ما الذي تعرفه عن أبي الاقتصاد آدم سميث ؟
آدم سميث هو فيلسوف من القرن الثامن عشر يُعرف بلقب (أبو علم الاقتصاد الحديث)، وهو المؤيد الرئيسي لنظرية سياسة عدم التدخل في الاقتصاد. اقترح في كتابه الأول “نظرية المشاعر الأخلاقية” فكرة اليد الخفية التي تنص على ميل الأسواق إلى تنظيم أنفسها ذاتيًا عن طريق التنافس والعرض والطلب والمصلحة الشخصية. عُرف سميث أيضًا بنظرية فروق الأجور التعويضية التي تنص على أن الوظائف الخطرة أو غير المحبذة تعرض أجورًا أعلى من أجل جذب اليد العاملة إليها. الكتاب الأشهر بين كتبه هو “بحث في طبيعة ثروة الأمم وأسبابها” الصادر عام 1776.
يبدأ التاريخ المسجل من حياة آدم سميث مع تعميده في اسكوتلندا في الخامس من تموز 1723، إذ إن تاريخ مولده بالضبط غير موثق. التحق سميث بجامعة غلاسكو بعمر الرابعة عشر ثم درس بعدها في كلية باليول العريقة في جامعة أوكسفورد. وبعد إكمال تعليمه في أوكسفورد، شرع سميث في إلقاء سلسلة من المحاضرات العامة في إدنبرة Edinburgh.
منحه نجاح محاضراته خطوةً للأمام لنيل الأستاذية في جامعته الأم. إذ بدأ بتدريس المنطق ثم تحول لتدريس فلسفة الأخلاق في الجامعة. جُمعت بعض المحاضرات التي ألقاها في تلك الفترة في كتاب نُشر عام 1759 بعنوان “نظرية المشاعر الأخلاقية”.
وضع سميث خلال هذه السنة أسس أعماله، التي نتجت عن علاقاته مع شخصيات مشهورة ومن ميادين مختلفة. على سبيل المثال، كان حينها صديقًا للمخترع جيمس واط (مخترع المحرك الكهربائي) والفيلسوف ديفيد هيوم.
انتقل سميث إلى فرنسا عام 1763 بعد أن عُرضت عليه وظيفة بمرتب أفضل وهي العمل بصفة مدرس خصوصي لربيب تشارلز تاوسند، الذي كان من هواة علم الاقتصاد والمستشار المستقبلي حينها لخزانة الدولة. وكتب خلال إقامته في فرنسا الكتاب الذي خلد اسمه في التاريخ “بحث في ثروة الأمم وأسبابها”.
نظرية المشاعر الأخلاقية
على الرغم من أن سميث نال شهرته بفضل كتابه الصادر عام 1776 “ثروة الأمم”، فإن الأفكار التي قدمها في أُطروحته الرئيسة الأولى “نظرية المشاعر الأخلاقية” ما زالت تُدرس حتى يومنا هذا. قد يبدو مفاجئًا للبعض أن آدم سميث المعروف أيضًا باسم (أبو الرأسمالية) توسع في كتابه هذا بمناقشة الجانب الخيري والأخلاق الإنسانية.
ناقشت نظرية المشاعر الأخلاقية اعتماد التواصل الإنساني على التعاطف، مع أن الجزء الأكبر من فلسفة سميث مبني على أساس المصلحة الشخصية للأفراد وتعظيم العائدات. ناقش سميث في هذا الكتاب أفكارًا، مثل الأخلاق والتعاطف الإنساني، على نحوٍ موسع، وبرهن أن الناس يهتمون بمصالحهم الشخصية ولكنهم يميلون بطبيعتهم إلى مساعدة الآخرين.
وقدم في كتابه هذا مفهومَي الإنسان الداخلي والمتفرج المحايد اللذين يوجهان سلوك الإنسان. يساعد هذان المفهومان على التوفيق بين العاطفة والعقل، ما يمثل أساس الأنظمة الاقتصادية ويضع أساسًا لخلق المؤسسات ضمن المجتمع الإنساني.
يتضمن الكتاب أيضًا عناصر علم النفس الاجتماعي بالإضافة إلى غريزة حماية الذات عند الإنسان. ويُعبر عن مفهوم الإنسان الداخلي من خلال الأخلاق المشتركة والإحساس بالعدالة. يبرهن سميث أن المبالغة في إظهار العاطفة مؤذٍ للاثنين وبذلك تميل غريزة الإنسان إلى كبح عواطفه لمستوى مقبول اجتماعيًا.
