أسلوب الإنتاج الآسيوي مصطلح حديث نسبيا نسبيا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أسلوب الإنتاج الآسيوي مصطلح حديث نسبيا نسبيا



    اسلوب انتاج اسيوي

    Asiatic production system - Mode de production asiatique

    أسلوب الإنتاج الآسيوي

    أسلوب الإنتاج الآسيوي Asiatic production system مصطلح حديث نسبياً ظهر في أواسط القرن التاسع عشر ويقصد به نمط الإنتاج الذي كان شائعاً في الحضارات الإنسانية الأولى التي عرفها الشرق القديم، وأعقب أسلوب المشاعية البدائية الذي عرفته البلدان الآسيوية والمشرقية عامة، وأساسه مشاعات ريفية يملكها حاكم واحد مستبد تجمع بين الزراعة والصناعة اليدوية وتعتمد على الاكتفاء الذاتي وتخصيص الناس بقطع من الأرض. وتتوضع المشاعات عامة حول المرافق المائية الكبيرة وتخضع لإدارة واحدة عليا (الملك أو الزعيم أو الدولة) التي يعود إليها فائض الإنتاج ريعاً عقارياً، وتتولى هذه الإدارة في المقابل النهوض بالأشغال الكبرى الضرورية من صرف وري وطرق مواصلات وغيرها، والدفاع عن الجماعات التي تعيش فيها وتوفير الأمن لها، وحماية طرق التجارة التي تتحكم بها الفئة الحاكمة حصراً.
    إن بعض ملامح أسلوب الإنتاج الآسيوي ـ الشرقي ملحوظة في مناطق غير آسيوية أو شرقية كالمكسيك وبيرو وروسية الموسكوفية مثلاً، وهو هنا ينفرد بخصائص تميزه من المشاعة البدائية التي تقوم على الملكية الجماعية للأرض ووسائل الإنتاج الأخرى، إذ يقوم الإنتاج هنا على ملكية الوحدة العليا، ويُميز من العبودية والإقطاع اللذين يخلوان من الملكية الخاصة.
    خصائص أسلوب الإنتاج الآسيوي
    يقوم أسلوب الإنتاج الآسيوي على نظام للري يتفق مع وجود المشاعات القروية والاستبداد، ومع نوع معين من الركود. وهو نظام للري تحدده العوامل المناخية والطبيعية، وبموجب ذلك تتوضع الجماعات حول المرفق المائي الكبير وتنتشر أعمالها في أقاليم واسعة. أما وسمه بالاستبداد، فمرده أن مركزية نظام الري وملحقاته تجعل الزراعة والفاعليات الأخرى متوقفة على قيام حكومة مركزية قوية تُحتم تمركز ملكية الأرض ووسائل الإنتاج في يد حاكم مستبد، واستبداده شرط ضروري لدوام الأسلوب وصموده أمام العوامل الأخرى، وحصوله على فائض الإنتاج شرط آخر ضروري للقيام بالأشغال العامة والدفاع وحماية طرق المواصلات الداخلية والخارجية.
    يعتمد أسلوب الإنتاج الآسيوي على المشاعات القروية، فطبيعة العمل تستدعي إنشاء هذه المشاعات التي تعتمد على حيازة الفلاحين المتساوين على أساس العمل من دون ملكية خاصة، كما تقتضي قيام فاعلية زراعية وحرفية تنشد الاكتفاء الذاتي وإفراز الفائض، مما يحد من التجارة الداخلية ويجعل التجارة الخارجية بيد الفئة الحاكمة. ومن هنا كان لا بد من ملاحظة «المظهر الطبقي» الذي يتجلى أكثر فأكثر نتيجة للتطور. ثم إنه من أجل التجارة الخارجية تنشأ محطات معزولة عن وسط الإنتاج تتطور إلى مدن تتسع فاعلياتها فتفرز العناصر الحضارية. كما يغلب الركود على هذا الأسلوب لأن خضوع القوى المنتجة للعوامل المناخية والطبيعية وما يؤدي إليه من مستلزمات يحتم انصهار الفرد (الفلاح) في الجماعة ويمنعه من التحول إلى كائن مستقل عنها، أي إنه يمنع قيام الصراع الطبقي للاستيلاء على فائض الإنتاج. لهذا تتم إعادة إنتاج «علاقات الإنتاج» نفسها، وهنا يكمن سر «ركود» المجتمعات الآسيوية.
    لكن هذا الركود الذي يتحدد بانصهار الفرد (الأدنى) في الجماعة لا يستمر إلى الأبد، ونظراً للتركيبة الطبقية في الأسلوب الآسيوي نفسه فإن الأقوياء (في الطبقة العليا) ينزعون في مراحل التطور اللاحقة إلى وضع اليد مباشرة على الأرض ووسائل الإنتاج الأخرى، وإلى تقاسمها فيما بينهم، جاعلين الفلاحين أقناناً. وهذا هو أحد أسرار ضعف العوامل الداخلية ودعوة العامل الخارجي للتدخل.
