كيف كانت نهاية الخلافة الأموية في الأندلس و تاريخ المورسكيين (7)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف كانت نهاية الخلافة الأموية في الأندلس و تاريخ المورسكيين (7)


    التاريخ

    ‏٢٤ مارس‏، الساعة ‏١١:٥٥ م‏ ·
    نهاية الأندلس و تاريخ المورسكيين ( 7)
    ----------------------------------------------------------
    ️المدجنون المستعربون ️ المولدون
    ---------------------------------------------------------
    ملخص ماسبق :
    كان من غرائب القدر أن مملكة غرناطة الصغيرة ، استطاعت أن تعيد لمحة من مجد الأندلس الذاهب ، كما استطاعت بكثير من الشجاعة والجلد ، أن تسهر على تراث الإسلام في الأندلس ، زهاء مائتين وخمسين عاما بعد سقوط عامة الأندلس ..

    كانت مملكة غرناطة عند قيامها في أواسط القرن السابع الهجري تشمل القسم الجنوبي من الأندلس القديمة ، وتمتد فيما وراء نهر الوادي الكبير إلى الجنوب ، حتى شاطىء البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق .

    وكانت تشتمل عندئذ على ثلاث ولايات كبيرة ، وهي :
    ▪︎ ولاية غرناطة الواقعة في الوسط ، وأهم مدنها العاصمة غرناطة ، ووادی آش و بسطة وأشكر وحصن اللوز ولوشة والحامة وأرحبة والمنكب وشلوبانية .

    ▪︎ وولاية ألمرية وهي تمتد من ولاية مرسية حتى البحر ، وأهم مدنها ثغر ألمرية وبيرة والمنصورة وبرشانة وبرجة ودلاية وأندرش .

    ▪︎وولاية مالقة ، وهي تقع على البحر غربی غرناطة ، وأهم مدنها ثغر مالقة، وبأش مالقة وطرش و قارش و أرشدونة وأنقرة ورندة و مربلة ؛ويلحق بها منطقة جبل طارق والجزيرة الخضراء و طريف .

    ويخترق مملكة غرناطة من الوسط جبال سيرا نيفادا ( جبل شلير ) الشاهقة ، وهضاب البشرات الوعرة و بسائطها الخضراء، كما يخترقها عدة أنهار منها شنيل فرع الوادي الكبير ونهر أندرش الصغير ، وفي الشرق نهر المنصورة .

    وكانت خواصها الطبيعية التي تجمع بين مزيج مدهش من المروج والوديان الخصبة ، والجبال والهضاب الوعرة ، تمدها بثروات زراعية ومعدنية حسنة ، ينميها ويضاعفها الشعب الأندلسي الموهوب، بذكائه و نشاطه و براعته ؛ ...

    وهكذا كانت مملكة غرناطة الصغيرة ، تستمد من مواردها الطبيعية ، أسباب القوة والمنعة والرخاء.

    ولما أخذت قواعد الأندلس الشرقية والوسطى تسقط تباعا في أيدي النصارى ،هرع إلى القواعد والثغور الجنوبية كثير من الأسر المسلمة الكريمة ، التي آثرت الهجرة إلى أرض الإسلام ، على التدجين والبقاء تحت سلطان النصارى.

    على أنه بقيت في القواعد والثغور التي استولى عليها النصارى جموع كبيرة من المسلمين ، الذين حملتهم ظروف الأسرة ودواعى العيش على البقاء في الوطن القديم، تحت حكم الإسبان سادتهم الجدد .

    وهؤلاء هم المدجنون أو بالإسبانية Mudejares
    ------------
    وقد شاع استعمال هذا اللفظ بالأندلس منذ النصف الأول من القرن السابع الهجري 13 ميلادي لكثرة استيلاء النصاری ، على أراضى المسلمين ، وكثرة من بقي من أهلها المسلمين
    تحت حكم الإسبان ، وهي التي غدت مجتمع المدجنين .

