ابن الفرضي (عبد الله بن محمد -)
(351-403هـ/962-1012م)
عبد الله بن محمّد بن يوسف بن نصر الأزدي القرطبيّ الحافظ أبو الوليد المعروف بابن الفرضيّ، ولد بقرطبة، ورحل إلى بلاد المشرق سنة اثنتين وثمانين وثلاثمئة للهجرة، ميمّماً وجهه شطر مكّة المكرّمة ويروي: «تعلّقتُ بأستار الكعبة، وسألت الله الشهادة، ثمّ انحرفت وفكّرتُ في هول القتل، فندمت وهممتُ أن أرجعَ وأستقيلَ الله ذلك، فاستحييت!» وبعد أن أدّى مناسك الحجّ، عاد أدراجه، وتجوّل في أقطار المشرق والمغرب، وأخذ عن العلماء وسمع منهم وحادثهم ونسخ من أماليّهم، فقفل راجعاً إلى الأندلس بثروة علميّة قيّمة، ثمّ استقرّ به المقام وألقى عصا الترحال بقرطبة، وتولّى قضاء بلنسية بتكليف من محمّد المهدي المروانيّ.
كان ابن الفرضي فقيهاً عالماً مؤرّخاً حافظاً ثقةً أديباً بارعاً، وله إسهامات متنوّعة في جميع فنون العلم والأدب والفقه، وكان حسن البلاغة والخطّ، ولم يُر مثله بقرطبة في سعة الرواية، وحفظ الحديث، والافتنان في العلوم والأدب البارع، صنّف كتاب «تاريخ العلماء والرواة بالأندلس» وهو الذي ذيّل عليه ابن بشكوال بكتابه المسمّى «الصلة»، وله مصنّف في «أخبار شعراء الأندلس»، وكتاب في «المؤتلف والمختلف» وفي «مشتبه النسبة» ولم يصلنا عن كتبه إلاّ النزر اليسير مبثوثاً في الموسوعات المتخصّصة، مثل «تاريخ الإسلام» للذهبيّ، و«جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس» للحميديّ و«بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس» للضبّي و«المطرب» لابن دحية، و«وفيات الأعيان» لابن خلّكان، و«المغرب» لابن سعيد، و«سير أعلام النبلاء» و«العبر» للذهبي و«البداية والنهاية» للحافظ ابن كثير و«الديباج المذهّب» لابن فرحون المدنيّ، و«نفح الطيب» للمقرّي و«شذرات الذهب في أخبار من ذهب» لابن العماد الحنبلي، وروى عنه ابن عبد البرّ صاحب كتاب «الاستيعاب»، وأنشد له:
أسيرُ الخطـايا عنـد بابِكَ واقفُ
على وجـلٍ ممّا بـه أنتَ عارفُ
يخافُ ذنوباً لم يغـبْ عنكَ عيبُها
ويرجوك فيها فـهو راجٍ وخائفُ
ومن ذا الذي يرجـو سواك ويتّقي
وما لك من فصل القضاء مخالفُ
فيا سيّدي لا تُخـزني في صحيفتي
إذا نُشرت يوم الحساب الصحائفُ
وكن مؤنسي في ظلمة القبر عندما
يصدُ ذوو ودّي ويجـفو الموالفُ
لئن ضاق عنّي عفوك الواسع الذي
أرجّي لإسـرافي فإنّـي لتالفُ
وأنشد الحميدي لابن الفرضيّ أيضاً:
إنّ الذي أصبحتُ طوع يمينهِ
إنْ لم يكنْ قمراً فليسَ بدونهِ
ذُلّي له في الحبّ من سلطانهِ
وسقامُ جسمي من سقام جفونهِ
وقتلته البربر في الفتنة يوم دخولهم قرطبة، وبقي مقتولاً في داره ثلاثة أيّام، ودفن متغيّراً من غير غسل ولا كفن ولا صلاة، قال الحميدي: أخبرني مَن رآه مثخناً بالجراح بين القتلى، ودنا منه فسمعه يقول بصوت خفيض: «لا يُكْلمُ أحدٌ في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلمُ في سبيله، إلاّ وجاء يوم القيامة وجرحه يثعبُ دماً، اللّون لون الدم الريح ريح مسك» كأنّه يعيد الحديث على نفسه، ثمّ قضى على أثر ذلك، عن عمر يناهز اثنتين وخمسين سنة.
