التاريخ
أمس الساعة ٣:٠١ ص ·
تاريخ الدولة الأموية (27)
------------------------------------------------------‐-
الخوارج في خلافة معاوية رضي الله عنه
عرف الخوارج بهذا الإسم بعد التحكيم في معركة صفين، وكانوا قبلها من أشد أنصار علي بن أبي طالب رضي الله عنه وحضروا معه موقعة الجمل وصفين، ولكنهم أنشقوا عليه بعدها، ورفضوا التحكيم،
وحاول علي رضي الله عنه إقناعهم وردهم إلى الجماعة ولكنهم تشبثوا بموقفهم ، وبالغوا في شقاقهم وتطرفوا ، حتى عاثوا في الأرض فساداً، مما جعل علياً يقاتلهم ويقضي على معظمهم في معركة النهروان،
وهم لا يرضون عن تسميتهم خوارج، لأن هذه التسمية أطلقها عليهم خصومهم لخروجهم على الإمام، وعلى جماعة المسلمين ،..
أما هم فيسمون أنفسهم الشراة، لأنهم باعوا أنفسهم لله تعالى، على أن لهم الجنة يشيرون بذلك إلى قوله تعالى:
{ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ...} *التوبة : 111.
ويسمون أيضا المحكمة، لأنهم قالوا : لا حكم إلا لله، أو تحكيم كتاب الله ...
وكان يطلق عليهم أيضاً الحرورية، نسبة إلى قرية حروراء التي انحازوا إليها بظاهر الكوفة لأول خروجهم على علي ،
ولما كان سبب خروجهم هو قبول علي التحكيم بينه وبين معاوية رضي الله عنهما، فقد صاغوا لأنفسهم نظرية في الخلافة تقوم على مبدأين عامين :
▪︎المبدأ الأول
أن الخلافة ليست وقفاً على قريش كما يذهب أهل السنة ، بل تجوز لكل مسلم يكون أهلاً لها حتى ولو كان عبداً حبشياً، ويجب أن يكون الخليفة باختيار حر من المسلمين، وأنه إذا تم اختياره لا يصح له أن يتنازل عنها، أو يقبل التحكيم .
وفي ضوء هذا المبدأ اعترفوا بخلافة أبي بكر وعمر، أما عثمان فقد اعترفوا بخلافته في شطرها الأول، ثم تبرؤوا منه وكفروه في بقية عهده ..
وأما علي فقد اعترفوا بخلافته من بدايتها إلى أن قبل التحكيم، وبعد قبوله التحكيم لم يعترفوا بخلافته بل كفروه .
وكذلك لم يعترفوا بخلافة معاوية وبني أمية ، وكفروهم .
كما أنهم كفروا عائشة وطلحة والزبير وعمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري.
وعلى الجملة كفروا كل من لم ير رأيهم ويذهب مذهبهم من المسلمين، واعتبروا دارهم دار كفر، وأباحوا أموالهم ودماءهم، حتى لقد أباحوا قتل أطفالهم .
▪︎ المبدأ الثاني
هو وجوب الخروج على الإمام الجائر ..