    وكان تسامح النصارى في البداية ، وتركهم رعاياهم المسلمين ، يتمتعون.بتطبيق شريعتهم وأحكام دينهم فيما بينهم ، يخفف عن أولئك المدجنين مرارة الانسلاخ عن مجتمعهم القديم ، والانتماء إلى المجتمع النصراني .

    و لبث المدجنون عصرا ، يتمتعون في ظل الحكم الأسباني بامتيازات كثيرة ، ويعيشون في نوع من الأمن والدعة، بعيدا عن عصف الأهواء السياسية والقومية العنيفة .

    ولكن هذه الحال أخذت في التبدل منذ اتسع نطاق الفتوحات النصرانية في أراضي الأندلس ، وزاد بذلك عدد المدجنين في مختلف المناطق المفتوحة ...

    وكانت الكنيسة تبغض هذه الطوائف الإسلامية ، القائمة في قلب المحتمع النصراني ، وتنقم على المدجنين هذه الدعة وهذا التسامح، وترى في احتفاظهم بدينهم ولغتهم نوعا من التحدي المذموم، وتأخذ على ملوك قشتالة وأراجون تسامحهم في معاملتهم ، وتسعى جاهدة لتحريضهم على اتباع سياسة الإنتقام والعنف، إزاء أولئك الرعايا المسالمين .

    ومنذ أوائل القرن الثالث عشر ، تتوالى أوامر البابوية وقراراتها ضد المدجنين ، والحض على استرقاقهم أو تنصيرهم، ومن ذلك ما أمر به البابا إنوسان الرابع في سنة 1248م ، ملك أراجون خايمي الأول من وجوب استرقاق المسلمين في الجزائر الشرقية ؛ ولكن خايمی لم يأبه لذلك الأمر . ولما فتح ثغر بلنسية في سنة 636م (1238م)، سمح للمسلمين أن يبقوا فيها كمدجنين.

    وكان ملوك قشتالة وأراجون يعارضون هذه السياسة العنيفة، لبواعث وأسباب تتعلق بمصالحهم القومية ورخاء بلادهم .

    ذلك لأن المدجنين كانوا بين رعاياهم ، أفضل العناصر وأنشطها وأكثرها دأبا ومثابرة ، وأوفرها تأدية للضرائب ، وكانوا ساعد النبلاء الأيمن في زراعة أراضيهم واستغلالها .

    وكانوا ينفردون بالتفوق في العلوم والفنون والمهن . وكانوا أبرع الأطباء والمهندسين والبنائين .

    وكان لهم الفضل الأول، في إدخال محاصيل عديدة في اسبانيا النصرانية، مثل القصب والقطن والأرز والحرير والتين والبرتقال واللوز وغيرها ، وما زالت مشاريع الرى التي أنشأوها، ولاسيما في مناطق اسبانيا الشرقية والشمالية الشرقية تشهد بعبقريتهم في هذا المضمار .

    وهم الذين وضعوا أسس الصناعة الإسبانية ، وكانوا أساتذة الصناعات الدقيقة ، وكانت صناعاتهم ولاسيما المنسوجات القطنية و الحريرية ، والفخار والخزف والجلود ، نماذج بارعة تحذو حذوها الصناعة الأوربية ، فلم يك ثمة أشهر من خزف مالقة، ولا أقمشة مرسية، ولا حرير ألمرية وغرناطة، ولا أسلحة طليطلة ، ولا منتجات قرطبة الجلدية .

    وكانت بلنسية التي تضم كتلة كبيرة من المدجنين ؛ تعتبر من أغنى ثغور أوربا بما تنتجه من السكر والنبيذ وغيرهما من المنتجات العديدة .

