تركت 26 فيلماً، وعندما توفيت، قالت إليزابيث تايلور: أفضل ما في الأمر، أن لله الآن ملاكاً جديداً أجمل ما فيه أنه يعرف ما يفعله في الجنة.
اختارت أودري هيبورن الاسم الإنجليزي أودري بنفسها، فاسمها الحقيقي الكامل هو إيدا كاثلين فان هيسترا هيبورن ريستون.
ولدت في 4 مايو 1929 في بروكسل. والدها ايرلندي ووالدتها هولندية، وهي تنحدر من عائلة أرستقراطية عريقة. أحبت والدها أكثر من والدتها، فقد علمها الرقص، وكان يروي لها القصص، ويصفها بالأميرة، ويذكرها، في كل مرة، أن الأميرة يجب أن تكون رشيقة لا يزيد وزنها عن 46 كيلوغراماً. ومن المثير للاهتمام، أن وزن أودري لم يتجاوز الرقم الذي حدده والدها طوال حياتها. كانت طويلة نسبياً، خفيفة الوزن وكأنها على وشك الطيران.
عندما كانت في السادسة من عمرها، ترك والدها العائلة. وسرعان ما ظهرت مشكلة أخرى: الحرب. كانت الفتاة الصغيرة تتمتع بكل ملذات الحياة قبل أن يعتريها القلق والخوف والرعب والجوع. هربت من الغارات النازية، واختبأت في قبو مهجور وظلت هناك لعدة أيام وهي تأكل زهور التوليب الهولندية الشهيرة. كان مذاقها مثيراً للاشمئزاز، لكن لم يكن لديها من خيار آخر.
بعد الحرب، انتقلت عائلة أودري إلى لندن. الأم، إيلا فان هيسترا، البارونة المفلسة، استطاعت الحصول على بعض المال لترتب دخول ابنتها في مدرسة للباليه حيث كانت تحلم بأن تصبح "بريما دونا" أشهر راقصات زمنها، ولكن بسبب طولها البالغ 170 سم، تم استبعادها إذ لم يحن وقت راقصات الباليه الطويلات بعد، ما اضطرها للتخلي عن حلمها والقبول بالانضمام إلى فرقة رقص في أحد النوادي. قال لها المدير: سأضعك في الصف الأول، وسأدفع لك 50 جنيهاً في الأسبوع. سيحبك الرجال لأن هناك شيئاً مميزاً فيك.
سيكتب النقاد في وقت لاحق عن هذا الشئ: إنها رقيقة مرحة، مثل جرو في سلة، مثل طفلة لم يُسمح لها مطلقاً بعبور الشارع بمفردها.
لم يكن لسحر أودري علاقة بالشبق. كان الناس ينجذبون إلى النظرة البريئة، ويبحثون عن الحب في عيون فتاة صغيرة.
مراوغة الكاميرا
ـــــــــــــــــــــــ
قال ويليام وايلر الذي أخرج لها فيلم "عطلة رومانية": لم تكن هناك ممثلة جذابة مثل غريتا غاربو حتى ظهرت أودري، مشيراً إلى صدرها الصغير: ستحقق هذه الفتاة ما سيلغي موضة الصدور الكبيرة.
نعمة الصدور الصغيرة هذه هي التي أدخلت أودري هيبورن عالم الموضة النسائية، لتغدو عارضة أزياء أيضاً..
لكن هذا كله سيأتي لاحقاً، وعلينا أن نتذكر التسلسل الزمني للأحداث.
من قاعة الرقص، غادرت أودري إلى ستديوهات السينما، وفي عام 1948 وفي سن التاسعة عشرة، ظهرت لأول مرة في فيلم "هولندي في سبع دروس" وهي تؤدي دور مضيفة في شركة الطيران الهولندية الشهيرة (KLM). وأعقبت ذلك أفلام أخرى: "جنون الشباب"، "ضحك في الجنة"، "سنذهب إلى مونت كارلو"..
لقد برزت على الشاشة البيضاء لأن هناك الكثير من التعبيرات المختلفة في وجهها، ولقدرتها في التحكم بهذه التعبيرات وتغييرها بسرعة. كانت ترواغ الكاميرا بعفوية مدهشة، ولطالما أشاد المصورون السينمائيون بهذه النظرة المراوغة.
