ماسك، هاريس، شابيرو، وبيترسون ماذا قالوا عن المرتب (الدخل الأساسي) العالمي؟ ها نحن ذا في القرن الواحد والعشرين وصلنا إلى مرحلة متقدمة للغاية في العلوم الطبيعية والهندسة والطب والتكنولوجيا، والتي سهّلت علينا حياتنا اليومية ونهضت بالمجتمع والإنسان إلى مستويات مرتفعة غير مسبوقة على الإطلاق من الرفاهية والأمان والصحة والاكتفاء، بل وصلنا في كثير من الأحيان إلى ما بعد الاكتفاء وإلى فائض من الموارد، ما وفر علينا تنفيذ الكثير من الوظائف التي توجب علينا تنفيذها في مرحلة من المراحل السابقة…
لذا تتضاءل الحاجة لشخص ينفذ تلك الوظائف عامًا بعد عام، ما خلف لدينا معضلةً اقتصادية واجتماعية وأخلاقية تجاه أولئك الأشخاص والموظفين الذين اعتادوا العمل وتنفيذ تلك الوظائف المُستغنى عنها، والتي أمست غير ضرورية، أو التي أدخلنا المكننة الآلية الأنجع إليها.
يُطرح سؤال حول امتلاك أولئك الموظفين الحق، بل وحتى الجميع دون استثناء، بالحصول على دخل أساسي عائد من وفرة تلك الموارد وانخفاض تكلفتها نتيجة للمكننة الآلية وتكنولوجيا الطب والصحة والاتصالات والمعلوماتية والمواصلات والإدارة الذكية المستدامة. وهنا نقدم لكم آراء أربعة من كبار مفكري وعلماء عصرنا، علّهم يساعدونكم في أخذ فكرة وتكوين مفهوم حول كيفية التقارب مع هذه المعضلة في حياتكم الآن وفي المستقبل:
(إيلون ماسك – Elon Musk):
ستتضاءل أعداد الوظائف التي لا يستطيع روبوت تنفيذها على نحو أفضل. إذًا ما الذي علينا فعله تجاه هذه البطالة الشاملة؟ إذ سنواجه تحد مجتمعي شامل. أعتقد أنه سيتوجب علينا في نهاية المطاف امتلاك نوع من (الدخل الأساسي العالمي – Universal Basic Income)، ولا أظن أننا نمتلك خيارًا آخر.
للتوضيح، هذا ليس شيئًا أتمنى حدوثه، بل هو شيء أعتقد أنه سيحصل على الأرجح. وإن كان تقييمي هذا صحيحًا فإننا بحاجة للتحدث عما سنفعله تجاه الأمر، أعتقد أن نوعًا من الدخل الأساسي العالمي سيكون ضروريًا، إذ إن ناتج السلع والخدمات سيصبح مرتفعًا إلى حد كبير ومع المكننة الآلية سيمسي هذا الناتج وفيرًا، وسيصبح كل شيء رخيصًا للغاية تقريبًا.
ولكن التحدي الأصعب بشدة هو السؤال التالي: كيف للناس أن تجد معنى لحياتها؟ فالعديد من الناس يستمدون المعنى لحياتهم من وظيفتهم، وإذا لم تكن هناك حاجة إليك، إن لم تكن هناك حاجة لعملك، هل ستمتلك معنى ما؟ هل ستشعر بأنك عديم الفائدة؟ وهذه مشكلة يصعب للغاية التعامل معها.
(بن شابيرو – Ben Shapiro):
أعتقد أن فكرة الدخل الأساسي العالمي خُصصت للحين الذي تصبح فيه التكنولوجيا متقدمةً إلى حد كبير بحيث لا تبقى أية وظائف شاغرة، ولا أعتقد أننا وصلنا لهذه المرحلة بعد. فإن امتلكت ماكينة تصنع حرفيًا كل شيء مجانًا، ووجدت حفنة من الأشخاص الذين لم تعد بحاجة لهم بعد الآن لتنفيذ العمل، حينها يمكنك التحدث عن الدخل الأساسي العالمي، لأنه لم يعد هناك ندرة (نقص)، إذ أن الندرة هي التي تولّد الحاجة للعمل.
لا يزال الناس مضطرين للعمل مثلًا على تلك الشاحنات ذاتية القيادة والتعامل مع تكنولوجيتها، لم تلغ كذلك صناعة الحواسيب مثلًا الوظائف عند عدم الحاجة للآلة الكاتبة في أرجاء الولايات المتحدة.