وهنا وجه الخطورة في حركتهم كلها، فلو اقتصروا على الخلاف النظري في الرأي، أو الجدال بالحجة والبرهان، لكان الأمر أهون، ولكنهم شهروا السلاح في وجه مخالفيهم، بدءاً من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحاولوا فرض آرائهم ومذهبهم بالقوة،
وقد تطرفوا في اللجوء إلى القوة والعنف، وكبدوا الأمة وأنفسهم خسائر فادحة، وعكروا صفو الدولة الأموية، وكانوا من أشد مناوئيها ،
إن خطورة حركة الخوارج تكمن في لجوئهم إلى الثورة والعنف، ولشدة إيمانهم بمبادئهم فقد ضحوا في سبيلها بأرواحهم وأبدوا كثيراً من ضروب الشجاعة والإقدام في حروبهم مع الدولة الأموية، وكانوا أشبه بالفرق الانتحارية، فكثيراً ما كانت أعداد قليلة منهم تهزم جيوشاً جرارة للدولة،
ولو أن هذه الشجاعة والإقدام والتضحية اتجهت اتجاهاً سليماً، ووحد الخوارج جهودهم مع جهود الدولة في محاربة أعداء الإسلام لربما تغير وجه التاريخ الإنساني كله بشكل جذري،
والحقيقة أنهم لم يكونوا طلاب دنيا، ولم يجروا وراء المادة، وإنما أخلصوا للفكرة التي آمنوا بها وملكت عليهم جوانب حياتهم ، وأفنوا أنفسهم، وكلفوا الأمة الكثير من الجهد والوقت والمال والأرواح،
وإذا كان الخوارج قد خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وكفروه وحاربوه، فسيكون موقفهم من الدولة الأموية أعنف وبغضهم لها أشد، فقد شهروا السلاح في وجهها من أول لحظة فثاروا على معاوية رضي الله عنه قبل أن يغادر الكوفة عام 41هـ
------------------------------------------------------------------
حركات الخوارج في الكوفة
1 ـ حركة فروة بن نوفل الأشجعي
قال الطبري في حادث عام 41هـ: وفيها خرجت الخوارج التي اعتزلت أيام علي عليه السلام بشهرزور على معاوية ،
وقال: حدثت عن زياد، عن عوانه، قال: قدم معاوية قبل أن يبرح الحسن من الكوفة حتى نزل النخيلة، فقالت الحرورية ، الخمسمائة التي كانت اعتزلت بشهرزور مع فروة ابن نوفل الأشجعي : قد جاء الآن مالا شك فيه، فسيروا إلى معاوية فجاهدوه،...
فأقبلوا وعليهم فروة بن نوفل حتى دخلوا الكوفة، فأرسل إليهم معاوية خيلاً من خيل أهل الشام، فكشفوا أهل الشام،
فقال معاوية لأهل الكوفة: لا أمان لكم والله عندي حتى تكفوا بوائقكم، فخرج أهل الكوفة إلى الخوارج فقاتلوهم، فقالت لهم الخوارج: ويلكم ما تبغون منا، أليس معاوية عدونا وعدوكم، دعونا حتى نقاتله، وإن أصبناه كنا قد كفيناكم عدوكم، وإن أصابنا فقد كفيتمونا،
قالوا: لا والله حتى نقاتلكم، فقالوا: رحم الله إخواننا من أهل النهر ، هم كانوا أعلم بكم يا أهل الكوفة، وأخذت أشجع صاحبهم فروة بن نوفل ـ وكان سيد القوم ـ واستعملوا عليهم عبد الله بن أبي الحر ـ رجلاً من طيء ـ فقاتلوهم فقتلوا .
وفروة بن نوفل الأشجعي هو القائل قبيل معركة النهروان: والله ما أدري على أي شيء نقاتل علياً، لا أرى إلا أن انصرف حتى تنفذ لي بصيرتي في قتاله أو إتباعه، وانصرف في خمسمائة فارس .
وذكر ابن حجر رواية هامة تبين موقف معاوية رضي الله عنه من الخوارج بعد توليه الخلافة، وفيما يلي نص رواية ابن حجر:...
" فرجع الناس فبايعوا معاوية ولم يكن لمعاوية هَمُّ إلا الذين بالنهروان ، فجعلوا يتساقطون عليه فيبايعونه، حتى بقي منهم ثلاثمائة أو نيف ، وهم أصحاب النخيلة ".