عام 1952، دعا ويليام وايلر، كبير المخرجين الأمريكان، أودري للمشاركة في فيلمه الجديد "عطلة رومانية"، ولم يكن مخطئاً. بفضلها أصبح الفيلم معبود الجماهير لمدة نصف قرن تم خلاله تشغيله وعرضه في غالبية قاعات السينما وقنوات التلفزيون في العالم.
ويمكن للمشاهد أن يرى ما يكفي من سحر ورشاقة أودري وصدق تعبيراتها. وقد شكلت الفتاة المراهقة ذات العينين الواسعتين إلى جانب النجم السينمائي غريغوري بيك ثنائياً رائعاً: الشباب والنضج، السذاجة والخبرة، الغنائية والجدية..
عند تصوير الفيلم، طلب المخرج وايلر من أودري إعادة أحد المشاهد قائلاً أنها فشلت في أدائه. طلب ذلك عبر مكبر الصوت. استمع عشرات العاملين إلى طلبه، وصرخوا جميعاً بصوت واحد: لا، لا، هذا رائع. لا يمكن للإعادة أن تكون أفضل. لا داعي لإعادة التصوير. انصاع المخرج لهم، وفي النهاية، قرر الإبقاء على المشهد.
حقق "عطلة رومانية" شهرة عالمية مدوية عززت من مكانة أودري وعدلت بحصولها على جائزة "أوسكار" وجوائز نقاد السينما في نيويورك وأكاديمية السينما البريطانية وغولدن غلوب.
استمرت أودري في النجاح من فيلم لآخر: "حكاية الراهبة" (1953) "الإفطار عند تيفاني" (1961)، "كيف تسرق المليون" (1966). وتنوعت أدوارها من الكوميديا إلى الميلودراما، لكن تألقها الحقيقي جاء في الفيلمين الموسيقيين: "وجه مضحك" (1957) لستاني دونين، و"سيدتي الجميلة" (1964) لجورج كوكور. في الفيلم الأول، كانت شريكة جديرة لملك الرقص فريد أستير، لكنها في الثاني كانت وحدها الجديرة بالثناء.
حب وأشياء أخرى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عام 1967، تم ترشيح أودري هيبورن لجائزة الأوسكار عن فيلم "انتظر حتى الظلام"، وبعد ذلك اختفت عن الشاشة عشر سنوات تقريباً لأسباب عائلية، لتعود في عام 1976 إلى الظهور وتلعب دور الحبيب السارق النبيل روبن هود في فيلم "روبن وماريان" مع شون كونري، لتختتم مسارها في السينما بفيلم ستيفن سبيلبرغ "دائماً" (1989) حيث لعبت وهي في الـ 60 من العمر دور الملاك الذي أنقذ حياة طيار. الدور صغير، لكن الجمهور قدره كثيراً ليس لجمالها الذي أخذ في التلاشي ولكن لشخصيتها الطافحة باللطف والرقة.
لم ترغب أودري هيبورن في الإعلان عن تلك الأسباب العائلية، ومع ذلك، هناك الكثير مما هو معروف.
جاء الحظ إلى أودري في شكلين: دعوة إلى دور في فيلم "عطلة رومانية" وعرض زواج من رجل أعمال يبلغ من العمر 30 عاماً ويدعى جيمس هانسون. ومثلما يحدث في اليانصيب، فازت النجمة السينمائية بالفيلم والعريس. تم تحديد موعد الزفاف بالفعل، وأرسلت الدعوات، لكن حفل الزفاف الذي طال انتظاره لم يحدث، وتم إلغاؤه لسبب غريب للغاية وهو أن العروس لم يكن لديها ما يكفي من الوقت حيث كانت تصور في روما، وفي نفس الوقت عليها الذهاب إلى نيويورك. كانت مشغولة جداً، ونتيجة لذلك أعلن في تشرين الثاني (نوفمبر) 1952 خبر إنهاء الخطوبة.
قالت أودري وقتها: سيكون من الظلم لجيمي أن يتزوجني وأنا مرتبطة بعملي وأحبّه. كم سيكون الأمر مهيناً لو جعلته يقف وهو يحمل معطفي بينما أوقع العقود ...
التفسير، لم يكن مقنعاً للصحفيين الذين راحوا يبحثون عن شيء مختلف أوقع بين الممثلة ورجل الأعمال، ولكن ماذا كان؟ لقد ظل هذا لغزاً.
