هو فرع من فروع علم الاقتصاد يختص بدراسة كيفية تصرف اقتصاد بمجمله، نعني بذلك الأنظمة السوقية التي تدار على نطاق واسع. ويدرس الاقتصاد الكلي الظواهر الاقتصادية واسعة النطاق مثل التضخم ومستويات الأسعار ونسبة النمو الاقتصادي والدخل القومي والناتج المحلي الإجمالي (GDP) والتغيرات في مستوى البطالة.
تشمل الأسئلة الرئيسية التي يعالجها الاقتصاد الكلي: ما هي أسباب البطالة؟، وما الذي يخلق النمو الاقتصادي أو يحفزه؟. ويحاول الاقتصاد الكلي قياس مدى جودة أداء الاقتصاد، وفهم القوى التي تقوده، والتخطيط لكيفية تحسينه.
يتعامل الاقتصاد الكلي مع أداء الاقتصاد برمته وهيكلته وسلوكه، مقارنةً بالاقتصاد الجزئي الذي يركز أكثر على الخيارات التي يتخذها الفاعلون الفرديون في الاقتصاد (مثل الأفراد، والأسر، والصناعات…إلخ.).
مفهوم الاقتصاد الكلي:
هناك جانبان لدراسة علم الاقتصاد: الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي. وكما يوحي لنا المصطلح، فإن الاقتصاد الكلي يهتم بإجمالي الاقتصاد بوصفه سيناريو متكامل. ببساطة، هو يركز على طريقة أداء الاقتصاد ككل ثم يحلل العلاقات التي تربط القطاعات المختلفة للاقتصاد ببعضها البعض لفهم الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد ككل. يشمل هذا الاهتمام بمتغيرات مثل البطالة والناتج المحلي الإجمالي والتضخم.
ويطور الاقتصاد الكلي نماذج تفسر العلاقات بين هذه العوامل، تُستَخدم هذه النماذج والتنبؤات الناتجة عنها من قبل كيانات حكومية للمساعدة في بناء سياسة اقتصادية ونقدية ومالية وتقويمها، وتستخدمها أيضًا الشركات لإعداد استراتيجيات خاصة بها في الأسواق المحلية والعالمية، ويستخدمها بالإضافة إلى ذلك المستثمرون للتعامل مع مختلف فئات الأصول.
مع الأخذ بعين الاعتبار المجال الواسع للموازنات الحكومية وتأثيرها في السياسة الاقتصادية على المستهلكين وعلى الشركات، يختص الاقتصاد الكلي بالقضايا ذات التأثير الكبير. وإذا ما طُبقَت النظريات الاقتصادية على نحو صحيح فإنها ستوفر رؤًى تنويريةً عن كيفية سير الاقتصاد وفقًا لها، ونتائج اتخاذ قرارات وسياسات معينة على المدى البعيد.
يمكن لنظريات الاقتصاد الكلي أيضًا مساعدة الشركات والمستثمرين الفرديين في اتخاذ قرارات أفضل عن طريق إيجاد فهم أشمل لمحفزات العلاج الوظيفي، والطرق الأمثل لتعظيم المنفعة ومواجهة شح الموارد.
حدود الاقتصاد الكلي:
من المهم أيضًا فهم حدود النظريات الاقتصادية. تتألف النظريات غالبًا في فراغ، وتفتقر لتفاصيل معينة من العالم الواقعي مثل النظام الضريبي، وتكلفة المناقلات المالية وتنظيمها. إذ إن العالم الواقعي معقد جدًا ولا يمكن إخضاع إسقاطاته فيما يتعلق بالتفضيلات الاجتماعية والوعي للتحليل الرياضي.
