ريلييف– أول شاعر أعدموه في روسية
د. ضياء نافع
ولد الشاعر الديسمبري كندراتي فيودورفيتش ريلييف العام 1795 في بطرسبورغ وتمّ إعدامه شنقاً في العام 1826 في بطرسبورغ أيضاً , أي عندما كان عمره 31 سنة ليس إلا , وبذلك أصبح أول شاعر يعدم في روسيا لأسباب سياسية بحتة , إذ إنه كان واحداً من قادة حركة الديسمبريين ضد القيصر الروسي, و التي حدثت في شهر ديسمبر/ كانون الأول عام 1825 ( ولهذا أسموهم الديسمبريين), و انتهت بالفشل , وأعدموا خمسة من قادتها بعد محاكمات طويلة , وكان ريلييف واحداً منهم .– الشاعر الفلسطيني معين بسيسو ( 1926 - 1984) في كتابه الفريد من نوعه بالمكتبة العربية والموسوم - ( الاتحاد السوفيتي لي ) يستشهد بقصيدة جميلة لريلييف بترجمته هو على ما يبدو , رغم إنه – تواضعاً ربما - لا يذكر ذلك بشكل مباشر , وأقدّم للقارئ مقاطع من تلك الترجمة الدقيقة, التي أثارت انتباهي وإعجابي -
زأرت العاصفة وصخب المطر
وفي الظلام تطايرت البروق
ودمدم الرعد بلا انقطاع
وهدرت الرياح في مجاهل الغابات..
وعلى ضفة (أرتيش) الموحشة
جلس (يرماك) غارقاً في الأفكار
مشبعاً بشهوة المجد..
و( يرماك ) هو قائد عسكري من فيلق القوزاق ساهم في القرن السادس عشر بالحملة الروسية من أجل السيطرة على سيبيريا , وغرق في نهر (ارتيش) هناك, وليس عبثاً أن الشاعر الشاب ريلييف كتب عنه هذه الأبيات, إذ إنها تتناغم فعلاً مع روحيته الرومانسية الثورية , ومع تلك الأفكار و البطولة التي كانت تكمن في أعماق الشاعر الديسمبري ريلييف منذ بداية مسيرته.
لم يستطع ريلييف في حياته القصيرة أن يحقق طموحه الأدبي , إذ أن هاجس الثورة ضد النظام القيصري في روسيا قد سيطر على كل نشاطه , ولكنه – مع ذلك – أصدر كتابين , الأول هو مجموعته الشعرية الوحيدة , وكانت بعنوان – ( أفكار) , وتتضمن كل قصائده, و التي منعوها طبعاً بعد إعدامه , لكن المعارضة للنظام القيصري في لندن وبرلين طبعتها هناك في ستينيات القرن التاسع عشر ( انظر مقالتنا بعنوان – حول صحيفة كولوكل الروسية في لندن ) , وصدرت طبعاً في الاتحاد السوفيتي بعد قرن تقريباً من إعدامه , وأعيد طبعها بموسكو في سبعينيات القرن العشرين مرة أخرى وبخمسين ألف نسخة.
لم تتميّز قصائد ريلييف بشكل فنيّ خاص به, ولم يحصل على شهرة واسعة بين القراء الروس لا أثناء حياته القصيرة ولا بعد ذلك , ورغم إنه كان يدخل ضمن مناهج المدرسة في الاتحاد السوفيتي , إلا أنه معروف لديهم – قبل كل شيء – باعتباره مناضلاً ضد النظام القيصري , والذي تمّ إعدامه آنذاك مع رفاقه الديسمبيريين الآخرين , وتشير كل المصادر الروسية حول ريلييف الى جملة قالها بوشكين بشأن نتاجات ريلييف وأشعاره , وكلمات بوشكين لا تعبّر عن إعجابه بتلك النتاجات ,والجملة البوشكينية هذه هي كما يأتي – ( ..لا يوجد فيها أي شيء روسي عدا الاسماء ) .
أصدر ريلييف مع رفيق دربه بيستوجيف أعوام 1823 – 1825 مجلة ( النجم القطبي ) , وهي مجلة كانت ناطقة بافكار حركة الديسمبريين بلا شك , ولم يستطع أن يصدر أكثر من ثلاثة أعداد, ولكنها – مع ذلك - دخلت التاريخ الروسي , وأعاد غيرتسن لها الحياة في لندن ( انظر مقالتنا بعنوان – غيرتسن الاديب والصحفي الروسي المهاجر) , وتعدّ الآن واحدة من شواهد ووثائق مسيرة الفكر الثوري الروسي في القرن التاسع عشر.