بعد ذلك بعامين، كان احتمال الزواج يلوح في الأفق، ولكن مع رجل آخر، وخلال تصوير فيلم "سابرينا" (1954). لقد اندلع الحب ولكن ليس مع البطل الأول همفري بوغارت إنما مع الممثل الأكثر حيوية ويليام هولدن، الذي لعب دور الأخ الأصغر للشخصية الرئيسية في الفيلم. وقع الإثنان على الفور في الحب، واستغلا فترة الاستراحة من التصوير ليندفعا إلى غرفة الملابس في وصلة عناق أثارت دهشة طاقم الفيلم بأكمله.
كان هولدن متزوجاً، ويبدو أنه لن يترك زوجته. وبعد أن تلقى عرضاً غير متوقع من أودري لإنجاب العديد من الأطفال منه، بات في حيرة من أمره، واضطر للاعتراف إنه لم يكن قادراً على أن يكون أباً. غرقت أودري في حالة من اليأس عميقة. تبخرت آمال الزفاف والأسرة والأطفال مثل الدخان، ومعه ذهب الحب نفسه.
ومع ذلك، لا يمكن لممثلة شابة وجميلة وناجحة وغنية أن تظل بمفردها. لقد ظهر ميل فيرير الشاب الوسيم نصف الكوبي حيث ولد في هافانا. كان شديد الحركة، متفجراً ومندفعاً. وكان له القليل من كل شيء: ممثل، راقص، كاتب ثم مخرج، لكنه حُرم من موهبة حقيقية في كل هذه المجالات. تغافلت أودري عن الشيء الرئيس وفكرت في الأشياء القليلة، وتزوجت الرجل الجذاب في 25 أيلول (سبتمبر) 1954. كانت في عامها السادس والعشرين، وبعد حفل الزفاف، ذهبت مباشرة لتصوير الفيلم الملحمي "الحرب والسلام" المأخوذ عن رواية الكاتب الروسي العظيم تولستوي.
انتهى التصوير، وبدأت الحياة الأسرية، ومعها بدأ السباق إلى المنافسة..
التعايش بين ممثلين في نفس العائلة السينمائية عادة ما يكون صعباً. والسؤال الدائم: من هو الأكثر نجاحا؟ في هذه الحالة كان هناك نجم واحد فقط.
وضعت مجلة "لايف" أودري هيبورن سبع مرات على أغلفتها. رقم قياسي لم تحض به سوى مارلين مونرو (9 مرات).
ترى، من يشعل البخور لميل فيرير؟ لا أحد..
كان مشاعر الزوج مثقلة جداً بالغيرة والحسد، وكانت هناك خيبة أخرى إذ انتهت كل حالات حمل أودري بالإجهاض. فقط، في عام 1960، وفي سن الثلاثين، أنجبت ولداً، شون. لكن هذا الحدث لم يعد بإمكانه تعزيز زواجهما. انهار أخيراً في عام 1968.
عطلة رومانية جديدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الزوج الثاني لأودري هو الطبيب النفسي الإيطالي الشهير، أندريا دوتي. وسيم وشاب وأصغر منها بعشر سنوات. عندما كان يبلغ من العمر 14 عاماً، شاهد "عطلة رومانية" في السينما ووقع في حب بطلته الأميرة آنا. حلم بها كل ليلة، والآن، وقد مرت السنوات، وعلى غير المتوقع يتحقق حلمه.
حتى تتجاوز أخطاء الحياة الأسرية مع ميل فوربر، قررت أودري أن تكون ربة بيت، وليست نجمة سينمائية. توقفت عن التمثيل، وأتقنت، عن طيب خاطر، جميع التفاصيل الفريدة للعائلة الإيطالية. اعتنت بزوجها، طهت الطعام، اعتنت بوالدته وذهبت معها إلى الكنيسة كل يوم أحد. باختصار، أصبحت زوجة منزلية تقليدية.
في هذه الأثناء ولد لوقا، الإبن الثاني لأودري. وفي هذه الأثماء أيضاً، تصاعدت الهجمات الإرهابية لمنظمة الألوية الحمراء الشهيرة. أصبحت الحياة في روما مضطربة. أرسلت أودري الولدين إلى سويسرا، وعرضت على أندريا مغادرة روما والانتقال إلى هناك، لكنه رفض رفضاً قاطعاً. قال أن روما هي مسقط رأسه، وهو يشعر بالرضا هنا، وأنه ملزم بمساعدة مرضاه...