    وكان المدجنون مثالا للنشاط والدأب ، يزاولون التجارة بنجاح
    وشرف، وكانوا أفضل التجار وأوفرهم أمانة ونزاهة ، ولم يكن بينهم متسولون إذ كانوا يعولون فقراءهم . وكانوا مثلا للنظام والسكينة ، يحسمون منازعاتهم بأنفسهم .

    وعلى الجملة فقد كانوا يؤلفون أصلح عنصر بين السكان الذين يمكن أن تحتويهم أي بلد (*1)
    --------------------------------------------------------------------
    ️ وقد لبث ملوك قشتالة عصورا يحرصون على الانتفاع بنشاط المدجنين وحمايتهم :

    ونستطيع أن نقول على ضوء الوثائق إنه كانت ثمة طوائف
    كبيرة منهم حتى القرن الخامس عشر ، تعيش في أنحاء كثيرة من اسبانيا النصرانية محتفظة بدينها ولغتها وتقاليدها .(*2)

    وكانت البابوية تسير على خطتها ، من التحريض عليهم والمطالبة بتجريدهم من دينهم ، والعمل على تنصيرهم بطريق الاضطهاد والعنف ، ولكن هذه السياسة الباغية لم تحدث أثرها إلا ببطء ، ولم يتسع نطاقها إلا في أواخر القرن الخامس عشر
    عندما أشرفت الدولة الإسلامية في غرناطة على نهايتها .

    وكان قيام مملكة غرناطة في ذاته ، عنصرا من عناصر تكييف السياسة الإسبانية إزاء المدجنين ؛ ذلك أن ملوك أسبانيا فوق ما كان يحدوهم من رغبة المحافظة على مصالحهم وسكينة بلادهم.بإيثار الرفق في معاملة المدجنين ، كانوا أيضا يخشون سياسة إنتقام المسلمين من النصارى المقيمين في غرناطة ، و فيما وراء البحر في بلاد المغرب ، بل وفي الممالك الإسلامية
    الأخرى مثل مصر وتركيا .

    على أن العوامل الاجتماعية والمحلية كانت من جهة أخرى
    تحدث أثرها في مجتمع المدجنین ؛ ذلك أنه بالرغم من جميع الفوارق التي كانت تفصل بينهم وبين النصارى ، فقد جنح الكثير منهم إلى التشبه بجيرانهم ، وانتهوا بمضی الزمن وبتأثير الاختلاط والتزاوج إلى فقد دينهم ولغتهم، ومميزاتهم الجنسية والقومية ، واندمجوا شيئا فشيئا في المجتمع الذي يعيشون فيه .

    وهكذا أصبحوا بالتدريج قشتالين ونصاری ، وأضحى علماؤهم يكتبون كتب الدين والشريعة باللغة القشتالية للرجوع إليها ؛ وقام أيضا بين المدجنين أدب قشتالي ، استمر عصورا حتى بعد إخراج العرب المتنصرين من إسبانيا .

    والمقصود هنا أدب الألخمیادو Aljamiado و هو عبارة عن كتابة اللغة القشتالية المحرفة بحروف عربية مشكلة . وكان العرب المتنصرون يضطرون إلى كتابة كتبهم الدينية بهذه اللغة بعد أن حرمت عليهم لغتهم العربية ، وسنعود إلى التحدت عن ذلك فيما بعد . (*)

    على أن المدجنين لبثوا بالرغم من هذا الإندماج الإجتماعي تطبعهم مسحة خاصة تباعد بينهم وبين المجتمع النصراني القديم .

    النصارى واليهود المستعربون
    ---------------
    وكان نظير هؤلاء الأندلسيين المدجنین، جمهرة من النصارى الإسبان يعيشون في القواعد والثغور الإسلامية ، ويعرفون بالنصارى المعاهدين أو المستعربين ( وبالإسبانية : Mozarabes ) ؛ وقد لبثوا عصورا يتمتعون في ظل الحكم الإسلامي بضروب الرعاية والتسامح . وكانت الحكومات الأندلسية ، حتى في أزهی عصورها ، تحافظ على سياسة التسامح التي اتبعت إزاءهم منذ الفتح ، وتعاملهم بالرفق، وتحترم شعائرهم الدينية وتقاليدهم القومية ، و تجانب أية محاولة لإرغامهم على اعتناق الإسلام .

