افغانستان (تاريخ) Afghanistan

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • افغانستان (تاريخ) Afghanistan

    أفغانستان (التاريخ)

    افغانستان (تاريخ)

    Afghanistan - Afghanistan


    أفغانستان تاريخياً

    لم يكن للبلاد التي تحمل اليوم اسم أفغانستان وحدة سياسية أو هوية قومية قبل تأسيس حكم الأفغان في أواسط القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي وكانت الأقسام المتعددة في تلك البلاد تسمى بأسماء مختلفة.
    تحددت حدود أفغانستان الحالية في القرن التاسع عشر 1885م نتيجة للاتفاقية التي عقدت بين بريطانية وروسية القيصرية رغبة في تخفيف حدة الأخطار الناجمة عن تنافس هاتين القوتين. وأصبحت أفغانستان دولة حاجزة، وأدى هذا إلى إيجاد ممر وخّان Wakhãn. وقد كان لموقعها تأثير فعّال في تاريخها.
    يرد أول ذكر لكلمة أفغان عند الفلكي الهندي فاراهميهرا Varãhamihira في القرن السادس الميلادي، وتعني كلمة أفغان بالمعنى الضيق القبائل التي تتحدث بلغة الباشتو Pashto أو Pushto الذين كانوا يقطنون جبال سليمان في شمال غربي باكستان على حدودها مع أفغانستان.
    البدايات التاريخية حتى الفتح الإسلامي
    كانت أفغانستان معبراً للغزاة وبناة الامبراطوريات، سيطر عليها الأخمينيون في القرن السادس ق.م ووطد داريوس الأول الكبير (522- 486ق.م) سلطته على مناطق آرية Aria (هراة) وباكترية Bactria (بلخ) وساتاغدية Sattagydia (غزنة حتى السند) وأراكوسية Arachosia (قندهار) ودرنغيانا Drangiana (سجستان)، وتمكن الاسكندر المقدوني مابين 336 و330ق.م من أن يقضي على الأخمينيين وأن يسيطر على المناطق التي كانت تابعة لهم. وبعد موت الاسكندر (323ق.م) دخلت المنطقة ضمن نفوذ السلوقيين، وفي سنة 322ق.م سيطر شاندرا غوبتا موريا Chandragupta Maurya، الذي أسس السلالة المورية في الهند، على شمال الهند، وبعد أن هزم سلوقس 305ق.م سيطر على ولايات أفغانستان الشرقية، وفي سنة 250 ق.م استقل حاكم باكترية اليوناني ديودوتس Diodotus عن السلوقيين وأسس مملكة مستقلة، امتدت سنة 180ق.م لتشمل منطقة كابل وشمال غربي الهند، وفي القرن الأول الميلادي ظهرت فئة تعرف باسم الكوشان Kushãn وهي قوة غازية سيطرت على شمال الهند، ووصلت سلطة الكوشان الذروة في عهد كانيسكا Kaniska (78- 144م) إذ امتدت دولته من منطقة ماثورا Mathura إلى كابل، ومن باكترية إلى حدود الصين، إلا أن هذه الدولة لم تعش طويلاً بعد كانيسكا وإن ظل أمراء من الكوشان يحكمون ولايات متعددة. وفي القرن الرابع الميلادي، تعرضت هذه الدولة لتحديات متزايدة من إيران، وفي النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي، تعرضت المنطقة لغزو الهياطلة الذين تحطمت قوتهم عندما تحالف الأتراك الغربيون القادمون من آسيا الوسطى مع كسرى أنو شروان (565م)، واستمر حكم الأتراك حتى هُزموا أمام الصينيين (658م) في الحقبة نفسها التي بدأ العرب فيها فتوحاتهم في المنطقة.
    السلالات الإسلامية الأولى
    بدأت صلات العرب بمناطق أفغانستان منذ العهد الراشدي، لأنه عندما استولى العرب في عهد الوالي عبد الله بن عامر (29- 36هـ) على منطقة هراة استولوا على ذلك الربع من خراسان المعروف اليوم بأفغانستان، كما وصل الأحنف بن قيس سيد بني تميم إلى بلخ حاضرة طخارستان، وقد ترك العرب للحكام المحليين في هراة وبلخ وكابل أمر الإدارة المدنية مع الاعتراف بسلطان العرب. ولم تختف السلالات غير الإسلامية من كابل إلا في القرنين الثالث والرابع الهجريين (التاسع والعاشر الميلاديين). وشهد هذان القرنان ضعف سلطة الخلافة العباسية في هذه المناطق النائية من جهة وظهور عدد من السلالات الإسلامية المحلية التركية والإيرانية من جهة أخرى، كان أقدمها الطاهرية[ر] (205- 259هـ/ 821- 873م) التي كانت تسيطر على بلخ وهراة من مركز حكمها في خراسان، ثم تلتها السلالة الصفارية[ر] (254- 289هـ/ 868- 902م)، فقد قام يعقوب بن الليث الصفار بسلسلة من الحملات السريعة على أفغانستان، أما في الشمال، فإن الأمراء المحليين أصبحوا موالين للسامانيين (261- 389هـ/ 874- 999م) الذين ازدهرت في عهدهم بخارى وسمرقند وبلخ.
