الفضل بن الربيع
(138-208هـ/755-824م)
أبو العباس الفضل بن الربيع بن يونس بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة، واسم أبي فروة كيسان مولى عثمان بن عفان، كان حاجب هارون الرشيد وكان أبوه الربيع حاجب المنصور والمهدي، في حين كان البرامكة وزراء للرشيد.
وكان الفضل يروم التشبه بالبرامكة ومعارضتهم، ولم تكن لديه القدرة ليدرك اللحاق بهم، وكانت بينه وبينهم إحن وشحناء، ولم يزل يعمل جهده فيهم حتى هلكوا.
وقد استغل منادمته للرشيد لإيغار صدره على البرامكة والإيقاع بهم ونكبتهم، ومالأه على ذلك كاتب البرامكة إسماعيل بن صبيح حتى كان ما كان. وسبب بغضاء الفضل للبرامكة يرجع إلى تقصيرهم في حقه وتنقصهم له، ومن ذلك أن الفضل تنازع يوماً مع جعفر بن يحيى البرمكي بحضرة الرشيد، فقال جعفر للفضل: يا لقيط، إشارة إلى ما كان يقال عن أبيه الربيع من أنه لا يعرف نسبه. وجرت ملاحاة بين الاثنين. ومن ذلك أيضاً أن الفضل دخل على يحيى بن خالد البرمكي الجالس لقضاء حوائج الناس وابنه جعفر يوقع بين يديه. وكان مع الفضل عشر رقاع فلم يقض له يحيى منها واحدة؛ فجمعهن الفضل وقال: ارجعن خائبات خاسئات، ثمَّ نهض يقول:
عسى وعسى يثني الزمان عنانه
بتصريف حال والزمان عثور
فتُقضى لبانات وتشفى حزائز
وتحدث من بعد الأمور أمور
فسمعه الوزير يحيى فقال له: أقسمت عليك يا أبا العباس إلا رجعت، وأخذ منه الرقاع ووقع عليها كلها. يضاف إلى ما سبق أن الرشيد أمر بتقليد الفضل ناحية يأخذ رزقها فماطل البرامكة وسوَّفوا، وكان من تماديهم أنهم تقاصروا في نفقات الرشيد، في حين كان الفضل يتقرب من الرشيد بالهدايا المميزة. وتفاقم سوء الظن بين الفضل والبرامكة وزادت ريبة الرشيد من البرامكة وخافهم من تطاولهم على سلطانه؛ فنكبهم واستوزر الفضل بديلاً عنهم. وكان الفضل يتصرف بما يرضي الخليفة مهما قسا عليه، وفي هذه المناسبة يقول الشاعر أبو نواس:
ما رعى الدهر آل برمك لما
أن رمى ملكهم بأمر فظيع
إن دهراً لم يرعَ عهداً ليحيى
غير راع ذمام آل الربيع
مات الرشيد والفضل مستمر في وزارته وكان يومئذ في صحبة الرشيد بطوس، فقرر الفضل الأمور للأمين محمد بن الرشيد وساق إليه الخزائن وسلمه القضيب والخاتم، ولم يعرّج على المأمون بخراسان ولم يلتفت إليه مما أضغن المأمون .
وظلَّ الفضل وزيراً عند الأمين وصاحب الحل والعقد لاشتغال الأمين باللهو. ثم إن الفضل خاف من المأمون إن صارت الخلافة إليه فزّين للأمين أن يخلع المأمون من ولاية العهد ويجعل ولي عهده موسى بن الأمين، وحصلت الوحشة بين الأخوين، إلى أن سيّر المأمون جيشاً من خراسان بقيادة طاهر ابن الحسين بنصيحة من وزيره الفضل ابن سهل، وأخرج الأمين من بغداد جيشاً بإشارة من وزيره الفضل بن الربيع، وقيادة علي بن عيسى بن ماهان.
والتقى الجيشان، وقُتل علي بن عيسى وهزم جيشه وذلك سنة 195هـ/810م. واضطربت أحوال الأمين، وقويت شوكة المأمون وحوصر الأمين في بغداد وقتل.
ولما تداعت دولة الأمين ولاح إدبارها استتر الفضل بن الربيع مدة. ولما ادَّعى إبراهيم بن المهدي الخلافة ظهر ابن الربيع ولم يدخل مع إبراهيم في شيء. ولما اختلّت حال إبراهيم؛ استتر ابن الربيع ثانية حتى توسط له طاهر بن الحسين، وسأل المأمون الصفح عنه وأدخله عليه؛ فعفا المأمون عنه ولكنه استمر في دولته بطّالاً ولا حظّ له، إلى أن مات في السبعين من عمره.
كان في الفضل بن ربيع كبرٌ وجبرية، وشعره قليل جداً وهو القائل:
كنت صبّاً وقلبي اليوم سالي
عن حبيب يسيء في كل حال
لم يكن دائماً على العهد
فاستبدلت منه موافقاً لوصالي
وكان الفضل صائب النظر سديد الكلام، قال له الرشيد يوماً: كذبت فأجاب: وجه الكذوب لا يقابلك ولسانه لا يخاطبك. وحضر بعد نكبة البرامكة جنازة، فذكر البرامكة وأطراهم ووصفهم، ثم قال: كنا نعتب عليهم فصرنا نتمناهم ونبكي عليهم وأنشد متمثلاً:
عتبت على سَلْم فلما فقدتُه
وجربت أقواماً بكيت على سَلْمِ
يوسف الأمير علي
(138-208هـ/755-824م)
أبو العباس الفضل بن الربيع بن يونس بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة، واسم أبي فروة كيسان مولى عثمان بن عفان، كان حاجب هارون الرشيد وكان أبوه الربيع حاجب المنصور والمهدي، في حين كان البرامكة وزراء للرشيد.