    وكان من ضروب هذه الرعاية ، أن أنشيء في ظل حكومة
    قرطبة منذ عهد الحكم بن هشام، دیوان خاص للنظر في شئون أهل الذمة ( النصاری واليهود ) ، يتولاه كبير من الأحبار النصارى يطلق عليه "قومس أهل الذمة" ؛ وهكذا استطاعوا دائما أن يحتفظوا بدينهم ولغتهم ، ومميزاتهم القومية والاجتماعية.

    وكانت حال النصارى في ظل الحكم الإسلامي ، أفضل بكثير مما كانت عليه أيام القوط ، وكثيرا ما كان يعهد إليهم بمناصب القيادة والوزارة ، أو ينتظمون في البلاط والحرس الملكي ؛ ومع ذلك فقد كانت منهم دائما طوائف متعصبة تسىء استعمال هذا التسامح ، وتحاول بمختلف الوسائل أن تكيد للإسلام ودولته !! من ذلك ماحدث في عهد عبد الرحمن بن الحكم ( أواسط القرن التاسع الميلادي) من الحوادث الدموية التي أثارها تعصب النصاری . (*4).

    وهكذا فإن النصارى المعاهدين ، لم يشعروا دائما بالولاء والإخلاص للدولة الإسلامية ؛ التي يعيشون في ظلها ، والتي توليهم الكثير من رعايتها ورفقها ، وكانوا دائما يتربصون بها ،
    وينتهزون الفرص لمناوأتها والكيد لها ، ويستعدون عليها الوطن القديم ، كلما اضطربت شئونها ، وعصفت بها عواصف الثورة والحرب الأهلية .

    وكانت أعظم خيانة ارتكبوها من هذا النوع ، في أواخر أيام المرابطين ، حينما دعوا ألفونسو الأول ملك أراجون الملقب بالمحارب عقب استيلائه على سرقسطة ، إلى أن يسير
    إلى غزو الأندلس ، بعد ما لاح من انحلال سلطان المرابطين فيها ، واستجاب ملك أراجون لتحريضهم ، وسار مخترقا الأندلس بجيوشه ..

    وكان النصارى المعاهدون في كل قاعدة ينهضون إلى معاونته بوسائلهم ، وذلك في سنة( ٥١٩ هج /۱۱۲٥م)، حتى انتهى إلى فحص غرناطة وحاصرها حينا ، ثم غادرها إلى الجنوب ، ونشب القتال بينه وبين المرابطين فهزمهم . ولبث حينا يعيث في تلك الأنحاء ، والنصارى المعاهدون يهرعون إلى شد أزره ، ويمدونه بالأقوات والمؤن ؛ ثم رجع ثانية مخترقا الأندلس إلى أراجون، وقد انضم إلى جيشه آلاف من النصارى المعاهدين.

    ولفتت هذه الغزوة أنظار المسلمين إلى خطر بقاء أولئك المعاهدين في الثغورو القواعد الأندلسية ، فانقلبت الحكومة الإسلامية إلى مطاردتهم ، وأفتى القاضي "أبو الوليد ابن رشد الجد" بإدانتهم في نقض العهد والخروج على الذمة ، ووجوب تغريبهم وإجلائهم عن الأندلس ..