--------------------
2 ـ حركة المستورد بن عُلَّفة التميمي
تحدث الطبري في تاريخه عن حركة المستورد بن عُلَّفة التميمي بإسهاب وتفصيل بعكس أكثر المصادر التي تناولت هذا الحدث، حيث تحدث خليفة بن خياط عن هذه الحركة باختصار شديد، وقد أطال الطبري الحديث عن حركة المستورد بن عُلَّفة التميمي، ولعل ذلك إشارة منه لأهميتها
و تعود أهمية هذه الحركة إلى كون أصحابها بمثلون الامتداد الطبيعي لفكر خوارج النهروان الذين قاتلهم علي رضي الله عنه، إذ أن معظم المنتسبين إلى هذه الحركة كانوا في خندق واحد في معركة النهروان،
وهذا الأمر هو الذي دفع المغيرة بن شعبة والي الكوفة إلى اللجوء إلى أنصار علي رضي الله عنه، وخاصة الذين شاركوا في معركة النهروان من أمثال معقل بن قيس الرياحي الذي كان أحد قادة علي يوم النهروان ، وتكليفه قيادة الحملة المتوجهة لقتال الخوارج، لأن أنصار علي رضي الله عنه هم أخبر الناس بالخوارج وأشدهم عليهم
وما جاء من مرويات في تاريخ الطبري قول الخوارج بعد استشهاد علي رضي الله عنه، :لا يقطع الله يميناً علت قذاله بالسيف قال : فأخذ القوم يحمدون الله على قتله .
وعن أسباب خروجهم على جماعة المسلمي قول الخوارج : فلنأت إخواننا فلندعهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلى جهاد الأحزاب، فإنه لا عذر لنا في القعود، وولاتنا ظلمة، وسُنَّة الهدى متروكة، وثأرنا من الذين قتلوا إخواننا وهم في المجالس آمنون، فإن يظفرنا الله بهم نعمد بعد إلى التي هي أهدى وأرضى وأقوم، ويشفي الله بذلك صدور قوم مؤمنين، وإن نقتل فإن في مفارقة الظالمين راحة لنا، ولنا بأسلافنا أسوة .
و عن سياسة المغيرة بن شعبة رضي الله عنه مع الخوارج يقول الطبري : وأحسن في الناس السيرة، ولم يفتش أهل الأهواء عن أهوائهم، وكان يؤتي ويقال له: إن فلاناً يرى رأي الشيعة، وإن فلاناً يرى رأي الخوارج، وكان يقول: قضي الله ألا تزالون مختلفين، وسيحكم الله بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون .
وقال المغيرة لقبيصة بن الدمون : الصق لي بشيعة علي، فأخرجهم مع معقل بن قيس، فإنه كان من رؤوس أصحابه، فإذا بعثت بشيعته الذي كانوا يعرفون فاجتمعوا جميعاً، استأنس بعضهم ببعض وتناصحوا، وهم أشد استحلالاً لدماء هذه المارقة، وأجرأ عليهم من غيرهم، وقد قاتلوا قبل هذه المرة .
قال المغيرة : يا معقل بن قيس، إني قد بعثت معك فرسان أهل مصر، أمرت بهم فانتخبوا انتخاباً، فسر إلى هذه العصابة المارقة الذين فارقوا جماعتنا، وشهدوا عليها بالكفر، فادعهم إلى التوبة، وإلى الدخول في الجماعة، فإن فعلوا فاقبل منهم، واكفف عنهم، وإن هم لم يفعلوا فناجزهم، واستعن بالله عليهم .
3 ـ حركة حيان بن ظبيان السلمي
كانت هذه الحركة عام 58هـ وكانت في ولاية عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان بن ربيعة الثقفي، وهو ابن أم الحكم أخت معاوية بن أبي سفيان، ففي أثناء ولايته خرجت الطائفة الذين كان المغيرة بن شعبة حبسهم في السجن من الخوارج الذين كانوا بايعوا المستورد بن علفة، فظفر بهم فاستودعهم السجن، فلما مات خرجوا من السجن ، وقاموا بحركة مضادة للخلافة وكان رئيسهم حيان بن ظبيان السُّلَمِّي، فبعث إليهم والي الكوفة جيشاً فقتل الخوارج جميعاً .
