النتائج الاقتصادية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
بعد أشهر من الحملات الإعلانية؛ أُسدل الستار منذ أيام عن نتيجة أهمّ استفتاء شعبي في القرن الحادي والعشرين. صوّت البريطانيّون لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي. رُغم كونه غير ملزم؛ إلّا أنّ من المستبعد تجاهل نتائج استفتاء كهذا.
ماذا بعد؟ حدثٌ جلل شغل العالم لن يمرّ مرور الكرام، نتائجه لن تعرف حدودًا، فهل نحن أمام أزمة مالية عالمية، ماذا سيحدث لبريطانيا، ماذا عن الاتحاد الأوروبي، ماذا عن الولايات المتحدة واليابان اللتان تشاهدان بعد، هل ستطالنا الهزات الارتدادية لزلزالٍ هز عرش أسواق المال؟
سنستعرض في هذا التقرير باختصار شديد أهم تبعات قرار الناخب البريطاني، علّنا نكوّن فهمًا حول قضية سمعنا عنها الكثير ولم نعرف عنها سوى النزر القليل.
لعقود طويلة، اعتبرت علاقة الاتحاد الأوروبي ببريطانيا مثالًا يحتذى به عن التكامل المالي والاقتصادي، كانت أغلب النواحي المالية للاقتصادات العالمية تحت قبضة مركز أوروبا المالي في لندن، ابتداءً من أسعار النفط والذهب وصولًا إلى أسعار العملات ومستويات الفوائد. ربما يكون كل هذا انتهى الآن، أو شارف على الانتهاء.
1- بريطانيا
تمتّعت بريطانيا بحريّة الانتقال داخل الاتحاد الأوروبي، ولسنا هنا بصدد الحديث عن تحرّك الأفراد، إنّما عن انتقال السلع ورؤوس الأموال، حرية كهذا لم تأت بالمجّان، كان على بريطانيا لقاء ذلك أن تدفع حوالي 13 مليار جنيه استرليني كل عام (بحسب أرقام عام 2015)، وتحصل بالمقابل على مساهمات تبلغ 4.5 مليار جنيه، ما يعني أن صافي مساهمات بريطانيا يبلغ 8.5 مليار، تستفيد من معظمها الدول الأضعف في الاتحاد على هيئة مشاريع تنموية وبنى تحتية، شكّل هذا الأمر أحد العوامل الأساسيّة التي استغلّها المطالبون بالانفصال، مضافًا إليها العامل الأهم وهو حرية حركة الأفراد التي ألزمت بريطانيا باستقبال 200 ألف لاجئ في العام، إلى جانب تدفّق اليد العاملة الرخيصة من بعض دول الاتحاد الأوروبي. ولكن ما الذي تحصل عليى بريطانيا في المقابل؟
الفوائد التي تحصل عليها بريطانيا ليست بالقليلة، فوجودها في الاتحاد الأوروبي جعل من لندن المركز المالي الأبرز فيه، إضافةً لتشريعه الباب أمام السلع البريطانية للوصول بحرية لأي وجهة تبتغيها من الدول الـ28، وهذا بحدّ ذاته أمر هائل إذا ما عرفنا أنّ السوق الأوروبية أكبر مستورد في العالم للمنتجات البريطانية.
بخروجها، ستخسر بريطانيا تلك الحرّية، لكنّ النتائج لن تكون كارثية، فهي ما تزال عضوًا في منظمة التجارة العالمية، وهذا كفيلٌ بضمان أدنى مستوى ممكن من الرسوم على البضائع البريطانية، لكن، وفي سوق محكوم بفوارق فائقة الصغر قد يكون هذا الأمر مصيريًا، العامل الوحيد الذي قد يجيب عن هذا السؤال هو الوقت، الذي سيخضع لعمليات كثيرة من التفاوض بين الأطراف المعنية.
أمّا مكاسب بريطانيا من الخروج؛ فحرية أكبر في التوسّع نحو الأسواق الخارجية، الأمر الكفيل بتعويض الفجوة التي سيتركها الانفصال، إذا ما استغل بصورة صحيحة.
