ريشتر (يوهان باول فريدريش) Richter (Johann Paul Friedrich-) - Richter (

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ريشتر (يوهان باول فريدريش) Richter (Johann Paul Friedrich-) - Richter (

    ريشتر (يوهان باول فريدريش)

    Richter (Johann Paul Friedrich-) - Richter (Johann Paul Friedrich-)

    ريشْتر (يوهان باول فريدريش ـ)
    (1763 ـ 1825)

    يُعد يوهان باول فريدريش ريشتر Johann Paul Friedrich Richter الذي استخدم الاسم المستعار «جان باول» Jean Paul واشتُهر به، تيمناً بالكاتب الثوري الفرنسي جان جاك روسو[ر] أحد دعامات عصر غوته[ر] في الأدب الألماني. ولد في بلدة ڤونْزيدل Wunsiedel القريبة من مدينة بايرويت Bayreuth حيث توفي. كان والده واعظاً كنسياً وعازف أورغن، مدقع الفقر، وشديد القسوة تجاه أسرته، لكنه توفي شاباً، بعد أن أجبر ابنه على دراسة اللاهوت theology في جامعة لايبزيغ Leipzig. وبسبب عجزه عن دفع الرسوم الدراسية، اضطر جان باول لترك الجامعة والتشرد عدة سنوات حتى وجد عملاً، مدرساً خاصاً في قصر توبن Töpen، بجوار مدينة هوف Hof من عام1786 حتى 1789، مما ساعده على تأسيس مدرسة ابتدائية عام 1790 في المدينة المجاورة شڤارتْسِنْباخ Schwarzenbach وبقي مديرها حتى عام 1794 حين بدأت كتاباته الأولى تلقى صدى إيجابياً في الأوساط الثقافية، فتفرغ للأدب تحقيقاً للذات ومصدراً للدخل في آن معاً. وفي عام 1798 انتقل إلى مدينة ڤايمار Weimar مركز الحركة الكلاسيكية Klassik الألمانية، حيث قابل كلاً من غوته وشيلر[ر]، لكنه فضل الفكر الديمقراطي الجمهوري لدى هِردَرْ[ر] على «طغيان غوته الأرستقراطي» حسب رأيه. وبعد سنتين انتقل إلى برلين مركز الحركة الرومنسية Romantik آنذاك، حيث احتك بأعلامها من دون أن يتبنى مواقفها الفكرية والجمالية. ومالبث أن سافر في عام 1801 إلى مدينة مايننغن Meiningen ليسهم في إصدار «كتيبات 1801» Taschenbuch für 1801 الأدبية. واستقر منذ عام 1804 في بايرويت منعزلاً عن الحياة الاجتماعية حتى فقد بصره عام 1824، وتوفي إثر ذلك بعام واحد.
    يعد ريشتر إلى جانب ڤيلاند[ر] وهوفمَن[ر] أبرز كتّاب النثر في عصر غوته أو «حقبة الفن» Kunstepoche، حسبما تسمى في تاريخ الأدب الألماني. وهو يمثل فكرياً مواقف الديمقراطية البرجوازية المتجذرة شعبياً، أما على الصعيد الجمالي فإن أعماله الإبداعية تصنف في تاريخ الأدب الألماني بين الكلاسيكية والرومنسية. وهي تمتاز بالغنى الفكري ورهافة الحس، علماً بأن الطابع المهيمن عليها هو السخرية والهجاء، إلى جانب الوصف الدقيق للبنية الاجتماعية والطبيعة والنفس البشرية، مما أسهم في انتشار مقالاته وقصصه ورواياته بين مختلف القرّاء آنذاك، وتجلى تأثيره العميق فيما بعد في كتابات أدباء من مثل إمِّرمان[ر]، شتيفتر[ر]، فرايتاغ[ر]، كِلّر[ر]، رابِه[ر] وغيرهم. إن شخصيات رواياته وقصصه مستمدة غالباً من أجواء المدن الصغيرة والبلدات، وهي تجمع بين عناصر عصر التنوير الألماني Aufklürung (الوعظ التربوي والإيمان بقدرة الإنسان على الإبداع) وعناصر الكلاسيكية الألمانية (تحقيق المثل العليا الإنسانية عن طريق الفرد) وعناصر الرومنسية الألمانية (طغيان الخيال والأسلوب السردي الاستطرادي غير المنضبط). وهذا ما أخذه عليه بعض النقاد والباحثين من حيث البنية الفنية، ولكن من دون أن يغفلوا عن إبداعه اللغوي الفريد وخصوصية أسلوبه التي تجلت في الهجاء الساخر والخيال المجنح والمعارضات غير المألوفة والإيقاع الموسيقي المرهف.
    كان ريشتر غزير الإنتاج، ترك وراءه عدداً كبيراً من الروايات المتعددة الأجزاء والروايات القصيرة والقصص الطويلة، ومن أبرزها القصة الطويلة الفكاهية «حياة معلم المدرسة الصغير المسرور ماريا ڤوتس في أَوِنتال» (1793) Das Leben des vergnügten Schulmeisterlein Maria Wuz in Auenthal التي يعرض فيها المصير الموئس لمعلم مدرسة في أجواء برجوازية مادية محافظة نابعة من تمزق ألمانيا إلى دويلات، معتمداً على خبراته وتجاربه الذاتية. وكذلك قصة «حياة كوينتوس فيكسلاين» (1796) Leben Quintus Fixlein التي يصف فيها بسخرية مرة نفاق وزيف حياة الباحث اللاهوتي ومعلم المدرسة الثانوية، غير القابلة للتغيير، حسبما يوحي التلاعب اللفظي باسم المعلم، من أجل تأمين لقمة العيش. ومن