الفوضوية
الفوضوية anarchism مذهب سياسي يرى أن كل شكل من أشكال التنظيم والحكم عمل لا أخلاقي، فهو قيد يفرضه شخص على آخر، ممّا يجعله شراً يجب تدميره والتخلص منه.
تعود الفوضوية في التاريخ إلى أزمنة قديمة، إذ تتحدث الأساطير عن عصر ذهبي من الحرية، سبق وجود الحكم المنظَّم، وظهرت الفوضوية أيضاً بين المجموعات المسيحية الأولى. وقد افترضت الفوضوية وجود نظام اجتماعي وسياسي يرتكز على الملكية العامة والاتفاقات الحرّة. ولكن اختلف اتباع الفوضوية فيما بينهم في الطرائق والأشكال. ويعتبر الفرنسي بيير جوزيف براودهون (1809-1865) - الذي غالباً ما دُعي بأبي الفوضوية - أول من جعل الفوضوية حركة شعبية، إذ حثّ الأحرار على التعاون فيما بينهم من دون أي تنظيم أو حكومة. فقد كان براودهون متحمساً لأفكار الحرية والعدالة والمساواة، وانطوت أفكاره على رفض كل سلطة ماعدا سلطة الأسرة. وخلافاً لكثيرٍ من الكتّاب الاشتراكيين لم يكن براودهون يرى أي فائدة من سلطات الحكومة، فقد كان فوضوياً مؤمناً بنظام اجتماعي سياسي من دون حكومة،وقال إن على المجتمع الإنساني أن يعمل بعقود أساسها التوافق الطوعي بين أناس أحرار ومتساوين، وستُنشئ هذه العقود - حسب رأيه - نظاماً يقوم على الحقوق والواجبات المتبادلة مما يفضي إلى العدالة. وحثَّ على المساواة، على الرغم من أنه كان يعتقد بوجود أعراق وضيعة. وكان يعارض منح المرأة مزيداً من الحقوق الاجتماعية. ودعا إلى الإقراض من دون قيود، وأسَّس مصرفاً لتنفيذ آرائه بشأن المال. وحضّ على التعاون بين العّمال وصغار المالكين، من حيث إن هذا التعاون يرسي قواعد الحرية والعدالة والمساواة أكثر من أي إجراء حكومي.
تستند الفوضوية إلى المبدأ الذي يقول إن جميع أنواع الحكومات العامة تتعارض والحرية الشخصية، ولا ضرورة لها، ويقررون أن للأفراد وحدهم حق إدارة أنشطة المجتمع، الذي قد يبلغ العصر الذهبي، بسبب ما يوفره المجتمع من عوامل التقدم في العلوم والآداب والفنون، ولاسيما في مجال التقانة.
ينتسب معظـم الفوضويين إلى الحركـة الشيوعية، ولهذا عدَّ بعض المؤرخين الفوضوية جزءاً من الحركة الشيوعية، ومن هذا القبيل قاد ميخائيل باكونين[ر] (1814-1876) في روسيا في القرن التاسع عشر الفوضوية الإرهابية، إذ اعتقد أتباع هذا النوع من الفوضوية بفكرة استخدام العنف والإرهاب للإطاحة بالحكومة، واعتقدوا بأن وسائل الإنتاج يجب أن تكون ملكاً للناس.
وهكذا لجأ عديد من الفوضويين إلى الثورة والاغتيالات لاعتقادهم أن الإرهاب كفيل بتصحيح ما هو شرير في المجتمع، فاغتـالوا رؤسـاء الحكـومات بمن فيهم القيـصر الروسـي ألكسندر الثانـي (1818-1881) على الرغم من أن هذا القيصر عُرف باسم القيصر المحرِّر، إذ حرَّر الرقيق في روسيا، وأجرى إصلاحات قضائية، وخفف الرقابة الأمنية، وسمح بتكوين مجالس النواب الإقليمية، واهتم بتطوير الصناعة، وانتصر على الأتراك وهزمهم.
تبنت الفوضوية بقيادة الأمير الروسي بيتر كروبوتكن (1842-1921) الذي تخلى عن لقبه، وارتبط بجماعة متطرفة تابعة لاتحاد العمال الدولي، ووضع نظريات للشيوعية الفوضوية، تبنَّت نظريات جديدة قوامها إلغاء الملكية الخاصة وتملُّك الناس للثروات.
تعرَّض «كروبوتكن» للسجن غير مرَّة، في روسيا وفرنسا، ثم عاد إلى روسيا بعد قيام الثورة عامَ 1917. وعارض مبدأ الحرب للتوسع والاستعمار. وأيَّد مبدأ «الحروب العادلة»، وقد لقيت آراؤه تأييداً واسعاً في طبقات العمال والمزارعين والفلاحين الروس، وفي غير المجتمع الروسي، حيث كان العمال الفلاحون يرزحون تحت نير الإقطاع الصناعي والزراعي، ونادى وغيره من أتباع نظرياته، سواء في روسيا أم فرنسا أو غيرهما من بلدان العالم، برفض النوع المتسلط من الشيوعية، وبدعم النوع الذي تنتهي فيه الدولة بنظامها وقوانينها، ذلك النوع الذي يقوم على أساس بناء المجتمع بكوميونات، إذ يشكّل كلّ كوميون مجموعة مكتفيةً معتمدة على ذاتها.
أدى الفوضويون عملاً رئيسياً في الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939). وأثرت الفوضوية في الجماعات المتطرفة، مثل جماعة الطلاب من أجل المجتمع الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية، وعصابة بادرماينهوف في ألمانيا، وغيرهما، وذلك في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، مع العلم أن قوة الفوضويين قد انحسرت كثيراً في القرن العشرين.