أما المتفرج المحايد فهو موجود في عقلنا عند تفاعلنا مع الآخرين. نحن ننجذب بطبيعتنا للعدالة بصفتنا بشرًا لأنها تدعم حفظ ونماء المجتمع. رغم أن هذه الأفكار تبدو متناقضة مع رؤيته الاقتصادية التي تشير إلى أن حرص الأفراد على تحسين أوضاعهم دون إعارة أي اهتمام للمصلحة العامة، فإن تقديمه لمبدأ اليد الخفية التي تساعد الجميع عن طريق عمل الأفراد لمصلحتهم الشخصية يبرر هذا التناقض.
ثروة الأمم
صدر كتاب آدم سميث “بحث في ثروة الأمم وأسبابها” -يسمى اختصارًا “ثروة الأمم”- مع فجر الثورة الصناعية في أوروبا، عام 1776. يرى النقّاد أن سميث لم يبتكر العديد من الأفكار التي كتب عنها في كتابه، ولكنه كان أول من جمعها ونشرها بشكل مبسط لتسهيل فهمها للقراء المعاصرين من متوسطي الثقافة.
لذلك يعود له الفضل في رفع شعبية العديد من هذه الأفكار الداعمة للمدرسة الفكرية التي أصبحت تُعرف فيما بعد باسم مدرسة الاقتصاد الكلاسيكي.
اعتمد علماء اقتصاد آخرون على أعمال سميث لترسيخ النظرية الاقتصادية الكلاسيكية التي أصبحت فيما بعد المدرسة المهيمنة للفكر الاقتصادي إبان فترة الكساد العظيم.
ناقش سميث في هذا الكتاب مراحل تطور المجتمعات بدءًا من مرحلة الصيد التي لم يعرف فيها البشر حقوق التملك أو السكن الدائم، مرورًا بمرحلة الزراعة المتنقلة التي لا يستقر فيها البشر في سكن معين، وتليها مرحلة الإقطاع التي أُسست فيها القوانين وحقوق الملكية لحماية الطبقات الثرية. تمثل السوق الحرة أو ما يعرف بمبدأ (دعه يمر، دعه يعمل) المجتمع الحديث الذي تظهر فيه مؤسسات جديدة لتنفيذ العمليات التجارية في السوق.
تُعد بعض الأفكار الفلسفية الأساسية لمفهوم السوق الحرة (مثل تحجيم دور التدخل الحكومي والضريبة في الأسواق الحرة واليد الخفية التي تقود العرض والطلب) من بين الأفكار الرئيسة التي روجت لها كتابات سميث.
تتلخص هذه الأفكار في أن الأفراد باهتمامهم بمصالحهم الذاتية يساعدون على خلق أفضل النتائج للجميع دون قصد منهم. يقول سميث: «إن ما ينتجه لنا القصاب أو صانع النبيذ أو الخباز لنتناوله على العشاء ليس لطفًا منهم وإنما هم يعملون ذلك من أجل مصلحتهم الشخصية».
يأمل القصاب وصانع النبيذ والخباز تحقيق الأرباح عن طريق بيع المنتجات التي يرغب الناس بشرائها. فإذا كانوا ناجحين في تلبية احتياجات زبائنهم، فسيتمتعون بمكافأتهم المالية لقاء ذلك. وبينما هم ينهمكون في أعمالهم التجارية بهدف كسب المال، هم أيضًا يجهزون الناس بالسلع التي يريدونها.
أشار سميث إلى أن نظام كهذا لا يخلق الثروة فقط للقصاب وصانع النبيذ والخباز، بل للأمة بكاملها عندما يعمل مواطنو هذه الأمة بإنتاجية جيدة لتحسين أوضاعهم وتلبية حاجاتهم المالية.
وعلى نحو مشابه، لاحظ سميث أن الفرد سيرغب باستثمار ثروته في العمل التجاري الذي سيعود عليه بأعلى عائد في مستوى معين من الخطر. تُدرس نظرية اليد الخفية في وقتنا الحاضر بصفتها ظاهرةً طبيعية توجه الأسواق الحرة والرأسمالية نحو الكفاءة، عن طريق العرض والطلب والتنافس على الموارد المحدودة، بدلاً من كونها شيئًا ما يتسبب في تحسين أوضاع الأفراد.