    وفي منتصف القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) استولى ألبتكين التركي على غزنة من حاكمها وأسس لنفسه إمارة، ثم خلفه على حكمها سبكتكين الذي مد سلطانه إلى كابل والسند، وفي سنة 388هـ/ 998م وصل محمود الغزنوي بن سبكتكين إلى الحكم، فنجح في مد سلطانه على كل أفغانستان الحالية، كما سيطر على البنجاب، والمُلتان، ووصلت حملاته إلى قلب الهند، وأصبحت غزنة مدينة مزدهرة، كما ازدهرت العاصمة الثانية بُست المجاورة للشكرغاه Lashkar Gâh الحالية.
    لم يكن محمود الغزنوي قائداً كبيراً ورجل سياسة فحسب، وإنما كان كذلك راعياً وحامياً للعلوم والفنون والصناعات النفيسة، وضم بلاط غزنة شعراء وأدباء كباراً كالعُنصري والعَسْجَدي والفِردوسي والبُستي والعُتبي صاحب كتاب «اليميني»، وازدانت غزنة في ذلك القرن بالقصور والمساجد والمباني الراقية وجداول المياه مما لايضاهيها فيه بلد آخر.
    لم يكن أحد من خلفاء محمود يتمتع بمثل قوته واقتداره، فبدأت الدولة في عهدهم بالتداعي، وهاجم علاء الدين حسين الغوري (547هـ/ 1152م) غزنة ونهبها وأخرج الغزنويين منها إلى الهند، ونجح محمد الغوري ابن أخي علاء الدين (571هـ/ 1175م) في غزو الهند، وبعد وفاته سنة 603هـ أصبح قائده قطب الدين أيبك أول سلطان من سلاطين دهلي (دلهي اليوم).
    بعد وفاة محمد الغوري انهارت امبراطورية الغوريين، واحتل السلطان علاء الدين محمد خوارزم شاه[ر] أفغانستان، وامتد سلطانه من الصين وتركستان في الشرق إلى حدود العراق في الغرب، وتوجه سنة 616هـ/ 1219م بجيشه نحو بغداد، ولكنه اضطر للعودة حينما بلغه أن جحافل المغول بقيادة جنكيزخان قد هاجمت الأجزاء الشرقية من امبراطوريته، وأن المغول استولوا على بعض المدن المهمة في منطقة ما وراء النهر، ناشرين الموت والدمار. وعلى الرغم من أن جيشه كان يتألف من أعداد كبيرة جداً من الفرسان فإنه عجز عن الوقوف أمام جحافل المغول، وتراجع إلى جزيرة منعزلة في بحر قزوين حيث توفي سنة 617هـ/ 1220م. وقد حاول ابنه جلال الدين مُنكَبِرتي أن يقود حرب تحرير ضد جنكيزخان، واتخذ غزنة مركزاً قيادياً، وحشد سكان الجبال الأفغانيين. واستطاع أن يحقق انتصاراً باهراً في معركة بَرَا ونداره Para Wandarah قرب كابل، فعاد جنكيزخان من هراة لينتقم لهذه الهزيمة، وضرب الحصار على باميان التي كانت لها أهميتها الاستراتيجية العظيمة في الهندوكوش، وعندما استولى على قلعتها أمر أن يُقتل الجميع وهُدمت المدينة، ثم توجه إلى غزنة وانتصر على جلال الدين الذي تراجع نحو الهند (618هـ/ 1221م)، وعاد جنكيزخان إلى أفغانستان ليعاقب الأفغانيين على مقاومتهم، وحوّل المنطقة كلها مابين هراة إلى بلخ وقندهار وغزنة إلى قفار.
    بعد وفاة جنكيزخان (625هـ/ 1227م) تداعت امبراطوريته، ونجح بعض الزعماء الأفغان المحليين في تأسيس إمارات مستقلة، كما اعترف بعضهم الآخر بسيادة أمراء من المغول. واستمر هذا الوضع حتى نهاية القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) حينما هاجم تيمورلنك قسماً كبيراً من البلاد وكرر فظائع الغزو المغولي، وإن كان على نطاق أصغر، إلا أن التيموريين خلفاء تيمورلنك كانوا حماة للثقافة والفنون. كما أنهم أغنوا مدينتهم هراة بالمباني الجميلة، وتمتعت أفغانستان في أثناء حكمهم (807- 913هـ/ 1404- 1507م) بالهدوء والازدهار.