------------------
حركات الخوارج في البصرة
1 ـ حركة يزيد الباهلي وسهم الهجيمي
في عام 41هـ خرج في ولاية عبد الله بن عامر لمعاوية، يزيد بن مالك الباهلي، وخرج معه سهم بن غالب الهجيمي، فأصبحوا عند الجسر، فوجدوا عبادة بن قرص الليثي أحد بني بجر ـ وكانت له صحبة ـ يصلي عند الجسر، فأنكروه فقتلوه ثم سألوا ابن عامر الآمن فآمنهم وكتب إلى معاوية قد جعلت لهم ذمتك،
فكتب إليه معاوية : تلك ذمة لو أخفرتها لا سُئلت عنها، فلم يزالوا آمنين حتى عزل ابن عامر .
وفي عام 46هـ خرج سهم الهجيمي والخطيم وهو يزيد بن مالك الباهلي لما تولى زياد، فأما سهم فخرج إلى الأهوار فأحدث وحكَّم ثم رجع فاختفى وطلب الأمان، فلم يؤمنه زياد حتى أخذه وقتله وصلبه على بابه وأما الخطيم فإن زياداً سيره إلى البحرين، ثم أذن له فتقدم، فقال له: الزم مصرك، وقال لمسلم بن عمرو الباهلي : أضمنه، فأبى وقال: إن بات عن بيته أعلمتك، ثم أتاه مسلم فقال: لم يبت الخطيم الليلة في بيته فأمر به فقتل، وألقي في باهلة
2 ـ حركة قريب الأزدي وزحاف الطائي
في عام 50هـ خرج قريب الأزدي وزحّاف الطائي بالبصرة وهما ابنا خالة، وزياد بالكوفة وسمرة على البصرة، فأتيا بني ضُبيعة، وهم سبعون رجلاً، وقتلوا منهم شيخاً، وخرج على قريب وزحّاف شباب من بني علي وبني راسب فرموهم بالنَّبل، وقتل عبد الله بن أوس الطاحيّ قريباً وجاء برأسه واشتد زياد على المنبر فقال: يا أهل البصرة والله لتكفُننّي هؤلاء أو لأبدأنّ بكم، والله لئن أفلت منهم رجل لا تأخذون العام من عطائكم درهماً، فثار الناس بهم فقتلوهم .
3 ـ حركة عروة بن أُدية الخارجي
في سنة 58هـ اشتد عبيد الله بن زياد على الخوارج، فقتل منهم صبراً جماعة كثيرة، وفي الحرب جماعة أخرى، وممن قتل، منهم صبراً عروة بن أديَّة أبي بلال مرداس بن أدية ، وكان سبب قتله أن ابن زياد قد خرج في رهان له، فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع إليه الناس وفيهم عروة، فأقبل على ابن زياد يعظه،
وكان مما قال له : { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } (*الشعراء : 128 ـ 130).
فلمّا قال ذلك ظن ابن زياد أنه لم يقل ذلك إلا ومعه جماعة، فقام وركب وترك رهانه. فقيل لعروة: ليقتلنّك، فاختفى، فطلبه بن زياد فهرب وأتى الكوفة فأخذ وقدم به علىابن زياد فقطع يديه ورجليه .. ثم دعا به فقال: كيف ترى؟ قال أرى أنك أفسدت دنياي وأفسدت آخرتك، فقتله وأرسل إلى ابنته فقتلها ، بسبب اعتناقها مذهب والدها .
وذكر المبرد في كتابه الكامل في اللغة سببين هامين كان لهما أثر كبير في مقتل عروة بن أدية، الأول: تكفير هذا الخارجي لعثمان وعلي رضي الله عنهما، والثاني: إقدامه على مساعدة أخيه مرداس بن أديه على الخروج .
4 ـ حركة مرداس بن أدية
وفي عام 58هـ خرج مرداس بن أُديَّة، بالأهواز وكان ابن زياد قبل ذلك حبسه فيمن حبس من الخوارج، فكان السجان يرى عبادته، واجتهاده، وكان يأذن له في الليل، فينصرف، فإذا طلع الفجر أتاه حتى يدخل السجن، ...
