فريدريك الأول باربروسا
(1122-1190م)
فريدريك (فريدريش) الأول باربروسا Friedrich I Barbarossa ملك ألمانيا وامبراطور الامبراطورية الرومانية الجرمانية المقدسة، وباربروسا لقبه ومعناه «ذو اللحية الحمراء». ولد فريدريك الأول في ألمانيا، والده الدوق فريدريك هوهنشتاوفن Hohenstaufen (الأعور)، وأمه جوديث أخت هاينريش المتكبر (دوق بافاريا وسكسونيا وزعيم الأسرة الفولفية التي تنافس أسرة هوهِنشتاوفن على العرش)، وعمه ملك ألمانيا كونراد الثالث Conrad III. وقد اختير ملكاً على ألمانيا بعد تنحية الملك كونراد الثالث، وبعد أن تفاقمت في عهده النزاعات على العرش بين أسر النبلاء الألمان، إضافة إلى إخفاقه في الحملة الصليبية الثانية، وقد شعر الأمراء والنبلاء الألمان بحاجتهم - هذه المرة - إلى ملك قوي يحفظ النظام والأمن، ويثبت لهم الامتيازات التي حصلوا عليها، ولاسيما أنه يجـري في عـروقه دم الأسرتين المتنازعتين على العرش - من جهة الأم والأب - لذلك لقي اعتلاء فريدريك باربروسا عرش ألمانيا ترحيباً واسعاً، على أمل إنهاء النزاع بين الأسرتين الألمانيتين، وإنقاذ المملكة الألمانية من الحروب الأهلية.
كان فريدريك باربروسا في الثلاثين من عمره عندما اعتلى العرش، وكان يتصف بالشجاعة والفصاحة. عَمِلَ منذ اعتلائه العرش على استرداد مكانة الامبراطورية ومجدها المفقود الذي لا يتحقق إلا بالربط بين شطري الامبراطورية في ألمانيا وإيطاليا. فبدأ أولاً بتوطيد نفوذه داخل ألمانيا، حيث تقرّب من الأمراء الألمان، واسترضاهم بمنحهم الامتيازات والإعفاءات بغير حساب، وبعد ذلك توجه نحو إيطاليا، حيث كان عليه مواجهة قوى عدة هي: الكومونات اللومباردية، والبابوية، ومملكة الصقليتين النورماندية في جنوبي إيطاليا. وفي سنة 1155م، دخل باربروسا روما، تلبية لطلب البابا أدريان الرابع، حيث تم تتويجه امبراطوراً على يد البابا، مقابل ما قدمه له من خدمات. وقد دخل الامبراطور فريدريك باربروسا إيطاليا بقواته العسكرية خمس مرات، ولكنه مني بالهزيمة أخيراً أمام الكومونات اللومباردية، في موقعة لينيانو Legnano سنة 1176م. ووقَّع مع البابا إسكندر الثالث صلح البندقية (فينيسيا) سنة 1177م، حيث رد له جميع الأراضي المغتصبة من البابا. وفي سنة 1183م وقع باربروسا صلحاً في مدينة كونستانس مع المدن اللومباردية، نصّ على تمتع تلك المدن باستقلالها، مع احتفاظ الامبراطور بسيادة اسمية عليها، مما أدى إلى تفكك الامبراطورية الرومانية الجرمانية المقدسة، وانفصال إيطاليا عن ألمانيا.
عزم الامبراطور باربروسا على الاشتراك في الحملة الصليبية الثالثة، إلى جانب كل من ريتشارد قلب الأسد ملك إنكلترا، وفيليب أوغُست ملك فرنسا، وكان يتطلع إلى العودة إلى فلسطين، ولاسيما وأنه شارك عمه كونراد الثالث في الحملة الثانية المخفقة. وكان امبراطور ألمانيا أسرع إلى العمل من رفيقيه (ملكي إنكلترا وفرنسا) على الرغم من كبر سنه، فتحرك من الغرب الأوربي سنة 1189م، وبصحبته ثاني أبنائه فريدريك، أمير شڤابن Schwaben، على رأس جيش كبير، قَدَّره بعض المؤرخين بمئة ألف محارب، سالكاً الطريق البري إلى القسطنطينية عبر هنغاريا.