    في أوائل القرن العاشر الهجري /السادس عشر الميلادي، قوي أمر الأوزبك وهم من الشعوب التركية في آسيا الوسطى بقيادة محمد خان شيباني الذي دخل هراة مظفراً (913هـ/ 1507م). وكان بابر bãbur مؤسس امبراطورية المغول في الهند مسيطراً على كابل آنذاك، فلما هاجم إسماعيل الصفوي (916هـ/ 1510م) محمد خان الشيباني وحاصره في مرو وقتله، استغل بابُر الفرصة ليوطد سلطانه في آسيا الوسطى، ولكنه هُزم وتراجع إلى كابل التي جعلها مركزاً عسكرياً تنطلق منها حملاته نحو الشرق والجنوب، فاستولى على قندهار (929هـ/ 1522م) ثم وجه اهتمامه نحو الهند، واستطاع بعد سلسلة من الحملات أن يستولي على البنجاب، ثم توجه إلى دهلي (933هـ/ 1526م) وهزم إبراهيم آخر فرد من سلالة ملوك الأفغان في الهند في بانيبات (128 كم) Panipat إلى الشمال من دهلي وأسس امبراطورية المغول، وحينما توفي بابر (937هـ/ 1530م) نقل جثمانه استجابة لطلبه من أغرا Agra إلى كابل حيث دفن في حديقته المفضلة.
    وفي المئتي سنة التالية سيطر المغول على المناطق الواقعة جنوبي هندوكوش، في حين سيطر الصفويون[ر] على هراة وفرح Farah، أما قندهار فبقيت موضع نزاع بين الطرفين.
    تاريخ أفغانستان الحديث
    يبدأ تاريخ أفغانستان الحديث مع ازدياد المقاومة الأفغانية ضد الفرس، ففي سنة 1709م نجح ميرويس خان Mir Veys Khan زعيم قبيلة هوتاكي غلزائي Hotaki Ghilzay في أن يقود ثورة على حاكم قندهار الفارسي حيث قتل كل الفرس الموجودين فيها، وفي سنة 1716م تمكن الأبدال في هراة بقيادة زعيمهم أسد الله خان من تحرير ولايتهم، وفي سنة 1722م قاد محمود بن ميرويس خان الأصغر جيشاً مؤلفاً من 20 ألف مقاتل ضد أصفهان. فلم تستطع حكومة الصفويين المقاومة، واستسلمت بعد حصار دام ستة أشهر، وعمد محمود مباشرة إلى تنظيم الإدارة والاقتصاد، ولكنه توفي سنة 1725م، فخلفه ابن عمه أشرف الذي واجه صعوبات متعددة في إيران، فقد بدأ الروس يزحفون من الشمال، والأتراك العثمانيون من الغرب، ومما زاد الأمور تعقيداً، الصراعات الداخلية بين الزعماء الأفغان، ومع ذلك نجح أشرف في إيقاف التقدم الروسي في دربند سنة 1726م، وأوقع هزيمة ساحقة بالأتراك، ولكنه لم يستطع أن يقف في وجه الزعيم نادر قولي بك الذي هاجم طوس، متوجهاً بعدها إلى مشهد وهراة، وهُزم أشرف عند دامغان في 2 تشرين الأول سنة 1729م، ثم لم يلبث أن اغتاله زعيم من البلوج Baluchi في أثناء تراجعه. وفي سنة 1732م استولى نادر قولي بك على هراة على الرغم من المقاومة العنيفة، وبعد أن انتخب شاهاً لإيران سنة 1736م، توجه في السنة التالية بجيش ضخم (80 ألف) نحو قندهار، واستسلمت المدينة بعد حصار دام سنة، ومن ثم اصطدم مع امبراطورية المغول في الهند، فاستولى على غزنة وكابل، وتوجه بعدها إلى الهند، وانتصر على المغول سنة 1739م، وفي أثناء عودته عبر أفغانستان إلى إيران، اغتيل في خابوشان Khabushan سنة 1747م.
    تداعت امبراطورية نادرشاه إثر وفاته، ودخل أحمد خان الأبدالي مع فرقة مؤلفة من 4000 من الأفغان قندهار، وانتخب ملكاً سنة 1747م من قبل مجلس قَبَلي، فغير أحمد شاه الاسم القَبَلي من أبدالي إلى دُرَّاني، وبرهن بسرعة على أنه حاكم قدير استطاع أن يحظى بمحبة شعبه، وأن يجعلهم أمة قوية، وتمكن في 25 سنة من أن يحرر أفغانستان من الحكم الأجنبي، وأن يقود جيوشه من مشهد إلى كشمير ودهلي، ومن جيحون إلى بحر العرب، وحظي، نتيجة لشمائله الطيبة ومزاياه الأخرى إضافة إلى شجاعته الخارقة، باسم بابا (bãbã) أي والد الأمة.
