روايه Novel - Roman

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • روايه Novel - Roman

    روايه

    Novel - Roman

    الرواية

    الرواية (novel) roman نوع من السرد النثري التخييلي fictional الطويل والمركب complex. وهي تتعرض لأحداث تقع في نطاق تجارب الحياة العادية للناس وتتجنب ما فوق الطبيعي؛ وتكون قصص الناس فيها أصيلة، لا تقليدية ولا خرافية. وتشمل حبكة plot[ر] الرواية عدداً من الشخصيات الرئيسية والشخوص الثانوية، ولا يكون هؤلاء عادة من العظام أو الأبطال، بل على النقيض من ذلك غالباً. وفي معظم الأحيان يلجأ كتّاب الرواية إلى لغة تقارب مستوى الحديث اليومي، وقد يستخدمون عاميات ولهجات معينة.
    والرواية بهذا المفهوم ظهرت في حضارات متعددة وهي حديثة العهد نسبياً، إلا أن التجربة الروائية تعود إلى القرون الأولى بعد الميلاد في روما اللاتينية، بوصفها نوعاً أدبياً مستقلاً عن الملحمة[ر] والشعر[ر]، وأشهر نماذجها «ساتيريكون» Satyricon (القرن الأول الميلادي) للكاتب بترونيوس Petronius الذي سخر فيها من محْدثي الثراء؛ ورواية «الحمار الذهبي» (القرن الثاني الميلادي) للكاتب أبولِيوس[ر] Apuleius؛ ورواية «الحكايات الأثيوبية» (القرن الثالث الميلادي) للكاتب هِليودوروس Heliodorus، وأحداث العملين الأخيرين خيالية مجنحة، ولكن يُجمِع معظم النقاد على أن أهم عمل روائي بالمفهوم الحديث هو «حكاية غِنجي» (نحو 1000م) The Tale of Genji للكاتبة اليابانية موراساكي شيكيبو Murasaki Shikibu التي كانت وصيفة الإمبراطورة أكيكو Akiko. ففي لغة يابانية راقية متحررة من المؤثرات الصينية تستكشف الكاتبة التحولات النفسية العميقة الناتجة عن تجارب حب لدى مجموعة من العشاق الأرستقراطيين وعبر عدة أجيال. وفي الصين المجاورة تأخر ظهور الرواية بضعة قرون، وكانت قريبة من التصوير التاريخي لمرحلة زمنية محددة، كما في «حافة المياه» Water Margin للكاتب شيه ناي ـ آن Shih Nai- an الذي عالج مصائر بعض من قُسِروا على الخروج على القانون إلى حياة الصعلكة؛ وكما في «ثلاث ممالك» Three Kingdoms للكاتب لو كوانتشونغ Lo Kuanchung الذي عالج مسائل الحرب وأخلاقيات الفروسية، وكلا العملين من القرن الرابع عشر. وفي القرن السابع عشر وصلت رواية الحياة اليومية وعلاقات الحب إلى ذروتها في «حلم الحجرة الحمراء» Dream of the Red Chamber للكاتب تساو شان[ر] Ts‘ao Chan.
