فرج (ألفريد -)
(1929-2005)
ألفريد مرقس فرج كاتب مسرحي وروائي وقاص وصحفي مصري، من رواد حركة صعود المسرح العربي في ستينيات القرن العشرين، وأحد أبرز من عملوا على استيحاء حكايات أعمالهم من الأساطير والملاحم والحكايات التراثية العربية، من «سيرة بني هلال» و«ألف ليلة وليلة» وغيرها، في سياق بحث المسرح العربي عن هويته وجذوره الخاصة.
ولد فرج في مدينة الزقازيق التابعة لمحافظة الشرقية، وتلقى تعليمه في مدارسها حتى حصوله على شهادة الثانوية العامة، ثم انتقل إلى الإسكندرية، حيث انتسب إلى قسم اللغة الإنكليزية في جامعتها وتخرج فيها عام 1949، وعمل منذئذٍ وحتى عام 1955 مدرِّسا للغة الإنكليزية في بعض ثانويات الإسكندرية. توجَّه بعد ذلك نحو العمل في الصحافة فبدأ محرراً أدبياً في مجلة «روز اليوسف» في القاهرة، ثم صار مسؤولاً عن القسم الأدبي في جريدة «الجمهورية» حتى عام 1959. وكان قد بدأ بالكتابة للمسرح منذ عام 1954 بمسرحية «صوت مصر» التي عرضها المسرح القومي في القاهرة عام 1956 بإخراج حمدي غيث؛ وهي توليفة من أربع مسرحيات قصيرة ذات الفصل الواحد. ومنذ الستينيات شغل ألفريد فرج مناصب عدة مهمة على صعيد العمل الثقافي، ولاسيما في مسرح الثقافة الجماهيرية، حيث حقق فكرته التنويرية بإنشاء فرق مسرحية عدة في أرياف مصر وأقاليمها لنشر الفن المسرحي، بهدف نشر الوعي بالمشكلات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية، ولتعميق التفكير بقضايا الوجود الكبرى. وقد أمضى قرابة عقدين من فعاليته المسرحية عضواً في المجلس الأعلى للثقافة أسهم في أثنائها على الصعيدين المحلي العربي والدولي في كثير من الأنشطة المسرحية، فشارك في ندوات ولقاءات ومؤتمرات عدة، وكتب عدداً من البحوث المهمة في الفن المسرحي وتأصيله وتفعيله وتجذيره في التربة العربية، كي يكون رافداً فكرياً وفنياً فاعلاً في النهضة العربية المأمولة. عانى فرج في السنوات الأخيرة من حياته مرض القلب فقاومه بصبره المعهود إلى أن وافته المنية في أحد مستشفيات لندن.
ترك فرج وراءه إرثاً أدبياً غنياً ضمَّ روايتين، هما «حكايات الزمن الضائع» و«أيام وليالي السندباد» اللتان وجد فيهما النقاد استمراراً على مستوى السرد النثري لجوهر إبداعه في المسرح، كما ترك مجموعتين قصصيتين وكثيراً من المقالات الصحفية في شؤون المسرح والنقد والثقافة عامة، وكتاب «دليل المتفرج الذكي إلى المسرح» (1965).
أما على صعيد المسرح فقد كتب فرج سبعاً وعشرين مسرحية، عرضت جميعها على خشبات المسارح المصرية والعربية مرات متعددة وبإخراجات ووجهات نظر فكرية وفنية مختلفة، وهي تظهر تأثر فرج وتفاعله إبداعياً مع تراث المسرح العالمي فنياً ومع قضايا وطنه فكرياً. فهو من جهة ابن الثقافة الغربية التي غرف من معينها الفني على نحو إبداعي ومن دون انبهار أعمى، سواء منها الإغريقية أو الشكسبيرية أو البريشتية، وهو من جهة أخرى ابن الثقافة الشعبية التراثية المتجذرة في وجدانه منهلاً ثراً للحكايات والحِكَمْ والشخصيات، في أجوائها المتباينة وتعبيرها اللغوي الموحي المتدرج من عاميات متعددة وحتى الفصحى المطوَّعة لخدمة الغرض الأدبي والفني.