    توفي أحمد شاه سنة 1773م فخلفه ابنه تيمور الذي لم يحظ إلا بالولاء الاسمي من الزعماء الإقطاعيين، وأمضى مدة حكمه في قمع ثوراتهم، وحينما أحس بكره الشعب له في قندهار نقل العاصمة إلى كابل. بعد موت تيمور سنة 1793م، بدأ نفوذ أسرة البَرَكزائي Barakzai بالازدياد، حينما دعم باينداخان أحد زعمائهم زمان بن تيمور الخامس، وأوصله إلى العرش، ولما سجن زمان في قلعة بالاحصار Bala Hissar وأصبح أخوه محمود حاكماً، ترك أمر الدولة في يد وزيره فتح خان، ولكن بعض الزعماء الذين كانوا يناوئون محموداً ووزيره، جمعوا قواتهم، ودعوا شقيق زمان شجاع الملك إلى كابل، وأدى استمرار التنافس بين الأخوين إلى اضطراب الأوضاع وازدياد نفوذ البَرَكزائيين على الرغم من الاعتداءات المتكررة لإقصائهم من مواقعهم، وحين سُمِلت عينا فتح خان ثم أُعدم، ثار إخوته وعددهم واحد وعشرون بمن فيهم دوست محمد الذي سار سنة 1818 واستولى على بيشاور وكابل. ووزعت أفغانستان بين الأخوة من آل بركزائي. وعانت أفغانستان كثيراً في أثناء الفوضى التي أعقبت هذا النزاع، فاستولى حكام بخارى على بلخ، واستولى السيخ على الولايات الأفغانية لنهر السند واستقلت ولايات الأطراف، السند وبلوجستان، واستولى دوست محمد على غزنة وكابل وجلال أباد، وأصبح أقوى رجل من البركزائي، وأسس مايُسمَّى سلالة محمد زائي Mohammad Zai وبعد أن وطد سلطانه في كابل، قرر استعادة بيشاور من السيخ معلناً الجهاد، فانضم إليه جيش من المسلمين (1836م) ولكن السيخ نجحوا في نثر بذور الخلاف في جيشه، فتفرق الجيش وخسر الأفغان بيشاور.
    وفي تشرين الثاني 1837م حاصر شاه إيران «محمد شاه» هراة التي كان البريطانيون يعدّونها مفتاح الهند، ودعم الروس الفرس، مما حفز البريطانيين لخوفهم من ازدياد النفوذ الروسي في إيران إلى إرسال بعثة بريطانية برئاسة السير ألكسندر بيرنز Alexander Burnes استقبلها دوست محمد في كابل، ولكن البعثة أخفقت في مهمتها عندما رفض بيرنز إعطاء دوست محمد تأكيدات بمساعدته في استعادة بيشاور، وأمر حاكم الهند البريطاني بشن هجوم على أفغانستان بهدف إعادة شجاع الملك إلى العرش. ونجح البريطانيون بالدخول إلى قندهار وتتويج شجاع الملك في المسجد المجاور لضريح أحمد شاه، كما استولوا على غزنة وكابل مابين تموز وآب 1840 حيث توج شجاع الملك ثانية، ولكن الأفغانيين لم يكن لديهم الاستعداد لتحمل احتلال أجنبي، أو قبول ملك مفروض عليهم من قبل سلطة أجنبية، لذلك اندلعت الثورات، وتمكن دوست محمد من أن يهرب من سجنه ويعود إلى أفغانستان ليقود مناصريه على البريطانيين، ومع أنه انتصر عليهم في 2 تشرين الثاني 1840 في بَروانداره فإنه استسلم في اليوم التالي للبريطانيين في كابل حيث عاملوه باحترام ونقلوه إلى الهند مع القسم الأكبر من أسرته، ولكنهم سمحوا له بالعودة بعد مقتل شجاع الملك واستمر دوست محمد في الحكم حتى وفاته عام 1863م واستطاع في سنوات حكمه أن يستعيد قندهار، ومزار شريف، وكاتغان Kataghan وهراة.