    ومن هنا جاء اختلاط هذا الأسلوب بغيره من أساليب الإنتاج (الإقطاعي خاصة) ولعل الهند هي التي عرفت «ديمومة» أسلوب الإنتاج الآسيوي حتى سيطر عليها الاستعمار (كما يرى ماركس وإنغلز).
    التطور التاريخي لمقولة أسلوب الإنتاج الآسيوي
    ظهرت مقولة أسلوب الإنتاج الآسيوي عند ماركس عام 1839 وذلك في المسودات التمهيدية لكتاب «رأس المال» نشرت أول مرة باسم «أسس في نقد الاقتصاد السياسي»، وقد ورد ذكر التشكيلات الاجتماعية الآسيوية بالاعتماد بوجه خاص على الهند. وتلا ذلك تبلور الفكرة في مراسلات ماركس ـ إنغلز المتبادلة عام 1853 حول الهند والمنطقة العربية وغيرهما من بلاد الشرق. جاءت أول إشارة إلى أسلوب الإنتاج الآسيوي عند ماركس في قوله: «... في الخطوط الكبرى، يمكن اعتبار أساليب الإنتاج الآسيوي والقديم والإقطاعي والبورجوازي الحديث مراحل متنامية للتشكل الاجتماعي الاقتصادي».
    كان مفتاح فهم المجتمعات الشرقية عند ماركس وإنغلز هذا الأسلوب الآسيوي ـ الشرقي الذي دخلت به البشرية حضارات الأنهار الكبرى، ولم يكن قد اتضح لهما وجود المشاعة البدائية مرحلة أساسية سابقة للتطور البشري. وفي المرحلة التالية لنشر مورغان كتاب «المجتمع القديم» (1877) الذي أوضح فيه معالم تلك المرحلة، انجلى أسلوب الإنتاج الآسيوي لهما شكلاً متقدماً تحولت إليه المشاعة البدائية في الشرق تحت ضغط بيئة جغرافية «ذات خصائص محددة» أثرت في قوى الإنتاج. ومع أن إنغلز استبعد المقولة من كتابه «أصل الأسرة...» (1884) ومال في كتاباته إلى التركيز على الخط النموذجي للتطور الذي عرفته المجتمعات الأوربية في انتقالها من المشاعة إلى العبودية فالإقطاع فالرأسمالية، فإنه استبقاه فيما يخص تطور المجتمعات الآسيوية، كما ظهر أسلوب الإنتاج الآسيوي في كتابي ماركس الثاني والثالث من «رأس المال» (1885- 1894) اللذين أشرف إنغلز على نشرهما.
    إن نظام الري حول الأنهار الكبرى كان معروفاً في ظل استبداد الحكام في مصر والهند والصين وغيرها، وقد أشير إلى ذلك لدى الكثير من المؤلفين كابن خلدون والمقريزي وغيرهما... لكن مقولة أسلوب الإنتاج الآسيوي تنسب إلى ماركس وإنغلز، وذلك تأكيداً «للخصوصية الآسيوية» التي ضمت خصائص هذا الأسلوب إذ إن هذه «الخصوصية» نفسها تخرج تطور أكثر المجتمعات الآسيوية عن خط التطور النموذجي المشار إليه أعلاه.
    ومع أن مفهوم أسلوب الإنتاج الآسيوي قد ظل شائعاً في الفكر الماركسي في العشرينات، فقد أدى الاهتمام بما سيجري في الغرب (نتيجة التجربة السوفييتية) إلى عدم الاهتمام كثيراً بما كان يجري في الشرق القديم. وقاد ذلك الكثيرين إلى الانخراط في تأييد نظرية الخط الواحد في التطور، لا في الغرب فقط بل في الشرق، حتى في الهند والمنطقة العربية. وقد وضع الكومنترن [الأممية الشيوعية] 1928 المقولة ضمن حاصرتين، كما جرت في مناظرتي تفليس ولينينغراد (1930-1931) محاولة دفن الأسلوب الآسيوي نهائياً، حين تجاهله ستالين وتروتسكي معاً في حديثهما عن المجتمع الصيني. ثم جاء كتاب ستالين «المادية التاريخية» (1938) ليثبت خط المراحل الخمس وكأنه تأكيد للمادية التاريخية وجدليتها الحتمية. ومنذ ذلك التاريخ وقف خط المراحل الخمس حداً فاصلاً بين أنصار الأسلوب الآسيوي وخصومه في الصف الماركسي. وزاد الموقف من الأسلوب الآسيوي معاداة للماركسية ومقولاتها، ومن جهة أخرى فإن طرح