اعدام (عقوبه)
Death penalty - Peine de mort
الإعدام (عقوبة ـ)
عقوبة الإعدام أو كما يطلق عليها عقوبة الموت la peine de mort أو العقوبة الكبرى la peine capitale هي من أقدم العقوبات في التاريخ، فقد أخذت بها المجتمعات القديمة للانتقام من القاتل بإراقة دمه إرضاء لأسرة القتيل، ولإقامة العدل الذي تنادي به الآلهة. وطبقتها أيضاً لإقصاء الأشخاص الذين يرتكبون بعض الجرائم الدينية أو الأخلاقية عن المجتمع، للتخلص من شرورهم وآثامهم.
وتجمع التشريعات القديمة على فرض عقوبة الإعدام في جرائم معينة، كالقتل والزنا والاغتصاب والسحر. وتتوسع بعض هذه التشريعات في تطبيق الإعدام على أنواع متعددة من الجرائم، مثل رشوة الموظفين، والتطفيف في الميزان، والتصريح الكاذب عن الموارد المالية (التشريع المصري القديم)، والسرقات الكبرى، والبلاغ الكاذب عن جريمة قتل، وشهادة الزور في جريمة القتل، والتهرب من الخدمة العسكرية (قانون حمورابي)، واللواط وإتيان الحيوانات وعبادة الأوثان والردة وتحقير الرب والعمل يوم السبت (الشريعة اليهودية).
وطبقت شعوب أوربة منذ العصور القديمة وإلى نهاية القرن الثامن عشر، عقوبة الإعدام على نطاق واسع، فكانت وسيلة دفاع عن الملك والمجتمع والدين، ورد فعل على عشرات الجرائم الواقعة على الأشخاص أو الأموال أو الأخلاق. كما كانت تطبق دائماً بأساليب بالغة القسوة، كالحرق والتقطيع والإغراق والصلب وسلخ الجلد حياً والشنق والخازوق والغلي بالزيت أو بالماء.
عقوبة الإعدام عند العرب قبل الإسلام وفي الشريعة الإسلامية
لم تكن عقوبة الإعدام مطبقة عند العرب قبل الإسلام على نطاق واسع، خلافاً لما كان سائداً عند الشعوب المجاورة. ويرجع العرب في جميع أحكامهم في تلك المرحلة إلى العرف. ومن بين الأعراف السائدة آنذاك حق الأب في قتل أولاده الذكور وفي وأد بناته، وحق ولي الدم في أن يثأر من قاتل الشخص المُولّى عليه، فإذا تمكن من ذلك فقد تحققت الغاية، وإلا تدخل الحكماء لحل المشكلة بتسليم القاتل إليه، للاقتصاص منه، أو لدفع الدية. ومن الجرائم التي كانت معاقبة بالإعدام أيضاً جريمة الزنا، خشية اختلاط الأنساب، ودفعاً للعار.
وحينما جاء الإسلام أخذ بعقوبة الإعدام لكنه طبقها باعتدال، فقد فرضها في الجرائم الخطيرة فقط التي نص عليها القرآن الكريم صراحة أو وردت في السنة الشريفة، وهي جرائم الحدود كالزنا والحرابة والردة، وجرائم القصاص كالقتل العمد. علماً بأن الشريعة الإسلامية لا تمنع ولي الأمر من النص على فرض عقوبة الإعدام تعزيراً في الجرائم الخطيرة إذا رأى موجباً لذلك. ويظهر اعتدال الإسلام، من جهة ثانية، في أسلوب تنفيذ عقوبة الإعدام. فقد ألغى تعذيب المحكوم عليه قبل إعدامه، أو دفنه حياً، أو التمثيل بجسده قبل الموت أو بعده، أو حرقه أو تقطيعه أو قطع عضو من أعضائه، أو قتله بطريقة وحشية أو مهينة لكرامته وإنسانيته. وكان الإعدام ينفذ بضرب عنق المحكوم عليه بالسيف وقطع رأسه.