وقد تَعَرَّض الامبراطور الألماني وجيشه إلى متاعب جمة في آسيا الصغرى، نجمت عن العداء الشديد الذي قابله به امبراطور بيزنطة إسحاق الثاني أنجيلوس (1185-1195م)، وذلك بسبب تحالف الألمان مع النورمان أعداء بيزنطة، الأمر الذي دفع بيزنطة إلى التحالف مع صلاح الدين الأيوبي وإخباره بتحركات الامبراطور الألماني وجيشه، وكذلك مواقف قبائل التركمان في آسيا الصغرى التي ألحقت الأذى بالجيش الألماني، إضافة إلى وعورة الطريق وقلة الزاد وحلول فصل الشتاء.
وعلى الرغم من تلك الصعوبات، وصلت الحملة الألمانية إلى أرمينيا الصغرى (كيليكيا)، فرحب أميرها ليون الثاني (1185-1219م) بالألمان، وقدم لهم كل ما احتاجوه من مساعدة. وقد أدى اقتراب الجيش الألماني من الشام، إلى إثارة جو من الرعب والفزع في البلدان الإسلامية، فبادر صلاح الدين إلى الدعوة للجهاد وطلب العون، وقد تحدث المؤرخون المسلمون بعبارات تدل على شعورهم بالخطر المحدق والخوف من سقوط الشام أمام ضغط الألمـان من الشمال والإنكليـز والفرنسـيين من الجـنوب. لكن الموقف تبدل فجأة، وانقلب رأساً على عقب، بسبب موت الامبراطور فريدريك باربروسـا غرقاً في أحـد أنـهار كيليكيا سنة 586هـ/1190م، وهذا ما أثر سلباً في الحملة الصليبية الثالثة بمجملها، فقد عاد قسم كبير من جيشه إلى الغرب الأوربي، وقسم آخر لقي حتفه في الطريق إلى أنطاكية بسبب الجوع والتعب والوباء، وكان هؤلاء تحت قيادة ابن الامبراطور فريدريك السوابي الذي خلف والده في قيادة الحملة، وكان ضعيفاً ومريضاً، مما أدى إلى طمع كل من أمير أرمينيا وأمير أنطاكية بأمواله، وفي النهاية وصلت بقايا هذه الحملة إلى عكا، ومعهم جثمان الامبراطور باربروسا في جرة نبيذ، وفي عكا مات أميرهم فريدريك السوابي.
وفاء جوني
(1122-1190م)
كان فريدريك باربروسا في الثلاثين من عمره عندما اعتلى العرش، وكان يتصف بالشجاعة والفصاحة. عَمِلَ منذ اعتلائه العرش على استرداد مكانة الامبراطورية ومجدها المفقود الذي لا يتحقق إلا بالربط بين شطري الامبراطورية في ألمانيا وإيطاليا. فبدأ أولاً بتوطيد نفوذه داخل ألمانيا، حيث تقرّب من الأمراء الألمان، واسترضاهم بمنحهم الامتيازات والإعفاءات بغير حساب، وبعد ذلك توجه نحو إيطاليا، حيث كان عليه مواجهة قوى عدة هي: الكومونات اللومباردية، والبابوية، ومملكة الصقليتين النورماندية في جنوبي إيطاليا. وفي سنة 1155م، دخل باربروسا روما، تلبية لطلب البابا أدريان الرابع، حيث تم تتويجه امبراطوراً على يد البابا، مقابل ما قدمه له من خدمات. وقد دخل الامبراطور فريدريك باربروسا إيطاليا بقواته العسكرية خمس مرات، ولكنه مني بالهزيمة أخيراً أمام الكومونات اللومباردية، في موقعة لينيانو Legnano سنة 1176م. ووقَّع مع البابا إسكندر الثالث صلح البندقية (فينيسيا) سنة 1177م، حيث رد له جميع الأراضي المغتصبة من البابا. وفي سنة 1183م وقع باربروسا صلحاً في مدينة كونستانس مع المدن اللومباردية، نصّ على تمتع تلك المدن باستقلالها، مع احتفاظ الامبراطور بسيادة اسمية عليها، مما أدى إلى تفكك الامبراطورية الرومانية الجرمانية المقدسة، وانفصال إيطاليا عن ألمانيا.
