القضية الفلسطينية Palestinian question الحركة الصهيونية كفكرة وبدايةالقضية الفلسطينية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القضية الفلسطينية Palestinian question الحركة الصهيونية كفكرة وبدايةالقضية الفلسطينية

    الفلسطينية (القضية -)

    الحركة الصهيونية كفكرة وبداية القضية الفلسطينية
    اشتق المفكر اليهودي ناثان بيرنباومNathan Birnbaum ما بين (1863-1937) لفظة (الصهيونية Zionism) بمدلولها السياسي الحديث قبل أكثر من قرن في مقالته الصادرة باللغة الألمانية «التحرر الذاتي Selbstmanzipation» التي نشرها في العام 1890. وقبيل انعقاد مؤتمر بال عام 1897 وذلك لتمييز هذه الحركة التي كانت في طور التكون (دعوة القومية اليهودية) من النشاط الذي مارسته جماعة أخرى أطلقت على نفسها اسم «أحباء صهيون Hibbat Zion» منذ مطلع الثمانينات في القرن التاسع عشر.
    والصهيونية، كفكرة، تنطوي في جوهرها على دعوة العودة إلى «صهيون»، أي مناشدة اليهود العودة إلى «أرض إسرائيل» بحدودها التي ورد ذكرها في الكتب المقدسة لدى اليهود، في حين أن الصهيونية، بمفهومها السياسي، حركة سياسية استعمارية عالمية منظمة تستند إلى مفاهيم شتى، فهي تحتوي على مفاهيم دينية، ومزاعم تاريخية، ومقاصد استعمارية. والوجود الصهيوني في فلسطين العربية المحتلة يعد أكبر خطر على الوطن العربي والأمة العربية. لأنه يرتبط ارتباطاً مباشراً بالظاهرة الاستعمارية، إذ هو ليس سوى نتاج لفعاليات الدول الاستعمارية من أجل زرع جسم غريب في جسد الأمة العربية, ليشكل قاعدة استعمارية دائمة ومتقدمة في قلب الوطن العربي، ذلك أن الصهيونية حركة أوربية الجذور نشأت وسط القوميات الأوربية في القرن التاسع عشر حينما بلغ الاستعمار الأوربي ذروته واتسم آنذاك بالتوسع والتنافس على مناطق النفوذ والاستعمار.
    تختلف الصهيونية السياسية الحديثة في اعتناقها الفكرة القومية اليهودية المستحدثة عن جميع القوميات التي شهدها القرن التاسع عشر، إذ جاءت الصهيونية مقلدة لتلك القوميات من حيث الأسس التي قامت عليها والتي لم تكن متوفرة لدى يهود العالم. وقد بدت الدعوة إلى القومية اليهودية أشبه ما تكون بالبدعة التي تحاول السير وراء القوميات الأوربية دون توفر المقومات الأساسية اللازمة لها. فاليهود المنتشرون في جميع أنحاء العالم ينتمون إلى طائفة دينية معينة وإلى قوميات وجنسيات متعددة. واليهودية في جوهرها، لا تعدو كونها ديانة سماوية، تربطها بفلسطين، كما تربط غيرها من الديانات السماوية الأخرى صلات المنشأ والأصل والارتباط الروحي.
    وسوف تظهر هذه الحركة الصهيونية، وليدة الاستعمار وابنته، فما قامت به إسرائيل، بعد إنشائها من اعتداءات واحتلال الأراضي الفلسطينية واللبنانية والسورية والأردنية في 5/6/1967، ويثبت ذلك ما لجأ إليه الانتداب الإنكليزي من أساليب القمع والعنف لكي تصبح فلسطين وطناً قومياً لليهود الجدد بعد مضي ما يقارب ألفي سنة على خروج اليهود القدامى منها.