لندن ستكون الخاسر الأكبر في بريطانيا، الأمر الذي انتبه له اللندنيون وانعكس حقًّا على نتيجة تصويتهم، تعتبر لندن أهم عاصمة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي كونها الوجهة المفضّلة للاستثمارات الأجنبية Foreign Direct Investments، وهذه ميزة ستحسب في رصيد خساراتها، ستتراجع الاستثمارات الأوروبية فيها، مما سيتسبب بخسارة اللندنيين لآلاف فرص العمل، وإذا ما أضفنا تراجع قيمة الجنيه الاسترليني وارتفاع نسب التضخم؛ ستبدو أمامنا جليًّا قتامة المستقبل قصير الأمد، بريطانيا مقبلة على سنين عجاف وقد بدأت الصعاب فعلًا بخسارة الأسواق ما قيمته 175 مليار جنيه في الساعات الستة الأولى التي تبعت صدور النتائج.
أما على المدى المتوسط أو البعيد؛ فتبدو الأمور أكثر إشراقًا، فالاقتصاد البريطاني برهن عبر التاريخ امتلاكه القدرة على التعافي، وإذا ما اتبعت الحكومة البريطانية سياسات حكيمة، يمكن عكس الأرقام لتصبح إيجابيةً، لكن على البريطانيين أن يخوضوا الصعاب أولًا.
مهلًا! كل هذا الكلام يصبح بلا قيمة إذا ما وقع المحظور! فاسكتلندا رفضت الخروج وحذت إيرلندا الشمالية حذوها، وكلاهما اليوم يلوح بالاستقلال. إذا ما صدق ذلك، ستدخل بريطانيا في المجهول، و من الحكمة التروي بالتحليل هنا، فليس من اليسير التنبؤ بما يمكن حدوثه.
2- الاتحاد الأوروبي
على عكس المتوقّع، فقد فاقت خسائر الأسواق الأوروبية نظيراتها البريطانية، طفت على السطح مشاكل جاهد الأوروبيون لدفنها، فهذا الخروج وهو الأول من نوعه، فتح الباب أمام دولٍ أخرى أبرزها اليونان لتقوم بالمثل، كشّر اليمين المتطرّف عن أنيابه في فرنسا وهولندا حيث بدأت الأصوات المطالبة بالانفصال بالظهور، وهي تكسب المزيد من الزخم يومًا بعد يوم، أزمة اللاجئين والخوف من الإرهاب تحكم مراكز القرار الأوروبي، أصيبت الأسواق بالهلع، فتلوّنت المؤشرات الاقتصادية بالأحمر في منطقة تكافح منذ سنين للخروج من أزمات مالية متتالية تهدّد وحدة القارة العجوز.
باستثناء فرانكفورت وباريس، يبدو المستقبل مجهولًا إن لم يكن مخيفًا في القارة العجوز، فالمدينتان البارزتان ستستفيدان من خروج رؤوس الأموال على المدى القصير من لندن نحو أسواق مالية أكثر استقرارًا لكن هذا الأمر لن ينعكس على الأداء الاقتصادي، إذ سيتراجع النمو ما قد يدخل أوروبا بالركود من جديد ملقيًا بحملٍ أثقل على كاهل ألمانيا ومصرفها المركزي.
لن يكون ما قبل التصويت كما هو بعده في أوروبا، والتصوّر المستقبلي متوقّف على المفاوضات المتوقّعة في الخريف بين الأطراف المعنية.
3- الولايات المتحدّة
تأثير خروج بريطانيا على الولايات المتحدة سيفٌ ذو حدّين، ستستفيد الأصول الأمريكية من تحوّل الرساميل إلى أصولها الآمنة نسبيًا، لكن الأمر سينعكس ارتفاعًا بقيمة الدولار الأمريكي ما يضّر بتنافسيّة السلع الأمريكية في الأسواق الأوروبية والدولية، هنا يأتي دور الاحتياطي الفيدرالي بضخ المزيد من السيولة في الأسواق للحفاظ على الاستقرار النقدي.