    وفي 21 تشرين الثاني 1878 دخلت الجيوش البريطانية الممرات الثلاثة المؤدية إلى أفغانستان عندما رفض شير علي الابن الثالث لدوست محمد استقبال بعثة بريطانية في حين استقبل بعثة روسية، واستولى البريطانيون على جلال أباد وقندهار، وحينئذ توجه شير علي إلى روسية ساعياً إلى الحصول على المساعدة، ولكن روسية نصحته بمصالحة الإنكليز. وبعد أن توفي شير علي في 21 شباط 1879م اعترف الإنكليز بموجب معاهدة غاندماك (26 أيار 1879) Gandamak بيعقوب خان ابن شير علي أميراً على أفغانستان، وتم الاتفاق على وجود سفارة دائمة للبريطانيين في كابُل، وأن تكون علاقاته الخارجية مع الدول الأخرى متفقة مع رغبات الحكومة البريطانية ومصالحها. ومقابل هذه الامتيازات وعدت الحكومة البريطانية بمنح المساعدة لمجابهة أي اعتداء خارجي على أفغانستان. ولكن هذا الانتصار البريطاني كان قصير الأمد، ففي الثالث من أيلول 1879 اغتيل المندوب البريطاني ومرافقه في كابل، وأرسلت قوات بريطانية احتلت كابل ثانية، وأُجبر يعقوب خان على التنازل، واعترف البريطانيون بمحمد عبد الرحمن خان، حفيد دوست محمد أميراً على كابل. فلما توفي سنة 1901 خلفه ابنه الأكبر حبيب الله خان، وفي عهده دشنت المدرسة الحبيبية كما شقت الطرق، واتُخذت إجراءات لإدخال الآليات والوسائل الحضارية الحديثة، وظهرت جريدة أسبوعية بالفارسية «سراج الأخبار» كان لها أثرها المهم في اليقظة القومية، وفي شباط 1919 طلب حبيب الله من المندوب البريطاني في الهند الاعتراف بحرية أفغانستان واستقلالها المطلق في مؤتمر باريس، ولكنه اغتيل في ليلة 20 شباط 1919 في معسكره في كالاغوش قرب جلال أباد، فاستولى ابنه أمان الله على الحكم، وأعلن نفسه ملكاً. وأعلن استقلال أفغانستان. ونظراً لأن حكومة الهند تلكأت بالاعتراف بهذا الاستقلال، فقد نشبت حرب ثالثة بين أفغانستان وبريطانية، وحينما وقع السلم في راولبندي Rawalpindi في الثامن من آب 1919 اعتُرف باستقلال أفغانستان، وأقام أمان الله علاقات دبلوماسية مع العالم الخارجي، كما تابع منهاج والده الإصلاحي. وفي عهد نادر خان، ابن عم أمان الله (1929- 1933) أُنشئت مدارس جديدة، وأكاديمية أدبية، وكلية عسكرية، وأخرى طبية. وأرسل بعض الطلاب الأفغان إلى الخارج لمتابعة دراستهم العليا، وحينما اغتيل نادرخان في أثناء توزيعه الجوائز لطلاب المدارس في 8 تشرين الثاني 1933، خلفه ابنه الأوحد محمد ظاهر الذي تابع سياسة والده في تثبيت كيان أفغانستان القومي.
    وفي سنة 1956 وضعت خطة خمسية لتحسين الطرق ووسائل المواصلات ولتطوير المناجم والصناعة والثقافة والزراعة، واضطرت أفغانستان من أجل تمويل هذه المشاريع، إلى توقيع اتفاقيات مع الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، كما أنها استقدمت الخبراء الأجانب وشركات البناء والمختصين لمساعدة الأفغانيين في تنفيذ منهاجهم التقدمي، وفي سنة 1961 وضعت خطة خمسية ثانية لتطوير المواصلات والصناعة الثقيلة مع اعتماد ملحوظ على المساعدة الأجنبية، ولاسيما على الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق. ولأن الحكومة الأفغانية بدأت تشعر بالخطر المحدق بها نتيجة لهذه المساعدات الضخمة التي قد تخلق ضغطاً يهدد استقلالها، فقد تبنت في سنة 1963م سياسة خارجية أكثر مرونة، فأُعيدت العلاقات الدبلوماسية مع باكستان، بعد أن كانت قد انقطعت سنة 1961، وبقيت علاقتها مع الاتحاد السوفييتي رسمية وودية، كما قبلت المساعدة من الصين ومن الولايات المتحدة وبريطانية وألمانية الغربية وفرنسة والسويد والبنك الدولي.
    وفي سنة 1964م أُعلن الدستور الجديد الذي وافق عليه مجلس أعلى يضم كل الزعماء والأشراف، وبموجب هذا الدستور، أصبحت الملكية في أفغانستان دستورية وأضحى هناك فصل كامل وواضح بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
    استمر الحكم ملكياً دستورياً حتى تموز 1973 حينما أُعلن النظام الجمهوري في أفغانستان نتيجة انقلاب غير دموي، قاده الجنرال محمد داود خان، بينما كان الملك محمد ظاهر شاه يقوم بزيارة إلى إيطالية، وأصبح داود خان رئيساً للجمهورية ورئيساً للوزراء.