وكان صديق لمرداس يسامر ابن زياد، فذكر ابن زياد الخوارج فعزم على قتلهم، إذا أصبح، فانطلق صديق مرداس إلى منزل مرداس فأخبرهم، وقال: أرسلوا إلى أبي بلال في السجن فليعهد فإنه مقتول، فسمع ذلك مرداس،..
وبلغ الخبر صاحب السجن، فبات بليلة سوء إشفاقاً من أن يعلم الخبر مرداس فلا يرجع، فلما كان الوقت الذي كان يرجع فيه إذا به قد طلع، فقال له السجان: هل بلغك ما عزم عليه الأمير؟ قال: نعم، قال: ثم غدوت ! قال: نعم، ولم يكن جزاؤك مع إحسانك أن تعاقب بسبـبي،
وأصبح عبيد الله فجعل يقتل الخوارج، ثم دعا مرداس، فلما حضر وثب السجان ـ وكان ظئراً لعبيد الله، فأخذ بقدمه، ثم قال: هب هذا، وقص عليه قصته، فوهبه له وأطلقه . وقد أشار البلاذري إلى أن عزم عبيد الله بن زياد على قتل من في السجن من الخوارج كان بسبب إقدام بعضهم على قتل أحد الحرّاس .
ثم إن مرداس خاف ابن زياد فخرج في أربعين رجلاً إلى الأهواز، فكان إذا اجتاز به مال لبيت المال أخذ منه عطاءه وعطاء أصحابه ثم يرد الباقي، فلما سمع ابن زياد خبرهم بعث إليهم جيشاً عليهم أسلم بن زرعة الكلابي سنة ستين، وقيل أبو حصين التميمي،
وكان الجيش ألفيْ رجل، فلمّا وصلوا إلى أبي بلال ناشدهم الله أن يقاتلوه فلم يفعلوا، ودعاهم أسلم إلى معاودة الجماعة، فقالوا: أتردَّوننا إلى ابن زياد الفاسق؟ فرمى أصحاب أسلم رجلاًمن أصحاب أبي بلال فقتلوه، فقال أبو بلال: قد بدؤوكم بالقتال.
فشدّ الخوارج على أسلم وأصحابه شدّة رجل واحد فهزموهم فقدموا البصرة، فلام ابن زياد أسلم وقال: هزمك أربعون وأنت في ألفين، لا خيرَ فيك. فقال: لأن تلومني وأنا حي خير من تثني عليّ وأنا ميت، فكان الصبيان إذا رأوا أسلم صاحوا به: أما أبو بلال وراءك! فشكا ذلك إلى ابن زياد، فنهاهم فانتهوا فهذه أهم حركات الخوارج في عهد معاوية.
-------------------------------------------------------------------
أهم الدروس والعبر في محاربة معاوية للخوارج
بالنظر إلى سلوك الخوارج زمن معاوية نجد أن خروجهم في ذلك العهد كان يستهدف إزعاج نظام حكم بني أمية وإضعافه، دون أن يكون لهم أمل في القضاء عليه .
كانت بعض هذه الحركات مقتصرة على المجموعات المنسحبة من النّهروان والتي ظلت مشتتة في الأرياف وعدم وجود ما يشير إلى مشاركة الخوارج المقيمين في الكوفة فيها، وهو ما يؤكد عدم حصول تحوّل في موقف هؤلاء رغم التغيير الذي طرأ على السلطة .
