الفتيا (الفتوى)
الإفتاء في أصل معناه: هو إصدار الحكم الشرعي من الفقيه في واقعة وقعت، معتمداً على الأدلة الشرعية، بعد معرفة واقعة الاستفتاء، ودراسة نفسية المستفتي، والبيئة أو الجماعة التي يعيش فيها؛ لتحقيق أثر الفتوى فيها سلباً أو إيجاباً. ومجاله: كل مسائل الفقه من عبادات ومعاملات وأوضاع الأسرة وعلاقة المسلمين مع غيرهم في داخل الدولة وخارجها.
ثم أصبح منصب الإفتاء يطلق في العصور الأخيرة على متفقهة المذاهب الذين يقتصر عملهم على مجرد نقل النصوص الفقهية في المسائل الجزئية، وهذا الإطلاق من باب المجاز أو العرف الموافق لاصطلاح الحكومات وعادات الناس وأفهامهم.
وليس للمفتي أو الحاكم اتباع الهوى والشهوة في الفتيا، فذلك حرام بالإجماع، وإنما يتبع الدليل الراجح إن كان مجتهداً، والمعتمد أو المشهور في المذهب إن كان مقلِّداً، فلا يفتي بالقول الضعيف أو الشاذ، انسجاماً مع أصول الورع والاحتياط ومراقبة الله تعالى في السر والعلن، وحذراً من الوقوع في مضمون قوله (فيما رواه الدارمي): «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار».
ويشترط في المفتي ما يشترط في المجتهد: وهو البلوغ والعقل والحرية، والعدالة (اتباع أحكام الشريعة أمراً ونهياً) والعلم، والحياة. فلا يصح إفتاء الصبي والمجنون والعبد والفاسق والجاهل والميت.
والفتيا عند علماء أصول الفقه: تطلق على الفرع المخرَّج على القواعد الأصولية، باستنباط أحكام المسائل التي لم يرد عن الأئمة بشأنها نص، تخريجاً على أصول أئمتهم.
وعلى المفتي مراعاة ضوابط منها:
1 - معرفة نية المستفتي وحقيقة الواقعة، وإدراك القرائن حولها، هل يراد بها التخصيص أو التأكيد. فمن كرر مثلاً لفظ الطلاق يستفهم منه المفتي: هل يريد به تأكيد ما سبق أو إنشاء طلقة جديدة، وهل صدر منه ما ينافي صريح قوله أو لا؟!
2 - أن يفتي المفتي بمذهبه لا بمذهب غيره.
3 - مراعاة عرف البلد الذي يعيش فيه السائل.
4 - عدم التوصل إلى ما يسمى بالتلفيق الباطل أو المحظور (وهو تتبع الرخص عبثاً، والذي يستلزم نقض حكم الحاكم، والرجوع عن عمل قلد فيه أو أمر مجمع عليه ).
5 - إدراك حقيقة لفظ المستفتي العامي حتى يعرف مقصوده، فلا يأخذ ظاهر اللفظ.
6 - يفتي المفتي بما سمع أو وجد من دون إدخال أي زيادة.
7 - أن يمعن المفتي النظر في القواعد الإجماعية والمذهبية.
8 - وحدة القلم الذي يكتب به المفتي نص الفتوى سداً لباب احتمالات التزوير.
وهناك فروق ثلاثة بين الإفتاء والقضاء وهي:
1 - الإفتاء مثل الرسالة تبليغ محض واتباع صرف من غير إلزام، والقضاء إنشاء وإلزام بالحكم للمتخاصمين.
2 - الفتيا تقبل النسخ والإبطال، والحكم القضائي لا يقبله، بل يقبل النقض حين ظهور بطلان ما رتُب عليه الحكم، والفتيا لا تقبله، أي إن من خصائص الحكم: النقض، ومن خصائص الفُتيا: النسخ.
3 - المفتي ناقل يتبع الأدلة بحسب أمر الله تعالى وهي الكتاب والسنة ونحوهما زهاء نيّف وأربعين دليلاً كما ذكر الشيخ جمال الدين القاسمي، والحاكم يتبع أنواع الحجج (أو الحجاج) من إقرارات وبينات ونحوها من القرائن، ومعرفة الأسباب.
وكل من الإفتاء والاجتهاد اجتهاد، إلا أن الإفتاء أخص من الاجتهاد، لأن الاجتهاد: استنباط الأحكام الشرعية، سواء أكان في موضوعها سؤال أم لم يكن، أما الإفتاء: فإنه لا يكون إلا إذا كانت واقعة وقعت، ويتعرف الفقيه حكمها.
ويتطلب الاجتهاد أو الإفتاء: كون المجتهد والمفتي محيطاً بمدارك الشرع، متمكناً من النظر فيها، عدلاً مجتنباً المعاصي القادحة في العدالة، مدركاً مقاصد الشريعة، مؤمناً بالله ورسوله، وهذا يتطلب معرفة معاني آيات الأحكام وأحاديث الأحكام لغة وشرعاً، والمحكم منها والمنسوخ، ومعرفة مسائل الإجماع ومواقعه، وأوجه القياس وشرائطه، والعلم بعلوم اللغة العربية، والعلم بأصول الفقه، وإدراك مقاصد الشريعة العامة في وضع الأحكام.
والفتيا من مصالح المسلمين في أديانهم، فيجب على الدولة مراعاتها ورقابتها لئلا يتعرض لذلك من ليس بأهل لها، فيضل الناس.