سيضعف انشغال أوروبا بمشاكلها الداخلية من تأثير واشنطن على حلفائها، وهذا أمر يؤرق صناع القرار الأمريكيين، فالسياسة والاقتصاد في أمريكا متصلان ببعضها أكثر من أي مكان آخر، بالنسبة لأمريكا، يمكن وصف العلاقة بين السياسة والاقتصاد بالعلاقة بين السيف والترس، إذا ذهبت لمعركة دون سيفك، أنت ميتٌ لا محالة، وإذا نسيت ترسك، ستكون عرضة لطعنات قد تكون قاتلة، هذا ما تحاول أمريكا تجنّبه ومن هنا يمكننا فهم تصريحات أوباما الدّاعية لمفاوضات سريعة وإيجابية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
4- الاقتصاد العالمي وأسعار النفط
لم يتعاف الاقتصاد العالمي بعدُ من الأزمة المالية التي حدثت العقدَ الماضي، فالنمو وإنْ ارتفع قليلًا ما يزال ضعيفًا جدًا، وما خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلا حفرة جديد على الاقتصاد النزول فيها؛ فأوروبا وبريطانيا، اللتان كانتا تشكلان مجتمعتين الاقتصادَ الأكبر على صعيد العالم، دخلتا دوامةً من الغموض ستحتاج لثلاث سنوات كي تنقشع، وهذا الغموض لن يؤدي إلا لمزيد من الضعف على مستوى العالم، وبالتالي ستتوقّف صحوة أسعار النفط إلى حين وإن كان من المتوقّع لها أن تتوازن وتعاود الارتفاع البطيء بعد أسابيع قليلة من الأزمة، لكن إذا كان سعر 80$ للبرميل الواحد هدفًا ممكنًا حتى نهاية عام 2016؛ سيسعد منتجو النفط إذا ما وصلت الأسعار إلى 60 دولارًا وهذا ليس بالخبر السعيد للدول المنتجة للنفط.
5- الاقتصادات النامية
تمرّ كلّ من أوروبا وبريطانيا بمرحلة صعبة، و لن تكون أي منهما قادرةً على الاستمرار بالإنفاق على الاستثمار خارج الحدود، وبالتالي ستتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الاقتصادات النامية التي ستواجه نتائج غير متوقّعة للخروج البريطاني وإن كان على نطاق ضيّق.
ماذا يقول المحللون الاقتصاديون وكيف يرون المستقبل؟
1- يرى مدير مركز الأداء الاقتصادي في London School of Economics جون فان رينن أنّ النتائج الآنية ستكون سلبية، سيعاني العالم من تراجع فوري بالنمو، كما أن دخل الفرد البريطاني سينخفض بين 1.1 و3.1%، يؤكّد جون أنّ التأثير لن يكون كبيرًا، فبريطانيا لن تخرج عمليًا قبل انتهاء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، والتي لن تستغرق أقل من سنتين وبالتالي سيكون أمام صناع القرار الوقت الكافي لوضع الخطط لمواجهة الأزمة.
2- يؤكّد المحلل المالي في نيويورك تايمز بول كروغمان أنّ بريطانيا ستعاني من الخروج، وستصبح أفقر نتيجةً لقرار الناخبين، لكن الأمر سيقتصر تأثيره على أوروبا وبريطانيا ولن يؤدي لأزمة عالمية.
3- وفي دراسة أجراها مصرفING الهولندي للوصول إلى النتائج المحتملة للخروج، أكّد أنّ نمو الناتج المحلي في منطقة اليورو سيخسر بين 0.01 % و0.03% كل عام نتيجةً لخروج بريطانيا. (هذا إن لم يتبع خروجها خروج المزيد من الأعضاء)
4- يشير المدير السابق للمجلس الاقتصادي الوطني الأمريكي لاري سامرز إلى أنّ تأثير الأزمة على الصعيد العالمي مرتبط بشكل كبير بالسيكولوجيا، إذا استمرّ الذعر قد نصل لنتائج لا تحمد عقباها.
في النهاية، لا يسعنا إلّا أنّ نقول إنّ أي تأثير لخروج بريطانيا محكوم بالكثير من العوامل، وأيّ تحليل موضوعي قد لا يكون ممكنًا الآن وما علينا سوى انتظار الصورة لتوضح نفسها رويدًا رويدًا. العديد من الأسئلة علينا إجابتها قبل القفز لتوقّعات لن تفيد إلّا في خلق المزيد من الغموض والمشاكل.