ولكن على الرغم من محدودية النظريات الاقتصادية؛ يجدر الاهتمام بالاستفادة من المؤشرات الرئيسية التي يوفرها الاقتصاد الكلي، مثل الناتج المحلي الإجمالي والتضخم والبطالة. إذ يتأثر كل من أداء الشركات وأسهمها كثيرًا بالظروف الاقتصادية التي تعمل فيها هذه الشركات، ويمكن لدراسة إحصاءات الاقتصاد الكلي مساعدة المستثمرين في اتخاذ قرارات أفضل وتحديد نقاط التحول.
على نحو مشابه، من المهم جدًا تحديد أي النظريات أكثر ملائمةً لإدارة حكومية معينة. إذ إن المبادئ الاقتصادية الأساسية لحكومة ما ستفصح الكثير عن كيفية اتباع الحكومة نظامها الضريبي وتشريعاتها وإنفاقها الحكومي وما يشابه ذلك من سياسات. يتمكن المستثمرون عن طريق الفهم الجيد لتشعبات القرارات الإدارية من التقاط ولو لمحة عامة عن المستقبل المحتمل لهذه الاقتصاديات والتصرف بناءً على ذلك وبثقة.
مجالات بحوث الاقتصاد الكلي:
يُعد الاقتصاد الكلي ميدانًا واسعًا، ولكن يمكننا تحديد مجالين بحثيين يمثلان هذا التخصص. المجال الأول هو العوامل المحددة للنمو الاقتصادي على المدى البعيد، أو الزيادة الحاصلة في الدخل القومي، أما المجال الآخر فيتمثل بدراسة أسباب ونتائج التقلبات الحاصلة في الدخل القومي والتوظيف، وتعرف أيضًا بدورة الأعمال Business Cycle.
النمو الاقتصادي:
يشير مصطلح النمو الاقتصادي إلى الزيادة الحاصلة في إجمالي الإنتاج في اقتصاد ما، ويحاول الاقتصاد الكلي فهم العوامل التي إما تعزز أو تثبط النمو الاقتصادي من أجل دعم السياسات الاقتصادية التي ستسهم فيما بعد بدعم التطور والتقدم ورفع معايير العيش.
يُعد كتاب “بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم” لعالم الاقتصاد آدم سميث -الذي ناصر فيه التجارة الحرة وسياسة عدم التدخل في الاقتصاد والتوسع في تقسيم اليد العاملة- أول كتاب ومن الأعمال الريادية الأولى في هذا المجال البحثي.
وبحلول القرن العشرين بدأ علماء الاقتصاد الكلي بدراسة النمو وفقًا لنماذج رياضية أكثر رسميةً، إذ نُمذج النمو على نحو عام بوصفه دالة عن رأس المال المادي ورأس المال البشري والقوى العاملة والتقنية.
دورة الأعمال:
تمر مستويات ومعدلات التغير للمتغيرات الرئيسية للاقتصاد الكلي، مثل التوظيف والناتج القومي عبر اتجاهات النمو الاقتصادية طويلة الأمد، بتقلبات موسمية سواء نحو الأسوأ أو نحو الأفضل، أو توسعات أو أزمات فيما يعرف بدورة الأعمال. وتُعد الأزمة المالية العالمية لعام 2008 مثالًا واضحًا وقريبًا، وكان الكساد العظيم في الثلاثينيات الحافز الأكبر لتطوير النظريات الحديثة للاقتصاد الكلي.
تاريخ الاقتصاد الكلي:
لم يعرَف مصطلح الاقتصاد الكلي منذ زمنٍ بعيدٍ جدًا (إذ عرف للمرة الأولى على يدي راغنار فريش في عام 1933)، ولكن العديد من المفاهيم الأساسية في الاقتصاد الكلي كانت محط تركيز الباحثين قبل ذلك التاريخ بكثير. إذ إن مواضيع مثل البطالة والأسعار والنمو والتجارة كانت محط اهتمام علماء الاقتصاد منذ بزوغ فجر هذا التخصص، وأصبحت دراساتهم أكثر تركيزًا وأدق تخصصًا بكثير إبان التسعينيات والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين.