    وفي 27 نيسان 1978، حدث انقلاب دموي يساري أدّى إلى مقتل داود خان ومعظم أفراد أسرته، وأصبحت أفغانستان جمهورية ديمقراطية، وأبرمت اتفاقية مع الاتحاد السوفييتي وانتخب نور محمد تراكي رئيسا للمجلس الثوري. ورئيساً للوزارة وأميناً عاماً لحزب الشعب الأفغاني الديمقراطي. وانتخب بابْرَاك كرمال زعيم حزب برشام Parcham وحفيظ الله من زعماء حزب الخَلق، نائبين لرئيس الوزراء، وقد أكد زعماء الحكومة الجديدة أنه لا سيطرة للاتحاد السوفييتي على حكومتهم، وأعلنوا سياستهم القائمة على المبادئ الإسلامية، والقومية الأفغانية، والعدل الاجتماعي والاقتصادي، والاحترام لكل الاتفاقات والمعاهدات الموقعة سابقاً من الحكومات الأفغانية، وفي 28 آذار 1979م أصبح حفيظ الله رئيساً للوزارة، واحتفظ تراكي بمناصبه رئيساً للمجلس الثوري، وأميناً عاماً لحزب الشعب الأفغاني الديمقراطي، ولكن الثورات التي كانت قد بدأت عندما أعلنت حكومة تراكي منهاجها الإصلاحي، اتسعت واستمرت، وانهار الجيش الأفغاني، مما دفع حكومة حفيظ الله أمين إلى طلب العون المتزايد من الاتحاد السوفييتي الذي أرسل خبراء وأسلحة وإمدادات، وقُتل تراكي في مواجهة مسلحة مع أنصار حفيظ الله أمين في 14 أيلول 1979م.
    وحاول أمين أن يوسع قاعدة الدعم الداخلي، وأن يثير اهتمام باكستان، والاتحاد السوفييتي بأمن أفغانستان. وعلى الرغم من جهوده فإن الروس بدؤوا هجومهم على أفغانستان في ليل 24 كانون الأول 1979، وقتل أمين وكثير من أتباعه في 27 كانون الأول 1979. وعاد بابْراك كرمال إلى أفغانستان من الاتحاد السوفييتي رئيساً للوزارة ورئيساً لمجلس الثورة وأميناً عاماً لحزب الشعب الأفغاني الديمقراطي، ولكنه اصطدم بمعارضة شديدة وقامت المظاهرات في وجهه، وتفاقمت أعمال العنف سنة 1980م وخاضت القوات السوفييتية حرباً ضروساً استمرت نحو تسع سنوات تكبدت فيها نحو 15 ألف قتيل. وفي 14 نيسان 1988 تم التوقيع في جنيف وبإشراف الأمم المتحدة على انسحاب القوات السوفييتية وإقامة حكومة أفغانية محايدة وإعادة اللاجئين، بيد أن المجاهدين رفضوا الاتفاق وصمموا على متابعة القتال في حين تابع السوفييت الانسحاب من جانب واحد وأتموه في 15 شباط 1989، وظل الصراع محتدماً بين فصائل المجاهدين بزعامة صبغة الله مجددي رئيس مجلس الشورى والحكومة المؤقتة من جهة وقوات الحكومة بزعامة محمد نجيب الله من جهة أخرى.
    وبعد محاولة انقلاب غير ناجحة في آذار 1990 وتخلي نجيب الله عن منصبه ولجوئه إلى الأمم المتحدة خلا الجو لفصائل المجاهدين من أجل السيطرة على كامل البلاد، لكن الأمور ساءت من جديد وتجدد الصراع بين المجاهدين أنفسهم من أجل السلطة ومازال مستمراً على الرغم من المحاولات الجادة التي تبذل لإعادة الهدوء والاستقرار إلى البلاد.
    نظام الحكم والإدارة
    ظلت أفغانستان ملكية حتى انقلاب تموز 1973 العسكري وغدا النظام جمهورياً ديمقراطياً يرأسه رئيس للجمهورية يساعده مجلس للوزراء. وفي عام 1987 أدى الصراع على السلطة إلى إقرار دستور جديد ينص على بقاء أفغانستان جمهورية إسلامية يكون فيها مجلس الثورة السلطة الأعلى في البلاد إلى جانب مجلس للشورى يمثل الاتجاه الإسلامي.
    وتقسم أفغانستان إدارياً إلى 31 وحدة إدارية تسمى «ولايات» تضم وحدات أصغر تدعى «وَلِس والي». وكانت أعداد هذه الولايات عرضة للتغيير أكثر من مرة، ولكل ولاية حاكم يعينه مجلس الثورة ورئيس البلاد وهو برهان الدين رباني منذ عام 1993. وتعيش البلاد اليوم صراعاً بين قوات طالبان الحاكمة والفئات المعارضة التي تراجع دورها منذ عام 1998.