    وأخذ أمير المرابطين على بن يوسف بهذه الفتوى ، وغربت ألوف من النصارى المعاهدين إلى إفريقية ، وفرقوا هنالك في أماكن مختلفة ، وهلك الكثير منهم بسبب الطقس وتغير وسائل التغذية ، وضم السلطان كثيرا منهم إلى حرسه الخاص، وكانت هذه المحنة سببا في تمزيق عصبتهم وإضعاف شوكتهم .(*5)

    وقد كان مجتمع المستعربين أو النصارى المعاهدين ، حتى في القواعد الأندلسيةالتي سقطت في يد إسبانبا النصرانية، وبسط عليها النصارى حكمهم، يتأثر بمجتمع المدجنين ، وبأحواله وتقاليده ، حتى أنهم كانوا يتخذون اللغة العربية لغة التعامل، ولغة التخاطب أحيانا ، إلى جانب لسانهم القومى.

    ومن الوثائق المحررة بين المستعربين النصارى و المسلمين المدجنين على سبيل المثال وثيقة :

    {مؤرخة في شهر أغثت من سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف التاريخ الصفر» (۱۱۷۳م) بمقتضاها اشترى الوزير دون مقايال بيطس أعزه الله من بهلول وأخيه بيطرة ابني مرتين بن بهلول رحمه الله : جميع الدار الكبيرة ، والقرال المتصل بها من جهة الغرب والقبلاريسة المتصلة بها أيضا من جهة القبلة حدود جميع ذلك كله في الشرق الطريق السالك وإليه يشرع الباب ، وفي الغرب دار ابن طورينه المسلم أمين الفخارين ، وفي القبلة دار بيطرة البنا بن بهلول ، وفي الجوف دار تبقت بيد البائعين ، ودار سلمة بن حسان ... بثمن عدته ثمانون مثقال ذهبا مرابطية..} .. وتحمل الوثيقة أسماء عدة شهود مسلمين مثل عبد الله ابن داود ، وعامر بن تمام ، وعلى بن عياش . (*6)

    ومن هذه الوثائق والعقود يستدل على أنه كانت توجد بطليطلة حي أواخر القرن الثالث عشر، أقلية مسلمة هامة من المدجنين ؛ ونحن نعرف أن طليطلة سقطت في أيدي النصارى منذ سنة (٤٧٨ ه/ ۱۰۸۰ م) .

    على أن الكثرة الغالبة من المسلمين في القواعد الأندلسية الذاهبة ، كانت تؤثر الإلتجاء إلى أرض الإسلام والتشبث بلواء الدولة الإسلامية .

    وهكذا أخذت مملكة غرناطة ، تموج منذ أواسط القرن السابع الهجري بسيول الوافدين عليها ، من بلنسية ومرسية وقرطبة وإشبيلية وجيان وبياسة وغيرها ، وهكذا غدت المملكة الصغيرة تضيق بسكانها المسلمين ، بعد أن احتشدت بقايا الأمة الأندلسية المتداعية في تلك المنطقة الضيقة .

    ومن المرجح أن مملكة غرناطة كانت تضم في عصورها الأخيرة ، زهاء خمسة أو ستة ملايين من الأنفس

    وكانت مدينة غرناطة وحدها تضم أكثر من نصف مليون نفس ، وقد كانت هذه الهجرة الغامرة من مختلف القواعد الأندلسية في الشرق والغرب ، إلى ذلك الوطن الأندلسي الجديد ، تضفي على التكوين العنصري لسكان مملكة غرناطة طابعا خاصا .

    المولدون
    --------------
    وبالرغم من أن العناصر الأساسية التي تتكون منها الأمة الأندلسية ، وهي العرب والبربر والمولدون - وهم أعقاب الإسبان الذين أسلموا منذ الفتح - لبثت على مر العصور دون تغيير ، فانه يلاحظ أن الجموع الوافدة على المملكة الإسلامية الجديدة من العناصر التي صقتلها حضارة أرقي ، ومن ثم فإنه يمكن القول بأن الأمة الأندلسية الجديدة ، كانت تمثل أطيب وأثمن ما بقي من القيم العنصرية والحضارية للأندلس القديمة .

