كتب :أ.د.سميرعبدالرحمن الشميري .أستاذ علم الاجتماع .جامعة عدن.(عقليات مريضة ومعقدة)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتب :أ.د.سميرعبدالرحمن الشميري .أستاذ علم الاجتماع .جامعة عدن.(عقليات مريضة ومعقدة)

    Dr-Samir Alshamiri


    أ.د.سمير عبدالرحمن الشميري - أستاذ علم الاجتماع - جامعة عدن .
    (عقليات مريضة ومعقدة)
    هل يمكن لعقليات مثقوبة ومحشوة بالوهم أن تنير عتمة الظلام ؟ هل يمكن لشخصيات مريضة ومعقدة أن تغرس بذرة أمل في النفوس ؟ هل تستطيع الشخصيات المريضة الغارقة في الضباب و الشك والمصابة بتمزقات روحية أن تعالج علل الفكر والواقع بحفنة هواجس وأفكار متخشبة ؟!
    فمعاناة و اضطرابات المرضى تختلف عن معاناة و اضطرابات المبدعين ، فالشخصية المبدعة رهيفة وقلقة وحساسة ولبيبة وتلعق أحزانها لوحدها ، وتمر بسلسلة من الأوجاع والآلام والتوتر العقلي النفسي والوجداني ، فتبدع إبداعاً فاخراً يمس شغاف القلوب .
    فعالم الاجتماع الفرنسي أوجست كونت (1798- 1857م ) كان يعاني اضطرابات نفسية وروحية وحاول الانتحار ووصل غير مرة إلى حافة الجنون ، وتواكب مع محنته النفسية إنتاج فكري ثاقب أثرى المخزون الثقافي العالمي .
    وعلى الغرار ذاته كان المفكر الألماني ماكس فيبر ( 1864-1920م ) مصاباً بتوعكات عصبية حادة تشله عن الحركة وتعكر صفوة حياته مابين الفينة والأخرى ، وأجبرته حالته النفسية على ترك منصبة الأكاديمي الجامعي ردحاً من الزمن ، وأبدع أعمالاً فكرية شديدة الوهج والجاذبية تصب في مجالات : الضبط الاجتماعي ، الأخلاق والقيم ، والقانون ، والسلطات وأنواعها ، وتنظيم الإدارة .
    والفيلسوف شوبنهار (1788-1860م ) كان مصاباً بلوثة العظمة وعقدة الاضطهاد (البارانويا ) والغيرة الحسدية – مثل القاص يوسف إدريس (1927-1991م ) – خلف تراثاً فلسفياً عظيماً وله مساهمات ناصعة لا تخطئها العين .
    فمعاناة و اضطرابات المبدعين في شتى حقول الإبداع لصيقة بإبداعاتهم الفكرية والأدبية والفنية والثقافية لأن ( المرض هو السبب الأساسي لكل إندفاعة إبداعية – حسب تعبير الشاعر هيني - وبالإبداع أشفي نفسي من أوجاعي وهمومي) .
    أما غير المبدعين والمتوهمين بامتلاك الحقيقة والتفوق المطلق فأنهم يسرفون في استعمال أنانيتهم ويغلقون الأبواب في وجه العقل والتبصر والاستنارة ، فتشوب حياتهم التوهمات والشطحات النرجسية القاتلة ، فالنرجسي ( شخص يفقد القدرة على التعاطف مع الآخرين والإحساس بآلامهم ومشاعرهم ، وهو ذو نمط ثابت يتسم بالتعاظم المبالغ فيه ، والترفع ، والمبالغة في تقدير قيمته أو قيمة ما ينجز ، وهو كثير الانشغال بخيالات النجاح والقوة والألمعية ) " د. عبد الستار إبراهيم " .فالإنسان السوي لا يحتقر الآخرين ولا يقزمهم ولا ينظر إليهم بنوع من الأزورار ولا يطلق أحكامه وعباراته دون احتياط بتسرع وزعرة وشطط لا يطاق ، والعاقل كما يقول أفلاطون ( هو الذي يتريث ، والعالم هو الذي يشك ، بينما الجاهل دائما هو الذي يؤكد ) ، وعندما يسرف الإنسان في استخدام أنانيته لإرضاء غروره يتحول إلى مخلوق غريب يقدم على تصرفات مقززة وبغيضة .
    فالعقلية المريضة مصابة بلوثة التوهمات الحسية والبصرية والسمعية والذهنية ، تنزع للتغطرس الفكري والمعنوي الأجوف ولوك العبارات الجاهزة .
    الذات المعتلة تعاني إعتلالاً فكرياً ونفسياً ، وتعوزها اللياقة والاحتشام والمهارة الاجتماعية والذكاء العاطفي ، فتسعى للإثارة والمماحكات ، وتعيش حالة هلهلة ، فهي غامضة بهواجسها وشبكة مفاهيمها الضبابية في تفكيرها ، تطلق في السماء الهواء الفاسد المشحون بجراثيم السماجة والتبلد .
    ( نحتاج إلى حرب جديدة أسلحتها الكتب وقادتها المفكرين وضحاياها الجهل والتخلف ) " دوستويفسكي " .
يعمل...
X