الاعتدال في تطبيق عقوبة الإعدام وفي تنفيذها
كان للديانتين الإسلامية والمسيحية أثر كبير في دفع تشريعات العالم إلى الاعتدال في تطبيق عقوبة الإعدام وفي تنفيذها. وقد ظهرت حركة الاعتدال في أوربة في القرن الثامن عشر، وأيدها عدد من الفقهاء الكبار، كالفقيه الإيطالي بكاريا في كتابه «الجرائم والعقوبات» (1764) وجون هوارد في كتابه «دولة السجون» (1775). وكان لهذه الآراء، التي رفدتها مبادئ الثورة الفرنسية، فعلها في دفع التشريعات إلى تطبيق هذه العقوبة في الجرائم الخطيرة فقط، وتوجيه المحاكم نحو التضييق في تطبيقها، وحث السلطة التي تملك حق العفو أو التخفيف على أن تستبدل بها عقوبة السجن المؤبد، كلما دعت أسباب إنسانية لذلك. وشمل هذا الاعتدال التنفيذ أيضاً بأساليب يقال إنها رحيمة، كقطع الرأس بالمقصلة، أو الشنق، أو الصدمة الكهربائية، أو ماشابهها. كما ألغيت أساليب التعذيب التي تسبق عقوبة الإعدام أو ترافقها أو تلحق بها.
الاتجاه المؤيد لعقوبة الإعدام
لعقوبة الإعدام أنصارها في كل العصور. فقد دافع عنها بحماسة أكثر فلاسفة العصور القديمة والوسيطة مثل أرسطو وتوما الإكويني. وأيدها عدد كبير من المفكرين البارزين في العصر الحديث، مثل لوك وكنت ولومبروزو وغاروفالو ومونتسكيو وروسو وفولتير. وامتدحها كبار أساتذة القانون في القرن العشرين مثل غارو وغارسون ودونيديو وفابر. وحجج أنصار عقوبة الإعدام أنها:
ـ عقوبة عادلة، يتساوى فيها الضرر بالجزاء. فالجاني الذي يزهق روح إنسان عمداً، أو يخون وطنه، أو يرتكب جرائم شديدة الخطورة على المجتمع والأفراد، عليه أن يكفر عن ذنبه بدمه، وأن يدفع حياته ثمناً لإثمه الكبير.
ـ عقوبة ضرورية، لتخليص المجتمع من الأشخاص الخطرين الذين تمكن الشر من نفوسهم، ولا أمل في إصلاحهم أو في شفائهم.
ـ عقوبة رادعة تفزع كل من تسول له نفسه ارتكاب جريمة معاقب عليها بالإعدام، فيمتنع عن ارتكابها.
ـ عقوبة تبعث الطمأنينة في نفوس المواطنين مادام التشريع ينص على وجودها. وبالمقابل فإن إلغاءها بعد أن ألفها الرأي العام، واطمأن إليها، سيملأ النفوس بالقلق والخوف، ويقود إلى عدم الاستقرار الاجتماعي.
ـ عقوبة يقينية ومحتمة لأن عقوبة الحبس كثيراً ما تنتهي إلى الهرب أو العفو أو وقف تنفيذ الحكم (الإفراج الشرطي).
ـ عقوبة أفضل من عقوبة السجن المؤبد التي تستبدل بها عادة. فهذه الأخيرة عذاب جسدي ونفسي قاتل لا نهاية له يفوق عذاب الموت ومرارته، وهي لا فائدة منها مادام السجين سيقضي حياته كلها داخل السجن، وهي مكلفة تتحمل الدولة نفقاتها الباهظة من دون هدف يرجى تحقيقه.
الحركة الإلغائية لعقوبة الإعدام
تجد النظرة الإلغائية جذورها في الحقوق الرومانية، والفكر المسيحي، وفي جانب من الفلسفة الأوربية في العصور الحديثة. ولكن هذه النظرة لم تترسخ ولم تعط أكلها إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حين بدأت الحركة الإلغائية لعقوبة الإعدام تلقى صداها لدى الدول، فألغتها اليونان عام 1862، وفنزويلة (1863)، ورومانية (1864)، والبرتغال (1867)، وهولندة (1870)، وبعض المقاطعات السويسرية (1870ـ 1880)، والبرازيل (1889)، وإيطالية (1890)، والإكوادور(1897).
ثم توسعت الحركة الإلغائية فشملت عدداً كبيراً من الدول منها: النروج (1905)، وكولومبية (1910)، والنمسة (1919)، وأسترالية (1922)، والسويد (1921)، والأرجنتين (1922)، والدنمارك (1930)، والمكسيك (1931)، وسويسرة (1942)، وإيطالية (التي عادت إليها ثم ألغتها ثانية عام 1944)، وألمانية (1949)، وفنلندة (1949)، والنمسة (1950) بعد أن كانت قد ألغتها عام 1934، وكندا (1967)، وإنكلترة (1965)، وإسبانية (1978)، وفرنسة (1981)، وفي الولايات المتحدة الأمريكية ألغيت عقوبة الإعدام في 15 ولاية، منها ميتشغان (1847)، وكولورادو (1897)، ومنيسوتة (1911)، وألاسكة (1957)، وهاواي(1957).