ومن الملاحظات، ما يخصّ الكوفيين الذين أبدى العديد منهم حماساً في محاربة الخوارج، وإذا كنا نعتقد أن تهديدات معاوية وعداء بعض الكوفيين للخوارج بسبب موقفهم من علي قد لعبت دوراً في دفع هؤلاء إلى المشاركة في قمع الثائرين، فإننا لا نستبعد أن تكون الرغبة الملحّة في إنهاء الحروب والانقسامات والعودة إلى الوحدة قد ساهمت بدورها في دفع الكوفيين إلى مساعدة معاوية في القضاء على هؤلاء المعارضين، رغم يقينهم أنَّهم سيفقدون مع الحكم الجديد امتيازاتهم و سيفقد مصرهم المكانة التي كان يتمتع بها في خلافةعلي
كان معاوية رضي الله عنه على وعي تام بحقيقة المعارضة الخارجيّة و موقفها من السلطة ومن شخصه بالذّات، ولذلك لم يعمل على جلب الخوارج إلى صفّه وقرّر منذ اللحظة الأولى التصدي لهم بالقوة
لم يتردد المغيرة بن شعبة في محاربة الخارجين على السلطة بالشرطة والجيش، ولم يقتصر استعمال القوة على الثائرين بل شمل حتى الذين بلغه أنهم ينوون الخروج مثل معين بن عبد الرحمن المحاربي وحيان بن ظبيان السّلمي وغيرهما وهو ما يدل على أن المغيرة كان يقوم بمراقبة تحركات الخوارج داخل المصر، ويتجسس عليهم وينزل عقوباته بهم تبعاً لما يصله عنهم من أخبار .
إن أهم وأخطر ما قام به المغيرة رضي الله عنه هواستعماله أنصار علي رضي الله عنه ضد الخوارج مستفيداً من العداوة التي كانت بينهم وهو عمل استفادت منه الدولة الأموية على المدى القريب والبعيد، فعلى المدى القريب، حاصر المغيرة بأعماله الفكر الخارجي في الكوفة، وأسكت المعارضين الموجودين فيها دون أن يكلف الدولة خسارة تُذكر،..
فضلاً عن أنه شغل الكوفيين عن معارضة الدولة الأموية وأعطاها بذلك الفرصة لتدعيم نفوذها . أما عن المدى البعيد فقد عمَّق المغيرة الهوّة بين الخوارج والشيعة وأبعد إمكانية التقارب بين هاتين الحركتين لفترة طويلة، مجنباً بذلك الدولة الأموية خطر مواجهة معارضة موحدة وقوية،
غير أن ما قام به المغيرة تجاه المعارضة في الكوفة لم يكن سوى تطبيق لأوامر الخليفة نفسه مع بعض الاجتهادات التي رأى أنّها تخدم الدولة أكثر ...
وأما أنصار أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وخاصة الزعماء منهم، فقد عملت الدولة الأموية على تقريبهم وكسبهم ولذلك سلك المغيرة سياسة اللين معهم وهو ما ضمن الهدوء في الكوفة طيلة ولايته عليها .
ومع تولي زياد ابن أبيه البصرة : تصاعدت عمليات القمع ضد الخوارج فبالإضافة إلى القتل كان زياد يمثل بالمقتولين فيصلبهم في الأماكن العامة، أو في دُورهم، وقد شمل التمثيل الخارجين من الرجال والنساء،
ورغم أن التمثيل يعد من الأعمال البشعة التى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيام بها حتى مع الكفّار، فإن زياداً استعمله مع المسلمين رجالاً ونساءً ليروِّع بقية السكان ويلزمهم الهدوء،
ولم تكن العقوبات المسلطة على الخوارج مقتصرة على القتل والتمثيل والتسيير والإقامة الجبرية، بل شملت كذلك العطاء، وقد تجاوز زياد في هذا المجال من سبقه من الحكّام، إذ قام بشطب أسماء الخوارج من سجلات الديوان .