بدأ الاقتصاد الكلي يُعرف بشكله الحديث مع جون مينارد كينز John Maynard Keynes ونشره كتابه النظرية العامة للتوظيف والفائدة والنقد في عام 1936.
زودنا كينز بشرح للانهيار المالي المتمثل بالكساد العظيم، حين تعذر بيع السلع وأصبح العمال عاطلين عن العمل، حاولت نظرية كينز تفسير لماذا لا تصبح الأسواق متوازنةً أحيانًا.
قبل تصاعد شعبية نظريات كينز، لم يكن علماء الاقتصاد يفرقون بين الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي. إذ اعتقد علماء الاقتصاد أن قوانين العرض والطلب في الاقتصاد الكلي -التي تعمل في أسواق السلع الفردية نفسها- تتفاعل بين الأسواق الفردية للوصول بالاقتصاد إلى حالة التوازن العام وفقًا لوصف ليون والراس Leon Walras.
شرح علماء الاقتصاد أمثال نوت ويكسل وإيرفنج فيشر ولودفيج فون مايسز العلاقة بين أسواق السلع وبين المتغيرات المالية واسعة النطاق مثل مستويات الأسعار وأسعار الفائدة عن طريق الدور الفريد الذي تؤديه النقود في الاقتصاد بوصفها وسيطًا للتبادل.
وعبر القرن العشرين تشعب علم الاقتصاد الكينزي (كما أصبح يُعرف فيما بعد) لبضع مدارس فكرية أخرى.
المدارس الفكرية لعلم الاقتصاد الكلي:
ينتظم ميدان الاقتصاد الكلي في العديد من المدارس الفكرية التي تحمل آراءً متضاربةً فيما يتعلق بكيفية عمل الأسواق والمشاركين فيها.
المدرسة التقليدية (الكلاسيكية):
يفترض علماء الاقتصاد الكلاسيكيون أن الأسعار والأجور ونسب الفائدة مرنة وأن الأسواق دائمًا متوازنة، ويبنون فكرهم على أساس النظريات الأصلية لآدم سميث.
المدرسة الكينزية:
أُسسَت المدرسة الكينزية على أعمال جون ماينارد كينز، ويركز الكينزيون على الطلب الكلي بوصفه العامل الأساسي في قضايا مثل البطالة ودورة الأعمال.
يؤمن الاقتصاديون الكينزيون بأن دورة الأعمال يمكن أن تدار عن طريق تدخل حكومي فعال من خلال سياسة مالية (إنفاق المزيد من المال في أوقات الأزمات لتحفيز الطلب)، وسياسة نقدية (تحفيز الطلب عن طريق تخفيض أسعار الفائدة).
يؤمن الاقتصاديون الكينزيون أيضًا بوجود جمود في النظام، وهو ما يعرف بحالة الأسعار الجامدة sticky prices أي الأسعار التي تمنع من حدوث التوازن الصحيح بين العرض والطلب.
المدرسة النقدية:
وتعود هذه المدرسة على نحو واسع لأعمال ميلتون فريدمان. ويؤمن النقديون بأن دور الحكومة يتمثل في مراقبة التضخم عن طريق مراقبة العرض النقدي. يؤمن النقديون بأن الأسواق متوازنة عادةً وأن المشاركين لديهم توقعات عقلانية.
ويرفض النقديون الفكرة الكينزية التي تدعي أن الحكومة قادرة على إدارة الطلب وأن ذلك يؤدي إلى عدم الاستقرار ومن المحتمل أن يؤدي إلى التضخم.
مدرسة الكينزيون الجدد:
تحاول هذه المدرسة إضافة أساسات الاقتصاد الكلي للنظريات الاقتصادية الكينزية التقليدية. بينما يتقبل الكينزيون الجدد فكرة أن الأسر والشركات تعمل على أساس توقعات عقلانية، فهم ما زالوا يؤمنون بوجود تنوع من حالات الفشل في السوق مثل جمود الأسعار وجمود الأجور. وبسبب هذا الجمود، يمكن للحكومة تحسين الظروف الاقتصادية الكلية عن طريق سياسة مالية ونقدية.