    الأوضاع الحضارية والثقافية
    ظهرت المعالم الحضارية الأولى في أفغانستان مع ظهور إنسان العصر الحجري الذي اكتشفت آثاره في مواقع كثيرة، وكذلك أنجبت بَلْخ (أم المدن) زرادشت مؤسس الديانة الزرادشتية التي كانت الديانة الرسمية للأخمينيين والساسانيين، وابن سينا أشهر علماء الإسلام في القرن الخامس الهجري/ العاشر الميلادي. وكانت أفغانستان ملتقى الكثير من الشعوب والحضارات والأديان كالزرادشتية والبوذية والإسلامية التي خلفت آثارها المادية والفكرية في العمارة والفن واللغة والأدب والحياة الاجتماعية وغيرها. ولقد تراجعت معظم المؤثرات الحضارية والثقافية القديمة بعد انتشار الإسلام في البلاد وقيام دول إسلامية قوية فيها منذ القرن السابع الميلادي كالدولة الغزنوية والغورية والخوارزمشاهية والمُغَلية (المغولية). ولقد عانت البلاد من الحروب والغزوات التي دمرت الكثير من المنجزات الحضارية أعيد بناء بعضها أو جدد، واندثر بعضها الآخر وتكتشف بقاياه بين حين وآخر.
    اللغة: على الرغم من تعدد اللغات المحكية في أفغانستان تبقى اللغتان الباشتونية والدارية غالبتين ويتكلم بهما أكثر من 75% من السكان. وهما اللغتان الرسميتان في البلاد، وتنتميان إلى مجموعة اللغات الإيرانية الآرية، وهما غنيتان باللهجات الكثيرة. وتتميز هاتان اللغتان من الفارسية بغناهما بالكلمات العربية، وبتركيب للجمل قديم جداً. وتكتب الأفغانية الرسمية (الباشتونية والدارية) وغيرها بالأحرف العربية بإضافة بعض الإشارات والنقاط للأحرف غير العربية. وتسعى أفغانستان إلى تعميم الباشتونية وجعلها اللغة الوطنية ومع هذا تبقى الدارية لغة التعامل والإدارة. ويضم الجدول (1) قائمة اللغات الأفغانية.
    المجموعة الإيرانية الآرية الإيرانية الشرقية الباشتونية (رسمية) المغربية القندهارية، المنجنية، المموزية، الططناكية، المشرقية، الجلال أبادية، الناقلينية، الباكترية.
    الباميرية الشوغنية –الروشانية، الأشكاشمية، السنغليتشية، المُنجية، الواخانية.
    الجنوبية الشرقية البراتشية، الأورموية.
    الإيرانية الغربية الفارسية الدارية (رسمية) الكابلية، البنغاشيرية، السَلَنغية، الغورباندية، اللاغمانية، الصرخودية، الكنديباغية، فارسية وادي لوغَر، التشارخية، الغزنوية، البورمولية، البدخشانية، القتاغانية، المزارية، الباكترية، الهزارغيانية، الأيماقية، الفيروزكوهية، التيمنية، الهراتية، الفرحية، القندهارية، التيمورية، الجمشيدية، هزارية قلعة نو، السيستانية، الكوهستانية.
    الشمالية الغربية البلوجية
    المجموعة الهندية الآرية النورسانية الكاتية الغربية، الكاتية الشرقية، الويغالية، الأشكونية، البارسونية، الترغامية.
    الداردية البشائية، الغوارباتية (لهجتان فرعيتان)، الننغلامية، الوَطَبورية، السافية، التيراهية.
    المجموعة التركية الأوزبكية، التركمانية، القيرغيزية.
    المجموعة المغولية المغولية
    المجموعة السامية العربية (لهجة بخارى)
    المجموعة الدرافيدية الدرافيدية
    الجدول (1): قائمة اللغات الأفغانية
    وينتشر المتكلمون باللغات التركية والعربية في شمالي البلاد إلى جانب الدارية. ويتكلم العربية سكان أربع بلدات هي حسن أباد وسلطان أرِغ ويخودان وخوش حال أباد، وجميعها في منتهى نهر بلخ أب ودلتاه الجافة. ويؤلف المتكلمون بالمغولية خمس جزر لغوية في وادي نهر هري رود جنوبي هراة وشرقيها. أما البلوجية والدرافيدية فتنتشر في الجنوب وفي وادي هَلْمَند الأدنى وحوض سيستان. وتتداخل مناطق اللغات الأخرى مع الباشتونية والدارية ولهجاتهما الكثيرة.