الأشكال الجديدة لأسلوب الإنتاج التي طرأت نتيجة تحرر الشعوب من الاستعمار في آسيا وإفريقية وأمريكة اللاتينية أعاد طرح المقولات الماركسية بشدة بعد الحرب العالمية الثانية، وكان لابد من معرفة كنه أسلوب الإنتاج الذي سبق الأسلوب الذي قاد إليه الاستعمار، وخاصة أن نظرية المراحل الخمس لم تكن قادرة على احتواء ذلك وتفسيره. وقد قوي موقف خصوم الأسلوب الآسيوي بإخراج الصين من إطاره على يد ماوتسي تونغ الذي أعلن في كتاب «الثورة الصينية» (1939) أن الصين كانت مجتمعاً إقطاعياً ثلاثة آلاف عام بعد مجتمع عبودية استمر ألف عام (وكان العالم سافاروف قد أشار منذ عشرينات القرن العشرين إلى هذه الصين الإقطاعية التي ظهر فيها الرق لاحقاً ونشأ في حضن الإقطاع).
    ويمكن القول إن التضارب في الآراء حول أسلوب الإنتاج الآسيوي شغل النظر عن حقيقة التطور الذي عرفته المجتمعات الشرقية. ولاشك أن هذه المجتمعات لم تسلك الطريق النموذجي في تطورها لا في تاريخها القديم ولا في تاريخها اللاحق والحديث، ولم يبق أمام راغبي التبسيط إلا أن يقروا واحداً من أمرين: إما أن هذه المجتمعات لم تعرف الأسلوب الآسيوي وعرفت سواه كالأسلوب الإقطاعي (بعد الرقِّي)، كما في الصين، وإما أنها عرفته ولم تعرف سواه حتى وقوعها فريسة للاستعمار، كما في الهند. وما تزال المشكلة قائمة فيما يتصل بالمنطقة العربية في الماضي البعيد والقريب أيضاً.
    موقع أسلوب الإنتاج الآسيوي بين التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية
    إن هذا الأسلوب الذي لا يندرج في الخط النموذجي لتطور المجتمعات الأوربية هو ذو موضوعية تعبر عن خصوصية المجتمعات الشرقية وعن ركودها النسبي، وبذلك يختلف عن كل أنماط الإنتاج الأخرى. فكيف يمكن أن يكون مع ذلك مرحلة من مراحل التطور أو التدرج في تطور التشكل الاجتماعي الاقتصادي كما قد يفهم من مقولات ماركس؟ والجواب عن ذلك هو أن أسلوب الإنتاج الآسيوي قابل للانفتاح، فركوده رهن باجتماع العوامل الداخلية حول الخصوصية الآسيوية، وبعدم وجود عوامل خارجية مرجحة. إن كون أسلوب الإنتاج الآسيوي قابلاً للنزوع إلى أسلوب الإنتاج الإقطاعي من الأعلى (الطبقة الحاكمة) لا من الأدنى (الفلاحين) جعله يتعرض لكل الاحتمالات.
    أسلوب الإنتاج الآسيوي والمادية التاريخية
    تقول المادية التاريخية[ر] إن درجة تطور القوى المنتجة تحدد طبيعة علاقات الإنتاج المناسبة في جدلية الانتقال البشري من أسلوب إنتاج إلى أسلوب إنتاج آخر. فالقوى المنتجة في أسلوب الإنتاج الآسيوي، تخضع لعوامل أساسية هي مناخية وطبيعية. ومن هنا كان «النموذج الآسيوي» أكثر ثباتاً وعناداً، فاتسم بهذا الركود النسبي الذي يشار إليه. لكن هل يعني هذا النوع من الركود أن المادية التاريخية هي شأن من شؤون أنماط الإنتاج الخمسة التي عرفت تسلسلها المجتمعات الأوربية فقط، وأن لا علاقة بين المادية التاريخية وأسلوب الإنتاج الآسيوي، فيسقط هذا الأخير ويتم إهماله؟ هذا ما يراه منظرو التطور النموذجي. لكن المادية التاريخية ليست، ولا يمكن أن تكون، وقفاً على المراحل الخمس. كما أنها بوصفها أداة علمية تبقى غير كافية لتفسير كل ما جرى في التاريخ.
    لهذا فإن «نظرية العامل الخارجي» التي تتجاهلها جماعة ربط المادية التاريخية بالمراحل الخمس تستحق أن يضاف إليها بعدٌ آخر للتناقضات الداخلية التي تطرأ على عناصر التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية داخل أسلوب الإنتاج فيها، لأن العامل الخارجي عندما يتدخل يمكن أن يخمد أو يكبت هذه التناقضات أو ينضجها
    إسماعيل سفر

يعمل...
X