمائيات، أكثر تكيفاً مع الحياة على اليابسة. يغطي جسمها جلد تكسوه حراشف قاسية، وهي تتكاثر إما بالولادة أو بالبيض الذي تحيط به قشرة كلسية قاسية تحميه من الظروف الخارجية. يوجد منها نحو 7000 نوع حي، بما في ذلك الأفاعي والحيات والسلاحف والتماسيح. وفي زمن الديناصورات، طغى عدد الزواحف على الفقاريات الأخرى مجتمعة.
أما الطيور فقد طرأ عليها، في أثناء تطورها، تغيرات جذرية سواء كان ذلك من حيث الشكل أم الوظيفة. فهي ذات عظام هوائية، وجهاز تنفسي متطور لا مثيل له في بقية الفقاريات من حيث وجود الأكياس الهوائية التي تسهم في عمليات التنفس التي توفر معدلاً استقلابياً عالياً، ويوجد منها حياً اليوم نحو 10000 نوع.
أما الثدييات فهي الفقاريات الوحيدة التي ترعى مواليدها بتغذيتها بحليب تنتجه أثداء الأمهات، وهي الحيوانات الوحيدة أيضاً التي يوجد في فمها أسنان متخصصة لأعمال محددة. يبلغ عدد أنواعها نحو 4600 نوع، تضم أكبر الحيوانات التي تعيش على اليابسة وفي البحر؛ فالكلاب والدببة والقردة والحيتان والإنسان، كلها تنتمي إلى الثدييات.
تطور الفقاريات
ظهرت أول مستحاثاتٍ للفقاريات في العصر الأوردوفيشي منذ نحو 450 مليون سنة، ممثَّلَةً بعديمات الفك أو اللافكيات، وكانت من دون زعانف زوجية، ومن دون فكوك أو رئات. وعلى الرغم من نشوء الفقاريات في الأصل في المحيطات، إلا أنها تطورت في المياه العذبة وعلى اليابسة.
ثم ظهرت فكيات الفم Gnathostomata التي تميزت بالفكوك والأسنان والرئات. وكانت أولى مجموعاتها لوحيات الأدمة، التي كانت ضعيفة السباحة وتعيش أفرادها قرب القاع. وكانت أفرادها ذات وجه بطني مسطح، وزعنفة ذيلية متباينة heterocercal، لكنها أصبحت فيما بعد سريعة الحركة، وأصبح لها مجموعتان من الزعانف الزوجية التي قامت بالأصل بتحريك الحيوان قرب القاع، ثم تحولت إلى أعضاء تساعدها على التوازن في أثناء السباحة. وأسهم في ذلك وجود الفقرات المتمفصلة والعضلات القوية، مما سمح لها بالتحرك بخفة والسباحة ضد تيار الماء. وكذلك تَكَوَّنت لها الحراشف بدلاً من الدرع العظمي الثقيل. واكتسبت رئات لوحيات الأدمة فيما بعد دوراً توازنياً ساعدها في العوم، وذلك بتكون الكيس السباحي أو المثانة الهوائية، كما ترافقت بيوضها بكيس محي، يحيط به غلاف مؤلف من ثلاث طبقات.
ومن لوحيات الأدمة ظهر خطان تطوريان، هما الأسماك الغضروفية والأسماك العظمية (الشكل-4). وقد كانت الأسماك الغضروفية ذات هيكل داخلي غضروفي بدلاً من الهيكل العظمي، كما تحول معظمها إلى حيوانات مفترسة.
وربما عاشت أقدم الأسماك العظمية في المياه العذبة، وظهرت منها مباشرة الأسماك الشائكة Acanthobdei التي انقرضت، ومجموعتان لازالت أفرادهما حية، هما شعاعيات الزعانف Actinopterygii التي أعطت في النهاية الأسماك كاملات التعظم (اللامعات العظمية) Holostei، ومكتملات العظام Teleostei التي تضم معظم الأسماك العظمية المعروفة، ولحميات الزعانف Sarcopterygii التي تضمُّ الأسماك الرئوية (ذوات التنفسين) Dipnoi التي أدى تطورها إلى رباعيات الأرجل.
فقدت رباعيات الأرجل الغلاصم والحراشف العظمية وبعض الميزات الأخرى للأسماك. وكان أول رباعيات الأرجل البرمائيات Amphibia التي بقيت حياتها مرتبطة بالماء، خاصة من أجل التكاثر وحياة اليرقات.