وقد أقحم زياد بأعماله العنف في سياسة الدولة وجعله إحدى ركائزها، واعتبر أن مصلحتها تقتضي استعماله ضدّ كل الذين يرفضون الخضوع لسلطتها
وقد أدّت سياسة زياد ـ العنيفة ـ إلى إخماد تحرّكات الخوارج، وفرضت هيبة الدولة على الجميع، وحوّلت القبائل إلى طرف له دور في سياستها ومنحتها مهمة توفير الأمن داخل المصر بعد أن كانت مهامها تقتصر على دفع الدّية والتأطير العسكري، إلا أنّها أضعفت التضامن القبلي وأفقدت القبيلة القدرة على حماية أبنائها الخارجين على السُّلطة وأجبرتها على القبض عليهم ومعاقبتهم أحياناً،
ولئن كان زياد قد نجح في إخماد تحرّكات المعارضين وزرع الرّعب في نفوس بقية سكان العراق وتحويلهم من مقاتلة يتمتعون بقدر كبير من الحرية إلى رعية خاضعة كلياً لأجهزة الدّولة، فقد فشل في خنق إرادة الخروج لدى قسم كبير من الخوارج، وهو ما يفسر عودة الانتفاضات في ولاية ابنه عبيد الله
وقد تجاوز عبيد الله بن زياد والده في قمع الخوارج بفرضه العقوبات على الجميع المعلن والمسر على حدّ السواء، وإذا كان القتل هو عقوبته المفضلة فقد كان يعمد أحياناً إلى سجن البعض منهم، كما كان يسمح أحياناً أخرى وتحت تأثير رجال القبائل بإطلاق سراح البعض الآخر مع فرض الإقامة الجبرية عليهم وتكليف من يقوم بعملية المراقبة التي كانت غالباً ما تنتهي بقتلهم لمخالفتهم الأوامر...
ولم يكن ابن زياد ينتظر خروج الحروريَّة عليه بل كان يبحث عنهم مستعملاً كل الوسائل بما في ذلك تشجيع السّكان بالمال لتتبّع تحرّكات أبناء قبائلهم ونقلها إليه أو إلى أعوانه، وقد أدّت هذه الطريقة إلى ألقاء القبض على العديد ممّن يحمل هذا الفكر أو يتعاطف معه أو يُشتبه فيه ذلك، ولكنها فسحت في الوقت نفسه المجال أمام الوشاية وتلفيق التّهم بالباطل ، فأججت بذلك الحزازات القبلية القديمة، وخلقت خلافات جديدة بين القبائل
-------------------------------------------------------------------
السمات العامة لحركات الخوارج في خلافة معاوية رضي الله
▪︎ ـ اتسمت بالعشوائية والارتجال وقلة التنظيم .
وكانت أشبه ما تكون بعمليات انتحار جماعي، لأنهم يخرجون بفئات قليلة لا تلبث أن تستأصل.
▪︎ـ افتقارهم إلى قيادة واعية ومحنكة تستطيع استثمار شجاعتهم وفروسيتهم لتحقيق أهدافهم .
▪︎ ـ تكرارهم لأخطاء بعضهم وعدم استفادة كل حركة من تجربة سابقتها.
▪︎ ـ استبعادهم لأسلوب الحوار والمناظرة في عودتهم، ومحاولة فرض فكرهم على المجتمع المسلم بالقوة.
س ـ اختلاط الدوافع الدينية التي دعتهم للخروج ـ بزعمهم ـ مع دوافع العصبية الجاهلية في حركاتهم، والمتمثلة بخروج بعضهم ثأراً لمن قتل من أصحابهم.
▪︎ ـ شعورهم بالغربة داخل المجتمع المسلم، ونفورهم منه، واقتناعهم أن قتال أهل القبلة أولى من جهاد الكفار.
▪︎ ـ عدم بحثهم عن أرض جديدة لنشر دعوتهم، واقتصارهم على بعض مدن العراق، وخاصة الكوفة والبصرة.
▪︎ ـ كان سلوكهم طريقة منكرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي طريقة الاستعراض، ومرد ذلك إلى الجهل بالدين وقلة العلم، لأن كثرة العبادة ليست دليلاً على فقه الرجل، وإلا لكان الخوارج أفقه أهل زمانهم ، ولكنهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه، بمروق من الدين كما يمرق السهم من الرمية
و ـ وافتقارهم لطول النفس والصبر في مشروعهم التغييري.
--------------------------------------------------------------------
* أرقام الإشارات لاحقا ان شاء الله
العالم الإسلامي في العصر الأموي صـ454 .