    ويؤثر الوضع اللغوي والاجتماعي في مستوى التربية والتعليم، إذ لا تزيد نسبة المتعلمين في البلاد على 30% على الرغم من مجانية التعليم في جميع مراحله. ويتم التعليم باللغتين الباشتونية والدارية.
    وكان التعليم يتم في المدارس الدينية حتى افتتحت أول مدرسة حديثة عام 1904 للذكور وعام 1921 للإناث. أما أقدم الكليات الجامعية فهي كلية الطب التي تأسست عام 1932، وكانت نواة جامعة كابل التي أنشئت عام 1946، تلاها إنشاء جامعة ننغارهار في جلال أباد عام 1963.
    الآداب: ترجع الآداب الأفغانية في جذورها إلى أصول إيرانية فارسية. لكنها تختلف عنها بأن الآداب الأفغانية ذات منحى بطولي قتالي، في حين يظهر أثر البلاط وحياة الترف في الآداب الإيرانية. وعلى الرغم من أن بدايات الأدب الأفغاني ترجع إلى القرن الخامس عشر الميلادي وما قبله، وأن شعراءهم ساروا على سنن شعراء الفرس أمثال الفردوسي وسعدي. فإن الأدب الأفغاني باللغة الباشتونية لم يترسخ إلا في القرنين السادس عشر والسابع عشر. وكان عبد الرحمن البشاوري من أقدم شعرائهم. كما برزت أسماء أخرى أمثال مرزاخان الأنصاري. ويعد خوشال خان العبدلي (الأبدالي) (1613- 1689م) الذي وحد القبائل الأفغانية في حروبها ضد الغزاة، من أهم الشخصيات الأدبية الأفغانية وأوسعها أفقاً، وتدور أشعاره حول موضوعات كثيرة تشمل الدين وغيره حتى البيزرة. أما النهضة الحديثة للأدب بشتى أشكاله فترجع إلى جعل لغة الباشتون لغة رسمية، منذ استقلال أفغانستان عام 1919.
    وظهرت الروايات والقصص والأشعار والمسرحيات وغيرها، وكثرت المطبوعات الأدبية في دوريات ومجلات متخصصة. وبرزت أسماء أدباء وشعراء كثيرين منهم عبد الرؤوف بينافه وغول ـ باتشا أولفة ونور محمد طراقي وقيام الدين حميد وضياء قاري زادة وعبد الله بيتاب وغيرهم.
    الفنون: تأثرت الفنون الأفغانية بالموقع الجغرافي للبلاد. فبرزت فيها المؤثرات الفارسية والطورانية (التركستانية) والهندية بروزاً بيناً، وتتداخل هذه المؤثرات مع الفنون المحلية التي أخذت طابعاً شخصياً خاصاً بها منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن. وتوجد في أفغانستان معالم فنية قديمة وثنية، كتماثيل بوذا وبقايا الدير البوذي في منطقة باميان، والآثار الفارسية العائدة إلى القرنين الثالث والرابع الميلاديين. وعلى الرغم من ذلك تعم البلاد الآثار الفنية المعمارية ذات الطابع الإسلامي الذي انتشر منذ دخول الإسلام أفغانستان حتى اليوم. ومن أشهرها المسجد الجامع في مزار شريف من القرن الخامس عشر، ومنارة جَمْ ومسجد هراة وضريح غاوهارشاد في هراة وقلعة بالا في كابل، وضريح محمد نادر شاه في كابل. ويبقى السجاد واحداً من أهم المنتجات الفنية الأفغانية ذات القيمة الاقتصادية. إذ تتميز من غيرها بالنقوش المعروفة بـ«غُل» الملون بالأحمر والأزرق والأبيض العاجي وأحياناً باللون الأخضر، التي اشتهرت القبائل التركمانية بإبداعها، وتحتل المركز الأول في قائمة صادرات البلاد.
    وتتبوأ فنون الرقص والغناء والموسيقى مكانة مرموقة في المجتمع الأفغاني. الذي يشتهر بحبه لرقصة الـ«أطّان» ذات الطابع الحربي العنيف، التي تمارس على نحو ملطف حالياً، وتعد الرقصة القومية الأفغانية. والغناء الأفغاني شرقي بطولي يمجد الشجاعة والصيد والحرب والحب، والكلمات فيه أهم من الأنغام ذات الطابع الرتيب. أما الآلات الموسيقية فالوتريات أهمها، ومنها الربابة والطنبور والكمان المعروف محلياً بـ «الكمنجة» ثم الطبل والمزمار. وتأتي الفنون الأخرى كالرسم الحديث والنحت والمسرح الذي دخل البلاد منذ عام 1960 في المرتبة الأخيرة في قائمة الفنون الأفغانية.
    عادل عبد السلام، نجدة خماش
يعمل...
X