بعد أشهر من الحملات الإعلانية؛ أُسدل الستار منذ أيام عن نتيجة أهمّ استفتاء شعبي في القرن الحادي والعشرين. صوّت البريطانيّون لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي. رُغم كونه غير ملزم؛ إلّا أنّ من المستبعد تجاهل نتائج استفتاء كهذا.
ماذا بعد؟ حدثٌ جلل شغل العالم لن يمرّ مرور الكرام، نتائجه لن تعرف حدودًا، فهل نحن أمام أزمة مالية عالمية، ماذا سيحدث لبريطانيا، ماذا عن الاتحاد الأوروبي، ماذا عن الولايات المتحدة واليابان اللتان تشاهدان بعد، هل ستطالنا الهزات الارتدادية لزلزالٍ هز عرش أسواق المال؟
سنستعرض في هذا التقرير باختصار شديد أهم تبعات قرار الناخب البريطاني، علّنا نكوّن فهمًا حول قضية سمعنا عنها الكثير ولم نعرف عنها سوى النزر القليل.
لعقود طويلة، اعتبرت علاقة الاتحاد الأوروبي ببريطانيا مثالًا يحتذى به عن التكامل المالي والاقتصادي، كانت أغلب النواحي المالية للاقتصادات العالمية تحت قبضة مركز أوروبا المالي في لندن، ابتداءً من أسعار النفط والذهب وصولًا إلى أسعار العملات ومستويات الفوائد. ربما يكون كل هذا انتهى الآن، أو شارف على الانتهاء.
1- بريطانيا
تمتّعت بريطانيا بحريّة الانتقال داخل الاتحاد الأوروبي، ولسنا هنا بصدد الحديث عن تحرّك الأفراد، إنّما عن انتقال السلع ورؤوس الأموال، حرية كهذا لم تأت بالمجّان، كان على بريطانيا لقاء ذلك أن تدفع حوالي 13 مليار جنيه استرليني كل عام (بحسب أرقام عام 2015)، وتحصل بالمقابل على مساهمات تبلغ 4.5 مليار جنيه، ما يعني أن صافي مساهمات بريطانيا يبلغ 8.5 مليار، تستفيد من معظمها الدول الأضعف في الاتحاد على هيئة مشاريع تنموية وبنى تحتية، شكّل هذا الأمر أحد العوامل الأساسيّة التي استغلّها المطالبون بالانفصال، مضافًا إليها العامل الأهم وهو حرية حركة الأفراد التي ألزمت بريطانيا باستقبال 200 ألف لاجئ في العام، إلى جانب تدفّق اليد العاملة الرخيصة من بعض دول الاتحاد الأوروبي. ولكن ما الذي تحصل عليى بريطانيا في المقابل؟
الفوائد التي تحصل عليها بريطانيا ليست بالقليلة، فوجودها في الاتحاد الأوروبي جعل من لندن المركز المالي الأبرز فيه، إضافةً لتشريعه الباب أمام السلع البريطانية للوصول بحرية لأي وجهة تبتغيها من الدول الـ28، وهذا بحدّ ذاته أمر هائل إذا ما عرفنا أنّ السوق الأوروبية أكبر مستورد في العالم للمنتجات البريطانية.
بخروجها، ستخسر بريطانيا تلك الحرّية، لكنّ النتائج لن تكون كارثية، فهي ما تزال عضوًا في منظمة التجارة العالمية، وهذا كفيلٌ بضمان أدنى مستوى ممكن من الرسوم على البضائع البريطانية، لكن، وفي سوق محكوم بفوارق فائقة الصغر قد يكون هذا الأمر مصيريًا، العامل الوحيد الذي قد يجيب عن هذا السؤال هو الوقت، الذي سيخضع لعمليات كثيرة من التفاوض بين الأطراف المعنية.
أمّا مكاسب بريطانيا من الخروج؛ فحرية أكبر في التوسّع نحو الأسواق الخارجية، الأمر الكفيل بتعويض الفجوة التي سيتركها الانفصال، إذا ما استغل بصورة صحيحة.