بعد «صوت مصر» قدم فرج عام 1957 مسرحية «سقوط فرعون» التي أثارت جدلاً واسعاًً في الأوساط الفكرية والفنية حول احتمالات إسقاطاتها المعاصرة سياسياً، وقد تناول فيها الكاتب بلغة شعرية صقيلة مأساة الفرعون أخناتون بين واجبات الحاكم الفرد وموقفه تجاه حاشيته أولاً ثم تجاه شعبه، وبين داعية التوحيد والسلام والعدالة بين جميع البشر. وقد عدَّ النقاد المسرحية محاولة مهمة لتأسيس فن التراجيديا في المسرح العربي، استكمل المؤلف ملامحها في مسرحية «سليمان الحلبي» (1965)، التي تعد إحدى ذرا المسرح العربي شكلاً ومضموناً، والتي تناول فيها قصة الشاب الأزهري القادم من حلب الذي أخذ على عاتقه بعقله وإيمانه تخليص الشعب العربي في مصر من طغيان المستعمر الفرنسي وذلك بقتل الحاكم الجنرال كليبر Kléber. وقد بلغ اهتمام فرج بعناصر الدراما المأساوية ذروته في مسرحية «الزير سالم» (1967) المستوحاة من التراث الشعبي.
كان فرج بين عامي 1959 و1963 أحد ضحايا من شملتهم حملة نظام المباحث المصرية على الفكر اليساري على الرغم من كونه معتدلاً، فدخل السجن مع ثلة من كبار مثقفي المجتمع. وحال خروجه قدم للمسرح «حلاق بغداد، كوميديا خيالية في حكايتين، يوسف وياسمينة، وزينة النساء» (1964) وبها بدأ توجهه نحو «ألف ليلة وليلة»، التي استوحى منها سبع مسرحيات، كلها ذات طابع فكاهي (كوميدي) شعبي متقن الصنعة، وبلغة حاول بها أن يردم الهوة بين العامية والفصحى، متوصلاً إلى أسلوبه اللغوي الخاص الذي لبى به طموحات أستاذه وصديقه توفيق الحكيم [ر] في كتابه المهم «قالبنا المسرحي». وفي السياق نفسه اقتبس من «ألف ليلة وليلة» حكاية «علي جناح التبريزي وتابعه قفة» (نشرت عام 1986)، مستوحياً منهج برتولت بريشت[ر] في المسرح الملحمي، كما استوحى في مسرحية «النار والزيتون» (1970) منهج المسرح الوثائقي في معالجته قضية المقاومة الفلسطينية. ومـن مسرحياته التي تلفت فرادتها النظـر في مجمل أعماله «عسكر وحرامية» (1966) التي عالج فيها أزمة الصراع بين القطاع العام والقطاع الخاص بأسلوب غروتِسكي (المبالغة التهكمية) الذي وجد صدى كبيراً عند الجمهور فأُعيد عرضها مراراً، ومن ثم بالصيغة المعدلة من قبل المؤلف نفسه عام 1970. وفي أثناء فترة احتضاره كان المسرح القومي في القاهرة يعرض له مسرحية «الأميرة والصعلوك».
م. ن. ح
(1929-2005)
ولد فرج في مدينة الزقازيق التابعة لمحافظة الشرقية، وتلقى تعليمه في مدارسها حتى حصوله على شهادة الثانوية العامة، ثم انتقل إلى الإسكندرية، حيث انتسب إلى قسم اللغة الإنكليزية في جامعتها وتخرج فيها عام 1949، وعمل منذئذٍ وحتى عام 1955 مدرِّسا للغة الإنكليزية في بعض ثانويات الإسكندرية. توجَّه بعد ذلك نحو العمل في الصحافة فبدأ محرراً أدبياً في مجلة «روز اليوسف» في القاهرة، ثم صار مسؤولاً عن القسم الأدبي في جريدة «الجمهورية» حتى عام 1959. وكان قد بدأ بالكتابة للمسرح منذ عام 1954 بمسرحية «صوت مصر» التي عرضها المسرح القومي في القاهرة عام 1956 بإخراج حمدي غيث؛ وهي توليفة من أربع مسرحيات قصيرة ذات الفصل الواحد. ومنذ الستينيات شغل ألفريد فرج مناصب عدة مهمة على صعيد العمل الثقافي، ولاسيما في مسرح الثقافة الجماهيرية، حيث حقق فكرته التنويرية بإنشاء فرق مسرحية عدة في أرياف مصر وأقاليمها لنشر الفن المسرحي، بهدف نشر الوعي بالمشكلات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية، ولتعميق التفكير بقضايا الوجود الكبرى. وقد أمضى قرابة عقدين من فعاليته المسرحية عضواً في المجلس الأعلى للثقافة أسهم في أثنائها على الصعيدين المحلي العربي والدولي في كثير من الأنشطة المسرحية، فشارك في ندوات ولقاءات ومؤتمرات عدة، وكتب عدداً من البحوث المهمة في الفن المسرحي وتأصيله وتفعيله وتجذيره في التربة العربية، كي يكون رافداً فكرياً وفنياً فاعلاً في النهضة العربية المأمولة. عانى فرج في السنوات الأخيرة من حياته مرض القلب فقاومه بصبره المعهود إلى أن وافته المنية في أحد مستشفيات لندن.