    حركة «أحباء صهيون» (1882-1895)
    يمكن عدّ حركة «أحباء صهيون» - أول حركة صهيونية منظمة ذات طابع سياسي، وذلك قبل ظهور ثيودور هرتزل T.Herzel على مسرح الحركات الصهيونية. ويكفي الإشارة إلى الدعوات التي يزعمها بعض المفكرين والحاخامين اليهود والتي مهدت السبيل أمام «حركة أحباء صهيون». وقد أثمرت تلك الدعوات بتبني شعار «إلى فلسطين» ثم إقامة بعض المستعمرات، حتى إن أحدهم «زفي هيرش كاليشر»Zevi Kalischer ما بين (1795-1874) أصدر بالألمانية في عام 1862 كتاباً عنوانه «مطلب صهيون Derishat Ziyyon» اقترح فيه تأسيس شركة للاستعمار، وعد الفلاحة حافزاً دنيوياً إلى ذلك الخلاص الروحي. وشجع المفكر الألماني موزس هس Moses Hess ما بين (1812-1875) على تحلي اليهود بالشجاعة، وعلى أن دعائم القومية اليهودية هي الدين والعرق أي الجنس اليهودي ثم مجيء المسيح المخلص.
    قامت الحركة بين يهود روسيا وأوربا الشرقية فسارع الحاخام صموئيل موهيليفرMohilever ما بين (1824-1898) إلى تأسيس أول جمعية لأحباء صهيون أو أصدقائها في العام 1882 وسرعان ما انتشرت جمعيات مماثلة في المدن الروسية ثم انطلقت الدعوة إلى رومانيا وألمانيا وإنكلترا والنمسا حتى وصلت إلى الولايات المتحدة الأميركية - وكان ليو بنسكرLeo Pinsker ما بين (1821-1894) الطبيب والكاتب الروسي ممثل هذا الاتجاه. وقد صور بنسكر وضع اليهود الروس فوجد أنهم غير قابلين للاندماج في الشعوب، ولم يجد في تقدم الحضارة ولا عصبة الأمم، التي لم تقم بعد، سبيلاً صالحاً لحل المسألة اليهودية، فالشعوب الأخرى لا تعترف باليهود على قدم المساواة كما أنهم تنقصهم المقومات التي تجعل منهم شعباً بذاته، وقال عن الشعب اليهودي «إنه حاضر في كل مكان وليس له بيت في أي مكان أبداً، وعلى اليهود أن يصبحوا أمة بين سائر الأمم. وعليهم الحصول على وطن خاص بهم وحدهم». وقد بلغت الجمعيات المنطلقة إلى «فلسطين» في رومانيا وحدها نحو الخمسين جمعية صهيونية، وتمكنت جماعات «البيلو» Bilu من شراء 3300 دونم فعمرت مستعمرة «ريشون لصهيون» Rishon Le-Zion.
    وقد حازت الحركة موافقة السلطات الروسية. فارتفع معدل الهجرة في العامين 1890- 1891 واشتد الإقبال على شراء الأراضي، فارتفعت أسعارها وازدادت عمليات المضاربة، فانتبهت السلطات العثمانية وعادت إلى فرض القيود على الهجرة من روسيا.
    القضية الفلسطينية من ثيودور هرتزل حتى وعد بلفور
    يمكن القول إن الصحافي النمساوي ثيودور هرتزل (1860-1904) هو مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة والأب الروحي لها، وقد هدفت حركته إلى إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين، وعبر عن فكرته في كتابه «دولة اليهود» الذي نشره في عام 1896، وقد شد انتباه كثير من الأشخاص إلى القضية الصهيونية، حيث رفض هرتزل في كتابه فكرة ذوبان اليهود في ثقافات الدول التي يعيشون فيها، ودعا اليهود إلى أن يوحدوا جهودهم ويبنوا دولة خاصة بهم. وارتأى هرتزل أن المكان الأمثل لتحقيق هذا المشروع هو فلسطين، ولكنه لم يستبعد إمكانية قيام الكيان اليهودي في الأرجنتين أو أوغندا أو قبرص أو سيناء حول العريش، لذلك اقترح تشكيل شركة يهودية تكون مسؤوليتها اكتساب أرض فلسطين.
