ابن الفقيه (أحمد بن محمد الهمذاني -)
(… - بعد 290هـ/… - بعد 902م)
أبو بكر، أحمد بن محمَّد بن إسحاق بن إبراهيم الهمذاني، الشهير بابن الفقيه. وُلد بهمذان لأسرةٍ اشتُهرت بعلم الحديث والأدب، وهو من العلماء البارزين في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي، لا يُعرف كثير عن حياته، ولكن من المتواتر أنه عاش في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وهو من أبناء واحدةٍ من كبريات المدن الفارسية الذائعة الصيت. نما وترعرع في بيت علمٍ ، فقد كان غالبية أفراد أسرته ممَّن اشتُهروا بالحديث والأدب، حاز ابن الفقيه مكانةً علميةً عاليةً بين علماء عصره في ميداني الحديث والأدب، ولكنه تميّز وتألق نجمه وذاعت شهرته في علم الجغرافية، الأمر الذي أسهم في ذيوع شهرته في عهد الخليفة العباسي المعتضد (279-289هـ)، الذي كان على صلةٍ وطيدةٍ معه، ووفر له إمكان القيام برحلاته المختلفة إلى شتى الأمصار والبلدان.
له «كتاب البلدان»، الذي ضاع معظمه، ولم يُعثر إلا على نسخةٍ مختصرة منه قام بإعدادها علي بن جعفر الشيرازي عام 413هـ/1022م، وقد نشر أحمد زكي الوليدي ملخصاً عنه ضمن الجزء الخاص من المكتبة الجغرافية التي جمعها دي خويه في ليدن في هولندا عام 1303هـ/1885م، كما أشار كراتشكوفسكي إلى أنه اكتشفت مخطوطة في مدينة مشهد تحوي الجزء الثاني من المسودة الكبرى لكتابه هذا، ويورد فيها معلوماتٍ قيمة عن تركستان والقوقاز. تميّز الكتاب بأن المؤِّلف تناول فيه العلوم الجغرافية بأسلوبٍ أدبي سلس، واحتوى على بعض المقطوعات الشعرية، وقد اعتمد عليه عددٌ من كبار المؤلِّفين الذين جاؤوا من بعده من أمثال المسعودي، والمقدسي البشاري، وياقوت الحموي، وغيرهم من علماء العرب والمسلمين المتخصصين في العلوم الجغرافية في مؤلفاتهم.
حشد ابن الفقيه في كتابه معلوماتٍ كثيرة عن الجغرافيا والتاريخ قاصداً بذلك تثقيف العامَّة، لذا جعل كتابه هذا نحو ألفي صفحة، ويقول المقدسي: «رأيت كتاباً صنفه ابن الفقيه الهمذاني في خمس مجلداتٍ سلك فيه طريقةً أخرى ولم يذكر غير المدائن العظمى وأدخل فيه فنوناً من العلوم، فتراه مرةً يزهد في الدنيا، ودفقة يرغب فيها، ووقتاً يبكي، وساعةً يضحك ويلهو». وقد شمل كتابه أفكاراً ونظرياتٍ جغرافية وتاريخية عن البحار والأنهار، وكذلك ضمّ معلوماتٍ مفيدة جداً اقتبسها من خلال رحلاته التي قام بها إلى الصين، والهند، وبعض أطراف البلاد الإسلامية كالبصرة، والكوفة، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، وتهامة، والبحرين، ومصر، والشام، وبلاد الروم. وتحدّث في كتابه عن خطّ الاستواء، وذكر أنه الخطَّ الوحيد الذي يقسم الأرض إلى قسمين متساويين، وهو أكبر خط في الكرة الأرضية، كما تطرَّق إلى كروية الأرض، فقد قال ابن الفقيه في كتابه مختصر تاريخ البلدان: «وذكر بعض الفلاسفة أن الأرض مدورةٌ كتدوير الكرة موضوعة في جوف الفلك، كالمحَّة في جوف البيضة، والنسيم حول الأرض، وهو جاذبٌ لها من جميع جوانبها إلى الفلك، وبنيته الخلق على الأرض، وأن النسيم جاذبٌ في أبدانهم من الخفَّة، والأرض جاذبٌ لما في أبدانهم من الثقل، لأن الأرض بمنزلة الحجر الذي يجذب الحديد». كما قدّم ابن الفقيه دراسةً موثقةً عن عجائب المخلوقات في كلٍ من الصين والهند، كما رآها خلال رحلته لتلك الديار، ممَّا جعل المتخصصين في علمي النبات والحيوان يعدّون كتابه وثيقةً جغرافيةً مهمة، وعلمية ضرورية للباحثين في حقول المعرفة المختلفة. وصنَّف أيضاً كتابين ضمَّ الأول مختاراتٍ من الشعر العربي لشعراء معاصرين له، في حين احتوى الكتاب الثاني على الجغرافيا.