    وكان المولدون يمثلون في المجتمع الأندلسي الجديد مثولا قويا . وكان أولئك المولدون قد نموا بمضى الزمن حتى غدوا عنصرا هاما بين سكان الأمة الأندلسية .

    وكان العرب والبربر ينظرون إليهم بشيء من الريب ! وكانوا بالرغم من تمتعهم في.ظل الحكومات الإسلامية المتعاقبة بنفس الحقوق التي يتمتع بها باقي المسلمين ، ينزعون إلى الثورة في أحيان كثيرة ، وقد كان لهم شأن يذكر ، في إضرام بعض الثورات الخطيرة التي اضطرمت ضد حكومة قرطبة، مثل ثورة الربض ، وثورة طليطلة أيام الحكم بن هشام ، وثورة بنی قسى في الثغر الأعلى ، وقد كان جده الكونت قسى قوطية رانية .

    وكان المولدون أعوان ابن حفصون أعظم وأخطر.ثوار الأندلس ، وهو الذي استطاع بمؤازرتهم ومؤازرة النصارى المعاهدين ، أن ينشئ مدى حين مملكة مستقلة في منطقة رندة ( أواخر القرن التاسع الميلادي) ، وكان ابن حفصون مولدا ينتمي إلى أصل نصرانی .

    على أن المولدين كان لهم موقف آخر ضد الغزاة القادمين من إفريقية ؛ فقد وقفوا إلى جانب مواطنيهم الأندلسيين ضد المرابطين ثم الموحدين ، وكان عماد الثورة ضد المرابطين في غربي الأندلس زعيم من المولدين هو الفقيه المتصوف أحمد ، بن قسي شيخ المريدين ..

    وكان زعيم الثورة ضد الموحدين في شرق الاندلس زعيم من المولدين هو محمد بن سعد بن مردنیش أمير بلنسية ومرسية . وكان يتحدث القشتالية ويلبس الملابس الإفرنجية ، وتحشد في جيشه كثير من الضباط والجند النصاری .. (*7).

    ولم يكن للعاطفة الدينية في تلك العصور وفي تلك الظروف دائما أثر كبير ، بل كانت تغلب في معظم الأحيان عواطف القومية والمصلحة الخاصة ؛ ويبدو ذلك بنوع خاص في سياسة زعيم مثل ابن مردنیش كانت سياسته تقوم على مصادقة النصارى ، والاستعانة بهم على تنفيذ خططه .(*8)

    كذلك كان يمثل بين سكان غرناطة أقلية يهودية قوية ، معظمهم من طائفة السفرديم ، القديمة أو اليهود الإسبان . وكان لليهود في ظل معظم الحكومات الإسلامية نفوذ جدير بالذكر ...

    وكان منهم أعلام في العلوم والآداب مثل الرئيس موسی بن میمون القرطبي ، الذي غادر الأندلس إلى المشرق في أواسط القرن السادس الهجري ، فرارا من اضطهاد الموحدين ، وكان لهم مثل هذا النفوذ في مملكة غرناطة ، ومنهم معظم أطباء البلاط والخاصة .

    وكانت العروبة تغلب على السكان المدنيين في مملكة غرناطة ، ولاسيما بعد أن نزح اليها على أثر سقوط القواعد الأندلسية في أيدي النصارى ، كثير من سادة البطون العربية القديمة .

    ويذكر لنا ابن الخطيب عشرات من الأنساب العربية
    العريقة التي كان ينتمي اليها أهل غرناطة ؛ بيد أنها كانت عروبة من نوع خاص ، صقلتها الأمة الأندلسية ، وأضفت عليها طابعها وألوانها الخاصة .

    ويصف ابن الخطيب الغرناطيين بوسامة الوجوه، و اعتدال القدود، وسواد الشعر ، و نضرة اللون ، وأناقة الملبس ، وحسن الطاعة والإباء ، يتحدثون بعربية فصيحة تغلب عليها الإمالة . ويصف نساءهم بالجمال والرشاقة والسحر ، ونبل الخلال ، ولكنه ينعى عليهن المبالغة في التفنن في الزينة والتبهرج في عصره .