    وفي عام 1897، ترأس هرتزل أول مؤتمر صهيوني في بال (سويسرا) وانضم إليه 197 مندوباً من مختلف الهيئات والجمعيات الصهيونية في العالم، وكان من أهم قرارات المؤتمر وضع برنامج الحركة الصهيونية للاستيلاء على فلسطين، ووضع أسس المنظمة الصهيونية العالمية. واكتشف هرتزل أنه لابد من الاعتماد على دولة استعمارية كبيرة لتحقيق مشروعه هذا. وكانت إنكلترا هي تلك الدولة ثم صارت الولايات المتحدة الأمريكية. وقد نجح هرتزل في هذا المسعى. فبعد نحو عشرين سنة من مؤتمره الصهيوني الأول أصدرت إنكلترا وعد بلفور.
    عقدت المنظمة الصهيونية 22 مؤتمراً، قبل قيام إسرائيل، وكان المؤتمر الأخير في 9/12/1946 الذي أعادت فيه تنظيم نفسها وطورت أجهزتها، وتبنى المؤتمر الصهيوني الخامس في بال الشعار الآتي «العمل اليهودي على الأرض اليهودية»، وجعل دورية انعقاد المؤتمر كل عامين مبدئياً.
    وفي المؤتمر الصهيوني السادس (بال 1903) جرى البحث في العرض المقدم من إنكلترا باستعمار أوغندا، واتسعت شقة الخلاف بين الذين أطلقوا على أنفسهم (صهيونيي صهيون Tziyyon Zion) ورفضوا القبول ببديل من فلسطين، وبين الذين قبلوا بأرض خارج فلسطين.
    وحين عقد المؤتمر الصهيوني السابع (بال 1905) كان هرتزل قد توفي، فاشتد الخلاف وانفصل أنصار استعمار أوغندا وشكلوا «المنظمة الإقليمية العالمية». وعقد مؤيدو استعمار فلسطين مؤتمرهم الثامن في لاهاي 1907 واتخذوا فيه قراراً بمباشرة النشاط الاستعماري في فلسطين.
    ولم يتمكن المؤتمر السابع من حسم الخلافات بين الصهيونيين السياسيين والعمليين، ولم تلق الدعوة إلى انتخاب قيادة ثلاثية بعد وفاة هرتزل أي نجاح، واستمر الصراع بين الفريقين داخل المنظمة الصهيونية والأجهزة والمؤسسات التابعة لها، في حين أن «العمليين» استطاعوا تحقيق مكاسب عدة في السنوات العشر التي سبقت صدور وعد بلفور، وفي عام 1908 بدأ «الصهيونيون العمليون» «سياسة التغلغل الاقتصادي» على أساس ربط مسألة «الحق اليهودي التاريخي في فلسطين بحكم الواقع الفعلي - de facto». وسُر العمليون بنجاح الانقلاب العثماني على يد رجالات تركيا الفتاة، وإعلان الدستور في تركيا، فأسسوا «شركة تطوير أراضي فلسطين» Palestine Company Land Development كما افتتحوا فرعاً لصندوق الائتمان اليهودي للاستعمار في الأستانـة. ولم يحـن موعـد انعقاد المؤتمـر العاشر (بال 1911) حتى انفجر الصراع بين العمليين والسياسيين ونشأت «الصهيونية التوفيقية» التي تزعمها حاييم وايزمان H.Weizmann. وكان المؤتمر الصهيوني الحادي عشر (فيينا 1913) آخر المؤتمرات قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، وفيه تقرر إنشاء الجامعة العبرية في فلسطين. وظهر اهتمام الصهيونية بالأحداث السياسية التي تؤثر في مستقبل الشرق. وعملت المنظمة من أجل الحصول على براءة الاستيطان وعلى الاعتراف الدولي بوجودها وبأهدافها بعد أن اختارت «كوبنهاغن» لتكون مقراً للمكتب الصهيوني. وأعلنت المنظمة في الحرب العالمية الأولى الحياد،وبذلك تترك المنظمة المجال مفتوحاً للانحياز إلى أي جهة، راح وايزمان يجتمع ببلفور، وكان المخطط الصهيوني قائماً آنذاك على: ـ ضرورة انتصار الحلفاء في الحرب، ـ وضع فلسطين تحت الانتداب الإنكليزي، ـ قيام الحكم المنتدب بتسهيل دخول مليون يهودي أو أكثر إلى فلسطين، ـ إنهاء الانتداب بعد أن يستتب الأمر لليهود، وعلى أساس هذا المخطط عمد وايزمان لكسب المسؤولين الإنكليز إلى جانبه.