القصص الشهيرة التي هاجم فيها التمزق القومي هناك «إقامتي في كنيسة نِبوموس خلال حصار الحصن الملكي تسيبِنغِن» (1817) Mein Aufenthalt in der Nepomuskirche während der Belagerung der Reichsfestung Ziebingen، و«الاستعراض العسكري المزدوج في غروسلاوزاو وكاونتسِن» (1817) Doppelheerschau in Grosslausau und Kaunzen، وتنبأ بأن الوحدة هي الطريق الوحيد للنهوض من وهدة التخلف وللحاق بركب التطور الأوربي. ولكن على الرغم من معالجاته التي تعري الواقع موضوعياً، يُلاحظ لديه الميل نحو إسباغ لون من التجلي الشعري على أسلوب حياة الهامشيين اللامنتمين، تعبيراً عن إحساسه الحاد بالتناقض القائم بين مُثل البرجوازية الصغيرة وواقعها، والتي قال إنه «يحبها من دون أن يحترمها».
    أما رواياته فهي أقدر على منح تصويره للمجتمع المعاصر الشمولية والعمق الضروريين، كما في ثلاثيته «هِسبِروس أو 45 موعداً كئيباً لوصول البريد» (1795) Hesperus oder 45 Hundsposttage المثقلة بالتطلع التحرري الجمهوري حيال ضيق أفق وفساد البلاطات الألمانية على اختلاف أنواعها. وفي ثلاثيته الروائية الثانية التي يُختصر عنوانها المطول باسم بطلها المحامي «زيبنكيز» (1796ـ1797) Siebenkäs يلجأ ريشتر إلى نوع من الهجاء المقذع المغلف بفكاهة محببة ليصف بؤس البرجوازية الصغيرة ثقافياً واجتماعياً وأخلاقياً. أما عمله الرئيسي في نظر النقاد فهو الرباعية الروائية «تيتان» (1800ـ1803) Titan ، وهي رواية تربوية Bildungsroman [ر. الرواية] بناها لتكون جواباً (معارضة) على رواية غوته الشهيرة «فيلهلم مايستر» Wilhelm Meister، وقد دعا فيها إلى ضرورة تحقق الانسجام في تفتح الشخصية من جوانبها كافة في مجتمع مؤسس على العقل، بعيداً عن التهويم الغيبي والغرق السلبي في الأحلام الخيالية. وبطل الرواية رجل أفعالٍ مؤثرة وكلمات مقتضبة. وكما «زيبنكيز» احتلت رباعيته غير المكتملة «سنوات المراهقة» (1804ـ1805) Flegeljahre مكاناً مفضلاً لدى قراء عصره. فعن طريق تقديم بنيتين متباينتين لشخصيتي التوأم ڤالت Walt وفولت Vult وعلاقاتهما بالمجتمع، يبيّن المؤلف التجاور الحتمي بين التعلق بأحلام اليقظة والتجذر في أرض الواقع، أو بين الأوهام الإنسانية والنقد الواقعي الساخر؛ وهذه هي الصورة التي تعكس في واقع الأمر مواقف مميزة للمؤلف نفسه. ومن قصصه في القرن التاسع عشر اشتهرت قصة «رحلة الواعظ شمِلتْسلِه إلى فْلِتْس» (1809) Des Feldpredigers Schmelzle Reise nach Flätz حيث يكبل الجبن وفقدان الشجاعة الأدبية البرجوازي الألماني ويعيقانه عن الفعل. وقصة «رحلة الدكتور كاتْسِنْبرغر إلى الشاطئ» (1809) Dr. Katzenbergers Badereise التي يواجه بطلها المجتمع غير مكترث بالمكانة الاجتماعية للأشخاص ولا بالأحكام المسبقة ولا بآراء الغرباء، تشكل مثالاً عن النموذج البشري الفاعل الذي يطمح ريشتر للالتقاء به في الأوساط الاجتماعية، خروجاً عن السائد المحبِط.
    تنم كتابات ريشتر ذات الطابع السياسي عن مواقف إيجابية جلية تجاه منجزات الثورة الفرنسية، يعبر عنها برجوازي ألماني ذو نزعة إنسانية، يحسن التمييز بين الوطنية التحررية الحقة وبين المثل المضللة للطبقة الحاكمة الفاسدة، ولذلك أعلن الحرب على الحرب الإقطاعية في مقالته «فجر من أجل ألمانيا» (1809) Dämmerung für Deutschland (.
    ومن بين كتاباته في نظرية الأدب يبرز كتابه «تأسيس لعلم الجمال» (1804) Vorschule der Ästhetik وثيقةً يمزج فيها المؤلف بين العناصر الكلاسيكية والرومنسية المعاصرة، وتبريراً جمالياً لأسلوب الكاتب نفسه؛ وأكثر ما يسترعي الانتباه فيه هو جهوده لتأسيس نظرية واقعية للأدب، مستلهماً أعمال شكسبير[ر] وثربانتس[ر]، إلى جانب تحليله للجوهر الفكاهي Humor الذي وجده في التوتر الدائم وغير القابل للحل بين الطموح الفكري والارتباط المادي، مغفلاً العنصر المأسوي باعتباره خارج روح العصر. وقد امتدح غوته كتاب ريشتر «لاڤانا أو نظرية التربية» (1807) Lavana oder Erziehlehre الذي يستلهم فيه المبادئ التربوية لعصر التنوير[ر] والمثل التربوية الإنسانية للحركة الكلاسيكية الألمانية، بهدف تحقيق «الإنسان المثال» المنفتح على الذات والعالم، مسخراً قدراته من أجل الفعل المثمر، ومستعداً للتضحية من أجل تطوير المجتمع لخير الصالح العام.
    نبيل الحفار
يعمل...
X