لذا أظن أن هذا الاعتقاد سابق لأوانه قليلًا بل أعتقد حتى أنه لن يأتي يوم تكون فيه الآلات متطورة إلى حد أن تستولي على كل الأعمال. وأظن أن هناك تشعبات أخرى للأمر، ففي الأعمال الابداعية مثلًا؛ من الصعب على الآلات ابتكار شيئ ما، لكن ستصبح الكثير من الأعمال التي تشمل مهمةً واحدة فقط متولاة تكنولوجيًا. لذا على الناس أن يتمرنوا على نصف الدماغ الأيمن قليلًا، وسيتوجب علينا تدريبهم بطرق مختلفة عن ذي قبل.
حسب رأيي يصعب جدًا القول إننا بحاجة إلى دخل أساسي عالمي في الوقت الذي لا يتجاوز فيه معدل البطالة الـ4%، ويعمل 96% من الناس القادرين على العمل بالفعل. لا أرى من خلال ذلك وجود تلك الطبقة الفقيرة الواسعة من الناس غير القادرين تمامًا على العمل. بالإضافة لذلك، يمكنك التمعن في برامج المعاقين في الولايات المتحدة واعتبارها بمثابة مثال مصغر للدخل العالمي الأساسي، والتي تُعتَبر أسرع البرامج نموًا في الولايات المتحدة، إذ بإمكان أي شخص الادعاء بأنه معاق ليحصل على نفقة من الحكومة، وما أن تفعل ذلك أو تحصل على دخل أساسي عالمي هل سيكون هناك حافر للعمل؟
كذلك لا أعتقد أنك قد حللت مشكلة أغلب الناس، إذ ما زال الناس بحاجة لفعل شيئ ما خلال يومهم، حتى الأشخاص الذين يتقاعدون عند بلوغ سن الـ60 تراهم يموتون في غضون ثلاث سنوات.
أنا شخصيًا أتمنى ألا أتقاعد أبدًا لأنني أعرف العديد من الأشخاص الذين قالوا عند تقاعدهم: «أوه سأتقاعد سألعب الغولف سأرسم…» وتراهم يموتون بعد ستة أشهر. يوجد العديد من الساعات في اليوم الواحد وسيصعب جدًا ملؤها بالرسم المائي وصفوف كتابة الشعر والقوافي. لا يقدر كل الناس على الخروج واعتناق هذا النمط من الحياة وأخذ دروس وإيجاد شيئ ما ليفعلوه.
(سام هاريس – Sam Harris):
بالحديث عن المركبات ذاتية القيادة، فتُعد قيادة الشاحنات الوظيفة الأكثر شيوعًا عند الذكور البيض في الولايات المتحدة –حوالي تسعة ملايين سائق–. وبالنسبة للدخل الأساسي العالمي فتوجد بالفعل أسباب تدفعنا للقلق بكونه ليس الحل الأمثل، علينا استيعاب عواقب أي نظام نطبقه.
ولا مجال للشك بأنه عند النظر لهذا الدخل بمثابة فرصة سانحة فإنها أعظم فرصة في تاريخ الإنسان، إذ نتحدث هنا عن إلغاء الحاجة لعمل تكراري ممل خطير وبالتالي تحرير البشرية لتنفيذ أشياء ممتعة إبداعية، وأكثر إثارة للاهتمام.
إذًا كيف يمكن لهذا أن يكون سيئًا؟! حسنًا أعطونا بعض الوقت وسنريكم كيف يمكننا جعله سيئًا. سيحدث ذلك إذا قاد هذا الدخل إلى تفاوت غير اعتيادي في الثروة للدرجة التي لا متلك فيها النية السياسية أو الأخلاقية لإصلاح الوضع الناجم، خاصة إذا كان لدينا نوع من الثقافة التي تقول «لا أريد أي صدقات أو حسنات وبالتأكيد لا أريد لجاري أن ينالها أيضًا في حين أدفع أنا العديد من الضرائب فقط ليكون هو متسكعًا كسولًا».