لقد أشار ريلييف أثناء حياته , الى أن الطريق الذي يسلكه لن ينتصر , ولكنه استمر بالسير به - رغم ذلك – وبعناد وإصرار وحتى النهاية , لأنه كان يؤمن و يعتقد بعمق , أن تضحيته لن تذهب سدى , وإنه سيساهم في أيقاظ الشعب الروسي , وإن قيمته الفكرية تكمن في ذلك بالذات , ويدور الآن نقاش واسع حول هذه الأفكار في المجتمع الروسي المعاصر , وحتى خارج روسيا , بين الأوساط التي تهتم بروسيا ومسيرتها اللاحقة , ولا يمكن تلخيص هذه المناقشات هنا طبعاً , ولكن الشيء الأكيد , الذي يمكن أن نشير اليه هنا , هو أن ريلييف مازال يحيا في روسيا , وإن العديد من شوارع روسيا تحمل الآن اسمه , وإنه مازال رمزاً لبطولة من بطولات التضحية بالنفس من أجل المبادئ السامية العليا, حتى لو كانت بعيدة التحقيق جداً, أو مستحيلة ..
Copyrights 2019. Alls
*مقاطع من تلك الترجمة الدقيقة, التي أثارت انتباهي وإعجابي -
زأرت العاصفة وصخب المطر
وفي الظلام تطايرت البروق
ودمدم الرعد بلا انقطاع
وهدرت الرياح في مجاهل الغابات..
وعلى ضفة (أرتيش) الموحشة
جلس (يرماك) غارقاً في الأفكار
مشبعاً بشهوة المجد..
و( يرماك ) هو قائد عسكري من فيلق القوزاق ساهم في القرن السادس عشر بالحملة الروسية من أجل السيطرة على سيبيريا , وغرق في نهر (ارتيش) هناك, وليس عبثاً أن الشاعر الشاب ريلييف كتب عنه هذه الأبيات, إذ إنها تتناغم فعلاً مع روحيته الرومانسية الثورية , ومع تلك الأفكار و البطولة التي كانت تكمن في أعماق الشاعر الديسمبري ريلييف منذ بداية مسيرته.
لم يستطع ريلييف في حياته القصيرة أن يحقق طموحه الأدبي , إذ أن هاجس الثورة ضد النظام القيصري في روسيا قد سيطر على كل نشاطه , ولكنه – مع ذلك – أصدر كتابين , الأول هو مجموعته الشعرية الوحيدة , وكانت بعنوان – ( أفكار) , وتتضمن كل قصائده, و التي منعوها طبعاً بعد إعدامه , لكن المعارضة للنظام القيصري في لندن وبرلين طبعتها هناك في ستينيات القرن التاسع عشر ( انظر مقالتنا بعنوان – حول صحيفة كولوكل الروسية في لندن ) , وصدرت طبعاً في الاتحاد السوفيتي بعد قرن تقريباً من إعدامه , وأعيد طبعها بموسكو في سبعينيات القرن العشرين مرة أخرى وبخمسين ألف نسخة.
لم تتميّز قصائد ريلييف بشكل فنيّ خاص به, ولم يحصل على شهرة واسعة بين القراء الروس لا أثناء حياته القصيرة ولا بعد ذلك , ورغم إنه كان يدخل ضمن مناهج المدرسة في الاتحاد السوفيتي , إلا أنه معروف لديهم – قبل كل شيء – باعتباره مناضلاً ضد النظام القيصري , والذي تمّ إعدامه آنذاك مع رفاقه الديسمبيريين الآخرين , وتشير كل المصادر الروسية حول ريلييف الى جملة قالها بوشكين بشأن نتاجات ريلييف وأشعاره , وكلمات بوشكين لا تعبّر عن إعجابه بتلك النتاجات ,والجملة البوشكينية هذه هي كما يأتي – ( ..لا يوجد فيها أي شيء روسي عدا الاسماء ) .
أصدر ريلييف مع رفيق دربه بيستوجيف أعوام 1823 – 1825 مجلة ( النجم القطبي ) , وهي مجلة كانت ناطقة بافكار حركة الديسمبريين بلا شك , ولم يستطع أن يصدر أكثر من ثلاثة أعداد, ولكنها – مع ذلك - دخلت التاريخ الروسي , وأعاد غيرتسن لها الحياة في لندن ( انظر مقالتنا بعنوان – غيرتسن الاديب والصحفي الروسي المهاجر) , وتعدّ الآن واحدة من شواهد ووثائق مسيرة الفكر الثوري الروسي في القرن التاسع عشر.
لقد أشار ريلييف أثناء حياته , الى أن الطريق الذي يسلكه لن ينتصر , ولكنه استمر بالسير به - رغم ذلك – وبعناد وإصرار وحتى النهاية , لأنه كان يؤمن و يعتقد بعمق , أن تضحيته لن تذهب سدى , وإنه سيساهم في أيقاظ الشعب الروسي , وإن قيمته الفكرية تكمن في ذلك بالذات , ويدور الآن نقاش واسع حول هذه الأفكار في المجتمع الروسي المعاصر , وحتى خارج روسيا , بين الأوساط التي تهتم بروسيا ومسيرتها اللاحقة , ولا يمكن تلخيص هذه المناقشات هنا طبعاً , ولكن الشيء الأكيد , الذي يمكن أن نشير اليه هنا , هو أن ريلييف مازال يحيا في روسيا , وإن العديد من شوارع روسيا تحمل الآن اسمه , وإنه مازال رمزاً لبطولة من بطولات التضحية بالنفس من أجل المبادئ السامية العليا, حتى لو كانت بعيدة التحقيق جداً, أو مستحيلة.