إن ثروة الأمم مؤلف ضخم يتألف من مجلدين ينقسمان إلى خمسة كتب. وهو يختلف عن كتاب نظرية المشاعر الأخلاقية في جانب رئيسي، فبالإضافة إلى الإنسان الداخلي الذي يُفترض أنه يهيمن على عاطفة الإنسان وينظمها، يشير سميث في هذا الكتاب إلى سياق عمل مؤسساتي يوجه الأفراد نحو مساعٍ إنتاجية تعود بالنفع على المجتمع، وأساس هذا السياق هو التنافس الذي عرّفه سميث على أنه: «الرغبة التي تأتي معنا من المهد ولا تتركنا حتى اللحد». يتألف سياق العمل من مؤسسات مثل نظام قضائي يتسم بالعدالة لحماية التنافس الحر والعادل.
جذبت الأفكار الواردة في هذا الكتاب اهتمامًا عالميًا وساعدت على تشجيع الانتقال من تكوين الثروة عن طريق امتلاك الأراضي إلى تكوينها عن طريق خطوط الإنتاج التجميعية التي يقودها تقسيم اليد العاملة.
ومن بين الأمثلة التي استشهد بها سميث مثال العمل المتطلب لإنتاج دبوس صغير. يمكن لشخص واحد القيام بالخطوات الثمانية عشر لإنجاز المهام المتطلبة لإنتاج مجموعة صغيرة من الدبابيس أسبوعيًا، ولكن لو أُنجزت المهام الثمانية عشر عن طريق خط إنتاج متكون من عشرة أشخاص فسوف يقفز الإنتاج ليصبح الآلاف من الدبابيس أسبوعيًا.
للاختصار، يبرهن سميث أن تقسيم العمل والتخصص يؤديان إلى ازدهار الإنتاج. إذ يذكر سميث في كتاب ثروة الأمم: «إن الرخاء والترف الذي تنعم به كل طبقات المجتمع ناجم عن مضاعفة الإنتاج في الحرف كافة نتيجةً لتقسيم العمل في المجتمعات المحوكمة جيدًا».
آدم سميث مبتكر مفهوم الناتج المحلي الإجمالي
غيرت الأفكار التي قدمها آدم سميث آلية عمل الاستيراد والتصدير، وشكلت ما يعرف اليوم باسم الناتج المحلي الإجمالي، وناقشت مفهوم التبادل الحر.
قبل نشر كتاب ثروة الأمم، كانت البلدان تعلن عن ثروتها بناءً على قيمة مخزوناتها من الذهب والفضة. انتقد سميث الماركنتالية (الاتجارية)، مبرهنًا أن البلدان ينبغي أن تُقيم على أساس مستويات الإنتاج والتبادل التجاري بدلاً من مخزونات الذهب والفضة.
ووضع هذا الرأي الأساس لقياس ازدهار الأمم بناءً على مقياس يسمى الناتج المحلي الإجمالي. قبل صدور كتاب ثروة الأمم، كانت البلدان تتردد في التبادل التجاري مع البلدان الأخرى ما لم يعد هذا التبادل عليها بالمنفعة.
لكن سميث نادى بالتبادل الحر وبرهن أن كلا الطرفين سينتفعان من هذا النوع من التبادل وهذا ما قاد إلى تزايد الاستيراد والتصدير، وأصبحت البلدان تقيس قيمتها بناءً على ذلك. ناقش سميث كذلك تحجيم دور الحكومة ونادى بعدم تدخل الحكومة في الأنشطة التجارية وإيجاد التشريعات الداعمة للسوق المفتوح والحر. ولكنه رأى في الوقت نفسه أن الحكومة يجب أن تتحمل مسؤولية بعض القطاعات مثل التربية والدفاع.
الخلاصة
أصبحت أفكار سميث أساسًا للمدرسة الكلاسيكية للاقتصاد ومنحته مكانةً في التاريخ بوصفه أبا الاقتصاد. إذ إن المفاهيم التي ابتكرها سميث مثل اليد الخفية وتقسيم العمل تمثل أساس النظريات الاقتصادية المعاصرة.
توفي سميث في 19 تموز عام 1790 بعمر 67 سنة، لكن أفكاره التي روج لها ما زالت حيةً في المراكز البحثية الاقتصادية المعاصرة مثل معهد آدم سميث. وفي عام 2007 قرر بنك انجلترا وضع صورته على عملة 20 جنيه استرليني.