يُجمع المؤرخون على أن كتاب ابن الفقيه في البلدان يحتوي على معلوماتٍ ضرورية ونادرة لكل من مادتي الجغرافيا والأدب، فهو من المصادر المهمة للباحثين في هذين المجالين، لكن من الملاحظ أن شهرة ابن الفقيه في الميدان الجغرافي هي السمة الغالبة وطغت على شهرته في الأدب ، لأنه عُرف بين مؤرخي العلوم أنه من العلماء المتميزين في الجغرافيا. يذكر صاحب كتاب «رواد علم الجغرافية» أن ابن الفقيه أثبت كروية الأرض بطريقةٍ علمية من دون الإشارة لأية معلومات حول تلك الطريقة ومحتواها.
لقد كان ابن الفقيه واحداً من كبار أدباء الحضارة العربية و الإسلامية، عالمٌ بتقويم البلدان من دون منازع، تمكَّن من زيارة معظم البلاد الإسلامية ولقاء جهابذة الفكر في الجغرافيا والأدب في تلك البلاد التي زارها، ونال سمعةً جيدة بين معاصريه بذكائه الخارق، وسرعة بديهته.
عبد الله محمود حسين
(… - بعد 290هـ/… - بعد 902م)
أبو بكر، أحمد بن محمَّد بن إسحاق بن إبراهيم الهمذاني، الشهير بابن الفقيه. وُلد بهمذان لأسرةٍ اشتُهرت بعلم الحديث والأدب، وهو من العلماء البارزين في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي، لا يُعرف كثير عن حياته، ولكن من المتواتر أنه عاش في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وهو من أبناء واحدةٍ من كبريات المدن الفارسية الذائعة الصيت. نما وترعرع في بيت علمٍ ، فقد كان غالبية أفراد أسرته ممَّن اشتُهروا بالحديث والأدب، حاز ابن الفقيه مكانةً علميةً عاليةً بين علماء عصره في ميداني الحديث والأدب، ولكنه تميّز وتألق نجمه وذاعت شهرته في علم الجغرافية، الأمر الذي أسهم في ذيوع شهرته في عهد الخليفة العباسي المعتضد (279-289هـ)، الذي كان على صلةٍ وطيدةٍ معه، ووفر له إمكان القيام برحلاته المختلفة إلى شتى الأمصار والبلدان.
له «كتاب البلدان»، الذي ضاع معظمه، ولم يُعثر إلا على نسخةٍ مختصرة منه قام بإعدادها علي بن جعفر الشيرازي عام 413هـ/1022م، وقد نشر أحمد زكي الوليدي ملخصاً عنه ضمن الجزء الخاص من المكتبة الجغرافية التي جمعها دي خويه في ليدن في هولندا عام 1303هـ/1885م، كما أشار كراتشكوفسكي إلى أنه اكتشفت مخطوطة في مدينة مشهد تحوي الجزء الثاني من المسودة الكبرى لكتابه هذا، ويورد فيها معلوماتٍ قيمة عن تركستان والقوقاز. تميّز الكتاب بأن المؤِّلف تناول فيه العلوم الجغرافية بأسلوبٍ أدبي سلس، واحتوى على بعض المقطوعات الشعرية، وقد اعتمد عليه عددٌ من كبار المؤلِّفين الذين جاؤوا من بعده من أمثال المسعودي، والمقدسي البشاري، وياقوت الحموي، وغيرهم من علماء العرب والمسلمين المتخصصين في العلوم الجغرافية في مؤلفاتهم.