فإن امتلكنا هذا الحس من الكالفينية (مذهب مسيحي يدعو إلى أن الإنسان بعد أن يخطئ لا يستطيع أن يمتلك الإرادة الحرة للتوبة، أما كل الذين سينالون الخلاص فإن الله كان قد سبق واختارهم قبل إنشاء العالم) الذي يجعل من التحاور بشكل عقلاني وإبداعي حول ما تغيّر أمرًا مستحيلًا، فإنها ستكون مرحلة كعنق الزجاجة يجدر بنا عبورها لنصل لشيء أفضل بكثير أو أسوأ بكثير بالاعتماد على ما تصل إليه التكنولوجيا.
كذلك أعتقد أنه سيكون واضحًا عند نقطة ما أن تفاوت الثروات ليس مستدامًا، أي أنه لا يمكن أن يتجول عدة تريليونيريين، ويعيشون في منتجعات مبوّبة محاطة بسور شائك ويسافرون لكل مكان بطائرات خاصة، بينما توجد بطالة هائلة في مجتمع كمجتمعنا. عند نقطة ما سيستوعب أغنى الأغنياء أنه «قد طفح الكيل وعلينا أن نوزع هذه الثروة وإلا جاء الناس إلى منتجعاتنا ببنادقهم أو مشاعلهم» ولن يقوى المجتمع بعد ذلك على تحمل الأمر.
لا بد من وجود حد من التفاوت الطبقي والذي يصبح الوضع بعده غير مُطاق ولا يستطيع الناس احتماله، سنصبح مع مرور الوقت أشبه شيئًا فشيئًا بجمهورية الموز (مصطلح يطلق على جمهوريات العالم الثالث؛ توصف كالدول الفاشلة ذوات ديمقراطيات استعراضية) إلى أن نصبح كذلك بالفعل.
لكننا نتحدث هنا عن الولايات المتحدة أو العالم المتقدم حيث الثروة كلها، لذلك تُعد إعادة توزيع الثروات نهاية اللعبة، إلا أن هذا المنظور يُعتبر سامًا (ضارًا) بالنسبة لنصف الشعب الآن، فهي فكرة دولة الرفاهية التي تصادر ممتلكات شعبها وتوزعها على جميع من تبقى.
(جوردان بيترسون – Jordan Peterson):
لا أعتقد أن الدخل الأساسي العالمي يعالج المشكلة الأساسية، أعتقد أنه مرآة لمعضلة «مسؤولية الحقوق»، فيمكن القول إن كل شخص يمتلك الحق لأساسيات الحياة، وحتى هذا الافتراض قابل للمناقشة والجدل، إذ أن السؤال هنا هو «من سيزودنا بهذه الحاجات والضروريات؟» والجواب هو أنه لا يجدر أن يكون «شخص آخر ملزم على ذلك»، فكل حق يأتي على حساب مسؤولية شخص آخر، لذا لا يتوجب عليك مضاعفة الحقوق لما بعد الحد الأدنى من الضروريات لأنك تضاعف بذلك مسؤوليات متنوعة لا تحتمل.
ولكن هناك ما هو أهم من ذلك، لنتخيل أنه بينما تتقدم الثورة التكنولوجية سيصبح المزيد والمزيد من الناس تحت خطر الاستبدال بآليات ذكية، لا نعلم إن كان هذا صحيحًا أم لا فهو لم يحدث بعد. إضافة إلى أن الجميع توقع حدوث ذلك منذ ستينيات القرن الماضي لكنه لم يحصل حقًا. قد نصل للمرحلة التي يوجد فيها مقدار لا نهائي من العمل دون أن نَنفذ منه مطلقًا، أرجح أن تكون هذه هي الحالة في المستقبل.
لنفترض بأن الناس سيُجَردون من العمل بالفعل بينما تتقدم التكنولوجيا، سيؤدي ذلك إلى مشكلة في تنمية الأشخاص الذين فقدوا وسائل معتمدة لكسب قوتهم. نستطيع القول إن العائق الأساسي هنا هو عدم امتلاكهم أي نقود، لكنني شخصيًا لا أعتقد أن هذه المشكلة الأساسية حتى، فخلال تمرسي الطبي واجهت العديد من الأشخاص الذين عانوا من البطالة في حين امتلكوا المال –ليس الكثير منه لكن ما يكفي لكي لا يصلوا مرحلة الحرمان أبدًا–.
وهنا تكمن السخرية، فهذا القدر الكافي من المال كان كافيًا أيضًا لإدخالهم في العديد من الورطات. على سبيل المثال، عمِل أحد عملائي في مستشفى وكان يتألم كثيرًا بحكم طبيعة عمله، فبدأ يعتمد مسكنات الألم، ومن ثم أصبح مدمنًا على تلك المسكنات وثم مدمنًا على الكوكايين، وبدأت حياته بالانحدار حينها.