    وبمعزل عن خصوصية تطور الفن الروائي في آسيا، تعد رواية ثربانتس[ر] «دون كيخوته» Don Quixote نموذجاً عن تكامل سمات الرواية الأوربية ومكوناتها شكلاً ومضموناً، ولاسيما أنها قد صيغت لمعارضة روايات الفروسية والحب العذري الخيالية النثرية romance التي راجت في أوربا أواخر القرن الخامس عشر وأوائل السادس عشر، مثل رواية «أماديس دي غاولا» (1508) Amadis de Gaula للكاتب غارثي رودريغث دي مونتالفو Garci Rodriguez de Montalvo. وفي هذا السياق استفاد ثربانتس إلى حد كبير من واقعية روايات الشطار والعيَّارين picaresque وسعة أفقها، كما في الرواية المجهولة المؤلف «لاثارييو دي تورمِس» (1553) Lazarillo de Tormes. واستثمار ثربانتس لكلا العنصرين، الخيالي والطبيعي معاً، قد كشف في روايته عن الطبيعة المتناقضة للرواية بمفهومها الحديث، إذ أنها تزعم من جهة أنها تنقل الواقع الراهن بأمانة، وأنها من جهة ثانية تعارض التلفيق الخيالي. وواقع الحال هو أن الرواية الحديثة مبنية على سلسلة من الأحداث يبتدعها المؤلف، الذي يتخيَّل ظروفاً حياتية جديدة كالتي يمر بها القراء عادة، ويبتكر شخصيات يجد القراء أفعالها ومشاعرها مسلية إن لم تكن آسرة. وهذه عملياً هي أحد أساليب خلق روعة المادة المعروضة في السياق الروائي، وذلك بالإيحاء بالتضاد بين ما يبدو الأمر عليه وما هو عليه في الواقع، أي بين المظَهر والمخبَر. ثم إن الرواية تعرض تشابك الأحداث والشخصيات وتعقيدها من وجهة نظر محددة، أي من الزاوية التي تُروى القصة منها. ومن ثم فإن الرواية هي الشكل الأدبي الذي يوجِد حالات الالتباس ambiguities الجوهرية لسرد قصة ما، في حين تتجاهلها الأشكال السردية الأخرى كالملحمة epic والحكاية الخرافية[ر] fable والحكاية الفروسية الخيالية. ولما كان الروائيون يرغبون في استفزاز القارئ لمساءلة قراره حول ما هو حقيقي، فغالباً ما تقدم الروايات قصصاً خادعة عن مصادر ملفقة؛ فقد زعم ثربانتس مثلاً أن روايته «دون كيخوته» ليست إلا ترجمة عن أصل عربي. وبما أن الرواية تطرح أسئلة حول مدى «صحة» الطريقة التي تُرى بها الأشياء، فإن أحد تصنيفات الرواية المفضل لدى النقاد من حيث التعريف هو أنها «وجهة نظر سـردية» narrative point of view.
    يعزو معظم الباحثين في الأدب ظهور الرواية ورواجها في أوربا اجتماعياً وتاريخياً إلى بروز الطبقة البرجوازية المدينية اقتصادياً وسياسياً في أواخر عصر النهضة ونجاحها في الإمساك بمقاليد الحكم، بصورة غير مباشرة، وفرض إرادتها ومُثُلها في معظم الدول الأوربية، وهذه الطبقة المتعلمة والمنتجة هي التي أنجبت أكبر عدد من القراء، ولاسيما القارئات، وأكبر عدد من الكتاب الروائيين أيضاً. كما يرى الباحثون أن الرواية تجمع في وقت واحد بين عدة عناصر، مع اختلافها في الأهمية نسبياً باختلاف أنواعها التي ظهرت في سياق تطورها تاريخياً في أوربا، وهذه العناصر هي:
    1ـ الحدث event، وهو الذي تزداد أهميته في رواية المغامرات adventure، والرواية البوليسـية detective story، ورواية الرعب gothic novel، ورواية العجائب fantasy.
    2ـ التحليل النفسي psychoanalysis ويسود في الرواية التحليلية psychological novel، ورواية السيرة الذاتية autobiographical novel، التي تسير في صيغة اعترافات من المؤلف، والرواية التي تكتب في صورة رسائل متبادلة epistolary novel.
    3ـ تصوير المجتمع sociological-panoramic، الذي يسيطر على الرواية التاريخية historical novel، ورواية المغامرات التي يقوم بها الهائمون على وجوههم، والروايات التي تصور حياة الفلاحين أو أي طبقة أخرى من الناس sociological novel، والرواية التي تصف عادات الأسرة أو العادات والتقاليد في أحد العصور novels of manners.
    4ـ تصوير العالم الخارجي، ويُهتَم به أكثر في الروايات التي تدور حوادثها في بيئات غريبة عن القارئ العادي، أو تلك التي تجري حوادثها عبر الكرة الأرضية.
    5ـ الأفكار، ويبرز هذا العنصر في الروايات ذات الهدف التعليمي Bildungsroman التي ازدهرت في ألمانيا القرن التاسع عشر، عن طريق القصص الأمثولية parabolic أو تمثيل الحقائق العلمية في رواية الخيال العلمي science fiction أو الدفاع عن أفكار أخلاقية أو فلسفية أو نقد المجتمع.
    6ـ العنصر الشاعري lyrical ويسود الروايات العاطفية sentimental novel.