ومثلما انتهت "عطلة رومانية" على الشاشة انتهت "عطلة رومانية" في الحياة. انفصلت أودري عن زوجها وغادرت إيطاليا. استقرت في بلدة سويسرية هادئة ودافئة..
في سويسرا، التقت أودري بآخر رجل: روبرت والدرز. أرمل، أصله من هولندا. شعرت بالسعادة وهي تتحدث معه باللغة الهولندية. كانت علاقتهما متوازنة، علاقة صداقة أكثر منها علاقة الحب، وربما لهذا السبب لم يدخلا في زواج. هكذا حافظا عليها دون مراسم رسمية أو كنسية. أوضحت أودري لاحقاً: لا توجد أسباب تتعارض مع زواجنا، كنا سعداء جداً بدونه.
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كانت المهنة الرئيسية لأودري هي العمل سفيرة لليونيسف، منظمة الطفولة العالمية. انتقلت من عالم الأفلام إلى عالم حقيقي قاس يضج بالأطفال الجوعى. سافرت إلى بنغلادش، السودان، إثيوبيا، السلفادور، ولمدة خمس سنوات، زارت 124 دولة. تفقدت مستشفيات للفقراء ومدارس للأيتام وملاجئ للمشردين. وحاولت أن تفعل ما تستطيع لمساعدتهم.
في إحدى رحلاتها إلى الصومال، أصيبت بألم شديد في البطن. كان التشخيص مخيبا للآمال: السرطان. عاشت ثلاثة أشهر أخرى قبل أن تودع الحياة، في 20 كانون الثاني (يناير) 1993، عن 64 عاماً.
أترككم الآن مع الفيلم الوثائقي (Audrey) للكاتبة والمخرجة البريطانية هيلينا كوان الذي يروي تفاصل أخرى عن أودري هيبورن الإنسانة والممثلة والسفيرة.
صدر الفيلم في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، ونال استحسان النقاد حيثما عرض. وحين استحوذت عليه Netflix أصبح أحد أفضل 10 أفلام مشاهدة على هذه المنصة.
لغير المشتركين بالمنصة يمكنهم مشاهدة الفيلم على هذا الرابط:
[https://ok.ru/video/editor/694715685.../6947156855406)
مشاهدة ممتعة..
اختارت أودري هيبورن الاسم الإنجليزي أودري بنفسها، فاسمها الحقيقي الكامل هو إيدا كاثلين فان هيسترا هيبورن ريستون.
ولدت في 4 مايو 1929 في بروكسل. والدها ايرلندي ووالدتها هولندية، وهي تنحدر من عائلة أرستقراطية عريقة. أحبت والدها أكثر من والدتها، فقد علمها الرقص، وكان يروي لها القصص، ويصفها بالأميرة، ويذكرها، في كل مرة، أن الأميرة يجب أن تكون رشيقة لا يزيد وزنها عن 46 كيلوغراماً. ومن المثير للاهتمام، أن وزن أودري لم يتجاوز الرقم الذي حدده والدها طوال حياتها. كانت طويلة نسبياً، خفيفة الوزن وكأنها على وشك الطيران.
عندما كانت في السادسة من عمرها، ترك والدها العائلة. وسرعان ما ظهرت مشكلة أخرى: الحرب. كانت الفتاة الصغيرة تتمتع بكل ملذات الحياة قبل أن يعتريها القلق والخوف والرعب والجوع. هربت من الغارات النازية، واختبأت في قبو مهجور وظلت هناك لعدة أيام وهي تأكل زهور التوليب الهولندية الشهيرة. كان مذاقها مثيراً للاشمئزاز، لكن لم يكن لديها من خيار آخر.
بعد الحرب، انتقلت عائلة أودري إلى لندن. الأم، إيلا فان هيسترا، البارونة المفلسة، استطاعت الحصول على بعض المال لترتب دخول ابنتها في مدرسة للباليه حيث كانت تحلم بأن تصبح "بريما دونا" أشهر راقصات زمنها، ولكن بسبب طولها البالغ 170 سم، تم استبعادها إذ لم يحن وقت راقصات الباليه الطويلات بعد، ما اضطرها للتخلي عن حلمها والقبول بالانضمام إلى فرقة رقص في أحد النوادي. قال لها المدير: سأضعك في الصف الأول، وسأدفع لك 50 جنيهاً في الأسبوع. سيحبك الرجال لأن هناك شيئاً مميزاً فيك.