هو شخص رائع في الواقع طالما لم يملك المال، لكن ما إن يحصل على مرتبه، كان ينتهي به الأمر في حانة ما، صارفًا كل ماله، غائبًا عن الوعي، مستلقيًا ووجهه على الأرض، ويستيقظ على حالته هذه في النهار التالي داخل تلك الحانة. أخبركم بهذه القصة لأن مشكلته لم تكن المال أبدًا، بل كانت عدم وجود هدف (مغزى)، أي لم يعد يمتلك مكان في المنظومة أو الهيكل الذي كان سيمكنه من إيجاد معنى مثمر لحياته.
يمكنك القول إن من الأجدر به استحضار هذا الهدف لوحده، وقد يكون ما تقوله صحيحًا، إلا أنه لم يكن من أكثر الأشخاص حنكة في العالم، وكما تعلمون يتنوع الناس إلى حد كبير بمدى حنكتهم. لم يمتلك عائلة جيدة أو شبكة داعمة حوله، إذ كان تقريبًا شخصية منسية على العديد من الأصعدة، وسهِل سقوطه سهوًا من العالم، وهذا ما حصل فعلًا. فمدّه بالمال ما كان ليصلح الأمر.
ما يحتاجه الناس هو هدف مميز ومحدد، وهذا أكثر أهمية من المال بدرجات. بالطبع أنتم بحاجة المال، الجميع بحاجته، لكن ليس بهذا السياق. توفير المال بلا مغزى ليس عاملًا مساعدًا أبدًا. كما ذكرت، ما يحتاجه الناس هو هدف ليطوروه بأنفسهم، لأنه شيء محدد عليك المشاركة به وعلى المجتمع أن يتبناه (لا يأتي من تلقاء نفسه)، والسبب وراء حاجتهم لهذا المغزى هو أن هذا ما يعطي حياتهم معنى.
فلنفكر بهذا افتراضيًا، هل تعتقد حقًا أنك ستكون سعيدًا فيما لو كان لديك مال بلا أية مسؤوليات؟ فهذا ما يريده الجميع «لا مسؤوليات». عميلي أراد أن يتقاعد في عمر صغير نسبيًا، فسألته مرة ما هي رؤيتك عن ظروف التقاعد المثالي التي تطمح إليها؟ فأجاب: «إني أتخيل نفسي على شاطئ جزيرة استوائية وكأس من المارغريتا في يدي»، فقلت له حسنًا لنمتثل لذلك ولنكن راشدين حول الأمر.
ستذهب إلى الكاريبي وستجلس على الشاطئ وستشرب ستة كؤوس من المارغريتا وستجلس هناك لثلاث ساعات، ما الذي سيحصل في اليوم التالي؟ ستكون محروقًا من الشمس حد الهشاشة ولن تستطيع الخروج من غرفة فندقك، وستعاني من الدوار بسبب تأثير الكحول.
لنقل الآن أنك ستجلس في غرفتك لعدة أيام ثم ستتحسن من جديد وستعيد الكرة من جديد لثلاثة أشهر، ومن بعدها ستخرج للعلن، وسيهرب كل الناس منك لأنك ذلك الفاسق السكير الجديد الذي جاء من الشمال، هل هذه هي رؤيتك للتقاعد؟!
حسنًا إذًا، لديك كل المال الذي تريد وبلا مسؤوليات، فليس لديك عمل وليس عليك رعاية نفسك ولا تملك زوجة أو أطفال وبالتالي ليس عليك رعايتهم كذلك. ما الذي ستفعله إذًا بالضبط؟ أن تجلس تحت الشمس وتحتسي المارغريتا؟! هذه ليست برؤية جيدة. أنت لا تريد أي مسؤولية وهذا خاطئ، فالناس يجدون معنى لحياتهم بتبنيهم واعتناقهم لمسؤولياتهم.