عبد الكريم الحشاش
(351-403هـ/962-1012م)
عبد الله بن محمّد بن يوسف بن نصر الأزدي القرطبيّ الحافظ أبو الوليد المعروف بابن الفرضيّ، ولد بقرطبة، ورحل إلى بلاد المشرق سنة اثنتين وثمانين وثلاثمئة للهجرة، ميمّماً وجهه شطر مكّة المكرّمة ويروي: «تعلّقتُ بأستار الكعبة، وسألت الله الشهادة، ثمّ انحرفت وفكّرتُ في هول القتل، فندمت وهممتُ أن أرجعَ وأستقيلَ الله ذلك، فاستحييت!» وبعد أن أدّى مناسك الحجّ، عاد أدراجه، وتجوّل في أقطار المشرق والمغرب، وأخذ عن العلماء وسمع منهم وحادثهم ونسخ من أماليّهم، فقفل راجعاً إلى الأندلس بثروة علميّة قيّمة، ثمّ استقرّ به المقام وألقى عصا الترحال بقرطبة، وتولّى قضاء بلنسية بتكليف من محمّد المهدي المروانيّ.
كان ابن الفرضي فقيهاً عالماً مؤرّخاً حافظاً ثقةً أديباً بارعاً، وله إسهامات متنوّعة في جميع فنون العلم والأدب والفقه، وكان حسن البلاغة والخطّ، ولم يُر مثله بقرطبة في سعة الرواية، وحفظ الحديث، والافتنان في العلوم والأدب البارع، صنّف كتاب «تاريخ العلماء والرواة بالأندلس» وهو الذي ذيّل عليه ابن بشكوال بكتابه المسمّى «الصلة»، وله مصنّف في «أخبار شعراء الأندلس»، وكتاب في «المؤتلف والمختلف» وفي «مشتبه النسبة» ولم يصلنا عن كتبه إلاّ النزر اليسير مبثوثاً في الموسوعات المتخصّصة، مثل «تاريخ الإسلام» للذهبيّ، و«جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس» للحميديّ و«بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس» للضبّي و«المطرب» لابن دحية، و«وفيات الأعيان» لابن خلّكان، و«المغرب» لابن سعيد، و«سير أعلام النبلاء» و«العبر» للذهبي و«البداية والنهاية» للحافظ ابن كثير و«الديباج المذهّب» لابن فرحون المدنيّ، و«نفح الطيب» للمقرّي و«شذرات الذهب في أخبار من ذهب» لابن العماد الحنبلي، وروى عنه ابن عبد البرّ صاحب كتاب «الاستيعاب»، وأنشد له:
أسيرُ الخطـايا عنـد بابِكَ واقفُ
على وجـلٍ ممّا بـه أنتَ عارفُ
يخافُ ذنوباً لم يغـبْ عنكَ عيبُها
ويرجوك فيها فـهو راجٍ وخائفُ
ومن ذا الذي يرجـو سواك ويتّقي
وما لك من فصل القضاء مخالفُ
فيا سيّدي لا تُخـزني في صحيفتي
إذا نُشرت يوم الحساب الصحائفُ
وكن مؤنسي في ظلمة القبر عندما
يصدُ ذوو ودّي ويجـفو الموالفُ
لئن ضاق عنّي عفوك الواسع الذي
أرجّي لإسـرافي فإنّـي لتالفُ
وأنشد الحميدي لابن الفرضيّ أيضاً:
إنّ الذي أصبحتُ طوع يمينهِ
إنْ لم يكنْ قمراً فليسَ بدونهِ
ذُلّي له في الحبّ من سلطانهِ
وسقامُ جسمي من سقام جفونهِ
وقتلته البربر في الفتنة يوم دخولهم قرطبة، وبقي مقتولاً في داره ثلاثة أيّام، ودفن متغيّراً من غير غسل ولا كفن ولا صلاة، قال الحميدي: أخبرني مَن رآه مثخناً بالجراح بين القتلى، ودنا منه فسمعه يقول بصوت خفيض: «لا يُكْلمُ أحدٌ في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلمُ في سبيله، إلاّ وجاء يوم القيامة وجرحه يثعبُ دماً، اللّون لون الدم الريح ريح مسك» كأنّه يعيد الحديث على نفسه، ثمّ قضى على أثر ذلك، عن عمر يناهز اثنتين وخمسين سنة.
عبد الكريم الحشاش