    صدر تصريح بلفور في 2/11/1917 على أساس وثيقة حكومية إنكليزية موجهة إلى اللورد روتشيلد Rotschild هذا نصها: «تؤيد حكومة صاحب الجلالة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وسوف تبذل قصارى جهدها لتسهيل إنجاز هذا الهدف. ولا بد أن يكون مفهوماً بجلاء أنه لا يمكن عمل شيء مجحف بالحقوق المدنية والدينية للجماعات غير اليهودية في فلسطين، أو الحقوق والوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر».
    وحينما صدر هذا الوعد في أثناء الحرب العالمية الأولى، كانت القوات الإنكليزية تحارب للاستيلاء على فلسطين من الدولة العثمانية. وأرادت إنكلترا أن تحكم فلسطين لموقعها قرب قناة السويس التي تصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر. وقد اعتقد الإنكليز أن وعد بلفور سيساعد على كسب التأييد «من زعماء» اليهود في إنكلترا والولايات المتحدة وفي دول أخرى بهدف المساعدة على انتصار الحلفاء في الحرب. وفي عام 1922 صادقت عصبة الأمم على وعد بلفور وأعطت إنكلترا حق الانتداب على فلسطين، فرفض قادة الدول العربية وعد بلفور وتمسكوا بحق العرب التاريخي في فلسطين.
    لقد عمل صاحب الوعد، آرثر جيمس بلفور(1848-1930) رئيساً لوزراء إنكلترا من عام 1902 إلى عام 1905، ووزيراً لخارجية إنكلترا في حكومة الحزب الائتلافية التي ترأسها دافيد لويد جورج من العام 1916.
    القضية الفلسطينية من وعد بلفور حتى إعلان دولة إسرائيل في عام 1948
    اعتقد الصهيونيون العمليون أنهم حصلوا أخيراً على براءة الاعتراف الدولي التي نادى بها مؤسس المنظمة الصهيونية العالمية. وقد صدر التصريح في اليوم نفسه من بدء الهجوم الإنكليزي على فلسطين بقيادة الجنرال اللّنبي (1861-1936)، وعدّ الصهيونيون التصريح «وعداً قاطعاً» وتحقيقاً لأحلام هرتزل، وما إن مضى الشهر السادس على هذا التصريح حتى كانت «اللجنة الصهيونية» برئاسة وايزمان في طريقها إلى فلسطين، وصرحت اللجنة بأنها جاءت بناء على رغبة الحكومة الإنكليزية لتدرس الوضع العام في فلسطين، وتعد الخطط العملية لتنفيذ تصريح بلفور، ولإرساء الأسس الكفيلة بإقامة «الوطن القومي اليهودي»، وراحت هذه اللجنة تعمل لتنظيم جهاز إداري صهيوني خاص، وسرعان ما حصلت على السلطات اللازمة، ونالت شبه سلطة على يهود فلسطين، كما بادرت إلى حمل اليهود على تأليف جمعية تأسيسية في مؤتمر يافا اليهودي (18/12/1918) الذي رفع مقرراته إلى المسؤولين الصهيونيين لكي تؤخذ في الحسبان، حين عرض المسألة اليهودية على مؤتمر الصلح. ومن أبرز المقررات التي أعلنها المؤتمر اليهودي: - الاعتراف بفلسطين وطناً قومياً يهودياً، - منح الشعب اليهودي بأسره صوتاً حاسماً في تقرير شؤون البلد، - الإصرار على وصاية إنكلترا وحمايتها. غير أن مؤتمر يافا لم يقف عند هذا الحد بل دعا إلى إطلاق اسم «أرض إسرائيل» على البلد بدلاً من «فلسطين» ومن هنا يتبين الطابع المميز على صعيدي عقيدة الصهيونية والتخطيط، ففي 3/2/1919 رفعت المنظمة الصهيونية العالمية بالتعاون مع وزارة الخارجية الإنكليزية مذكرة رسمية إلى المجلس الأعلى لمؤتمر الصلح عنوانها «تصريح الصهيونية بصدد فلسطين» طلبت «الاعتراف بالحق التاريخي للشعب اليهودي في فلسطين»، وقد عَقَد المجلس الأعلى دورته في «سان ريمو، بين 9-26/4/1920».
