د. عبدالله المدني
يرجع الفضل، فيما يتعلق بدبلجة الأفلام الأجنبية إلى العربية، في المقام الأول إلى الممثل والكاتب والمخرج والإذاعي المصري المثقف أحمد سالم (1910 ــ 1949) ومواطنه المنتج والموزع السينمائي المصري من أصول فلسطينية جبرائيل تلحمي،، فهما أول من فكرا في أواخر ثلاثينات القرن العشرين بهذا الموضوع حينما وجدا ضعف إقبال الجماهير العربية على مشاهدة روائع هوليوود وغيرها بسبب حاجز اللغة. ويقال أنهما كلفا إبتداء الشاعر الكبير أحمد رامي (1892 ــ 1981) بالمهمة كونه شخصية مثقفة تجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية إضافة إلى اللغتين العربية والفارسية وبعض اليونانية.
ويبدو أن رامي، لسبب ما، خذلهما وتأخر في تنفيذ المطلوب، فاتجهت بوصلتهما نحو المؤلف المسرحي المعروف ذو المواهب المتعددة بديع خيري (1893 ــ 1966)، لكن خيري لم يقم بما كانا يأملان لأسباب غير معروفة.
وهنا اختارا للمهمة غير المسبوقة في مصر والمشرق العربي أحمد كامل مرسي (1909 ــ 1987) الذي كان معروفاً في تلك الحقبة بنشاطاته المتنوعة في إخراج المسرح المدرسي والكتابة الصحفية الفنية والنقدية والعمل الإذاعي وإصدار مجلة «فن السينما» بالتعاون مع المخرجين نيازي مصطفى وأحمد بدرخان، قبل أن يعمل كمساعد مخرج لثلاثة من المخرجين الكبار، ومن ثم كمخرج مستقل للعديد من الأفلام المصرية الخالدة في تاريخ السينما المصرية مثل: فيلم «العودة إلى الريف/1939 (أول فيلم مصري عن قصة للأديب عباس محمود العقاد، وهو في نفس الوقت الفيلم الوحيد الذي قامت ببطولته مطربة العواطف»ملك منصور«)، وفيلم العامل/1943 (أول فيلم يتناول قضية التأمين ضد إصابة العمل)، وفيلم النائب العام/1946 (أول فيلم مصري يتناول قضية فكرية شائكة حول الصراع بين القوانين الشرعية والوضعية، والصراع بين فهم القانون كنص وحرف وفهمه كمغزى ومعنى)، وفيلم ليلى في العراق/1949 (أول فيلم عراقي من إخراج مخرج مصري، وهو فيلم حالت صعوبة فهم اللهجة العراقية من قبل الجمهور المصري دون عرضه في دور السينما المصرية). هذا ناهيك عن أن أحمد كامل مرسي هو من أخرج أول مسلسل تلفزيوني رمضاني مصري بعنوان «رمضان الأول»، بعيد تأسيس التلفزيون الرسمي المصري.
وافق مرسي على القيام بالمهمة الصعبة، ونجح فيها. وهكذا كان أول فيلم أجنبي عمل مرسي على دبلجته هو الفيلم الأمريكي الكوميدي/الدرامي «ديدز يذهب إلى المدينة» الذي أخرجه فرانك كابرا عام 1936 من بطولة غاري كوبر وجان أرثر، حيث قام مرسي بتسجيل النطق بأصوات محمود المليجي وأمينة رزق. ثم توالت أعماله في هذا التخصص فقام بدبلجة أفلام أخرى منها: «مستر ديدز الشاذ»، و«ألف ليلة وليلة« و«مصير إنسان».
والمعروف أن مرسي، المولود بمحافظة القاهرة في الأول من يوليو 1909، التحق بعد تخرجه من الثانوية بجامعة القاهرة التي حصل منها على ليسانس الآداب، ثم التحق بمعهد التمثيل الأول الذي أسسه زكي طليمات عام 1930 ولم يعمر طويلاً جراء مقاومته من قبل معارضي الاختلاط، فأشبع شيئاً من شغفه بالتمثيل، وحاز على دبلوم «القسم الحر»، وأنه بدأ حياته العملية ممثلاً ومدرباً ومخرجاً في المسرح المدرسي، ثم التحق بوظيفة في»مصلحة المساحة التسجيلية«، ومنها تمّ نقله إلى أرشيف قلم قضايا وزارة الأشغال. وفي هذه الأثناء انضم إلى»جمعية أنصار التمثيل والسينما«. بعد ذلك التحق بمجلة»روزاليوسف«كناقد فني وصاحب مقالات في المسرح والسينما وبرامج الإذاعة المصرية.
وفي عام 1935 ترك الصحافة والتحق بالإذاعة المصرية، حيث واظب على تقديم برنامج أسبوعي بعنوان «أفلام الأسبوع». علاوة على ذلك اشتمل عمله في الإذاعة على التمثيل والإخراج خلال موسم التمثيليات، وفي الوقت نفسه كان يتردد على استوديوهات السينما، حيث عمل مساعداً لعدد من المخرجين المعروفين وقتذاك مثل: توغو مزراحي ويوسف وهبي ونيازي مصطفى في أفلام «ليلى بنت الريف»، و«عريس من استنبول»، و(الدكتور) على التوالي.