النيوكلاسيكية Neoclassical:
ويفترض النيوكلاسيكيون أن لدى الأشخاص توقعات عقلانية وأنهم يكافحون من أجل تعظيم منافعهم. وتفترض هذه المدرسة أن الأشخاص يتصرفون على نحو مستقل وعلى أساس مجمل المعلومات التي يحصلون عليها. تعزى فكرة الهامشية وتعظيم الهامش الربحي إلى المدرسة النيوكلاسيكية، بالإضافة إلى الفكرة القائلة أن الوكلاء الاقتصاديين يتصرفون على أساس توقعات عقلانية.
وبما أن الاقتصاديين النيوكلاسيكيين يؤمنون بأن السوق في حالة توازن دائم، يركز الاقتصاد الكلي على نمو عوامل العرض وتأثير العرض النقدي على مستويات الأسعار.
الكلاسيكية الجديدة:
بُنيَت المدرسة الكلاسيكية الجديدة على أساس المدرسة النيوكلاسيكية. تؤكد الكلاسيكية الجديدة على أهمية الاقتصاد الكلي والنماذج المبنية على أساس ذلك السلوك. يفترض الكلاسيكيون الجدد أن الوكلاء يحاولون تعظيم منافعهم وأنهم يحملون توقعات عقلانية.
ويؤمنون أيضًا بأن الأسواق في حالة توازن دائم. ويؤمنون بالإضافة إلى ذلك بأن البطالة اختيارية وأن اتباع سياسة مالية اختيارية يقود إلى عدم الاستقرار، بينما يمكن السيطرة على التضخم عن طريق سياسة نقدية.
المدرسة النمساوية:
وهي من المدارس الاقتصادية القديمة التي تشهد انتعاشًا في شعبيتها. يؤمن الاقتصاديون المنتمون للمدرسة النمساوية بصعوبة نمذجة السلوك الإنساني رياضيًا بدقة، وذلك بسبب تفرده، ويفضلون تدخلًا حكوميًا محدودًا في الاقتصاد. أسهمت المدرسة النمساوية بنظريات وتفسيرات مفيدة فيما يتعلق بدورة الأعمال، ومضامين كثافة رأس المال، وأهمية الوقت وتكلفة الفرصة في تحديد الاستهلاك والقيمة.
الفرق بين الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي:
يختلف الاقتصاد الكلي عن الاقتصاد الجزئي، إذ يركز الأخير على عوامل أصغر ذات تأثير على القرارات التي تتخذها الشركات والأشخاص. إذ تأثر العوامل المدروسة في الاقتصادَين الكلي والجزئي على بعضها البعض. على سبيل المثال، لمستوى البطالة في الاقتصاد ككل تأثير في عدد العمال الذين يمكن للشركة توظيفهم.
الفرق المميز الرئيسي بين الاقتصاد الكلي والجزئي هو أن مؤشرات الاقتصاد الكلي قد تتصرف أحيانًا بطرق تختلف جدًا أو تعاكس الطريقة التي تتصرف فيها متغيرات الاقتصاد الجزئي المناظرة لها. على سبيل المثال، اقترح كينز ما يعرف بمفارقة الادخار، التي تناقش فكرة أن سعي الأفراد جميعًا لزيادة مدخراتهم في الوقت نفسه سيسهم في إحداث تباطؤ في الاقتصاد وإنقاص في الثروة إجمالًا.
بينما يهتم الاقتصاد الجزئي بالميول الاقتصادي أو ما يمكن أن يحدث عندما يتخذ الأفراد خيارات معينة. يقسم الأفراد على نحو عام إلى مجاميع فرعية، مثل المشترين والباعة ومالكي الأعمال. يتفاعل هؤلاء الفاعلون مع بعضهم البعض طبقًا لقوانين العرض والطلب على الموارد، مستخدمين المال ونسب الفائدة كآليات للتسعير من أجل التنسيق.