وفي عام 1959 كلفت الجمعية العمومية للأمم المتحدة المجلس الاجتماعي والاقتصادي دراسة عقوبة الإعدام وفكرة إلغائها، فقام المجلس بهذه الدراسة بمعونة شخصيات علمية كبيرة، واتجه الرأي إلى إلغاء هذه العقوبة، من غير أن يتخذ بشأنها قراراً نهائياً. وفي عام 1977 أصدرت جمعية العفو الدولية المنعقدة في ستوكهولم تصريحاً ناشدت فيه دول العالم إلغاء عقوبة الإعدام، لأنها عقوبة قاسية ومهينة وغير إنسانية وتنتهك حق الحياة. وطالب البرلمان الأوربي عام 1980 دول مجلس أوربة أن تلغي هذه العقوبة احتراماً لكرامة الإنسان وإنقاذاً للحياة الإنسانية. وانتهى المؤتمر الدولي السابع للقانون الجزائي الدولي المنعقد في ميلانو عام 1985 إلى قرار يطالب فيه الدول التي لم تلغ عقوبة الإعدام بإلغائها. وقد عرض هذا القرار على الجمعية العامة للأمم المتحدة فوافقت عليه بجلستها المنعقدة في 29/10/ 1985.
واعتمد الإلغائيون في موقفهم على الحجج التالية:
ـ الحياة منحة من الله تعالى، فهو الذي يعطيها للفرد، وهو الذي يسلبها منه، لا يحق للدولة أو لغيرها من المخلوقات ادعاء مثل هذا السلطان.
ـ عقوبة الإعدام لا تأتلف مع المنطق العقلي، لأنها قتل مقصود ومنظم، تنفذه الدولة بدم بارد وأعصاب هادئة، وهذا لا يشبه حال المجرم الذي يرتكب جريمته تحت تأثير أسباب لم يتوصل العلم حتى اليوم إلى معرفة حقيقتها.
ـ وهي عقوبة غير عادلة، لأن القاضي مهما أُوتي من فهم، ورهافة حس، لا يستطيع قياس درجة الخطأ، ليقدر هل كان يساوي حياة مرتكبه.
ـ وهي عقوبة متخلفة، مازالت موجودة من بقايا الثأر، وتتنافى مع فلسفة العقاب الحديثة، التي تقوم على إصلاح المجرم وتأهيله اجتماعياً، مهما كانت جريمته والأسباب التي دفعته إليها.
ـ وهي عقوبة لا يمكن تلافي الغلط القضائي فيها، وإصلاح آثارها، إذا ما ظهرت أدلة جديدة بعد تنفيذ الحكم تثبت براءة المحكوم عليه.
ـ وهي عقوبة غير يقينية، لأنها لا تنفذ إلا نادراً. فالشهود يعزفون عن الشهادة، إذا ما عرفوا أن العقوبة هي الإعدام، خشية وتهيباً. والقضاة غالباً ما يتجهون إلى البراءة درءاً للخطأ، وهرباً من وطأة الضمير، ورئيس الدولة يستعمل حقه في العفو الخاص، في أكثر الحالات، فيخفض العقوبة إلى السجن المؤبد تجنباً لقسوة هذه العقوبة وتخلصاً من عيوبها.
ـ وهي عقوبة غير مفيدة، فلم يثبت حتى اليوم أنها ردعت المجرمين، أو ثنتهم عن ارتكاب الجرائم الخطيرة، أو كانت وسيلة وقاية من الإجرام. فقد ثبت في جميع الدول التي ألغتها ثم رجعت إليها كالنمسة عام 1934، أو ألغتها على سبيل التجربة كإنكلترة عام 1965، أو التي تتشدد في تطبيقها كما في بعض الولايات المتحدة الأمريكية، أن الجرائم التي تعاقب بالإعدام ظلت بازدياد. وفي دراسة أجريت في إنكلترة بينت أن 170 من 250 شخصاً أعدموا في أوائل القرن العشرين، شاهدوا تنفيذ عقوبة إعدام مرة أو مرتين في حياتهم، وحينما كانت جريمة النشل معاقباً عليها بالإعدام، كانت تقع عدة حوادث نشل بين الجمهور المحتشد لمشاهدة تنفيذ هذه العقوبة. وعقوبة الإعدام مطبقة منذ الأزل، ومع ذلك فإن الجرائم التي تعاقب بها يزداد ارتكابها يوماً بعد يوم.