هناك مقولة شهيرة: «المرء لا يعيش على الخبز وحده»، وتوجد حكمة في ذلك. أنت لا تريد أن تكون بلا أي مسؤولية، لكن يمكنك أن تحلم بذلك إن كنت محطمًا بسبب عملك. لكن ما يعنيه هذا التحطم هو أنك تعمل في المكان الخاطئ أو أن أسلوبك خاطئ أو ربما كلاهما معًا. أنت في الواقع تريد الكثير من المسؤولية، وعلى المجتمع تبني هذا الأمر، وعلينا مساعدة الناس في إيجاد مغزى لهم ومكانًا لهم. هذا أقرب للحل من الدخل الأساسي العالمي فهو حل خاطئ.
لذا تتضاءل الحاجة لشخص ينفذ تلك الوظائف عامًا بعد عام، ما خلف لدينا معضلةً اقتصادية واجتماعية وأخلاقية تجاه أولئك الأشخاص والموظفين الذين اعتادوا العمل وتنفيذ تلك الوظائف المُستغنى عنها، والتي أمست غير ضرورية، أو التي أدخلنا المكننة الآلية الأنجع إليها.
يُطرح سؤال حول امتلاك أولئك الموظفين الحق، بل وحتى الجميع دون استثناء، بالحصول على دخل أساسي عائد من وفرة تلك الموارد وانخفاض تكلفتها نتيجة للمكننة الآلية وتكنولوجيا الطب والصحة والاتصالات والمعلوماتية والمواصلات والإدارة الذكية المستدامة. وهنا نقدم لكم آراء أربعة من كبار مفكري وعلماء عصرنا، علّهم يساعدونكم في أخذ فكرة وتكوين مفهوم حول كيفية التقارب مع هذه المعضلة في حياتكم الآن وفي المستقبل:
(إيلون ماسك – Elon Musk):
ستتضاءل أعداد الوظائف التي لا يستطيع روبوت تنفيذها على نحو أفضل. إذًا ما الذي علينا فعله تجاه هذه البطالة الشاملة؟ إذ سنواجه تحد مجتمعي شامل. أعتقد أنه سيتوجب علينا في نهاية المطاف امتلاك نوع من (الدخل الأساسي العالمي – Universal Basic Income)، ولا أظن أننا نمتلك خيارًا آخر.
للتوضيح، هذا ليس شيئًا أتمنى حدوثه، بل هو شيء أعتقد أنه سيحصل على الأرجح. وإن كان تقييمي هذا صحيحًا فإننا بحاجة للتحدث عما سنفعله تجاه الأمر، أعتقد أن نوعًا من الدخل الأساسي العالمي سيكون ضروريًا، إذ إن ناتج السلع والخدمات سيصبح مرتفعًا إلى حد كبير ومع المكننة الآلية سيمسي هذا الناتج وفيرًا، وسيصبح كل شيء رخيصًا للغاية تقريبًا.
ولكن التحدي الأصعب بشدة هو السؤال التالي: كيف للناس أن تجد معنى لحياتها؟ فالعديد من الناس يستمدون المعنى لحياتهم من وظيفتهم، وإذا لم تكن هناك حاجة إليك، إن لم تكن هناك حاجة لعملك، هل ستمتلك معنى ما؟ هل ستشعر بأنك عديم الفائدة؟ وهذه مشكلة يصعب للغاية التعامل معها.
(بن شابيرو – Ben Shapiro):
أعتقد أن فكرة الدخل الأساسي العالمي خُصصت للحين الذي تصبح فيه التكنولوجيا متقدمةً إلى حد كبير بحيث لا تبقى أية وظائف شاغرة، ولا أعتقد أننا وصلنا لهذه المرحلة بعد. فإن امتلكت ماكينة تصنع حرفيًا كل شيء مجانًا، ووجدت حفنة من الأشخاص الذين لم تعد بحاجة لهم بعد الآن لتنفيذ العمل، حينها يمكنك التحدث عن الدخل الأساسي العالمي، لأنه لم يعد هناك ندرة (نقص)، إذ أن الندرة هي التي تولّد الحاجة للعمل.
لا يزال الناس مضطرين للعمل مثلًا على تلك الشاحنات ذاتية القيادة والتعامل مع تكنولوجيتها، لم تلغ كذلك صناعة الحواسيب مثلًا الوظائف عند عدم الحاجة للآلة الكاتبة في أرجاء الولايات المتحدة.
