السوري شفيق أشتي يمزج بين البشر والحجر في لوحات تنتصر للحياة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السوري شفيق أشتي يمزج بين البشر والحجر في لوحات تنتصر للحياة

    السوري شفيق أشتي يمزج بين البشر والحجر في لوحات تنتصر للحياة


    "روح بالميرا" معرض يضم 80 لوحة جسّدت ثمانين حكاية وقصة عبّر عنها أشتي بكل أحاسيسه وخبرته الطويلة الممتدة لأكثر أربعة عقود.
    الجمعة 2021/11/05

    دمج بين خطوط العمارة والإنسان

    دمشق - اختار الفنان التشكيلي السوري شفيق أشتي “روح بالميرا” بأمجادها ومعابدها عنوانا ومضمونا لمعرضه المقام حاليا في خان أسعد باشا بدمشق القديمة.

    ويضمّ المعرض ثمانين لوحة جسّدت ثمانين حكاية وقصة عبّر عنها أشتي بكل أحاسيسه وطاقاته وتقنياته وخبرته الطويلة التي امتدت لما يزيد عن أربعة عقود.

    وبالميرا كما تسمى باللاتينية هي تدمر الآن، وهي مدينة أثريَة ذات أهمية تاريخية كبيرة، تقع حاليا في محافظة حمص بالجزء الأوسط من دولة سوريا. ويعود تاريخ المدينة القديم إلى العصر الحجري الحديث، وورد ذكرها في السجلات التاريخية، للمرَة الأولى، في الألفية الثانية قبل الميلاد، وانتقلت في تلك الفترة بين أيدي عدَّة دول حاكمة إلى أن انتهى بها المطاف تحت سلطة الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول بعد الميلاد.

    وكانت تدمر مدينة كبيرة الثراء بفضل موقعها الذي كان يقع عند نقطة تقاطع العديد من الطرق التجارية في العالم القديم. وقد اشتهر التدمريون بمدن كثيرة أقاموها على طريق الحرير، وهو أحد أهم الطرق التجارية القديمة (والذي امتدَ من الصين غربا إلى أوروبا شرقا)، كما ساعدتهم علاقاتهم التجارية مع الإمبراطورية الرومانية. وقد خوَلتهم أرباح تجارتهم لتعمير أبنية هائلة في مدينة تدمر، مثل كولوناد تدمر الكبير ومعبد بل وقبور قائمة على هيئة أبراج.

    الفنان السوري يشكّل من الأوابد الأثرية القديمة لوحات حديثة تسرد أمجاد تدمر الحضارة وقوة الإنسان صانع التاريخ

    وكان النظام الاجتماعي في المدينة قائما على القبيلة والحكم العشائري، وكانت ثقافتها متأثّرة بدرجة كبيرة بالعالم اليوناني الروماني، حيث أن نمطها المعماري والفني يجمع أنماطا رومانية ويونانية مع الأنماط الفنية الشرقية.

    وعن فكرة المعرض المنطلقة من الأوابد الأثرية القديمة التي تحكي أساطير وتاريخ البلد، وصولا إلى الحرب على سوريا قال أشتي “عند مشاهدتنا لأي عمل من هذه الأعمال نشعر بالأنين والوجع من خلال خطوط اللوحات المتكسّرة والمنحنية والمتقوّسة، والتي تُشعر المشاهد بالألم والظلم والهروب والاضطراب وتعكس أحاسيسنا في فترة عصيبة مرت بها بلادنا”.

    ويشير الفنان السوري المخضرم إلى اعتماده لأسلوب يُقارب الفن الملحمي ويدمج بين خطوط العمارة والإنسان، حيث تعبّر خطوط اللوحات عن الواقع الذي يعيشه السوري في الزمن الصعب.

    ويبحث التشكيلي أشتي عن متنفّس للأمل في لوحاته، وهو دائما يستثمر المساحات الضوئية ليتنفّس منها العمل.

    ويؤكّد أشتي أنه يتعامل مع التقنيات ويعطيها دورها ويستنبط منها أفكاره لينطلق منها إلى حوار داخلي بينه وبين اللوحة حتى تظهر بكل عفوية للمتلقي.