    ثم عُقد المؤتمر الصهيوني الاستثنائي في لندن في مطلع تموز1920، بعد أن عَيَّن مؤتمر الصلح فرنسا دولة منتدبة على سورية ولبنان، وإنكلترا على فلسطين والعراق. وفي مؤتمر لندن تأسس «المكتب المركزي للهجرة والتهجير» و«الصندوق التأسيسي لفلسطين Keren Hayesod» وهو يؤلف الذراع المالية الثانية إضافة إلى «الصندوق القومي اليهودي»، وكلاهما يهدف إلى تحويل فلسطين إلى «وطن قومي يهودي».
    قبل الأتراك العثمانيون معاهدة الصلح مع الحلفاء في10/8/1920 أي معاهدة سيفر Treaty of Sèvres وأن تكون إنكلترا دولة منتدبة على فلسطين، وأن تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن تنفيذ تصريح بلفور، الذي أقرته دول الحلفاء الأخرى فيما بعد، ولأن الصهيونيين يريدون توسيع حدود فلسطين على حساب البلاد العربية المحيطة بها، فإنهم أثاروا الرأي العام الدولي ضد فرنسا لتعديل اتفاقية «سايكس - بيكو» فاتفقت فرنسا وإنكلترا على شكل الحدود بين سورية ولبنان وفلسطين والعراق، حيث أضيفت منطقة الجليل الأعلى إلى فلسطين بعد أن كانت تلك المنطقة تحت الانتداب الدولي.
    عُقد المؤتمر الصهيوني الثالث عشر (كارلسباد 1923) لمناقشة اقتراح وايزمان الرامي إلى توسيع الوكالة اليهودية، وكان عليه أن ينتظر حتى انعقاد المؤتمر الصهيوني السادس عشر (زوريخ 1929) Zurich فتم له ما أراد، واتخذ المؤتمر قراراً بتوسيع الوكالة اليهودية، فانشقت حركة «اتحاد الصهيونيين» التصحيحية بقيادة فلاديمير جابوتنسكيV.Jabotinsky ما بين (1880-1940) الذي قاد فيما بعد منظمة الأرغون الإرهابية إلى إرغام العرب على الاعتراف بالوجود الصهيوني. وكان جابوتنسكي يقصد بحـركته إلى تصحيح برنامـج المنظمة الصهيونيـة العالمية والوقـوف في وجـه التفسير الذي ذكـره ونستون تشرشلW.Churchill ما بين (1874-1965)، حينما كان وزيراً للمستعمرات، وأصدر الكتاب الأبيض الذي يُخْرج شرقي الأردن من نطاق سياسة الوطن القومي اليهودي. وقد جعل جابوتنسكي حدود الدولة اليهودية تشمل شرقي نهر الأردن وغربيه، وتزّعم المطالبة بتأليف جيش يهودي يعضّد القوة المنتدبة، ويعد بتحويل فلسطين إلى دومينون ضمن رابطة الشعوب البريطانية. وهو من أنصار قوة السلاح، إذ راح يجاهر بالأطماع التوسعية القائمة على الفكرة النازية الخاصة بتوفير «المجال الحيوي» لملايين اليهود على ضفتي الأردن. ونادى جابوتنسكي بالتعجيل بإعلان الحكومة المتوقعة للدولة اليهودية، في حين أن وايزمان نادى بأن الكتاب الأبيض لا يتلاءم قط مع بنود صك الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم في 24/7/1922. وكانت النتيجة أنه استبدلت حكومة إنكلترا بالكتاب الأبيض كتاباً بعث به ماكدونالد J.R.MacDonald رئيس الوزراء الإنكليزي في 14/2/1931 برسالة إلى وايزمان.