تشمل الأسئلة الرئيسية التي يعالجها الاقتصاد الكلي: ما هي أسباب البطالة؟، وما الذي يخلق النمو الاقتصادي أو يحفزه؟. ويحاول الاقتصاد الكلي قياس مدى جودة أداء الاقتصاد، وفهم القوى التي تقوده، والتخطيط لكيفية تحسينه.
يتعامل الاقتصاد الكلي مع أداء الاقتصاد برمته وهيكلته وسلوكه، مقارنةً بالاقتصاد الجزئي الذي يركز أكثر على الخيارات التي يتخذها الفاعلون الفرديون في الاقتصاد (مثل الأفراد، والأسر، والصناعات…إلخ.).
مفهوم الاقتصاد الكلي:
هناك جانبان لدراسة علم الاقتصاد: الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي. وكما يوحي لنا المصطلح، فإن الاقتصاد الكلي يهتم بإجمالي الاقتصاد بوصفه سيناريو متكامل. ببساطة، هو يركز على طريقة أداء الاقتصاد ككل ثم يحلل العلاقات التي تربط القطاعات المختلفة للاقتصاد ببعضها البعض لفهم الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد ككل. يشمل هذا الاهتمام بمتغيرات مثل البطالة والناتج المحلي الإجمالي والتضخم.
ويطور الاقتصاد الكلي نماذج تفسر العلاقات بين هذه العوامل، تُستَخدم هذه النماذج والتنبؤات الناتجة عنها من قبل كيانات حكومية للمساعدة في بناء سياسة اقتصادية ونقدية ومالية وتقويمها، وتستخدمها أيضًا الشركات لإعداد استراتيجيات خاصة بها في الأسواق المحلية والعالمية، ويستخدمها بالإضافة إلى ذلك المستثمرون للتعامل مع مختلف فئات الأصول.
مع الأخذ بعين الاعتبار المجال الواسع للموازنات الحكومية وتأثيرها في السياسة الاقتصادية على المستهلكين وعلى الشركات، يختص الاقتصاد الكلي بالقضايا ذات التأثير الكبير. وإذا ما طُبقَت النظريات الاقتصادية على نحو صحيح فإنها ستوفر رؤًى تنويريةً عن كيفية سير الاقتصاد وفقًا لها، ونتائج اتخاذ قرارات وسياسات معينة على المدى البعيد.
يمكن لنظريات الاقتصاد الكلي أيضًا مساعدة الشركات والمستثمرين الفرديين في اتخاذ قرارات أفضل عن طريق إيجاد فهم أشمل لمحفزات العلاج الوظيفي، والطرق الأمثل لتعظيم المنفعة ومواجهة شح الموارد.
حدود الاقتصاد الكلي:
من المهم أيضًا فهم حدود النظريات الاقتصادية. تتألف النظريات غالبًا في فراغ، وتفتقر لتفاصيل معينة من العالم الواقعي مثل النظام الضريبي، وتكلفة المناقلات المالية وتنظيمها. إذ إن العالم الواقعي معقد جدًا ولا يمكن إخضاع إسقاطاته فيما يتعلق بالتفضيلات الاجتماعية والوعي للتحليل الرياضي.
ولكن على الرغم من محدودية النظريات الاقتصادية؛ يجدر الاهتمام بالاستفادة من المؤشرات الرئيسية التي يوفرها الاقتصاد الكلي، مثل الناتج المحلي الإجمالي والتضخم والبطالة. إذ يتأثر كل من أداء الشركات وأسهمها كثيرًا بالظروف الاقتصادية التي تعمل فيها هذه الشركات، ويمكن لدراسة إحصاءات الاقتصاد الكلي مساعدة المستثمرين في اتخاذ قرارات أفضل وتحديد نقاط التحول.