    وللرواية أربع سمات رئيسية تميزها من الأجناس الأدبية الأخرى، وهي:
    1ـ شكل أدبي سردي يحكيه راو أو رواية أو مجموعة رواة، فقد يكون الراوي هو المؤلف نفسه، أو شخصية تنوب عنه في تصوير الأحداث والشخصيات، من دون أن تتدخل في السياق، أو قد تكون الشخصية الرئيسية الفاعلة. وقد تتناوب شخصيات الرواية على القيام بدور الراوي، مما يعدد زوايا رؤية حدث بعينه ويغني إسهام القارئ في التوصل إلى الحقيقة التي ينشدها.
    2ـ الرواية أطول من القصة والأقصوصة وتغطي مدة زمنية أطول ويشارك في أحداثها عدد أكبر من الشخصيات، حسب النوع الروائي.
    3ـ الرواية تعتمد على السرد نثراً، لا شعراً، علماً بأن العمل الروائي الواحد قد يتضمن عدة مستويات لغوية، ما بين الوصف والتحليل على لسان أحد الرواة وما بين اللغة المستخدمة في الحوار بين الشخصيات التي قد تنتمي إلى خلفيات اجتماعية وثقافية ومهنية مختلفة.
    4ـ الرواية عمل تخييلي بأحداثه وشخصياته، فهي تختلف بذلك عن التأريخ والسيرة الذاتية اللذين يستعرضان شخصيات وأحداثاً حقيقية.
    ثمة روائيون يبنون رواياتهم على أحداث وشخصيات حقيقية من الماضي غالباً، أو الحاضر القريب، كما في الرواية التاريخية، لكن إبداعهم يكمن في تفسير الحدث وسلوك الشخصيات الفاعلة وفي أسلوب ربط العلاقات وتحليلها، بحيث يقدم صورة موازية للواقع التاريخي من دون أن تتطابق معه بالضرورة، فالروائي ليس مؤرخاً، ولذا فإن الرواية عمل أدبي من نسج خيال المؤلف، سواء جزئياً أو كلياً.
    إذا كانت رواية «غارغانتوا وبانتاغرويل» للفرنسي رابليه[ر]، ورواية «دون كيخوته» للإسباني ثربانتس قد عَرضتا في مدة متقاربة، صورة تفصيلية عن انهيار عالم الإقطاع القروسطي، وعن بزوغ العلاقات البرجوازية، بأسلوب واقعي وفانتازي في آن معاً، فقد عادت رواية الفرسان النبلاء في فرنسا القرن السابع عشر إلى تقاليد «أماديس دي غاولا»، وتجلى ذلك بوضوح في أعمال مادلين دي سكودري Madeleine de Scudéry الفرنسية سواء في الموضوعات أو الثيمات. وفي الوقت نفسه برز من إسبانيا التيار المعارض، وذلك في الصيغة المتطورة لرواية الشطار والعيَّارين، التي تطرح من منظور شعبي صورة البطل النقيض antihero الطالع من قاع المدينة في علاقاتها الجديدة المنبثقة من صراع المصالح بين البرجوازية الصاعدة والإقطاع المتقلقل، كما في رواية «تاريخ حياة بوسكون» (1626) Historia de la vida de Buscón للكاتب كيبيدوس Quevedos التي ترجمت آنذاك إلى لغات أوربية عدة، وصارت نموذجاً يحذو الروائيون حذوه. وفي إنكلترا أسس توماس ناش[ر] لتقاليد رواية الشطار والعيَّارين بروايته «المسافر السيء الحظ» أو حياة جاك ويلتون» (1594) The Unfortunate Traveller; or The Life of Jack Wilton .
    وفي ألمانيا حيث كانت التربة ممهدة وخصبة لاستقبال الترجمات عن الإسبانية، ظهرت في عام 1669 رواية الكاتب غريملزهاوزن[ر] «المغامر سمبليتسيسِموس تويتش» Der Abenteuerliche Simplicissimus Teutsch التي تبعتها روايات عدة في السياق نفسه. وفي فرنسا قدم لوساج[ر] بروايته «جيل بلا» (1715ـ1735) Gil Blas صورة شاملة واقعية لعصره، انطلاقاً من وجهة نظر الفئات الشعبية. إن مدى تأثير أفكار رواية الشطار وأسلوبها وبنيتها في تطور الرواية الأوربية يتجلى في أعمال مهمة، من مثل «مغامرات الجندي الشجاع شفيك في الحرب العالمية الأولى» (1926) للتشيكي ياروسلاف هاشيك[ر]، و«تورتيا فلات» (1935) لجون ستاينبك[ر]، و«اعترافات الدجّال فيلِكس كرول» (1954) لتوماس مَن[ر]، و«طبل الصفيح» (1959) Die Blechtrommel للألماني غونتر غراس[ر] Gunther Grass و«آراء مهرج» (1963) لهاينريش بُل[ر].