وتطورت الزواحف Reptilia عن برمائي ابتدائي وذلك بثخانة جلدها ودعمه بحراشف قرنية، وبتحول الكيس المحي ثلاثي الغلاف إلى غشاء متخصص يحيط بالجنين، وتَكَوُّن قشرةٍ حول البيضة، مما سمح لها بأن تتطور خارج الماء. وأصبح الإلقاح داخلياً. كما فقدت الزواحف مراحلها اليرقية، وتخصص عمودها الفقري، فصار بالإمكان تمييز فقرات رقبية وأخرى صدرية وظهرية وذيلية، وكذلك تمايزت الأطراف لتلائم الحركة على اليابسة. كما تحسَّن جهازها الغذائي ليساعد على التقاط الفرائس وتحويلها إلى قطع صغيرة يسهل ابتلاعها.
أما الطيور فقد تطورت من الديناصورات الابتدائية أو أسلافها المباشرة، فتحوَّرت حراشفها إلى رياش، وأطرافها إلى أجنحة، وفقدت أسنانها.
أما الثدييات Mammalia فقد تطورت عن الزواحف الابتدائية، وتحوَّلت حراشفها إلى أشعار، وتمايزت أسنانها إلى قواطع وأنياب وأضراس، وظهر سقف الحلق الذي فصل جوف الأنف عن جوف الفم، وبدأ التحول الجنيني ضمن جسم الأنثى، وقام الوليد بالتغذي بحليب تفرزه أثداء الأنثى.
حسن حلمي خاروف
الفقاريات Vertebrata حيوانات تنتمي إلى شعيبة subphylum من شعبة الحبليات Chordata. تضم الأسماك والبرمائيات والزواحف والطيور والثدييات.
الشكل (1) | |
أصل الفقرات وموقعها في الجسم |
ويتألف العمود الفقري من قطع تسمّى الفقرات vertebrae، التي يختلف عددها بحسب الزمر، فهو على سبيل المثال 33 فقرة عند الإنسان، بينما هو أكثر من 400 فقرة عند الأفعى. وهي تتكون على حساب الحبل الظهري (الشكل-1)، الذي تبقى آثاره في الحيوانات البالغة من الفقاريات الابتدائية كالأسماك والضفادع. وتوجد بين الفقرات أقراص غضروفية تمنح العمود الفقري مرونةً تساعد الحيوان على حركته، وتربط بعضها ببعض أربطة قوية. ويعكس وجود هذه الفقرات البنية القِطَعِية segmental structure الأساسية لهذه الحيوانات، الممثَّلة بقطع عضلية قِطَعِية الترتيب، يُلاحظ وجودها في المراحل الجنينية، الذي غالباً ما يختفي لدى الحيوانات البالغة. يرتكز على هذا العمود هيكل الأطراف بوساطة هيكل الزنارين الكتفيين والحوضيين. والواقع أن الأطراف توجد لدى معظم الفقاريات على شكل زعانف شفعية أو أطراف متمفصلة. وقد ظهرت الزعانف في البداية لتأمين استقرار السباحة، وأصبحت فيما بعد أطرافاً أساسية من أجل الحركة على اليابسة. والأطراف المتمفصلة هي الصفة الملائمة للتحرك على اليابسة لأنها تسمح بتناسق حركة الحيوان على ركيزة صلبة.
أما القحف فيتألف من صفائح عظمية يلتحم بعضها ببعض، أو تتمفصل بمفاصل ثابتة مسننة تسمى الدروز sutures. يمثّل هذا الهيكل الداعم الهيكل الداخلي endoskeleton للفقاريات، الذي يختلف عن الهيكل الخارجي exoskeleton (الذي يغطي جسم مفصليات الأرجل الذي تطرحه بصورة دورية بعملية الانسلاخ moulting أو ecdysis) بأنه ينمو باستمرار، في حين يقف الهيكل الخارجي للمفصليات عن النمو بعد تكونه بسبب الترسبات الكلسية التي تدخل في تركيبه. يحيط الهيكل الداخلي بالجملة العصبية المركزية (الدماغ والنخاع الشوكي) وأعضاء الحس الرئيسية ويحميها.
وعلى الرغم من عدم وجود الهيكل الخارجي لدى الفقاريات، إلا أن معظم الأسماك والزواحف يغطي جسمَها حراشفُ قاسية تقوم بحمايتها. كما يغطي جسم الطيور ريش أو شعر يقوم بعزل جسمها ويحميه من تغيرات الظروف البيئية الخارجية التي تحيط بالحيوان وتحافظ على درجة حرارة جسمه.
الشكل (2) | |
موقع الرأس وعناصره المتممة لدى الفقاريات | |
الشكل (3) | |
تطور منطقة البلعوم لدى الفقاريات |
إن الجملة العصبية في الفقاريات جملة فريدة من نوعها من حيث البنية والوظيفة، فعندما تحوَّلت أسلاف الفقاريات من التغذي بالترشيح إلى الافتراس النشيط، كان من الضروري وجود أعضاء حس وحركة تساعد على تحري مواقع الافتراس والتقاطها، لذلك صُمِّمَت أعضاءُ حسٍ شفعية من أجل إدراك المواد البعيدة. وقد شمل ذلك العيون الشفعية العدسية والشبكية المقلوبة inverted retina، وتطورت مستقبِلات الضغط مثل الأذن الشفعية من أجل التوازن، التي تطورت فيما بعد لاستقبال الأصوات، ومستقبلاتٍ كيميائية تمثِّل حس الذوق والشم.