    وهو الذي تغلب على لوحاته في معظمها الألوان الحارة مع لمسة باردة أو العكس، وبعض اللوحات تكون مربعا ضمن مربع أو مستطيل ضمن مستطيل ويختمها في بعض الأحيان بقوس مضيء ليضيف حالة روحية بليونة الخط المنحني وتزاوجه بذاك الخط المنكسر.

    ويُدمج الفنان في أعماله بين الروح واللون، فيبثّها شعورا بالرقص والسحر والتفنّن، وهو لا يقدّم في لوحاته رؤى كلاسيكية مدروسة حسب اعتبارات محددّة، إنما تفيض جرأة جميلة باللون ممزوجة بفكرة غير واضحة لترك التوضيح والإحساس للمشاهد، هي أعمال ملأى بالزوابع والعواصف والرقص والحركة، وتبدو مختلفة بعد كل مشاهدة جديدة، حيث تخلق اللوحة بينها وبين المتلقي نوعا من الحوار والاكتشاف.


    أوابد خالدة بخلود المنجز الإنساني


    تكوينات فريدة تمزج بين البشر والحجر، أي العنصر البشري مع الخلفية المعمارية للأوابد الأثرية، وهذا المزج أدى إلى تكوين متماسك مترابط بقوة، كما خلق حالة من الحلم، السفر والمتعة بروح محلية سورية.

    هكذا حاول الفنان أشتي أن يغني تجربته الفنية عندما استلهم من روح بالميرا ذات العلاقة العميقة بالواقع وبالمشاعر الإنسانية بعض الرموز الحية مثل الطائر، والثور، والحصان، والأسد.. وهي رموز تمثّل القوة والتحدّي والصراع.

    رموز قام بإعادة توظيفها على مسطح لوحاته بما يناسب العصر، لم تكن قيمة مجرّدة وإنما هي قدرة على إعطاء الرموز بعدها المتجدّد، لذلك خلقت هذه الرموز معادلا بين الحكاية المأساوية والرموز التي تخدمها وتناقضها؛ وهنا يبدو تصويره، مثلا، للحظة الموت، لحظة “الشهادة” التي هي من واقع الأمر لحظة هجران قاسية، تزفّه ترانيم جنائزية طالما ردّدها في ألوانه وخطوطه سواء في الخلفية أو في تجسيد الظل والنور.

    ومع هذا اختار الفنان “تاج تدمر”، رمزا للتعبير عن انتصار عدالة الإنسان، وهو بذلك يُعيد تشكيل الحكاية التاريخية وفق رؤيته لها، ووفق وعيه لعملية استلهام الجانب القصصي البطولي من خلال تركيزه على الإنسان باعتباره المحرّك الأول وصانع التاريخ ومغيّر الحياة.

    ونوّهت وزيرة الثقافة السورية لبانة مشوح بالمعرض ونوعية موضوعات لوحاته وأهميتها، قائلة “هي تتعلّق بتاريخنا وبعلاقة الإنسان بالتراث المادي وما أصابه خلال فترة الحرب”، مشيرة إلى أن التقنيات المستخدمة جميلة جدا انتقل من خلالها أشتي من مرحلة الواقعية إلى الانطباعية وأبدع باستخدامه للألوان والتشكيلات.

    كما أشار التشكيلي ناصر عبيد إلى أن ثقافة الفنان أشتي أكسبته الخبرة ومكّنته من القدرة على فهم وتشريح الحالات الإنسانية، وتطبيق هذه الحالات على أعماله التي أنتجها وجسّدها في آثار تدمر وآلام أوابدها وحزن الإنسان في سوريا، معتبرا أن أعماله راقية جدا بكل تقنياتها المستخدمة.

    والتشكيلي السوري شفيق أشتي من مواليد السويداء عام 1958، وفيها درس بمركز الفنون التشكيلية، ثم تابع دراسته في كلية الفنون الجميلة بدمشق وتخرّج من قسم التصوير الزيتي، وحصل على درجة الدكتوراه في أكاديمية بطرسبورغ الروسية للفنون في فلسفة العلوم الفنية، وهو عضو في الهيئة التدريسية بكلية الفنون الجميلة بدمشق منذ عام 1989. وله العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل سوريا وخارجها وأعماله مقتناة في العديد من دول العالم.

يعمل...
X