    شهد المؤتمر الصهيوني التاسع عشر (لوزرن 1935) غياب جابوتنسكي الذي تصالح مع بن غوريونBen Gurion ما بين (1886-1973) وأبرما اتفاق تعايش حول شؤون العمل والعمال. وقد قرر المؤتمر رفض هذه الاتفاقية لأنها شخصية.
    حين ثار العرب الفلسطينيون ضد سياسة الانتداب والخطط الصهيونية، أرسلت إنكلترا «لجنة بيل» في 7/7/1937، والتي أوصت بتقسيم فلسطين، على أن تكون المساحة الخاصة بالدولة اليهودية أكبر من تلك التي كانت بحوزة اليهود آنذاك. وقد رُفض هذا المشروع في المؤتمر العشرين (زوريخ 1937)، وبما أن تقرير اللجنة غير كافٍ انتُخب بن غوريون لرئاسة اللجنة التنفيذية للمؤتمر الصهيوني.
    وحين عُقد المؤتمر الحادي والعشرون في جنيف 1939، قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية، أكد المؤتمر رفضه الكتاب الذي أصدره ماكدونالد؛ لأنه أخضع قضية الهجرة اليهودية لموافقة أهل البلد الشرعيين. وجاء هذا الإخضاع مبهماً على نحو متعمد، فأصدرت إحدى لجان عصبة الأمم أن الكتاب غير منسجم مع صك الانتداب. وقد أسمى دافيد بن غوريون الفترة ما بين الكتاب الأبيض 1939 إلى قيام دولة إسرائيل 1948 بفترة الصهيونية المقاتلة.
    لجأت الحركة الصهيونية طوال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) إلى الإرهاب والعنف في مقاومة سياسة الكتاب الأبيض، واستنباط شتى الوسائل للتحايل على «قيود الهجرة»، وإدخال اليهود إلى فلسطين بطرائق ملتوية تتنافى مع السياسات والقوانين، وفي الوقت نفسه عكفت الحركة الصهيونية على استكمال استعداداتها العسكرية وتشكيل القوات المقاتلة في منظمات شبه عسكرية تحت ستار الدفاع عن النفس وتوفير الحماية اللازمة للمستعمرات اليهودية. وكان جابوتنسكي قد شكل منظمة الأرغون (المنظمة العسكرية القومية) غير أن أنصاره تجاهلوا وصيته القاضية بالتعاون مع إنكلترا في سبيل الكفاح المشترك ضد الخطر النازي. ودعوا إلى إنشاء جيش يهودي مستقل وتشكيل لجنة وطنية يهودية وتبني خطة للهجرة والتهجير وإقامة الدولة اليهودية على ضفتي الأردن. وفي عام 1940 أنشأ أبراهام شتيرن A.Stern ما بين (1907-1941) عصابته التي حملت اسمه وتبنت أقصى الاتجاهات الصهيونية تطرفاً. وفي 8/5/1942 عقد أنصار جابوتنسكي اجتماعاً في نيويورك في Baltimore Program ونادوا برفض الكتاب الأبيض الصادر في أيار 1939، لأنه يحدّ من الهجرة والاستيطان.
    وكان المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرون (بال 1946) المؤتمر الأخير قبل إعلان قيام إسرائيل، وكرر برنامج فندق بلتيمور (نيويورك 1942). وأعلن هذا المؤتمر رفضه جميع مشروعات التقسيم، فأزال عن حكومة الانتداب التزاماتها. وناشد المؤتمر منظمة الأمم المتحدة «تأييد الشعب اليهودي في حقه في إقامة دولة في فلسطين واحتلال مكانه في أسرة الأمم».