سيكتب النقاد في وقت لاحق عن هذا الشئ: إنها رقيقة مرحة، مثل جرو في سلة، مثل طفلة لم يُسمح لها مطلقاً بعبور الشارع بمفردها.
لم يكن لسحر أودري علاقة بالشبق. كان الناس ينجذبون إلى النظرة البريئة، ويبحثون عن الحب في عيون فتاة صغيرة.
مراوغة الكاميرا
ـــــــــــــــــــــــ
قال ويليام وايلر الذي أخرج لها فيلم "عطلة رومانية": لم تكن هناك ممثلة جذابة مثل غريتا غاربو حتى ظهرت أودري، مشيراً إلى صدرها الصغير: ستحقق هذه الفتاة ما سيلغي موضة الصدور الكبيرة.
نعمة الصدور الصغيرة هذه هي التي أدخلت أودري هيبورن عالم الموضة النسائية، لتغدو عارضة أزياء أيضاً..
لكن هذا كله سيأتي لاحقاً، وعلينا أن نتذكر التسلسل الزمني للأحداث.
من قاعة الرقص، غادرت أودري إلى ستديوهات السينما، وفي عام 1948 وفي سن التاسعة عشرة، ظهرت لأول مرة في فيلم "هولندي في سبع دروس" وهي تؤدي دور مضيفة في شركة الطيران الهولندية الشهيرة (KLM). وأعقبت ذلك أفلام أخرى: "جنون الشباب"، "ضحك في الجنة"، "سنذهب إلى مونت كارلو"..
لقد برزت على الشاشة البيضاء لأن هناك الكثير من التعبيرات المختلفة في وجهها، ولقدرتها في التحكم بهذه التعبيرات وتغييرها بسرعة. كانت ترواغ الكاميرا بعفوية مدهشة، ولطالما أشاد المصورون السينمائيون بهذه النظرة المراوغة.
عام 1952، دعا ويليام وايلر، كبير المخرجين الأمريكان، أودري للمشاركة في فيلمه الجديد "عطلة رومانية"، ولم يكن مخطئاً. بفضلها أصبح الفيلم معبود الجماهير لمدة نصف قرن تم خلاله تشغيله وعرضه في غالبية قاعات السينما وقنوات التلفزيون في العالم.
ويمكن للمشاهد أن يرى ما يكفي من سحر ورشاقة أودري وصدق تعبيراتها. وقد شكلت الفتاة المراهقة ذات العينين الواسعتين إلى جانب النجم السينمائي غريغوري بيك ثنائياً رائعاً: الشباب والنضج، السذاجة والخبرة، الغنائية والجدية..
عند تصوير الفيلم، طلب المخرج وايلر من أودري إعادة أحد المشاهد قائلاً أنها فشلت في أدائه. طلب ذلك عبر مكبر الصوت. استمع عشرات العاملين إلى طلبه، وصرخوا جميعاً بصوت واحد: لا، لا، هذا رائع. لا يمكن للإعادة أن تكون أفضل. لا داعي لإعادة التصوير. انصاع المخرج لهم، وفي النهاية، قرر الإبقاء على المشهد.
حقق "عطلة رومانية" شهرة عالمية مدوية عززت من مكانة أودري وعدلت بحصولها على جائزة "أوسكار" وجوائز نقاد السينما في نيويورك وأكاديمية السينما البريطانية وغولدن غلوب.
استمرت أودري في النجاح من فيلم لآخر: "حكاية الراهبة" (1953) "الإفطار عند تيفاني" (1961)، "كيف تسرق المليون" (1966). وتنوعت أدوارها من الكوميديا إلى الميلودراما، لكن تألقها الحقيقي جاء في الفيلمين الموسيقيين: "وجه مضحك" (1957) لستاني دونين، و"سيدتي الجميلة" (1964) لجورج كوكور. في الفيلم الأول، كانت شريكة جديرة لملك الرقص فريد أستير، لكنها في الثاني كانت وحدها الجديرة بالثناء.