    أما الجند فكانت فيهم كثرة ظاهرة من البربر ، ولا سيما من قبائل زنانة ومغراوة و بنی مرین . ويرجع ذلك إلى أن طوائف البربر التي تخلفت منذ عهد المرابطين و الموحدين بالأندلس، كان أغلبها.من الجند؛ وقد بقيت على عهدها تؤثر الجندية على الزراعة والمهن والفنون المدنية (*9)

    وهكذا كان الشعب الأندلسي حين آذنت شمسه بالمغيب ، كما كان يوم مجده ، يتكون من هذا المزيج العربي الإفريقي الإسباني الذي أطلق عليه الغربيون عبارة « عرب الأندلس ، أو مسلمي الأندلس » (*10) .

    وكانت الأمة الأندلسية تتمتع حتى في عصورها الأخيرة بحضارة زاهرة ،.كانت مثار التقدير والإعجاب في سائر الأم الأوربية ، وكان يحج إلى معاهدها مختلف أنحاء أوربا
    وكان الشعب الغرناطي من أهل السنة يدين بمذهب الإمام مالك ، وهو المذهب الذي غلب على الأمة الأندلسية منذ أواخر القرن الثاني الهجري، أعني منذ عصر هشام بن عبد الرحمن الداخل ، ولم تتأثر غرناطة في نزعتها المذهبية ولا تقاليدها الدينية السمحة ، بما توالى عليها من سيادة المرابطين والموحدين حينا من الدهر .

    --------------------------------------------------------------------
    (*1)بتصرف : محمد عبد الله عنان : نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين ص55 - 64
    --------------
    (*2): الحالة الاجتماعية لموريسكيي أسبانيا Floreclo Janer . مدريد( 1857) ص. 13 و 14 ..
    (*3)الدكتور ليا Dr.Lea : تاريخ محاكم التفتيش في إسبانيا، . صV. P. P. 65؛ THE History of the Inquinstion
    (*4) راجع کتاب « دولة الإسلام في الأندلس ، (الطبعة الثالثة) العصر الأول ص ٢٦۹- ۲۷۰ .
    (*5) راجع الإحاطة ج ۱ ص ۱۱۰ و ۱۲۰ ؛ والحلل ألموشية ص ۷۰ و ۸۱ : . وراجع کتاب « عصر المرابطين و الموحدين في المغرب والأندلس ، القسم الأول - ص ۱۰۸ - ۱۱۲ .
    (*6) تحفظ هذه الوثائق في قسم Archivon Historicos الملحق بالمكتبة الوطنية بمدريد ، وقد نشر معظم وثائق هذه المجموعة المستشرق الإسباني الكبير گونثالث بالنثيا Gonzales Palencia مقرونة بتربته الإسبانية في أربعة مجلدات كبيرة تحت عنوان .(Lo Mozirabe de Toledo en.los Sicle Encrituras Horaraben toledions
    1926-1990 XII، XILI مدريد)
    (*7) الإحاطة بأخبار غرناطة ج ۲ ص ۸۷.
    (*8) إنظر دكتور ليا تاريخ محاكم التفتيش Dr. Lea : History of the Inquisition, V. I. p. 50 (T)
    (*9) راجع الإحاطة في أخبار غرناطة ( القاهرة ۱۹۰۹ ) ج ۱ ص ۱۹۰ - ۱۹۰ ؛ و اللمحة البدرية ، ص ۲۷ و ۲۸
    (*10) وهي بالإسبانية Moros ، و بالإنجليزية The Moors ،و بالفرنسية Maures
    ☆ المملكة الموريسكية في أوربا Scott V II.
    ☆ محمد عبد الله عنان نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين ص 64 - 75
    -------------
يعمل...
X