تدّعي نظرية الصراع الطبقي -التي وضعها كارل ماركس- أن المجتمع في حالة صراع دائم بسبب المنافسة على الموارد المحدودة، وتؤكد أن النظام الاجتماعي يُطبق من خلال الهيمنة والقوة، بدلًا من الإجماع والتوافق، وفقًا لهذه النظرية فإن أصحاب الثروة والسلطة يحاولون الحفاظ على هذا النظام الاجتماعي بكل الوسائل الممكنة، وبشكل خاص من خلال قمع الطبقة الفقيرة والضعيفة. تتمحور الفرضية الأساسية لنظرية الصراع حول أن الأفراد والمجموعات داخل المجتمع سيعملون لزيادة مصالحهم الشخصية.
فهم نظرية الصراع الطبقي:
استُخدمت نظرية الصراع لشرح طيفٍ واسع من الظواهر الاجتماعية، بما في ذلك الحروب والثورات والغنى والفقر والتمييز والعنف المنزلي؛ إذ تعزو النظرية أغلب التطورات الأساسية في التاريخ البشري مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى المحاولات الرأسمالية للسيطرة على الجموع بدلًا من الرغبة في إقامة نظام اجتماعي، تثور النظرية على مفاهيم مثل التفاوت الاجتماعي في تقسيم الموارد وتركز على الصراع الموجود بين الطبقات.
يمكن وصف العديد من أشكال الصراع من خلال نظرية الصراع، يعتقد عدد من المنظّرين بمن فيهم كارل ماركس أن الصراع الاجتماعي المتأصل يقود التغيير والتطور في المجتمع.
الصراع الطبقي:
تُركز نظرية كارل ماركس للصراع على الصراع بين طبقتين أساسيتين، تحوي كل طبقة منهما على مجموعة من البشر تجمعهم اهتمامات مشتركة وقدر من الملكية الخاصة، وغالبًا ما تُدعم من قبل الدولة.
تُمثل طبقة البرجوازية أفراد المجتمع الذين يتحكمون بأغلب الثروات والوسائل، بينما تتضمن طبقة البروليتاريا أفراد الطبقة العاملة أو الفقراء، مع صعود الرأسمالية رأى ماركس أن البرجوازية وهي قلة بين السكان ستستخدم نفوذها لاضطهاد البروليتاريا وهي طبقة الغالبية، يرتبط هذا النمط من التفكير بصورة شائعة مرتبطة بنماذج عن المجتمع مبنية على نظرية الصراع، ويعمد مناصرو هذه الفلسفة إلى الاعتقاد بوجود ترتيب هرمي تُملي فيه مجموعة صغيرة من النُخَب المعايير والشروط على النسبة الأكبر من المجتمع وذلك نتيجةً للتحكم المتضخم بالسلطة والموارد.
افتُرض أن التوزيع غير المتكافئ داخل المجتمع سيبقى على حاله من خلال الإكراه الإيديولوجي؛ إذ تفرض البرجوازية على البروليتاريا الرضوخ للظروف الحالية.
يقول مذهب التفكير هذا إن النخب ستؤسس نُظُمًا للقوانين والتقاليد والبنى الاجتماعية الأخرى من أجل دعم سيطرتها بينما تمنع هذه النظم الآخرين من الانضمام لتصنيف النُخب الاجتماعي.
يعتقد ماركس أيضًا أنه نتيجة خضوع الطبقة العاملة والفقيرة لظروف مجحفة فإن الوعي الجمعي سيؤدي بالتفاوت الطبقي إلى الاشتعال وبالتالي إنتاج الثورة، وإذا عُدلت الظروف لاحقًا لمعالجة مخاوف البروليتاريا فإن دائرة الصراع ستتكرر.
افتراضات نظرية الصراع الطبقي:
توجد في نظرية الصراع الحالية أربع افتراضات تساعد على الفهم وهي المنافسة والثورة والتفاوت البنيوي والحرب.