    ظهرت الأجهزة الصهيونية الرسمية وغير الرسمية بمظهر حركة المقاومة اليهودية للانتداب الإنكليزي، وعملت هذه الأجهزة على تصعيد عمليات الهجرة غير الشرعية وعمليات الإرهاب، وخشي الصهيونيون أن تقوم الحكومة الإنكليزية بالتشدد في تنفيذ القوانين والإجراءات، فتعمل على إحباط مخططاتهم أو التضييق عليها. فقامت الصهيونية العالمية آنذاك بممارسة الضغوط على الرئيس الأميركي هاري ترومان لحمله على التدخل لدى الحكومة الإنكليزية وغيرها والوقوف إلى جانبهم برفع القيود عن الهجرة العلنية إلى فلسطين، فتشكلت لجنة مشتركة أنغلو ـ أمريكية لتزور فلسطين ولتُخلي ذمة إنكلترا من الكتاب الأبيض للعام 1939، وكان هدف إنكلترا هو إحالة القضية إلى منظمة الأمم المتحدة لكي تكتسب طابع الاعتراف الدولي على المكاسب والمطالب للصهيونية، وعقدت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة دورة استثنائية (28/4/1947) وانتخبت لجنة تحقيق دولية أوصت بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، على أن تكون القدس وما حولها على شكل كيان منفصل خاضع لنظام دولي. وهكذا أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار ذا الرقم 181 في 29/11/1947، حيث أعلنت إنكلترا عزمها على إنهاء انتدابها على فلسطين، ويتولى مجلس الوصاية تعيين حاكم للقدس المجردة من السلاح والمحايدة، وقد صوت مع القرار 31 دولة وضده 7 وامتنعت 16 دولة عن التصويت.
    القضية الفلسطينية بعد تأسيس دولة إسرائيل حتى اليوم
    تضمن قرار التقسيم إعطاء اليهود 56% من أراضي شعب فلسطين، في حين أنهم كانوا يمثلون فقط 5.6% من مجموع السكان قبيل التقسيم. وقَبل اليهود قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن العرب رفضوه فنشب القتال. وفي 14/5/1948 أعلن دافيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل، وتولى بن غوريون تشكيل أول حكومة فيها مع توليه وزارة الدفاع، وبقي كذلك حتى عام 1953 ثم عاد ما بين 1955-1963، وفي أثناء تحرير مصر قناة السويس بتأميمها في عام 1956 أمر بن غوريون بالغزو الإسرائيلي لقطاع غزة وسيناء، وشارك في العدوان الثلاثي على مصر، ولم تنسحب القوات الإسرائيلية إلا بعد طلب الأمم المتحدة.
    رفض العرب الاعتراف بالدولة اليهودية، وكان القتال ينشب بين الحين والآخر على مختلف الجهات العربية، وفرضت منظمة الأمم المتحدة سلسلة من اتفاقيات الهدنة ووقف إطلاق النار.
    ومع مطلع ستينات القرن الماضي بدأت إسرائيل تسعى إلى تنفيذ مشروع ري النقب بتمديدات من مياه نهر الأردن، فعقد الرئيس المصري جمال عبد الناصر مؤتمري قمة عربية (في القاهرة والإسكندرية) في العام 1964 لمجابهة هذا العدوان.