لذا أظن أن هذا الاعتقاد سابق لأوانه قليلًا بل أعتقد حتى أنه لن يأتي يوم تكون فيه الآلات متطورة إلى حد أن تستولي على كل الأعمال. وأظن أن هناك تشعبات أخرى للأمر، ففي الأعمال الابداعية مثلًا؛ من الصعب على الآلات ابتكار شيئ ما، لكن ستصبح الكثير من الأعمال التي تشمل مهمةً واحدة فقط متولاة تكنولوجيًا. لذا على الناس أن يتمرنوا على نصف الدماغ الأيمن قليلًا، وسيتوجب علينا تدريبهم بطرق مختلفة عن ذي قبل.
حسب رأيي يصعب جدًا القول إننا بحاجة إلى دخل أساسي عالمي في الوقت الذي لا يتجاوز فيه معدل البطالة الـ4%، ويعمل 96% من الناس القادرين على العمل بالفعل. لا أرى من خلال ذلك وجود تلك الطبقة الفقيرة الواسعة من الناس غير القادرين تمامًا على العمل. بالإضافة لذلك، يمكنك التمعن في برامج المعاقين في الولايات المتحدة واعتبارها بمثابة مثال مصغر للدخل العالمي الأساسي، والتي تُعتَبر أسرع البرامج نموًا في الولايات المتحدة، إذ بإمكان أي شخص الادعاء بأنه معاق ليحصل على نفقة من الحكومة، وما أن تفعل ذلك أو تحصل على دخل أساسي عالمي هل سيكون هناك حافر للعمل؟
كذلك لا أعتقد أنك قد حللت مشكلة أغلب الناس، إذ ما زال الناس بحاجة لفعل شيئ ما خلال يومهم، حتى الأشخاص الذين يتقاعدون عند بلوغ سن الـ60 تراهم يموتون في غضون ثلاث سنوات.
أنا شخصيًا أتمنى ألا أتقاعد أبدًا لأنني أعرف العديد من الأشخاص الذين قالوا عند تقاعدهم: «أوه سأتقاعد سألعب الغولف سأرسم…» وتراهم يموتون بعد ستة أشهر. يوجد العديد من الساعات في اليوم الواحد وسيصعب جدًا ملؤها بالرسم المائي وصفوف كتابة الشعر والقوافي. لا يقدر كل الناس على الخروج واعتناق هذا النمط من الحياة وأخذ دروس وإيجاد شيئ ما ليفعلوه.
(سام هاريس – Sam Harris):
بالحديث عن المركبات ذاتية القيادة، فتُعد قيادة الشاحنات الوظيفة الأكثر شيوعًا عند الذكور البيض في الولايات المتحدة –حوالي تسعة ملايين سائق–. وبالنسبة للدخل الأساسي العالمي فتوجد بالفعل أسباب تدفعنا للقلق بكونه ليس الحل الأمثل، علينا استيعاب عواقب أي نظام نطبقه.
ولا مجال للشك بأنه عند النظر لهذا الدخل بمثابة فرصة سانحة فإنها أعظم فرصة في تاريخ الإنسان، إذ نتحدث هنا عن إلغاء الحاجة لعمل تكراري ممل خطير وبالتالي تحرير البشرية لتنفيذ أشياء ممتعة إبداعية، وأكثر إثارة للاهتمام.
إذًا كيف يمكن لهذا أن يكون سيئًا؟! حسنًا أعطونا بعض الوقت وسنريكم كيف يمكننا جعله سيئًا. سيحدث ذلك إذا قاد هذا الدخل إلى تفاوت غير اعتيادي في الثروة للدرجة التي لا متلك فيها النية السياسية أو الأخلاقية لإصلاح الوضع الناجم، خاصة إذا كان لدينا نوع من الثقافة التي تقول «لا أريد أي صدقات أو حسنات وبالتأكيد لا أريد لجاري أن ينالها أيضًا في حين أدفع أنا العديد من الضرائب فقط ليكون هو متسكعًا كسولًا».
فإن امتلكنا هذا الحس من الكالفينية (مذهب مسيحي يدعو إلى أن الإنسان بعد أن يخطئ لا يستطيع أن يمتلك الإرادة الحرة للتوبة، أما كل الذين سينالون الخلاص فإن الله كان قد سبق واختارهم قبل إنشاء العالم) الذي يجعل من التحاور بشكل عقلاني وإبداعي حول ما تغيّر أمرًا مستحيلًا، فإنها ستكون مرحلة كعنق الزجاجة يجدر بنا عبورها لنصل لشيء أفضل بكثير أو أسوأ بكثير بالاعتماد على ما تصل إليه التكنولوجيا.