- المنافسة:
يعتقد منظرو الصراع أن المنافسة هي عامل ثابت وفي بعض الأوقات حاسم لكل علاقة أو تفاعل إنساني؛ إذ توجد المنافسة نتيجةً لشح الموارد، بما في ذلك الموارد المادية مثل النقود والملكية والسلع وغيرها الكثير، يتنافس الأفراد والمجموعات داخل المجتمع -ما وراء الموارد المادية- على الموارد غير المحسوسة أيضًا بما في ذلك أوقات الفراغ والسيطرة والأوضاع الاجتماعية والشركاء الجنسيون وعدة عوامل أخرى، يفترض منظرو الصراع أن المنافسة هي الأمر الطبيعي وليس الشراكة.
- الثورة:
بالنظر إلى افتراض منظري نظرية الصراع بكون الصراع يحدث بين الطبقات الاجتماعية فإن إحدى نتائج هذا الصراع هي الثورة، تكمن الفكرة هنا في أن التغيير في دينامية السلطة بين الجماعات لا يحدث نتيجةً للتكيف بل للصراع بين هذه الجماعات، وبهذه الطريقة فإن التغير في دينامية السلطة يكون حادًا وضخمًا بدل أن يكون متدرجًا وتطوريًا.
- التفاوت البنيوي:
لعل أهم افتراض لنظرية الصراع هي أن العلاقات بين البشر والبنى الاجتماعية تمر بمرحلة تفاوت السلطة، ونتيجةً لذلك يطور ويكسب بعض الأفراد والمجموعات -بصورة متأصلة- سلطاتٍ أكبر من البقية، ونتيجةً لذلك فإن هؤلاء الأفراد والمجموعات الذين ينتفعون من السلطة يعمدون إلى العمل على المحافظة على هذه البنى للحفاظ على سلطاتهم وتحسينها.
- الحرب:
يعمد منظرو نظرية الصراع على رؤية الحرب باعتبارها مُطهرةً أو موحدةً للمجتمعات، تُعد الحرب -في نظرية الصراع- نتيجة صراع تراكمي نامٍ بين الأفراد والمجموعات وبين مجتمعات كاملة، وقد يصبح المجتمع موحدًا بطرق معينة لكن الصراع يبقى بين المجتمعات المتعددة. على الطرف الآخر، قد تؤدي الحرب إلى النهاية الإجمالية للمجتمع.
رؤية كارل ماركس للرأسمالية:
رأى كارل ماركس الرأسمالية على أنها جزء من التطور التاريخي للنظم الاقتصادية، واعتقد أنها متأصلة في السلع أي في الأشياء التي تُباع وتُشترى، إذ اعتقد على سبيل المثال أن العمل هو نوع من السلع، ولأن العمال يمتلكون القليل من التحكم أو السلطة على النظام الاقتصادي (لأنهم لا يمتلكون المصانع ووسائل الإنتاج) فإن استحقاقهم يقل مع مرور الوقت، ما سيخلق عدم توازن بين أصحاب العمل وعمّالهم والذي سيقود إلى صراعات اجتماعية، اعتقد كارل ماركس أن هذه المشاكل ستُحل من خلال ثورة اقتصادية واجتماعية.
مساهمة فيبر:
تبنى ماكس فيبر عدة أوجه من نظرية الصراع التي وضعها ماركس وقدم مساهمته ونقح أفكارها. اعتقد فيبر أن الصراع على الملكية لا يتمثل بسيناريو محدد، بل إن هنالك عدة طبقات للصراع تحدث في أي لحظة وفي أي مجتمع.