وكان الفضل يروم التشبه بالبرامكة ومعارضتهم، ولم تكن لديه القدرة ليدرك اللحاق بهم، وكانت بينه وبينهم إحن وشحناء، ولم يزل يعمل جهده فيهم حتى هلكوا.
وقد استغل منادمته للرشيد لإيغار صدره على البرامكة والإيقاع بهم ونكبتهم، ومالأه على ذلك كاتب البرامكة إسماعيل بن صبيح حتى كان ما كان. وسبب بغضاء الفضل للبرامكة يرجع إلى تقصيرهم في حقه وتنقصهم له، ومن ذلك أن الفضل تنازع يوماً مع جعفر بن يحيى البرمكي بحضرة الرشيد، فقال جعفر للفضل: يا لقيط، إشارة إلى ما كان يقال عن أبيه الربيع من أنه لا يعرف نسبه. وجرت ملاحاة بين الاثنين. ومن ذلك أيضاً أن الفضل دخل على يحيى بن خالد البرمكي الجالس لقضاء حوائج الناس وابنه جعفر يوقع بين يديه. وكان مع الفضل عشر رقاع فلم يقض له يحيى منها واحدة؛ فجمعهن الفضل وقال: ارجعن خائبات خاسئات، ثمَّ نهض يقول:
عسى وعسى يثني الزمان عنانه
بتصريف حال والزمان عثور
فتُقضى لبانات وتشفى حزائز
وتحدث من بعد الأمور أمور
فسمعه الوزير يحيى فقال له: أقسمت عليك يا أبا العباس إلا رجعت، وأخذ منه الرقاع ووقع عليها كلها. يضاف إلى ما سبق أن الرشيد أمر بتقليد الفضل ناحية يأخذ رزقها فماطل البرامكة وسوَّفوا، وكان من تماديهم أنهم تقاصروا في نفقات الرشيد، في حين كان الفضل يتقرب من الرشيد بالهدايا المميزة. وتفاقم سوء الظن بين الفضل والبرامكة وزادت ريبة الرشيد من البرامكة وخافهم من تطاولهم على سلطانه؛ فنكبهم واستوزر الفضل بديلاً عنهم. وكان الفضل يتصرف بما يرضي الخليفة مهما قسا عليه، وفي هذه المناسبة يقول الشاعر أبو نواس:
ما رعى الدهر آل برمك لما
أن رمى ملكهم بأمر فظيع
إن دهراً لم يرعَ عهداً ليحيى
غير راع ذمام آل الربيع
مات الرشيد والفضل مستمر في وزارته وكان يومئذ في صحبة الرشيد بطوس، فقرر الفضل الأمور للأمين محمد بن الرشيد وساق إليه الخزائن وسلمه القضيب والخاتم، ولم يعرّج على المأمون بخراسان ولم يلتفت إليه مما أضغن المأمون .
وظلَّ الفضل وزيراً عند الأمين وصاحب الحل والعقد لاشتغال الأمين باللهو. ثم إن الفضل خاف من المأمون إن صارت الخلافة إليه فزّين للأمين أن يخلع المأمون من ولاية العهد ويجعل ولي عهده موسى بن الأمين، وحصلت الوحشة بين الأخوين، إلى أن سيّر المأمون جيشاً من خراسان بقيادة طاهر ابن الحسين بنصيحة من وزيره الفضل ابن سهل، وأخرج الأمين من بغداد جيشاً بإشارة من وزيره الفضل بن الربيع، وقيادة علي بن عيسى بن ماهان.
والتقى الجيشان، وقُتل علي بن عيسى وهزم جيشه وذلك سنة 195هـ/810م. واضطربت أحوال الأمين، وقويت شوكة المأمون وحوصر الأمين في بغداد وقتل.
ولما تداعت دولة الأمين ولاح إدبارها استتر الفضل بن الربيع مدة. ولما ادَّعى إبراهيم بن المهدي الخلافة ظهر ابن الربيع ولم يدخل مع إبراهيم في شيء. ولما اختلّت حال إبراهيم؛ استتر ابن الربيع ثانية حتى توسط له طاهر بن الحسين، وسأل المأمون الصفح عنه وأدخله عليه؛ فعفا المأمون عنه ولكنه استمر في دولته بطّالاً ولا حظّ له، إلى أن مات في السبعين من عمره.
كان في الفضل بن ربيع كبرٌ وجبرية، وشعره قليل جداً وهو القائل:
كنت صبّاً وقلبي اليوم سالي
عن حبيب يسيء في كل حال
لم يكن دائماً على العهد
فاستبدلت منه موافقاً لوصالي
وكان الفضل صائب النظر سديد الكلام، قال له الرشيد يوماً: كذبت فأجاب: وجه الكذوب لا يقابلك ولسانه لا يخاطبك. وحضر بعد نكبة البرامكة جنازة، فذكر البرامكة وأطراهم ووصفهم، ثم قال: كنا نعتب عليهم فصرنا نتمناهم ونبكي عليهم وأنشد متمثلاً:
عتبت على سَلْم فلما فقدتُه
وجربت أقواماً بكيت على سَلْمِ
يوسف الأمير علي