النظريات السياسية الإسلامية ، محمد ضياء صـ57 .
الدولة الأموية في المشرق ، محمد النجار صـ87 .
مقالات الإسلاميين (1/156 ، 89) .
الدولة الأموية في المشرق صـ87 .
مقالات الإسلاميين (1/159 ، 189) .
النظريات السياسية الإسلامية صـ57 .
العالم الإسلامي في العصر الأموي صـ455 .
أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي صـ633 .
العالم الإسلامي في العصر الأموي صـ458 .
المصدر نفسه صـ458 ، تاريخ خليفة صـ203 ـ 204 .
شهرزور : كورة واسعة تقع بين إربل وهمذان ، أهلها أكراد ، وهي في العراق اليوم : معجم أماكن الفتوح صـ741 .
تاريخ الطبري (6/81) .
الحرورية : هم الخوارج ، وحروراء قرية بظاهر الكوفة نزل فيها الخوارج الذين خالفوا عليا رضي الله عنه ، فنسبوا إليها معجم البلدان (2/245) .
تاريخ الطبري : (6/81) .
كان ممن اعتزل قتل علي يوم النهروان أنساب الأشراف (4/164) .
تاريخ (4/164) .
مرويات خلافة معاوية صـ182 نقلاً عن تاريخ الطبري .
أي الخوارج .
النيف : من واحد إلى ثلاثة ، القاموس المحيط صـ111 .
سمو بذلك لأنهم قتلوا في النخيلة ، معجم البلدان (2/185)
تاريخ الطبري (6/87 إلى 92) .
مرويات خلافة معاوية في تاريخ الطبري صـ189 .
المصدر نفسه صـ190 .
القذال : مؤخرة الرأس : القاموس المحيط 774 .
تاريخ الطبري (6/88) .
تاريخ الطبري (6/89) .
المصدر نفسه (6/89) .
تاريخ الطبري نقلاً عن مرويات خلافات معاوية في تاريخ الطبري صـ192 (تاريخ الطبري (6/105) .
تاريخ الطبري (6/106) .
تاريخ الطبري (6/326) .
البداية والنهاية (11/313) .
الكامل (2/454) .
عمرو الباهلي والد قتيبة الفاتح الكبير .
الكامل (2/477) .
سمرة بن جندب الفراري صحابي مات بالبصرة سنة 58هـ الاستيعاب (2/653) .
الكامل في التاريخ (2/482) .
تاريخ الطبري (6/230) .
الكامل في التاريخ (2/517) .
أنساب الأشراف (4/387 ، 388) تاريخ الطبري (6/230) .
مرويات خلافة معاوية صـ204 .
الكامل في اللغة (3/1098) نقلاً عن مرويات خلافة معاوية في تاريخ الطبري صـ205 .
أي زوج مرضعته ، لسان العرب (4/515) .
تاريخ الطبري (6/231) .
أنساب الأشراف (4/181) .
الكامل في التاريخ (2/518) .
الخوارج في العصر الأموي ، نايف معروف صـ130 .
حركة الخوارج ، لطيفة البكّاي صـ60 .
المصدر نفسه ص 60.
المصدر نفسه ص66.
المصدر نفسه صـ 65 .
حركة الخوارج : لطيفة البكّاي صـ65 .
المصدر نفسه صـ66 .
المصدر نفسه صـ66 .
صدر الإسلام والدولة الأموية ، محمد عبد الحي شعبان صـ99 ، الخوارج ، لطيفة البكّائي صـ70 .
حركة الخوارج لطيفة البكَّائي صـ71 .
حركة الخوارج صـ71 ، لكيفة البكائي .
المصدر نفسه صـ74 .
المصدر نفسه صـ74 .
مرويات خلافة معاوية في تاريخ الطبري صـ210 .
البخاري مع الفتح (12/203) .
☆ الدولة الأموية د.علي الصلابي ج1
--------------------------------------------------------------------
#الدولة_الأموية_جواهر [27]