على نحو مشابه، من المهم جدًا تحديد أي النظريات أكثر ملائمةً لإدارة حكومية معينة. إذ إن المبادئ الاقتصادية الأساسية لحكومة ما ستفصح الكثير عن كيفية اتباع الحكومة نظامها الضريبي وتشريعاتها وإنفاقها الحكومي وما يشابه ذلك من سياسات. يتمكن المستثمرون عن طريق الفهم الجيد لتشعبات القرارات الإدارية من التقاط ولو لمحة عامة عن المستقبل المحتمل لهذه الاقتصاديات والتصرف بناءً على ذلك وبثقة.
مجالات بحوث الاقتصاد الكلي:
يُعد الاقتصاد الكلي ميدانًا واسعًا، ولكن يمكننا تحديد مجالين بحثيين يمثلان هذا التخصص. المجال الأول هو العوامل المحددة للنمو الاقتصادي على المدى البعيد، أو الزيادة الحاصلة في الدخل القومي، أما المجال الآخر فيتمثل بدراسة أسباب ونتائج التقلبات الحاصلة في الدخل القومي والتوظيف، وتعرف أيضًا بدورة الأعمال Business Cycle.
النمو الاقتصادي:
يشير مصطلح النمو الاقتصادي إلى الزيادة الحاصلة في إجمالي الإنتاج في اقتصاد ما، ويحاول الاقتصاد الكلي فهم العوامل التي إما تعزز أو تثبط النمو الاقتصادي من أجل دعم السياسات الاقتصادية التي ستسهم فيما بعد بدعم التطور والتقدم ورفع معايير العيش.
يُعد كتاب “بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم” لعالم الاقتصاد آدم سميث -الذي ناصر فيه التجارة الحرة وسياسة عدم التدخل في الاقتصاد والتوسع في تقسيم اليد العاملة- أول كتاب ومن الأعمال الريادية الأولى في هذا المجال البحثي.
وبحلول القرن العشرين بدأ علماء الاقتصاد الكلي بدراسة النمو وفقًا لنماذج رياضية أكثر رسميةً، إذ نُمذج النمو على نحو عام بوصفه دالة عن رأس المال المادي ورأس المال البشري والقوى العاملة والتقنية.
دورة الأعمال:
تمر مستويات ومعدلات التغير للمتغيرات الرئيسية للاقتصاد الكلي، مثل التوظيف والناتج القومي عبر اتجاهات النمو الاقتصادية طويلة الأمد، بتقلبات موسمية سواء نحو الأسوأ أو نحو الأفضل، أو توسعات أو أزمات فيما يعرف بدورة الأعمال. وتُعد الأزمة المالية العالمية لعام 2008 مثالًا واضحًا وقريبًا، وكان الكساد العظيم في الثلاثينيات الحافز الأكبر لتطوير النظريات الحديثة للاقتصاد الكلي.
تاريخ الاقتصاد الكلي:
لم يعرَف مصطلح الاقتصاد الكلي منذ زمنٍ بعيدٍ جدًا (إذ عرف للمرة الأولى على يدي راغنار فريش في عام 1933)، ولكن العديد من المفاهيم الأساسية في الاقتصاد الكلي كانت محط تركيز الباحثين قبل ذلك التاريخ بكثير. إذ إن مواضيع مثل البطالة والأسعار والنمو والتجارة كانت محط اهتمام علماء الاقتصاد منذ بزوغ فجر هذا التخصص، وأصبحت دراساتهم أكثر تركيزًا وأدق تخصصًا بكثير إبان التسعينيات والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين.
بدأ الاقتصاد الكلي يُعرف بشكله الحديث مع جون مينارد كينز John Maynard Keynes ونشره كتابه النظرية العامة للتوظيف والفائدة والنقد في عام 1936.