آدم سميث هو فيلسوف من القرن الثامن عشر يُعرف بلقب (أبو علم الاقتصاد الحديث)، وهو المؤيد الرئيسي لنظرية سياسة عدم التدخل في الاقتصاد. اقترح في كتابه الأول “نظرية المشاعر الأخلاقية” فكرة اليد الخفية التي تنص على ميل الأسواق إلى تنظيم أنفسها ذاتيًا عن طريق التنافس والعرض والطلب والمصلحة الشخصية. عُرف سميث أيضًا بنظرية فروق الأجور التعويضية التي تنص على أن الوظائف الخطرة أو غير المحبذة تعرض أجورًا أعلى من أجل جذب اليد العاملة إليها. الكتاب الأشهر بين كتبه هو “بحث في طبيعة ثروة الأمم وأسبابها” الصادر عام 1776.
يبدأ التاريخ المسجل من حياة آدم سميث مع تعميده في اسكوتلندا في الخامس من تموز 1723، إذ إن تاريخ مولده بالضبط غير موثق. التحق سميث بجامعة غلاسكو بعمر الرابعة عشر ثم درس بعدها في كلية باليول العريقة في جامعة أوكسفورد. وبعد إكمال تعليمه في أوكسفورد، شرع سميث في إلقاء سلسلة من المحاضرات العامة في إدنبرة Edinburgh.
منحه نجاح محاضراته خطوةً للأمام لنيل الأستاذية في جامعته الأم. إذ بدأ بتدريس المنطق ثم تحول لتدريس فلسفة الأخلاق في الجامعة. جُمعت بعض المحاضرات التي ألقاها في تلك الفترة في كتاب نُشر عام 1759 بعنوان “نظرية المشاعر الأخلاقية”.
وضع سميث خلال هذه السنة أسس أعماله، التي نتجت عن علاقاته مع شخصيات مشهورة ومن ميادين مختلفة. على سبيل المثال، كان حينها صديقًا للمخترع جيمس واط (مخترع المحرك الكهربائي) والفيلسوف ديفيد هيوم.
انتقل سميث إلى فرنسا عام 1763 بعد أن عُرضت عليه وظيفة بمرتب أفضل وهي العمل بصفة مدرس خصوصي لربيب تشارلز تاوسند، الذي كان من هواة علم الاقتصاد والمستشار المستقبلي حينها لخزانة الدولة. وكتب خلال إقامته في فرنسا الكتاب الذي خلد اسمه في التاريخ “بحث في ثروة الأمم وأسبابها”.
نظرية المشاعر الأخلاقية
على الرغم من أن سميث نال شهرته بفضل كتابه الصادر عام 1776 “ثروة الأمم”، فإن الأفكار التي قدمها في أُطروحته الرئيسة الأولى “نظرية المشاعر الأخلاقية” ما زالت تُدرس حتى يومنا هذا. قد يبدو مفاجئًا للبعض أن آدم سميث المعروف أيضًا باسم (أبو الرأسمالية) توسع في كتابه هذا بمناقشة الجانب الخيري والأخلاق الإنسانية.
ناقشت نظرية المشاعر الأخلاقية اعتماد التواصل الإنساني على التعاطف، مع أن الجزء الأكبر من فلسفة سميث مبني على أساس المصلحة الشخصية للأفراد وتعظيم العائدات. ناقش سميث في هذا الكتاب أفكارًا، مثل الأخلاق والتعاطف الإنساني، على نحوٍ موسع، وبرهن أن الناس يهتمون بمصالحهم الشخصية ولكنهم يميلون بطبيعتهم إلى مساعدة الآخرين.
وقدم في كتابه هذا مفهومَي الإنسان الداخلي والمتفرج المحايد اللذين يوجهان سلوك الإنسان. يساعد هذان المفهومان على التوفيق بين العاطفة والعقل، ما يمثل أساس الأنظمة الاقتصادية ويضع أساسًا لخلق المؤسسات ضمن المجتمع الإنساني.
يتضمن الكتاب أيضًا عناصر علم النفس الاجتماعي بالإضافة إلى غريزة حماية الذات عند الإنسان. ويُعبر عن مفهوم الإنسان الداخلي من خلال الأخلاق المشتركة والإحساس بالعدالة. يبرهن سميث أن المبالغة في إظهار العاطفة مؤذٍ للاثنين وبذلك تميل غريزة الإنسان إلى كبح عواطفه لمستوى مقبول اجتماعيًا.