كذلك أعتقد أنه سيكون واضحًا عند نقطة ما أن تفاوت الثروات ليس مستدامًا، أي أنه لا يمكن أن يتجول عدة تريليونيريين، ويعيشون في منتجعات مبوّبة محاطة بسور شائك ويسافرون لكل مكان بطائرات خاصة، بينما توجد بطالة هائلة في مجتمع كمجتمعنا. عند نقطة ما سيستوعب أغنى الأغنياء أنه «قد طفح الكيل وعلينا أن نوزع هذه الثروة وإلا جاء الناس إلى منتجعاتنا ببنادقهم أو مشاعلهم» ولن يقوى المجتمع بعد ذلك على تحمل الأمر.
لا بد من وجود حد من التفاوت الطبقي والذي يصبح الوضع بعده غير مُطاق ولا يستطيع الناس احتماله، سنصبح مع مرور الوقت أشبه شيئًا فشيئًا بجمهورية الموز (مصطلح يطلق على جمهوريات العالم الثالث؛ توصف كالدول الفاشلة ذوات ديمقراطيات استعراضية) إلى أن نصبح كذلك بالفعل.
لكننا نتحدث هنا عن الولايات المتحدة أو العالم المتقدم حيث الثروة كلها، لذلك تُعد إعادة توزيع الثروات نهاية اللعبة، إلا أن هذا المنظور يُعتبر سامًا (ضارًا) بالنسبة لنصف الشعب الآن، فهي فكرة دولة الرفاهية التي تصادر ممتلكات شعبها وتوزعها على جميع من تبقى.
(جوردان بيترسون – Jordan Peterson):
لا أعتقد أن الدخل الأساسي العالمي يعالج المشكلة الأساسية، أعتقد أنه مرآة لمعضلة «مسؤولية الحقوق»، فيمكن القول إن كل شخص يمتلك الحق لأساسيات الحياة، وحتى هذا الافتراض قابل للمناقشة والجدل، إذ أن السؤال هنا هو «من سيزودنا بهذه الحاجات والضروريات؟» والجواب هو أنه لا يجدر أن يكون «شخص آخر ملزم على ذلك»، فكل حق يأتي على حساب مسؤولية شخص آخر، لذا لا يتوجب عليك مضاعفة الحقوق لما بعد الحد الأدنى من الضروريات لأنك تضاعف بذلك مسؤوليات متنوعة لا تحتمل.
ولكن هناك ما هو أهم من ذلك، لنتخيل أنه بينما تتقدم الثورة التكنولوجية سيصبح المزيد والمزيد من الناس تحت خطر الاستبدال بآليات ذكية، لا نعلم إن كان هذا صحيحًا أم لا فهو لم يحدث بعد. إضافة إلى أن الجميع توقع حدوث ذلك منذ ستينيات القرن الماضي لكنه لم يحصل حقًا. قد نصل للمرحلة التي يوجد فيها مقدار لا نهائي من العمل دون أن نَنفذ منه مطلقًا، أرجح أن تكون هذه هي الحالة في المستقبل.
لنفترض بأن الناس سيُجَردون من العمل بالفعل بينما تتقدم التكنولوجيا، سيؤدي ذلك إلى مشكلة في تنمية الأشخاص الذين فقدوا وسائل معتمدة لكسب قوتهم. نستطيع القول إن العائق الأساسي هنا هو عدم امتلاكهم أي نقود، لكنني شخصيًا لا أعتقد أن هذه المشكلة الأساسية حتى، فخلال تمرسي الطبي واجهت العديد من الأشخاص الذين عانوا من البطالة في حين امتلكوا المال –ليس الكثير منه لكن ما يكفي لكي لا يصلوا مرحلة الحرمان أبدًا–.
وهنا تكمن السخرية، فهذا القدر الكافي من المال كان كافيًا أيضًا لإدخالهم في العديد من الورطات. على سبيل المثال، عمِل أحد عملائي في مستشفى وكان يتألم كثيرًا بحكم طبيعة عمله، فبدأ يعتمد مسكنات الألم، ومن ثم أصبح مدمنًا على تلك المسكنات وثم مدمنًا على الكوكايين، وبدأت حياته بالانحدار حينها.