    والمتتبع القضايا والمسائل التي شغلت المؤتمرات الصهيونية منذ قيام إسرائيل حتى اليوم، يجد أنها جميعها تتناول العلاقة بين دولة إسرائيل من جهة والنشاطات التي تمارسها المنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية من جهة ثانية، وخاصة مسألة تهجير الشتات اليهودي إلى دولة إسرائيل من أجل إيهام العالم بأن لليهود قومية تمتد آلاف السنين, وإن دولة إسرائيل هي الحل الوحيد لمشكلة يهود العالم، بالوقت الذي أصبحت فيه اليوم مصدر قلق عالمي وإقليمي نتيجة لسياستها الرامية إلى طرد الشعب الفلسطيني من أرضه وإحلال عناصر غريبة في مكانه تحت الحماية الأمريكية، ولعداوتها المتكررة على البلاد العربية وخروجها عن الشرعية الدولية، قامت إسرائيل عام 1967 باحتلال سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية؛ فأصدر مجلس الأمن القرار 242 في 22/11/1967 وقرر فيه مبادئ سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، وخاصة مبدأ الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة في 5/6/1967، لكن إسرائيل رفضت الاستجابة للمطالب الدولية، ولم يكن أمام مصر وسورية سوى أن تخوضا حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 التي مكنت الدولتين من هزيمة الجيش الإسرائيلي واسترجاع بعض الأراضي في هضبة الجولان وسيناء، بيد أن الحرب توقفت بسبب انفراد الرئيس السادات بقرار وقف الحرب وعقد صلح كامب ديفيد الذي أسفر عن تحييد مصر وتعطيل دورها القومي والإقليمي، الأمر الذي شجع إسرائيل على عدوانها المستمر على البلاد العربية، فاحتلت جنوب لبنان في آذار 1978 فأصدر مجلس الأمن قراره 425 في 19/3/1978 ودعا إسرائيل إلى وقف عملها العسكري وأن تسحب من فورها قواتها من الأراضي اللبنانية كافة، ثم عادت تلك القوات إلى لبنان في 6/6/1982، وفرضت عليه بوجود الولايات المتحدة شاهدة اتفاقية 17/5/1983، غير أن المقاومة اللبنانية الباسلة رفضت هذه الاتفاقية واستمرت في مقاومتها جيش الاحتلال إلى أن تحقق لها النصر في 20/5/2000.
    وهكذا فإن القضية الفلسطينية عُدت في مجملها هماً عربياً حاضراً على جدول أعمال القادة العرب عبر مختلف المراحل، وبالتالي فقد أصابها اليوم ما أصاب الواقع العربي نتيجة اتفاقيات كامب ديفيد التي ألقت ملاءتها على هذه القضية، ونتج من ذلك ما يرى اليوم من تراجع مريع عن المطالب الأساسية للشعب الفلسطيني، بعد أن انحصر اهتمام الحكام العرب بالمصالح القطرية والمحلية من دون المصالح القومية، وبات الحديث عن التضامن العربي وكأنه شيء من الرومنسية، وأصبح ما هو طارئ القاعدة في التعاطي مع هذا الوضع الشاذ، وانتقل الحديث عند الغالبية العظمى من مقولة (تحرير فلسطين وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة) إلى الحديث عن (الأرض مقابل السلام)، ومع مطلع التسعينات بدأت تظهر في الأفق دعوات التطبيع مع هذا الكيان من قبل بعض المسؤولين العرب، وانتهى الأمر بتوقيع ياسر عرفات وإسحاق رابين اتفاقيات أوسلو بواشنطن سنة 1993، وتوقيع ملك الأردن الحسين بن طلال معاهدة مشابهة في وادي عربة سنة 1994، في حين تشتد فيه عمليات هدم المباني وتهجير السكان يومياً وبانتظام، إضافة إلى عمليات القصف الوحشي الذي تقوم فيه قوات الاحتلال للمخيمات والقرى والمدن الفلسطينية، وفي كل يوم يمر يؤكد فيه هذا الكيان أنه لن يكون إنسانياً، ولا يمكن أن يهتم بما يُسوِّق له تحت مسمى (عملية السلام)؛ لأن مفهوم السلام بالأصل يتناقض وفكرة المشروع الصهيوني، ويبقى الرهان منوطاً بالعمل المسلح، وما المقاومة المتمثلة اليوم بانتفاضة الأقصى إلا ذلك النموذج الأمثل الذي تسطر فيه الأمة أروع ملامح البطولة والاستشهاد، والتي ستبقى بنهجها ومنجزاتها النموذج الأمثل للأجيال القادمة.
    هيثم كيلاني
يعمل...
X