أما المتفرج المحايد فهو موجود في عقلنا عند تفاعلنا مع الآخرين. نحن ننجذب بطبيعتنا للعدالة بصفتنا بشرًا لأنها تدعم حفظ ونماء المجتمع. رغم أن هذه الأفكار تبدو متناقضة مع رؤيته الاقتصادية التي تشير إلى أن حرص الأفراد على تحسين أوضاعهم دون إعارة أي اهتمام للمصلحة العامة، فإن تقديمه لمبدأ اليد الخفية التي تساعد الجميع عن طريق عمل الأفراد لمصلحتهم الشخصية يبرر هذا التناقض.
ثروة الأمم
صدر كتاب آدم سميث “بحث في ثروة الأمم وأسبابها” -يسمى اختصارًا “ثروة الأمم”- مع فجر الثورة الصناعية في أوروبا، عام 1776. يرى النقّاد أن سميث لم يبتكر العديد من الأفكار التي كتب عنها في كتابه، ولكنه كان أول من جمعها ونشرها بشكل مبسط لتسهيل فهمها للقراء المعاصرين من متوسطي الثقافة.
لذلك يعود له الفضل في رفع شعبية العديد من هذه الأفكار الداعمة للمدرسة الفكرية التي أصبحت تُعرف فيما بعد باسم مدرسة الاقتصاد الكلاسيكي.
اعتمد علماء اقتصاد آخرون على أعمال سميث لترسيخ النظرية الاقتصادية الكلاسيكية التي أصبحت فيما بعد المدرسة المهيمنة للفكر الاقتصادي إبان فترة الكساد العظيم.
ناقش سميث في هذا الكتاب مراحل تطور المجتمعات بدءًا من مرحلة الصيد التي لم يعرف فيها البشر حقوق التملك أو السكن الدائم، مرورًا بمرحلة الزراعة المتنقلة التي لا يستقر فيها البشر في سكن معين، وتليها مرحلة الإقطاع التي أُسست فيها القوانين وحقوق الملكية لحماية الطبقات الثرية. تمثل السوق الحرة أو ما يعرف بمبدأ (دعه يمر، دعه يعمل) المجتمع الحديث الذي تظهر فيه مؤسسات جديدة لتنفيذ العمليات التجارية في السوق.
تُعد بعض الأفكار الفلسفية الأساسية لمفهوم السوق الحرة (مثل تحجيم دور التدخل الحكومي والضريبة في الأسواق الحرة واليد الخفية التي تقود العرض والطلب) من بين الأفكار الرئيسة التي روجت لها كتابات سميث.
تتلخص هذه الأفكار في أن الأفراد باهتمامهم بمصالحهم الذاتية يساعدون على خلق أفضل النتائج للجميع دون قصد منهم. يقول سميث: «إن ما ينتجه لنا القصاب أو صانع النبيذ أو الخباز لنتناوله على العشاء ليس لطفًا منهم وإنما هم يعملون ذلك من أجل مصلحتهم الشخصية».
يأمل القصاب وصانع النبيذ والخباز تحقيق الأرباح عن طريق بيع المنتجات التي يرغب الناس بشرائها. فإذا كانوا ناجحين في تلبية احتياجات زبائنهم، فسيتمتعون بمكافأتهم المالية لقاء ذلك. وبينما هم ينهمكون في أعمالهم التجارية بهدف كسب المال، هم أيضًا يجهزون الناس بالسلع التي يريدونها.
أشار سميث إلى أن نظام كهذا لا يخلق الثروة فقط للقصاب وصانع النبيذ والخباز، بل للأمة بكاملها عندما يعمل مواطنو هذه الأمة بإنتاجية جيدة لتحسين أوضاعهم وتلبية حاجاتهم المالية.
وعلى نحو مشابه، لاحظ سميث أن الفرد سيرغب باستثمار ثروته في العمل التجاري الذي سيعود عليه بأعلى عائد في مستوى معين من الخطر. تُدرس نظرية اليد الخفية في وقتنا الحاضر بصفتها ظاهرةً طبيعية توجه الأسواق الحرة والرأسمالية نحو الكفاءة، عن طريق العرض والطلب والتنافس على الموارد المحدودة، بدلاً من كونها شيئًا ما يتسبب في تحسين أوضاع الأفراد.