هو شخص رائع في الواقع طالما لم يملك المال، لكن ما إن يحصل على مرتبه، كان ينتهي به الأمر في حانة ما، صارفًا كل ماله، غائبًا عن الوعي، مستلقيًا ووجهه على الأرض، ويستيقظ على حالته هذه في النهار التالي داخل تلك الحانة. أخبركم بهذه القصة لأن مشكلته لم تكن المال أبدًا، بل كانت عدم وجود هدف (مغزى)، أي لم يعد يمتلك مكان في المنظومة أو الهيكل الذي كان سيمكنه من إيجاد معنى مثمر لحياته.
يمكنك القول إن من الأجدر به استحضار هذا الهدف لوحده، وقد يكون ما تقوله صحيحًا، إلا أنه لم يكن من أكثر الأشخاص حنكة في العالم، وكما تعلمون يتنوع الناس إلى حد كبير بمدى حنكتهم. لم يمتلك عائلة جيدة أو شبكة داعمة حوله، إذ كان تقريبًا شخصية منسية على العديد من الأصعدة، وسهِل سقوطه سهوًا من العالم، وهذا ما حصل فعلًا. فمدّه بالمال ما كان ليصلح الأمر.
ما يحتاجه الناس هو هدف مميز ومحدد، وهذا أكثر أهمية من المال بدرجات. بالطبع أنتم بحاجة المال، الجميع بحاجته، لكن ليس بهذا السياق. توفير المال بلا مغزى ليس عاملًا مساعدًا أبدًا. كما ذكرت، ما يحتاجه الناس هو هدف ليطوروه بأنفسهم، لأنه شيء محدد عليك المشاركة به وعلى المجتمع أن يتبناه (لا يأتي من تلقاء نفسه)، والسبب وراء حاجتهم لهذا المغزى هو أن هذا ما يعطي حياتهم معنى.
فلنفكر بهذا افتراضيًا، هل تعتقد حقًا أنك ستكون سعيدًا فيما لو كان لديك مال بلا أية مسؤوليات؟ فهذا ما يريده الجميع «لا مسؤوليات». عميلي أراد أن يتقاعد في عمر صغير نسبيًا، فسألته مرة ما هي رؤيتك عن ظروف التقاعد المثالي التي تطمح إليها؟ فأجاب: «إني أتخيل نفسي على شاطئ جزيرة استوائية وكأس من المارغريتا في يدي»، فقلت له حسنًا لنمتثل لذلك ولنكن راشدين حول الأمر.
ستذهب إلى الكاريبي وستجلس على الشاطئ وستشرب ستة كؤوس من المارغريتا وستجلس هناك لثلاث ساعات، ما الذي سيحصل في اليوم التالي؟ ستكون محروقًا من الشمس حد الهشاشة ولن تستطيع الخروج من غرفة فندقك، وستعاني من الدوار بسبب تأثير الكحول.
لنقل الآن أنك ستجلس في غرفتك لعدة أيام ثم ستتحسن من جديد وستعيد الكرة من جديد لثلاثة أشهر، ومن بعدها ستخرج للعلن، وسيهرب كل الناس منك لأنك ذلك الفاسق السكير الجديد الذي جاء من الشمال، هل هذه هي رؤيتك للتقاعد؟!
حسنًا إذًا، لديك كل المال الذي تريد وبلا مسؤوليات، فليس لديك عمل وليس عليك رعاية نفسك ولا تملك زوجة أو أطفال وبالتالي ليس عليك رعايتهم كذلك. ما الذي ستفعله إذًا بالضبط؟ أن تجلس تحت الشمس وتحتسي المارغريتا؟! هذه ليست برؤية جيدة. أنت لا تريد أي مسؤولية وهذا خاطئ، فالناس يجدون معنى لحياتهم بتبنيهم واعتناقهم لمسؤولياتهم.
هناك مقولة شهيرة: «المرء لا يعيش على الخبز وحده»، وتوجد حكمة في ذلك. أنت لا تريد أن تكون بلا أي مسؤولية، لكن يمكنك أن تحلم بذلك إن كنت محطمًا بسبب عملك. لكن ما يعنيه هذا التحطم هو أنك تعمل في المكان الخاطئ أو أن أسلوبك خاطئ أو ربما كلاهما معًا. أنت في الواقع تريد الكثير من المسؤولية، وعلى المجتمع تبني هذا الأمر، وعلينا مساعدة الناس في إيجاد مغزى لهم ومكانًا لهم. هذا أقرب للحل من الدخل الأساسي العالمي فهو حل خاطئ.