هيثم الكيلاني
الفوضوية anarchism مذهب سياسي يرى أن كل شكل من أشكال التنظيم والحكم عمل لا أخلاقي، فهو قيد يفرضه شخص على آخر، ممّا يجعله شراً يجب تدميره والتخلص منه.
تعود الفوضوية في التاريخ إلى أزمنة قديمة، إذ تتحدث الأساطير عن عصر ذهبي من الحرية، سبق وجود الحكم المنظَّم، وظهرت الفوضوية أيضاً بين المجموعات المسيحية الأولى. وقد افترضت الفوضوية وجود نظام اجتماعي وسياسي يرتكز على الملكية العامة والاتفاقات الحرّة. ولكن اختلف اتباع الفوضوية فيما بينهم في الطرائق والأشكال. ويعتبر الفرنسي بيير جوزيف براودهون (1809-1865) - الذي غالباً ما دُعي بأبي الفوضوية - أول من جعل الفوضوية حركة شعبية، إذ حثّ الأحرار على التعاون فيما بينهم من دون أي تنظيم أو حكومة. فقد كان براودهون متحمساً لأفكار الحرية والعدالة والمساواة، وانطوت أفكاره على رفض كل سلطة ماعدا سلطة الأسرة. وخلافاً لكثيرٍ من الكتّاب الاشتراكيين لم يكن براودهون يرى أي فائدة من سلطات الحكومة، فقد كان فوضوياً مؤمناً بنظام اجتماعي سياسي من دون حكومة،وقال إن على المجتمع الإنساني أن يعمل بعقود أساسها التوافق الطوعي بين أناس أحرار ومتساوين، وستُنشئ هذه العقود - حسب رأيه - نظاماً يقوم على الحقوق والواجبات المتبادلة مما يفضي إلى العدالة. وحثَّ على المساواة، على الرغم من أنه كان يعتقد بوجود أعراق وضيعة. وكان يعارض منح المرأة مزيداً من الحقوق الاجتماعية. ودعا إلى الإقراض من دون قيود، وأسَّس مصرفاً لتنفيذ آرائه بشأن المال. وحضّ على التعاون بين العّمال وصغار المالكين، من حيث إن هذا التعاون يرسي قواعد الحرية والعدالة والمساواة أكثر من أي إجراء حكومي.
تستند الفوضوية إلى المبدأ الذي يقول إن جميع أنواع الحكومات العامة تتعارض والحرية الشخصية، ولا ضرورة لها، ويقررون أن للأفراد وحدهم حق إدارة أنشطة المجتمع، الذي قد يبلغ العصر الذهبي، بسبب ما يوفره المجتمع من عوامل التقدم في العلوم والآداب والفنون، ولاسيما في مجال التقانة.
ينتسب معظـم الفوضويين إلى الحركـة الشيوعية، ولهذا عدَّ بعض المؤرخين الفوضوية جزءاً من الحركة الشيوعية، ومن هذا القبيل قاد ميخائيل باكونين[ر] (1814-1876) في روسيا في القرن التاسع عشر الفوضوية الإرهابية، إذ اعتقد أتباع هذا النوع من الفوضوية بفكرة استخدام العنف والإرهاب للإطاحة بالحكومة، واعتقدوا بأن وسائل الإنتاج يجب أن تكون ملكاً للناس.
وهكذا لجأ عديد من الفوضويين إلى الثورة والاغتيالات لاعتقادهم أن الإرهاب كفيل بتصحيح ما هو شرير في المجتمع، فاغتـالوا رؤسـاء الحكـومات بمن فيهم القيـصر الروسـي ألكسندر الثانـي (1818-1881) على الرغم من أن هذا القيصر عُرف باسم القيصر المحرِّر، إذ حرَّر الرقيق في روسيا، وأجرى إصلاحات قضائية، وخفف الرقابة الأمنية، وسمح بتكوين مجالس النواب الإقليمية، واهتم بتطوير الصناعة، وانتصر على الأتراك وهزمهم.
تبنت الفوضوية بقيادة الأمير الروسي بيتر كروبوتكن (1842-1921) الذي تخلى عن لقبه، وارتبط بجماعة متطرفة تابعة لاتحاد العمال الدولي، ووضع نظريات للشيوعية الفوضوية، تبنَّت نظريات جديدة قوامها إلغاء الملكية الخاصة وتملُّك الناس للثروات.
تعرَّض «كروبوتكن» للسجن غير مرَّة، في روسيا وفرنسا، ثم عاد إلى روسيا بعد قيام الثورة عامَ 1917. وعارض مبدأ الحرب للتوسع والاستعمار. وأيَّد مبدأ «الحروب العادلة»، وقد لقيت آراؤه تأييداً واسعاً في طبقات العمال والمزارعين والفلاحين الروس، وفي غير المجتمع الروسي، حيث كان العمال الفلاحون يرزحون تحت نير الإقطاع الصناعي والزراعي، ونادى وغيره من أتباع نظرياته، سواء في روسيا أم فرنسا أو غيرهما من بلدان العالم، برفض النوع المتسلط من الشيوعية، وبدعم النوع الذي تنتهي فيه الدولة بنظامها وقوانينها، ذلك النوع الذي يقوم على أساس بناء المجتمع بكوميونات، إذ يشكّل كلّ كوميون مجموعة مكتفيةً معتمدة على ذاتها.
أدى الفوضويون عملاً رئيسياً في الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939). وأثرت الفوضوية في الجماعات المتطرفة، مثل جماعة الطلاب من أجل المجتمع الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية، وعصابة بادرماينهوف في ألمانيا، وغيرهما، وذلك في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، مع العلم أن قوة الفوضويين قد انحسرت كثيراً في القرن العشرين.
هيثم الكيلاني