عقوبة الإعدام في الدول العربية
تأخذ جميع التشريعات العربية بعقوبة الإعدام، ولكن باعتدال شديد، فهذه التشريعات لا تنص عليها إلا في بعض الجرائم الخطيرة. وإذا ما تقرر تنفيذها فعلاً، فإن التنفيذ يحاط بضمانات عدة. وفي واقع الحال لا تنفذ عقوبة الإعدام في بعض الدول العربية إلا نادراً، وتنفذ في بعضها الآخر في عدد محدود يراوح بين 5 و10 حالات سنوياً.
وتجمع الدول العربية على فرض عقوبة الإعدام في الجرائم التالية: الخيانة، والقتل مع سبق الإصرار، والقتل المترافق بجناية تسهيلاً أو تمهيداً أو إخفاء لها، وقتل الأصول والفروع. وتتوسع بعض التشريعات العربية في فرض عقوبة الإعدام على بعض الجرائم مثل: القتل بالتسميم (العراق والكويت ومصر والمغرب)، ضرب أو جرح ولد بصورة عنيفة تؤدي إلى موته (المغرب)، الخطف المشدد (الكويت)، خطف القاصر إذا أدى الخطف إلى موته (المغرب)، الشهادة الكاذبة إذا أدت إلى حكم بالإعدام على المتهم (العراق والمغرب ومصر والسودان)، زنا المحصن والردة والحرابة والبغي (المملكة العربية السعودية)، الاغتصاب (المملكة العربية السعودية والكويت)، الاتجار بالمخدرات (العراق)، الاتجار بالمخدرات في حالة التكرار (سورية ومصر)، تهريب المخدرات إلى داخل الدولة (المملكة العربية السعودية).
ولا تنفذ عقوبة الإعدام في الدول العربية إلا وفق إجراءات قانونية دقيقة، ضماناً لحقوق المحكوم عليه. ففي سورية مثلاً تلزم النيابة العامة[ر] بعرض الحكم بالإعدام على محكمة النقض، وإن لم يطعن به المحكوم عليه، فإذا صدقته هذه المحكمة يعرض على لجنة العفو. وهذه اللجنة تبين رأيها فيه، وترفعه بتقرير إلى رئيس الجمهورية، فإذا أقر الرئيس العقوبة أصدر مرسوماً بذلك. وللرئيس أن يلغي عقوبة الإعدام، ويستبدل بها عقوبة أخرى، كالأشغال الشاقة المؤبدة، أو الاعتقال المؤبد، وذلك بمرسوم يصدر لهذا الغرض.
وعقوبة الإعدام تنفذ في غالبية الدول العربية بالشنق للمدنيين، ورمياً بالرصاص للعسكريين. وعملية الشنق في سورية تتم داخل السجن، أو في أي مكان آخر يحدده مرسوم تنفيد العقوبة. ويحضر التنفيذ عدد من الأشخاص منهم رئيس المحكمة وممثل النيابة العامة وأحد رجال الدين والطبيب الشرعي. ويسأل المحكوم عليه قبل التنفيذ هل يريد أن يقول شيئاً قبل موته. وبعد إتمام إجراءات الإعدام تدفن الجثة من قبل السلطة وعلى نفقتها، إلا إذا رأت تسليمها إلى ذويه. ويحظر تنفيذ الإعدام في أيام الجمع والآحاد والأعياد الوطنية أو الدينية، ويؤجل تنفيذ الإعدام بالمرأة الحامل إلى أن تضع حملها. وفي بعض الدول العربية مثل الكويت، إذا وضعت الحامل جنينها حياً أبدل الحبس المؤبد بعقوبة الإعدام.
وأخيراً فمهما قيل في عقوبة الإعدام تأييداً أو استنكاراً، يبقى فرضها آخذاً بالانحسار. فقد ألغيت هذه العقوبة في عدد كبير من دول العالم. والدول التي تبقي عليها، ومنها الدول العربية، لا تطبقها إلا نادراً، وتتركها في تشريعها للتهديد بها، وتنفذها في حالات استثنائية، وعندما تمس الحاجة إليها مسّاً شديداً. فضلاً عن أن الاتجاه العربي والعالمي سائر في الوقت الحاضر نحو الاعتقاد بعدم وجود مجرم مسؤول عن جريمته مسؤولية مطلقة، وأن وسائل العلاج الحديثة، كفيلة إلى حد كبير بتأهيل المجرم اجتماعياً، وإبعاده عن طريق الجريمة.
عبود السراج