حب وأشياء أخرى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عام 1967، تم ترشيح أودري هيبورن لجائزة الأوسكار عن فيلم "انتظر حتى الظلام"، وبعد ذلك اختفت عن الشاشة عشر سنوات تقريباً لأسباب عائلية، لتعود في عام 1976 إلى الظهور وتلعب دور الحبيب السارق النبيل روبن هود في فيلم "روبن وماريان" مع شون كونري، لتختتم مسارها في السينما بفيلم ستيفن سبيلبرغ "دائماً" (1989) حيث لعبت وهي في الـ 60 من العمر دور الملاك الذي أنقذ حياة طيار. الدور صغير، لكن الجمهور قدره كثيراً ليس لجمالها الذي أخذ في التلاشي ولكن لشخصيتها الطافحة باللطف والرقة.
لم ترغب أودري هيبورن في الإعلان عن تلك الأسباب العائلية، ومع ذلك، هناك الكثير مما هو معروف.
جاء الحظ إلى أودري في شكلين: دعوة إلى دور في فيلم "عطلة رومانية" وعرض زواج من رجل أعمال يبلغ من العمر 30 عاماً ويدعى جيمس هانسون. ومثلما يحدث في اليانصيب، فازت النجمة السينمائية بالفيلم والعريس. تم تحديد موعد الزفاف بالفعل، وأرسلت الدعوات، لكن حفل الزفاف الذي طال انتظاره لم يحدث، وتم إلغاؤه لسبب غريب للغاية وهو أن العروس لم يكن لديها ما يكفي من الوقت حيث كانت تصور في روما، وفي نفس الوقت عليها الذهاب إلى نيويورك. كانت مشغولة جداً، ونتيجة لذلك أعلن في تشرين الثاني (نوفمبر) 1952 خبر إنهاء الخطوبة.
قالت أودري وقتها: سيكون من الظلم لجيمي أن يتزوجني وأنا مرتبطة بعملي وأحبّه. كم سيكون الأمر مهيناً لو جعلته يقف وهو يحمل معطفي بينما أوقع العقود ...
التفسير، لم يكن مقنعاً للصحفيين الذين راحوا يبحثون عن شيء مختلف أوقع بين الممثلة ورجل الأعمال، ولكن ماذا كان؟ لقد ظل هذا لغزاً.
بعد ذلك بعامين، كان احتمال الزواج يلوح في الأفق، ولكن مع رجل آخر، وخلال تصوير فيلم "سابرينا" (1954). لقد اندلع الحب ولكن ليس مع البطل الأول همفري بوغارت إنما مع الممثل الأكثر حيوية ويليام هولدن، الذي لعب دور الأخ الأصغر للشخصية الرئيسية في الفيلم. وقع الإثنان على الفور في الحب، واستغلا فترة الاستراحة من التصوير ليندفعا إلى غرفة الملابس في وصلة عناق أثارت دهشة طاقم الفيلم بأكمله.
كان هولدن متزوجاً، ويبدو أنه لن يترك زوجته. وبعد أن تلقى عرضاً غير متوقع من أودري لإنجاب العديد من الأطفال منه، بات في حيرة من أمره، واضطر للاعتراف إنه لم يكن قادراً على أن يكون أباً. غرقت أودري في حالة من اليأس عميقة. تبخرت آمال الزفاف والأسرة والأطفال مثل الدخان، ومعه ذهب الحب نفسه.
ومع ذلك، لا يمكن لممثلة شابة وجميلة وناجحة وغنية أن تظل بمفردها. لقد ظهر ميل فيرير الشاب الوسيم نصف الكوبي حيث ولد في هافانا. كان شديد الحركة، متفجراً ومندفعاً. وكان له القليل من كل شيء: ممثل، راقص، كاتب ثم مخرج، لكنه حُرم من موهبة حقيقية في كل هذه المجالات. تغافلت أودري عن الشيء الرئيس وفكرت في الأشياء القليلة، وتزوجت الرجل الجذاب في 25 أيلول (سبتمبر) 1954. كانت في عامها السادس والعشرين، وبعد حفل الزفاف، ذهبت مباشرة لتصوير الفيلم الملحمي "الحرب والسلام" المأخوذ عن رواية الكاتب الروسي العظيم تولستوي.
انتهى التصوير، وبدأت الحياة الأسرية، ومعها بدأ السباق إلى المنافسة..
التعايش بين ممثلين في نفس العائلة السينمائية عادة ما يكون صعباً. والسؤال الدائم: من هو الأكثر نجاحا؟ في هذه الحالة كان هناك نجم واحد فقط.