لندن ستكون الخاسر الأكبر في بريطانيا، الأمر الذي انتبه له اللندنيون وانعكس حقًّا على نتيجة تصويتهم، تعتبر لندن أهم عاصمة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي كونها الوجهة المفضّلة للاستثمارات الأجنبية Foreign Direct Investments، وهذه ميزة ستحسب في رصيد خساراتها، ستتراجع الاستثمارات الأوروبية فيها، مما سيتسبب بخسارة اللندنيين لآلاف فرص العمل، وإذا ما أضفنا تراجع قيمة الجنيه الاسترليني وارتفاع نسب التضخم؛ ستبدو أمامنا جليًّا قتامة المستقبل قصير الأمد، بريطانيا مقبلة على سنين عجاف وقد بدأت الصعاب فعلًا بخسارة الأسواق ما قيمته 175 مليار جنيه في الساعات الستة الأولى التي تبعت صدور النتائج.
أما على المدى المتوسط أو البعيد؛ فتبدو الأمور أكثر إشراقًا، فالاقتصاد البريطاني برهن عبر التاريخ امتلاكه القدرة على التعافي، وإذا ما اتبعت الحكومة البريطانية سياسات حكيمة، يمكن عكس الأرقام لتصبح إيجابيةً، لكن على البريطانيين أن يخوضوا الصعاب أولًا.
مهلًا! كل هذا الكلام يصبح بلا قيمة إذا ما وقع المحظور! فاسكتلندا رفضت الخروج وحذت إيرلندا الشمالية حذوها، وكلاهما اليوم يلوح بالاستقلال. إذا ما صدق ذلك، ستدخل بريطانيا في المجهول، و من الحكمة التروي بالتحليل هنا، فليس من اليسير التنبؤ بما يمكن حدوثه.
2- الاتحاد الأوروبي
على عكس المتوقّع، فقد فاقت خسائر الأسواق الأوروبية نظيراتها البريطانية، طفت على السطح مشاكل جاهد الأوروبيون لدفنها، فهذا الخروج وهو الأول من نوعه، فتح الباب أمام دولٍ أخرى أبرزها اليونان لتقوم بالمثل، كشّر اليمين المتطرّف عن أنيابه في فرنسا وهولندا حيث بدأت الأصوات المطالبة بالانفصال بالظهور، وهي تكسب المزيد من الزخم يومًا بعد يوم، أزمة اللاجئين والخوف من الإرهاب تحكم مراكز القرار الأوروبي، أصيبت الأسواق بالهلع، فتلوّنت المؤشرات الاقتصادية بالأحمر في منطقة تكافح منذ سنين للخروج من أزمات مالية متتالية تهدّد وحدة القارة العجوز.
باستثناء فرانكفورت وباريس، يبدو المستقبل مجهولًا إن لم يكن مخيفًا في القارة العجوز، فالمدينتان البارزتان ستستفيدان من خروج رؤوس الأموال على المدى القصير من لندن نحو أسواق مالية أكثر استقرارًا لكن هذا الأمر لن ينعكس على الأداء الاقتصادي، إذ سيتراجع النمو ما قد يدخل أوروبا بالركود من جديد ملقيًا بحملٍ أثقل على كاهل ألمانيا ومصرفها المركزي.
لن يكون ما قبل التصويت كما هو بعده في أوروبا، والتصوّر المستقبلي متوقّف على المفاوضات المتوقّعة في الخريف بين الأطراف المعنية.
3- الولايات المتحدّة
تأثير خروج بريطانيا على الولايات المتحدة سيفٌ ذو حدّين، ستستفيد الأصول الأمريكية من تحوّل الرساميل إلى أصولها الآمنة نسبيًا، لكن الأمر سينعكس ارتفاعًا بقيمة الدولار الأمريكي ما يضّر بتنافسيّة السلع الأمريكية في الأسواق الأوروبية والدولية، هنا يأتي دور الاحتياطي الفيدرالي بضخ المزيد من السيولة في الأسواق للحفاظ على الاستقرار النقدي.