ترك فرج وراءه إرثاً أدبياً غنياً ضمَّ روايتين، هما «حكايات الزمن الضائع» و«أيام وليالي السندباد» اللتان وجد فيهما النقاد استمراراً على مستوى السرد النثري لجوهر إبداعه في المسرح، كما ترك مجموعتين قصصيتين وكثيراً من المقالات الصحفية في شؤون المسرح والنقد والثقافة عامة، وكتاب «دليل المتفرج الذكي إلى المسرح» (1965).
أما على صعيد المسرح فقد كتب فرج سبعاً وعشرين مسرحية، عرضت جميعها على خشبات المسارح المصرية والعربية مرات متعددة وبإخراجات ووجهات نظر فكرية وفنية مختلفة، وهي تظهر تأثر فرج وتفاعله إبداعياً مع تراث المسرح العالمي فنياً ومع قضايا وطنه فكرياً. فهو من جهة ابن الثقافة الغربية التي غرف من معينها الفني على نحو إبداعي ومن دون انبهار أعمى، سواء منها الإغريقية أو الشكسبيرية أو البريشتية، وهو من جهة أخرى ابن الثقافة الشعبية التراثية المتجذرة في وجدانه منهلاً ثراً للحكايات والحِكَمْ والشخصيات، في أجوائها المتباينة وتعبيرها اللغوي الموحي المتدرج من عاميات متعددة وحتى الفصحى المطوَّعة لخدمة الغرض الأدبي والفني.
بعد «صوت مصر» قدم فرج عام 1957 مسرحية «سقوط فرعون» التي أثارت جدلاً واسعاًً في الأوساط الفكرية والفنية حول احتمالات إسقاطاتها المعاصرة سياسياً، وقد تناول فيها الكاتب بلغة شعرية صقيلة مأساة الفرعون أخناتون بين واجبات الحاكم الفرد وموقفه تجاه حاشيته أولاً ثم تجاه شعبه، وبين داعية التوحيد والسلام والعدالة بين جميع البشر. وقد عدَّ النقاد المسرحية محاولة مهمة لتأسيس فن التراجيديا في المسرح العربي، استكمل المؤلف ملامحها في مسرحية «سليمان الحلبي» (1965)، التي تعد إحدى ذرا المسرح العربي شكلاً ومضموناً، والتي تناول فيها قصة الشاب الأزهري القادم من حلب الذي أخذ على عاتقه بعقله وإيمانه تخليص الشعب العربي في مصر من طغيان المستعمر الفرنسي وذلك بقتل الحاكم الجنرال كليبر Kléber. وقد بلغ اهتمام فرج بعناصر الدراما المأساوية ذروته في مسرحية «الزير سالم» (1967) المستوحاة من التراث الشعبي.
كان فرج بين عامي 1959 و1963 أحد ضحايا من شملتهم حملة نظام المباحث المصرية على الفكر اليساري على الرغم من كونه معتدلاً، فدخل السجن مع ثلة من كبار مثقفي المجتمع. وحال خروجه قدم للمسرح «حلاق بغداد، كوميديا خيالية في حكايتين، يوسف وياسمينة، وزينة النساء» (1964) وبها بدأ توجهه نحو «ألف ليلة وليلة»، التي استوحى منها سبع مسرحيات، كلها ذات طابع فكاهي (كوميدي) شعبي متقن الصنعة، وبلغة حاول بها أن يردم الهوة بين العامية والفصحى، متوصلاً إلى أسلوبه اللغوي الخاص الذي لبى به طموحات أستاذه وصديقه توفيق الحكيم [ر] في كتابه المهم «قالبنا المسرحي». وفي السياق نفسه اقتبس من «ألف ليلة وليلة» حكاية «علي جناح التبريزي وتابعه قفة» (نشرت عام 1986)، مستوحياً منهج برتولت بريشت[ر] في المسرح الملحمي، كما استوحى في مسرحية «النار والزيتون» (1970) منهج المسرح الوثائقي في معالجته قضية المقاومة الفلسطينية. ومـن مسرحياته التي تلفت فرادتها النظـر في مجمل أعماله «عسكر وحرامية» (1966) التي عالج فيها أزمة الصراع بين القطاع العام والقطاع الخاص بأسلوب غروتِسكي (المبالغة التهكمية) الذي وجد صدى كبيراً عند الجمهور فأُعيد عرضها مراراً، ومن ثم بالصيغة المعدلة من قبل المؤلف نفسه عام 1970. وفي أثناء فترة احتضاره كان المسرح القومي في القاهرة يعرض له مسرحية «الأميرة والصعلوك».
م. ن. ح