كان البلعوم لدى الحبليات الابتدائية، مثلاً دقيق الطرفين، مثقباً، ليُسهم في التغذي بترشيح filtering المعلَّقات الغذائية من الماء، فكان السطح الداخلي له مفعماً بالأهداب التي تسوق الغذاء باتجاه أنبوب الهضم، يساعدها على ذلك المخاط الذي تفرزه البشرة البلعومية. وهكذا فإنه، بانتقال الفقاريات الأولى من التغذي بالترشيح filter feeding إلى التغذي بالافتراس، تحول البلعوم إلى جهاز تغذٍ عضلي يسهم في توسيع جوف البلعوم وتضييقه في عمليات البلع. كما تحسَّن الدوران المتجه نحو الغلاصم الداخلية بإضافة شبكات دموية شعرية، وظهور قلب بطني وأقواس أبهرية عضلية (الشكل-3). كل هذه التغيرات دعمت زيادة معدل الاستقلاب الذي رافق زيادة النشاط والحركة من أجل الافتراس.
إضافة إلى ما سبق ذكره، تمتاز الفقاريات بجهازٍ إفراغي ممثلاً بكلية kidney، تتألف من أنابيب بولية nephrones تقوم بتنقية الدم وتأمين التوازن المائي والحلولي (التناضحي) بين الوسط الداخلي للحيوان ووسطه الخارجي.
ومن ميزات الفقاريات أيضاً وجود جهاز دوران مغلق closed circulatory system (مقابل جهاز الدوران المفتوح open circulatory system الذي يميز كثيراً من اللافقاريات)، يتألف من قلب وشرايين وأوردة وشعيرات دموية يجري فيها الدم المؤلف من كريات دموية حمر وبيض.
وتتميز الفقاريات أيضاً، بوجود الكبد والبنكرياس وأعضاء حس متخصصة كجهاز الخط الجانبي والأذن والعين والأنف، وبوجود بعض الغدد ذات الإفراز الداخلي (الغدد الصم) كالغدة النخامية والدرقية، وكذلك الجلد المعقد البنية الذي يتألف من بشرة وأدمة.
تتكاثر جميع الفقاريات تكاثراً جنسياً، إما بوضع البيض، كما في الأسماك والبرمائيات والزواحف والطيور، أو بالولادة كما في الثدييات.
تصنيفها
يوجد من الفقاريات أكثر من 40000 نوع، يصنِّفها العلماء في خمس مجموعات هي: الأسماك والبرمائيات والزواحف والطيور والثدييات، ويقسم المصنِّفون الأسماك إلى أربع مجموعات، هي عديمات الفك Agnatha ولوحيات الأدمة Placodermi والأسماك الغضروفية Chondrichthyes والأسماك العظمية Osteichthyes، وكلها تتحرك بالزعانف، وتعيش في الماء وتحصل على الأكسجين اللازم لها منه. أما باقي الفقاريات فتضم حيوانات ذات أطراف أربعة، فهي رباعيات أرجل tetrapodes، تعيش على اليابسة وتتنفس الهواء الجوي.
تعدُّ البرمائيات أصغر مجموعات رباعيات الأرجل، وهي تضم نحو 4000 نوع. ومعظم البرمائيات، مثل الضفادع وسمادل الماء، تعيش في البيئات الرطبة. ومعظمها، كالأسماك، تضع الإناث بيوضها في الماء، لأنها تجف بسرعة في الهواء، بسبب عدم وجود غلاف يحمي البيوض من التجفاف، وتفقس البيوض عن يرقات تسبح في الماء بفضل ذيلها المنبسط شاقولياً، وتتنفس الأكسجين الموجود في الماء. وعندما تصل إلى المرحلة البالغة، تظهر لها الأطراف التي تسمح لها بالتحرك على اليابسة، والرئات التي تساعدها على تنفس الهواء الجوي.
أما الزواحف فهي، مقارنة بالبرمائيات، أكثر تكيفاً مع الحياة على اليابسة. يغطي جسمها جلد تكسوه حراشف قاسية، وهي تتكاثر إما بالولادة أو بالبيض الذي تحيط به قشرة كلسية قاسية تحميه من الظروف الخارجية. يوجد منها نحو 7000 نوع حي، بما في ذلك الأفاعي والحيات والسلاحف والتماسيح. وفي زمن الديناصورات، طغى عدد الزواحف على الفقاريات الأخرى مجتمعة.