إن ثروة الأمم مؤلف ضخم يتألف من مجلدين ينقسمان إلى خمسة كتب. وهو يختلف عن كتاب نظرية المشاعر الأخلاقية في جانب رئيسي، فبالإضافة إلى الإنسان الداخلي الذي يُفترض أنه يهيمن على عاطفة الإنسان وينظمها، يشير سميث في هذا الكتاب إلى سياق عمل مؤسساتي يوجه الأفراد نحو مساعٍ إنتاجية تعود بالنفع على المجتمع، وأساس هذا السياق هو التنافس الذي عرّفه سميث على أنه: «الرغبة التي تأتي معنا من المهد ولا تتركنا حتى اللحد». يتألف سياق العمل من مؤسسات مثل نظام قضائي يتسم بالعدالة لحماية التنافس الحر والعادل.
جذبت الأفكار الواردة في هذا الكتاب اهتمامًا عالميًا وساعدت على تشجيع الانتقال من تكوين الثروة عن طريق امتلاك الأراضي إلى تكوينها عن طريق خطوط الإنتاج التجميعية التي يقودها تقسيم اليد العاملة.
ومن بين الأمثلة التي استشهد بها سميث مثال العمل المتطلب لإنتاج دبوس صغير. يمكن لشخص واحد القيام بالخطوات الثمانية عشر لإنجاز المهام المتطلبة لإنتاج مجموعة صغيرة من الدبابيس أسبوعيًا، ولكن لو أُنجزت المهام الثمانية عشر عن طريق خط إنتاج متكون من عشرة أشخاص فسوف يقفز الإنتاج ليصبح الآلاف من الدبابيس أسبوعيًا.
للاختصار، يبرهن سميث أن تقسيم العمل والتخصص يؤديان إلى ازدهار الإنتاج. إذ يذكر سميث في كتاب ثروة الأمم: «إن الرخاء والترف الذي تنعم به كل طبقات المجتمع ناجم عن مضاعفة الإنتاج في الحرف كافة نتيجةً لتقسيم العمل في المجتمعات المحوكمة جيدًا».
آدم سميث مبتكر مفهوم الناتج المحلي الإجمالي
غيرت الأفكار التي قدمها آدم سميث آلية عمل الاستيراد والتصدير، وشكلت ما يعرف اليوم باسم الناتج المحلي الإجمالي، وناقشت مفهوم التبادل الحر.
قبل نشر كتاب ثروة الأمم، كانت البلدان تعلن عن ثروتها بناءً على قيمة مخزوناتها من الذهب والفضة. انتقد سميث الماركنتالية (الاتجارية)، مبرهنًا أن البلدان ينبغي أن تُقيم على أساس مستويات الإنتاج والتبادل التجاري بدلاً من مخزونات الذهب والفضة.
ووضع هذا الرأي الأساس لقياس ازدهار الأمم بناءً على مقياس يسمى الناتج المحلي الإجمالي. قبل صدور كتاب ثروة الأمم، كانت البلدان تتردد في التبادل التجاري مع البلدان الأخرى ما لم يعد هذا التبادل عليها بالمنفعة.
لكن سميث نادى بالتبادل الحر وبرهن أن كلا الطرفين سينتفعان من هذا النوع من التبادل وهذا ما قاد إلى تزايد الاستيراد والتصدير، وأصبحت البلدان تقيس قيمتها بناءً على ذلك. ناقش سميث كذلك تحجيم دور الحكومة ونادى بعدم تدخل الحكومة في الأنشطة التجارية وإيجاد التشريعات الداعمة للسوق المفتوح والحر. ولكنه رأى في الوقت نفسه أن الحكومة يجب أن تتحمل مسؤولية بعض القطاعات مثل التربية والدفاع.
الخلاصة
أصبحت أفكار سميث أساسًا للمدرسة الكلاسيكية للاقتصاد ومنحته مكانةً في التاريخ بوصفه أبا الاقتصاد. إذ إن المفاهيم التي ابتكرها سميث مثل اليد الخفية وتقسيم العمل تمثل أساس النظريات الاقتصادية المعاصرة.
توفي سميث في 19 تموز عام 1790 بعمر 67 سنة، لكن أفكاره التي روج لها ما زالت حيةً في المراكز البحثية الاقتصادية المعاصرة مثل معهد آدم سميث. وفي عام 2007 قرر بنك انجلترا وضع صورته على عملة 20 جنيه استرليني.