وضعت مجلة "لايف" أودري هيبورن سبع مرات على أغلفتها. رقم قياسي لم تحض به سوى مارلين مونرو (9 مرات).
ترى، من يشعل البخور لميل فيرير؟ لا أحد..
كان مشاعر الزوج مثقلة جداً بالغيرة والحسد، وكانت هناك خيبة أخرى إذ انتهت كل حالات حمل أودري بالإجهاض. فقط، في عام 1960، وفي سن الثلاثين، أنجبت ولداً، شون. لكن هذا الحدث لم يعد بإمكانه تعزيز زواجهما. انهار أخيراً في عام 1968.
عطلة رومانية جديدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الزوج الثاني لأودري هو الطبيب النفسي الإيطالي الشهير، أندريا دوتي. وسيم وشاب وأصغر منها بعشر سنوات. عندما كان يبلغ من العمر 14 عاماً، شاهد "عطلة رومانية" في السينما ووقع في حب بطلته الأميرة آنا. حلم بها كل ليلة، والآن، وقد مرت السنوات، وعلى غير المتوقع يتحقق حلمه.
حتى تتجاوز أخطاء الحياة الأسرية مع ميل فوربر، قررت أودري أن تكون ربة بيت، وليست نجمة سينمائية. توقفت عن التمثيل، وأتقنت، عن طيب خاطر، جميع التفاصيل الفريدة للعائلة الإيطالية. اعتنت بزوجها، طهت الطعام، اعتنت بوالدته وذهبت معها إلى الكنيسة كل يوم أحد. باختصار، أصبحت زوجة منزلية تقليدية.
في هذه الأثناء ولد لوقا، الإبن الثاني لأودري. وفي هذه الأثماء أيضاً، تصاعدت الهجمات الإرهابية لمنظمة الألوية الحمراء الشهيرة. أصبحت الحياة في روما مضطربة. أرسلت أودري الولدين إلى سويسرا، وعرضت على أندريا مغادرة روما والانتقال إلى هناك، لكنه رفض رفضاً قاطعاً. قال أن روما هي مسقط رأسه، وهو يشعر بالرضا هنا، وأنه ملزم بمساعدة مرضاه...
ومثلما انتهت "عطلة رومانية" على الشاشة انتهت "عطلة رومانية" في الحياة. انفصلت أودري عن زوجها وغادرت إيطاليا. استقرت في بلدة سويسرية هادئة ودافئة..
في سويسرا، التقت أودري بآخر رجل: روبرت والدرز. أرمل، أصله من هولندا. شعرت بالسعادة وهي تتحدث معه باللغة الهولندية. كانت علاقتهما متوازنة، علاقة صداقة أكثر منها علاقة الحب، وربما لهذا السبب لم يدخلا في زواج. هكذا حافظا عليها دون مراسم رسمية أو كنسية. أوضحت أودري لاحقاً: لا توجد أسباب تتعارض مع زواجنا، كنا سعداء جداً بدونه.
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كانت المهنة الرئيسية لأودري هي العمل سفيرة لليونيسف، منظمة الطفولة العالمية. انتقلت من عالم الأفلام إلى عالم حقيقي قاس يضج بالأطفال الجوعى. سافرت إلى بنغلادش، السودان، إثيوبيا، السلفادور، ولمدة خمس سنوات، زارت 124 دولة. تفقدت مستشفيات للفقراء ومدارس للأيتام وملاجئ للمشردين. وحاولت أن تفعل ما تستطيع لمساعدتهم.
في إحدى رحلاتها إلى الصومال، أصيبت بألم شديد في البطن. كان التشخيص مخيبا للآمال: السرطان. عاشت ثلاثة أشهر أخرى قبل أن تودع الحياة، في 20 كانون الثاني (يناير) 1993، عن 64 عاماً.
أترككم الآن مع الفيلم الوثائقي (Audrey) للكاتبة والمخرجة البريطانية هيلينا كوان الذي يروي تفاصل أخرى عن أودري هيبورن الإنسانة والممثلة والسفيرة.
صدر الفيلم في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، ونال استحسان النقاد حيثما عرض. وحين استحوذت عليه Netflix أصبح أحد أفضل 10 أفلام مشاهدة على هذه المنصة.
لغير المشتركين بالمنصة يمكنهم مشاهدة الفيلم على هذا الرابط:
[https://ok.ru/video/editor/694715685.../6947156855406)
مشاهدة ممتعة..