أما الطيور فقد طرأ عليها، في أثناء تطورها، تغيرات جذرية سواء كان ذلك من حيث الشكل أم الوظيفة. فهي ذات عظام هوائية، وجهاز تنفسي متطور لا مثيل له في بقية الفقاريات من حيث وجود الأكياس الهوائية التي تسهم في عمليات التنفس التي توفر معدلاً استقلابياً عالياً، ويوجد منها حياً اليوم نحو 10000 نوع.
أما الثدييات فهي الفقاريات الوحيدة التي ترعى مواليدها بتغذيتها بحليب تنتجه أثداء الأمهات، وهي الحيوانات الوحيدة أيضاً التي يوجد في فمها أسنان متخصصة لأعمال محددة. يبلغ عدد أنواعها نحو 4600 نوع، تضم أكبر الحيوانات التي تعيش على اليابسة وفي البحر؛ فالكلاب والدببة والقردة والحيتان والإنسان، كلها تنتمي إلى الثدييات.
تطور الفقاريات
ظهرت أول مستحاثاتٍ للفقاريات في العصر الأوردوفيشي منذ نحو 450 مليون سنة، ممثَّلَةً بعديمات الفك أو اللافكيات، وكانت من دون زعانف زوجية، ومن دون فكوك أو رئات. وعلى الرغم من نشوء الفقاريات في الأصل في المحيطات، إلا أنها تطورت في المياه العذبة وعلى اليابسة.
ثم ظهرت فكيات الفم Gnathostomata التي تميزت بالفكوك والأسنان والرئات. وكانت أولى مجموعاتها لوحيات الأدمة، التي كانت ضعيفة السباحة وتعيش أفرادها قرب القاع. وكانت أفرادها ذات وجه بطني مسطح، وزعنفة ذيلية متباينة heterocercal، لكنها أصبحت فيما بعد سريعة الحركة، وأصبح لها مجموعتان من الزعانف الزوجية التي قامت بالأصل بتحريك الحيوان قرب القاع، ثم تحولت إلى أعضاء تساعدها على التوازن في أثناء السباحة. وأسهم في ذلك وجود الفقرات المتمفصلة والعضلات القوية، مما سمح لها بالتحرك بخفة والسباحة ضد تيار الماء. وكذلك تَكَوَّنت لها الحراشف بدلاً من الدرع العظمي الثقيل. واكتسبت رئات لوحيات الأدمة فيما بعد دوراً توازنياً ساعدها في العوم، وذلك بتكون الكيس السباحي أو المثانة الهوائية، كما ترافقت بيوضها بكيس محي، يحيط به غلاف مؤلف من ثلاث طبقات.
ومن لوحيات الأدمة ظهر خطان تطوريان، هما الأسماك الغضروفية والأسماك العظمية (الشكل-4). وقد كانت الأسماك الغضروفية ذات هيكل داخلي غضروفي بدلاً من الهيكل العظمي، كما تحول معظمها إلى حيوانات مفترسة.
الشكل (4) شجرة تطور الفقاريات |
فقدت رباعيات الأرجل الغلاصم والحراشف العظمية وبعض الميزات الأخرى للأسماك. وكان أول رباعيات الأرجل البرمائيات Amphibia التي بقيت حياتها مرتبطة بالماء، خاصة من أجل التكاثر وحياة اليرقات.
وتطورت الزواحف Reptilia عن برمائي ابتدائي وذلك بثخانة جلدها ودعمه بحراشف قرنية، وبتحول الكيس المحي ثلاثي الغلاف إلى غشاء متخصص يحيط بالجنين، وتَكَوُّن قشرةٍ حول البيضة، مما سمح لها بأن تتطور خارج الماء. وأصبح الإلقاح داخلياً. كما فقدت الزواحف مراحلها اليرقية، وتخصص عمودها الفقري، فصار بالإمكان تمييز فقرات رقبية وأخرى صدرية وظهرية وذيلية، وكذلك تمايزت الأطراف لتلائم الحركة على اليابسة. كما تحسَّن جهازها الغذائي ليساعد على التقاط الفرائس وتحويلها إلى قطع صغيرة يسهل ابتلاعها.
أما الطيور فقد تطورت من الديناصورات الابتدائية أو أسلافها المباشرة، فتحوَّرت حراشفها إلى رياش، وأطرافها إلى أجنحة، وفقدت أسنانها.
أما الثدييات Mammalia فقد تطورت عن الزواحف الابتدائية، وتحوَّلت حراشفها إلى أشعار، وتمايزت أسنانها إلى قواطع وأنياب وأضراس، وظهر سقف الحلق الذي فصل جوف الأنف عن جوف الفم، وبدأ التحول الجنيني ضمن جسم الأنثى، وقام الوليد بالتغذي بحليب تفرزه أثداء الأنثى.
حسن حلمي خاروف