عزم الامبراطور باربروسا على الاشتراك في الحملة الصليبية الثالثة، إلى جانب كل من ريتشارد قلب الأسد ملك إنكلترا، وفيليب أوغُست ملك فرنسا، وكان يتطلع إلى العودة إلى فلسطين، ولاسيما وأنه شارك عمه كونراد الثالث في الحملة الثانية المخفقة. وكان امبراطور ألمانيا أسرع إلى العمل من رفيقيه (ملكي إنكلترا وفرنسا) على الرغم من كبر سنه، فتحرك من الغرب الأوربي سنة 1189م، وبصحبته ثاني أبنائه فريدريك، أمير شڤابن Schwaben، على رأس جيش كبير، قَدَّره بعض المؤرخين بمئة ألف محارب، سالكاً الطريق البري إلى القسطنطينية عبر هنغاريا.
وقد تَعَرَّض الامبراطور الألماني وجيشه إلى متاعب جمة في آسيا الصغرى، نجمت عن العداء الشديد الذي قابله به امبراطور بيزنطة إسحاق الثاني أنجيلوس (1185-1195م)، وذلك بسبب تحالف الألمان مع النورمان أعداء بيزنطة، الأمر الذي دفع بيزنطة إلى التحالف مع صلاح الدين الأيوبي وإخباره بتحركات الامبراطور الألماني وجيشه، وكذلك مواقف قبائل التركمان في آسيا الصغرى التي ألحقت الأذى بالجيش الألماني، إضافة إلى وعورة الطريق وقلة الزاد وحلول فصل الشتاء.
وعلى الرغم من تلك الصعوبات، وصلت الحملة الألمانية إلى أرمينيا الصغرى (كيليكيا)، فرحب أميرها ليون الثاني (1185-1219م) بالألمان، وقدم لهم كل ما احتاجوه من مساعدة. وقد أدى اقتراب الجيش الألماني من الشام، إلى إثارة جو من الرعب والفزع في البلدان الإسلامية، فبادر صلاح الدين إلى الدعوة للجهاد وطلب العون، وقد تحدث المؤرخون المسلمون بعبارات تدل على شعورهم بالخطر المحدق والخوف من سقوط الشام أمام ضغط الألمـان من الشمال والإنكليـز والفرنسـيين من الجـنوب. لكن الموقف تبدل فجأة، وانقلب رأساً على عقب، بسبب موت الامبراطور فريدريك باربروسـا غرقاً في أحـد أنـهار كيليكيا سنة 586هـ/1190م، وهذا ما أثر سلباً في الحملة الصليبية الثالثة بمجملها، فقد عاد قسم كبير من جيشه إلى الغرب الأوربي، وقسم آخر لقي حتفه في الطريق إلى أنطاكية بسبب الجوع والتعب والوباء، وكان هؤلاء تحت قيادة ابن الامبراطور فريدريك السوابي الذي خلف والده في قيادة الحملة، وكان ضعيفاً ومريضاً، مما أدى إلى طمع كل من أمير أرمينيا وأمير أنطاكية بأمواله، وفي النهاية وصلت بقايا هذه الحملة إلى عكا، ومعهم جثمان الامبراطور باربروسا في جرة نبيذ، وفي عكا مات أميرهم فريدريك السوابي.
وفاء جوني