حشد ابن الفقيه في كتابه معلوماتٍ كثيرة عن الجغرافيا والتاريخ قاصداً بذلك تثقيف العامَّة، لذا جعل كتابه هذا نحو ألفي صفحة، ويقول المقدسي: «رأيت كتاباً صنفه ابن الفقيه الهمذاني في خمس مجلداتٍ سلك فيه طريقةً أخرى ولم يذكر غير المدائن العظمى وأدخل فيه فنوناً من العلوم، فتراه مرةً يزهد في الدنيا، ودفقة يرغب فيها، ووقتاً يبكي، وساعةً يضحك ويلهو». وقد شمل كتابه أفكاراً ونظرياتٍ جغرافية وتاريخية عن البحار والأنهار، وكذلك ضمّ معلوماتٍ مفيدة جداً اقتبسها من خلال رحلاته التي قام بها إلى الصين، والهند، وبعض أطراف البلاد الإسلامية كالبصرة، والكوفة، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، وتهامة، والبحرين، ومصر، والشام، وبلاد الروم. وتحدّث في كتابه عن خطّ الاستواء، وذكر أنه الخطَّ الوحيد الذي يقسم الأرض إلى قسمين متساويين، وهو أكبر خط في الكرة الأرضية، كما تطرَّق إلى كروية الأرض، فقد قال ابن الفقيه في كتابه مختصر تاريخ البلدان: «وذكر بعض الفلاسفة أن الأرض مدورةٌ كتدوير الكرة موضوعة في جوف الفلك، كالمحَّة في جوف البيضة، والنسيم حول الأرض، وهو جاذبٌ لها من جميع جوانبها إلى الفلك، وبنيته الخلق على الأرض، وأن النسيم جاذبٌ في أبدانهم من الخفَّة، والأرض جاذبٌ لما في أبدانهم من الثقل، لأن الأرض بمنزلة الحجر الذي يجذب الحديد». كما قدّم ابن الفقيه دراسةً موثقةً عن عجائب المخلوقات في كلٍ من الصين والهند، كما رآها خلال رحلته لتلك الديار، ممَّا جعل المتخصصين في علمي النبات والحيوان يعدّون كتابه وثيقةً جغرافيةً مهمة، وعلمية ضرورية للباحثين في حقول المعرفة المختلفة. وصنَّف أيضاً كتابين ضمَّ الأول مختاراتٍ من الشعر العربي لشعراء معاصرين له، في حين احتوى الكتاب الثاني على الجغرافيا.
يُجمع المؤرخون على أن كتاب ابن الفقيه في البلدان يحتوي على معلوماتٍ ضرورية ونادرة لكل من مادتي الجغرافيا والأدب، فهو من المصادر المهمة للباحثين في هذين المجالين، لكن من الملاحظ أن شهرة ابن الفقيه في الميدان الجغرافي هي السمة الغالبة وطغت على شهرته في الأدب ، لأنه عُرف بين مؤرخي العلوم أنه من العلماء المتميزين في الجغرافيا. يذكر صاحب كتاب «رواد علم الجغرافية» أن ابن الفقيه أثبت كروية الأرض بطريقةٍ علمية من دون الإشارة لأية معلومات حول تلك الطريقة ومحتواها.
لقد كان ابن الفقيه واحداً من كبار أدباء الحضارة العربية و الإسلامية، عالمٌ بتقويم البلدان من دون منازع، تمكَّن من زيارة معظم البلاد الإسلامية ولقاء جهابذة الفكر في الجغرافيا والأدب في تلك البلاد التي زارها، ونال سمعةً جيدة بين معاصريه بذكائه الخارق، وسرعة بديهته.
عبد الله محمود حسين