زودنا كينز بشرح للانهيار المالي المتمثل بالكساد العظيم، حين تعذر بيع السلع وأصبح العمال عاطلين عن العمل، حاولت نظرية كينز تفسير لماذا لا تصبح الأسواق متوازنةً أحيانًا.
قبل تصاعد شعبية نظريات كينز، لم يكن علماء الاقتصاد يفرقون بين الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي. إذ اعتقد علماء الاقتصاد أن قوانين العرض والطلب في الاقتصاد الكلي -التي تعمل في أسواق السلع الفردية نفسها- تتفاعل بين الأسواق الفردية للوصول بالاقتصاد إلى حالة التوازن العام وفقًا لوصف ليون والراس Leon Walras.
شرح علماء الاقتصاد أمثال نوت ويكسل وإيرفنج فيشر ولودفيج فون مايسز العلاقة بين أسواق السلع وبين المتغيرات المالية واسعة النطاق مثل مستويات الأسعار وأسعار الفائدة عن طريق الدور الفريد الذي تؤديه النقود في الاقتصاد بوصفها وسيطًا للتبادل.
وعبر القرن العشرين تشعب علم الاقتصاد الكينزي (كما أصبح يُعرف فيما بعد) لبضع مدارس فكرية أخرى.
المدارس الفكرية لعلم الاقتصاد الكلي:
ينتظم ميدان الاقتصاد الكلي في العديد من المدارس الفكرية التي تحمل آراءً متضاربةً فيما يتعلق بكيفية عمل الأسواق والمشاركين فيها.
المدرسة التقليدية (الكلاسيكية):
يفترض علماء الاقتصاد الكلاسيكيون أن الأسعار والأجور ونسب الفائدة مرنة وأن الأسواق دائمًا متوازنة، ويبنون فكرهم على أساس النظريات الأصلية لآدم سميث.
المدرسة الكينزية:
أُسسَت المدرسة الكينزية على أعمال جون ماينارد كينز، ويركز الكينزيون على الطلب الكلي بوصفه العامل الأساسي في قضايا مثل البطالة ودورة الأعمال.
يؤمن الاقتصاديون الكينزيون بأن دورة الأعمال يمكن أن تدار عن طريق تدخل حكومي فعال من خلال سياسة مالية (إنفاق المزيد من المال في أوقات الأزمات لتحفيز الطلب)، وسياسة نقدية (تحفيز الطلب عن طريق تخفيض أسعار الفائدة).
يؤمن الاقتصاديون الكينزيون أيضًا بوجود جمود في النظام، وهو ما يعرف بحالة الأسعار الجامدة sticky prices أي الأسعار التي تمنع من حدوث التوازن الصحيح بين العرض والطلب.
المدرسة النقدية:
وتعود هذه المدرسة على نحو واسع لأعمال ميلتون فريدمان. ويؤمن النقديون بأن دور الحكومة يتمثل في مراقبة التضخم عن طريق مراقبة العرض النقدي. يؤمن النقديون بأن الأسواق متوازنة عادةً وأن المشاركين لديهم توقعات عقلانية.
ويرفض النقديون الفكرة الكينزية التي تدعي أن الحكومة قادرة على إدارة الطلب وأن ذلك يؤدي إلى عدم الاستقرار ومن المحتمل أن يؤدي إلى التضخم.
مدرسة الكينزيون الجدد:
تحاول هذه المدرسة إضافة أساسات الاقتصاد الكلي للنظريات الاقتصادية الكينزية التقليدية. بينما يتقبل الكينزيون الجدد فكرة أن الأسر والشركات تعمل على أساس توقعات عقلانية، فهم ما زالوا يؤمنون بوجود تنوع من حالات الفشل في السوق مثل جمود الأسعار وجمود الأجور. وبسبب هذا الجمود، يمكن للحكومة تحسين الظروف الاقتصادية الكلية عن طريق سياسة مالية ونقدية.