سيضعف انشغال أوروبا بمشاكلها الداخلية من تأثير واشنطن على حلفائها، وهذا أمر يؤرق صناع القرار الأمريكيين، فالسياسة والاقتصاد في أمريكا متصلان ببعضها أكثر من أي مكان آخر، بالنسبة لأمريكا، يمكن وصف العلاقة بين السياسة والاقتصاد بالعلاقة بين السيف والترس، إذا ذهبت لمعركة دون سيفك، أنت ميتٌ لا محالة، وإذا نسيت ترسك، ستكون عرضة لطعنات قد تكون قاتلة، هذا ما تحاول أمريكا تجنّبه ومن هنا يمكننا فهم تصريحات أوباما الدّاعية لمفاوضات سريعة وإيجابية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
4- الاقتصاد العالمي وأسعار النفط
لم يتعاف الاقتصاد العالمي بعدُ من الأزمة المالية التي حدثت العقدَ الماضي، فالنمو وإنْ ارتفع قليلًا ما يزال ضعيفًا جدًا، وما خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلا حفرة جديد على الاقتصاد النزول فيها؛ فأوروبا وبريطانيا، اللتان كانتا تشكلان مجتمعتين الاقتصادَ الأكبر على صعيد العالم، دخلتا دوامةً من الغموض ستحتاج لثلاث سنوات كي تنقشع، وهذا الغموض لن يؤدي إلا لمزيد من الضعف على مستوى العالم، وبالتالي ستتوقّف صحوة أسعار النفط إلى حين وإن كان من المتوقّع لها أن تتوازن وتعاود الارتفاع البطيء بعد أسابيع قليلة من الأزمة، لكن إذا كان سعر 80$ للبرميل الواحد هدفًا ممكنًا حتى نهاية عام 2016؛ سيسعد منتجو النفط إذا ما وصلت الأسعار إلى 60 دولارًا وهذا ليس بالخبر السعيد للدول المنتجة للنفط.
5- الاقتصادات النامية
تمرّ كلّ من أوروبا وبريطانيا بمرحلة صعبة، و لن تكون أي منهما قادرةً على الاستمرار بالإنفاق على الاستثمار خارج الحدود، وبالتالي ستتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الاقتصادات النامية التي ستواجه نتائج غير متوقّعة للخروج البريطاني وإن كان على نطاق ضيّق.
ماذا يقول المحللون الاقتصاديون وكيف يرون المستقبل؟
1- يرى مدير مركز الأداء الاقتصادي في London School of Economics جون فان رينن أنّ النتائج الآنية ستكون سلبية، سيعاني العالم من تراجع فوري بالنمو، كما أن دخل الفرد البريطاني سينخفض بين 1.1 و3.1%، يؤكّد جون أنّ التأثير لن يكون كبيرًا، فبريطانيا لن تخرج عمليًا قبل انتهاء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، والتي لن تستغرق أقل من سنتين وبالتالي سيكون أمام صناع القرار الوقت الكافي لوضع الخطط لمواجهة الأزمة.
2- يؤكّد المحلل المالي في نيويورك تايمز بول كروغمان أنّ بريطانيا ستعاني من الخروج، وستصبح أفقر نتيجةً لقرار الناخبين، لكن الأمر سيقتصر تأثيره على أوروبا وبريطانيا ولن يؤدي لأزمة عالمية.
3- وفي دراسة أجراها مصرفING الهولندي للوصول إلى النتائج المحتملة للخروج، أكّد أنّ نمو الناتج المحلي في منطقة اليورو سيخسر بين 0.01 % و0.03% كل عام نتيجةً لخروج بريطانيا. (هذا إن لم يتبع خروجها خروج المزيد من الأعضاء)
4- يشير المدير السابق للمجلس الاقتصادي الوطني الأمريكي لاري سامرز إلى أنّ تأثير الأزمة على الصعيد العالمي مرتبط بشكل كبير بالسيكولوجيا، إذا استمرّ الذعر قد نصل لنتائج لا تحمد عقباها.
في النهاية، لا يسعنا إلّا أنّ نقول إنّ أي تأثير لخروج بريطانيا محكوم بالكثير من العوامل، وأيّ تحليل موضوعي قد لا يكون ممكنًا الآن وما علينا سوى انتظار الصورة لتوضح نفسها رويدًا رويدًا. العديد من الأسئلة علينا إجابتها قبل القفز لتوقّعات لن تفيد إلّا في خلق المزيد من الغموض والمشاكل.