بينما صاغ ماركس رؤيته للصراع على أنه بين العمال وأصحاب العمل، أضاف فيبر بعدًا عاطفيًا لرؤيته عن الصراع؛ إذ قال: «إنها هي التي تُحدد سلطة الدين وتجعل منه حليفًا قويًا للدولة، وهي التي تحول الطبقات إلى مجموعات مكانية، وتفعل الأمر ذاته مع المجتمعات الإقليمية في ظروف محددة… وهذا يجعل من الشرعية محورًا أساسيًا للجهود المبذولة من أجل السيطرة».
تجاوزت معتقدات فيبر إلى ما بعد ماركس، إذ اقترح أن بعض أشكال التفاعل الاجتماعي، بما في ذلك الصراع، تولد معتقداتٍ وتضامنًا بين الأفراد والجماعات داخل المجتمع، وبهذه الطريقة ستكون ردود أفعال الأفراد تجاه التفاوت متغيرةً بحسب الجماعات التي ينتمون إليها، وما إذا كان من يحتل السلطة شرعيًا أم لا وهلم جرًا.
منظرو الصراع الطبقي المعاصرون:
أكمل منظرو الصراع في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين تجاوز النموذج الصارم للطبقات الاقتصادية الذي وضعه ماركس، ولكن تبقى العلاقات الاقتصادية ميزةً أساسية للتفاوت بين الجماعات في الفروع المختلفة لنظرية الصراع.
تُعد نظرية الصراع ملهمًا مهمًا للنظريات الحديثة وما بعد الحديثة للتفاوت الجنسي والعرقي ومناهضة الاستعمارية ودراسات السلام والصراع والتشكيلات المتنوعة لدراسات الهوية التي بزغ نجمها بين الأوساط الأكاديمية الأوروبية خلال العقود القليلة المنصرمة.
تطبيقات اقتصادية:
رأى منظرو الصراع، على سبيل المثال، العلاقة بين مالك مجمع سكني والمستأجر على أنها قائمة أساسًا على الصراع بدلًا من التوازن والتناغم، على الرغم من أن التناغم موجود أكثر من الصراع، يعتقد المنظرون أن العلاقة بين المستأجر والمالك تُحدد من خلال ما يأخذ كل واحد من الآخر من موارد.
تساهم الموارد المحدودة المذكورة في المثال أعلاه في الصراع بين المستأجر ومالك المجمع السكني بما في ذلك المساحة المحدودة في المجمع السكني وعدد الوحدات السكنية والمال الذي يدفعه المستأجر للمالك مقابل التأجير… إلخ.
يُشير منظرو الصراع إلى الأزمة المالية عام 2008 وما تبعها من عمليات إنقاذ للمصارف على أنها خير مثال لنظرية الصراع وتطبيقها في الحياة الحقيقية، وفقًا للكاتبين آلان سيرز وجيمس كيرينس في كتابهما “كتاب جيد نظريًا”، إذ يرى المؤلفان أن الأزمة المالية هي النتيجة الحتمية للتفاوت وعدم استقرار النظام الاقتصادي العالمي، والتي مكنت المصارف والمؤسسات الكبرى من تجاوز رقابة الحكومات والإقدام على مخاطرات كبرى تكافئ القلة القليلة.
يُشير سيرز وكيرينس إلى أن المصارف الكبرى وأصحاب الأعمال الضخمة تلقوا بشكل متعاقب تمويلًا إنقاذيًا من الحكومات ذاتها التي ادعت أنها لا تملك تمويلًا كافيًا لبرامج اجتماعية مثل برنامج الرعاية الصحية الشامل، دعَم هذا التناقض الافتراض الأساسي لنظرية الصراع، وهو أن المؤسسات السياسية والممارسات الثقافية السائدة تُفضل الجماعات والأفراد المهيمنين.
يشرح هذا المثال كيف يمكن أن يكون الصراع متأصلًا في كل أنواع العلاقات بما في ذلك تلك التي لا تظهر بوضوح لتُعتبر خصامية، ويُظهر أيضًا أن بإمكان السيناريوهات الواضحة أن تقود إلى طبقات مختلفة من الصراع.
ؤ