النيوكلاسيكية Neoclassical:
ويفترض النيوكلاسيكيون أن لدى الأشخاص توقعات عقلانية وأنهم يكافحون من أجل تعظيم منافعهم. وتفترض هذه المدرسة أن الأشخاص يتصرفون على نحو مستقل وعلى أساس مجمل المعلومات التي يحصلون عليها. تعزى فكرة الهامشية وتعظيم الهامش الربحي إلى المدرسة النيوكلاسيكية، بالإضافة إلى الفكرة القائلة أن الوكلاء الاقتصاديين يتصرفون على أساس توقعات عقلانية.
وبما أن الاقتصاديين النيوكلاسيكيين يؤمنون بأن السوق في حالة توازن دائم، يركز الاقتصاد الكلي على نمو عوامل العرض وتأثير العرض النقدي على مستويات الأسعار.
الكلاسيكية الجديدة:
بُنيَت المدرسة الكلاسيكية الجديدة على أساس المدرسة النيوكلاسيكية. تؤكد الكلاسيكية الجديدة على أهمية الاقتصاد الكلي والنماذج المبنية على أساس ذلك السلوك. يفترض الكلاسيكيون الجدد أن الوكلاء يحاولون تعظيم منافعهم وأنهم يحملون توقعات عقلانية.
ويؤمنون أيضًا بأن الأسواق في حالة توازن دائم. ويؤمنون بالإضافة إلى ذلك بأن البطالة اختيارية وأن اتباع سياسة مالية اختيارية يقود إلى عدم الاستقرار، بينما يمكن السيطرة على التضخم عن طريق سياسة نقدية.
المدرسة النمساوية:
وهي من المدارس الاقتصادية القديمة التي تشهد انتعاشًا في شعبيتها. يؤمن الاقتصاديون المنتمون للمدرسة النمساوية بصعوبة نمذجة السلوك الإنساني رياضيًا بدقة، وذلك بسبب تفرده، ويفضلون تدخلًا حكوميًا محدودًا في الاقتصاد. أسهمت المدرسة النمساوية بنظريات وتفسيرات مفيدة فيما يتعلق بدورة الأعمال، ومضامين كثافة رأس المال، وأهمية الوقت وتكلفة الفرصة في تحديد الاستهلاك والقيمة.
الفرق بين الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي:
يختلف الاقتصاد الكلي عن الاقتصاد الجزئي، إذ يركز الأخير على عوامل أصغر ذات تأثير على القرارات التي تتخذها الشركات والأشخاص. إذ تأثر العوامل المدروسة في الاقتصادَين الكلي والجزئي على بعضها البعض. على سبيل المثال، لمستوى البطالة في الاقتصاد ككل تأثير في عدد العمال الذين يمكن للشركة توظيفهم.
الفرق المميز الرئيسي بين الاقتصاد الكلي والجزئي هو أن مؤشرات الاقتصاد الكلي قد تتصرف أحيانًا بطرق تختلف جدًا أو تعاكس الطريقة التي تتصرف فيها متغيرات الاقتصاد الجزئي المناظرة لها. على سبيل المثال، اقترح كينز ما يعرف بمفارقة الادخار، التي تناقش فكرة أن سعي الأفراد جميعًا لزيادة مدخراتهم في الوقت نفسه سيسهم في إحداث تباطؤ في الاقتصاد وإنقاص في الثروة إجمالًا.
بينما يهتم الاقتصاد الجزئي بالميول الاقتصادي أو ما يمكن أن يحدث عندما يتخذ الأفراد خيارات معينة. يقسم الأفراد على نحو عام إلى مجاميع فرعية، مثل المشترين والباعة ومالكي الأعمال. يتفاعل هؤلاء الفاعلون مع بعضهم البعض طبقًا لقوانين العرض والطلب على الموارد، مستخدمين المال ونسب الفائدة كآليات للتسعير من أجل التنسيق.