وهبه الزحيلي
الإفتاء في أصل معناه: هو إصدار الحكم الشرعي من الفقيه في واقعة وقعت، معتمداً على الأدلة الشرعية، بعد معرفة واقعة الاستفتاء، ودراسة نفسية المستفتي، والبيئة أو الجماعة التي يعيش فيها؛ لتحقيق أثر الفتوى فيها سلباً أو إيجاباً. ومجاله: كل مسائل الفقه من عبادات ومعاملات وأوضاع الأسرة وعلاقة المسلمين مع غيرهم في داخل الدولة وخارجها.
ثم أصبح منصب الإفتاء يطلق في العصور الأخيرة على متفقهة المذاهب الذين يقتصر عملهم على مجرد نقل النصوص الفقهية في المسائل الجزئية، وهذا الإطلاق من باب المجاز أو العرف الموافق لاصطلاح الحكومات وعادات الناس وأفهامهم.
وليس للمفتي أو الحاكم اتباع الهوى والشهوة في الفتيا، فذلك حرام بالإجماع، وإنما يتبع الدليل الراجح إن كان مجتهداً، والمعتمد أو المشهور في المذهب إن كان مقلِّداً، فلا يفتي بالقول الضعيف أو الشاذ، انسجاماً مع أصول الورع والاحتياط ومراقبة الله تعالى في السر والعلن، وحذراً من الوقوع في مضمون قوله (فيما رواه الدارمي): «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار».
ويشترط في المفتي ما يشترط في المجتهد: وهو البلوغ والعقل والحرية، والعدالة (اتباع أحكام الشريعة أمراً ونهياً) والعلم، والحياة. فلا يصح إفتاء الصبي والمجنون والعبد والفاسق والجاهل والميت.
والفتيا عند علماء أصول الفقه: تطلق على الفرع المخرَّج على القواعد الأصولية، باستنباط أحكام المسائل التي لم يرد عن الأئمة بشأنها نص، تخريجاً على أصول أئمتهم.
وعلى المفتي مراعاة ضوابط منها:
1 - معرفة نية المستفتي وحقيقة الواقعة، وإدراك القرائن حولها، هل يراد بها التخصيص أو التأكيد. فمن كرر مثلاً لفظ الطلاق يستفهم منه المفتي: هل يريد به تأكيد ما سبق أو إنشاء طلقة جديدة، وهل صدر منه ما ينافي صريح قوله أو لا؟!
2 - أن يفتي المفتي بمذهبه لا بمذهب غيره.
3 - مراعاة عرف البلد الذي يعيش فيه السائل.
4 - عدم التوصل إلى ما يسمى بالتلفيق الباطل أو المحظور (وهو تتبع الرخص عبثاً، والذي يستلزم نقض حكم الحاكم، والرجوع عن عمل قلد فيه أو أمر مجمع عليه ).
5 - إدراك حقيقة لفظ المستفتي العامي حتى يعرف مقصوده، فلا يأخذ ظاهر اللفظ.
6 - يفتي المفتي بما سمع أو وجد من دون إدخال أي زيادة.
7 - أن يمعن المفتي النظر في القواعد الإجماعية والمذهبية.
8 - وحدة القلم الذي يكتب به المفتي نص الفتوى سداً لباب احتمالات التزوير.
وهناك فروق ثلاثة بين الإفتاء والقضاء وهي:
1 - الإفتاء مثل الرسالة تبليغ محض واتباع صرف من غير إلزام، والقضاء إنشاء وإلزام بالحكم للمتخاصمين.
2 - الفتيا تقبل النسخ والإبطال، والحكم القضائي لا يقبله، بل يقبل النقض حين ظهور بطلان ما رتُب عليه الحكم، والفتيا لا تقبله، أي إن من خصائص الحكم: النقض، ومن خصائص الفُتيا: النسخ.
3 - المفتي ناقل يتبع الأدلة بحسب أمر الله تعالى وهي الكتاب والسنة ونحوهما زهاء نيّف وأربعين دليلاً كما ذكر الشيخ جمال الدين القاسمي، والحاكم يتبع أنواع الحجج (أو الحجاج) من إقرارات وبينات ونحوها من القرائن، ومعرفة الأسباب.
وكل من الإفتاء والاجتهاد اجتهاد، إلا أن الإفتاء أخص من الاجتهاد، لأن الاجتهاد: استنباط الأحكام الشرعية، سواء أكان في موضوعها سؤال أم لم يكن، أما الإفتاء: فإنه لا يكون إلا إذا كانت واقعة وقعت، ويتعرف الفقيه حكمها.
ويتطلب الاجتهاد أو الإفتاء: كون المجتهد والمفتي محيطاً بمدارك الشرع، متمكناً من النظر فيها، عدلاً مجتنباً المعاصي القادحة في العدالة، مدركاً مقاصد الشريعة، مؤمناً بالله ورسوله، وهذا يتطلب معرفة معاني آيات الأحكام وأحاديث الأحكام لغة وشرعاً، والمحكم منها والمنسوخ، ومعرفة مسائل الإجماع ومواقعه، وأوجه القياس وشرائطه، والعلم بعلوم اللغة العربية، والعلم بأصول الفقه، وإدراك مقاصد الشريعة العامة في وضع الأحكام.
والفتيا من مصالح المسلمين في أديانهم، فيجب على الدولة مراعاتها ورقابتها لئلا يتعرض لذلك من ليس بأهل لها، فيضل الناس.
وهبه الزحيلي