    في إنكلترا أسس دانيَل ديفو[ر] بروايته «روبنسون كروزو» (1719) للنمط الأدبي التنويري الذي سمي «روبنسوناد» Robinsonade، حيث تمهد قصة البطل الفرد الغنية للإقناع بقدرة «الفرد المعزول» على تأسيس مجتمع برجوازي، بوصفه بداية تاريخ جديد، وقد استمر تأثير ديفو ومقلديه حتى القرن التاسع عشر. وفي تطور مواز وبالأهداف التنويرية نفسها برزت الرواية التربوية لدى فيلاند[ر] وك.ف. موريتس K.Ph.Moritz في روايته «أنطون رايزر» (1790) Anton Reiser ووصلت إلى ذروتها وتأثيرها العالمي في رواية غوته[ر] «سنوات تعلم فيلهلم مايستر» (1796) Wilhelm Meisters Lehrjahre. وانطلاقاً من التفكير التنويري واليوطوبي utopian وتأسيساً على رواية «يوطوبيا» (1516) Utopia للإنكليزي توماس مور[ر] ظهرت في عدة دول أوربية وحتى نهايات القرن الثامن عشر روايات كثيرة تعالج الموضوع نفسه، أي المدينة / الدولة الفاضلة التي يديرها حاكم مستنير عادل. وكذلك كان الأمر عقب ظهور رواية «إميل» (1762) لروسو[ر]، فقد نُشرت في مختلف اللغات الأوربية روايات تستوحيها، في محاولة لبلورة الشروط الذاتية للمواطن المثالي.
    ومع ما سبق ذكره، يمكن القول إن رواية الإنكليزي هنري فيلدينغ[ر] «توم جونز» (1749) ورواية «مغامرات رودريك راندوم» (1748) لمعاصره سموليت[ر] اللتين جعلتا من الفرد ابن الطبقة الوسطى مادة للتحليل الأدبي النفسي كانتا بداية تطور الرواية بمفهومها الحديث. وقد جرت هذه العملية المهمة بين رواية «باميلا» (1741) لرتشاردسون[ر] و«الرحلة العاطفية» (1768) للورنس سترن[ر]، وأدت أيضاً إلى بروز الرواية العاطفية التي ترددت أصداؤها في أنحاء أوربا كافة، ولاسيما في حميمية رواية الرسائل؛ وهنا قام الأدب الألماني بدور الوسيط بين الآداب الأوربية، إذ قدمت رواية غوته «آلام الشاب فرتر» (1774) نموذجاً كلاسيكياً في هذا النوع الروائي، تمَثَله وطورَه عند منعطف القرن التاسع عشر كل من نوفاليس[ر] وتيك وبرنتانو وشاتوبريان[ر] وغيرهم. ففي روايات هؤلاء برز الفنان بحساسيته العالية إنساناً ذا قدرة كونية على الفعل، لكنه يأتي غالباً متقدماً عصره، مما يؤدي إلى إحباط فاعليته وانكساره داخلياً، وبهذا ظهرت رواية الفنان Künstlerroman فرعاً من الرواية التربوية التعليمية.
    وفي مطلع القرن التاسع عشر ابتدع والتر سكوت[ر] الرواية التاريخية في أعمال مثل «ويفرلي» (1814) و«آيفانهو» (1819)، التي لاقت إقبالاً واسعاً واستجابة سريعة في أوربا وأمريكا؛ فحذا حذوها روائيون كثر، أثبتوا دورها وتأثيرها الفاعل حتى نهاية القرن العشرين. إلا أن القرن التاسع عشر كان في المقام الأول حقبة تأسيس المجتمع البرجوازي/ الرأسمالي اقتصادياً وقانونياً، وفي الوقت نفسه حقبة تبلور الرواية الواقعية النقدية realistic critical novel المعدلة فكرياً عن الرواية الطبيعية naturalistic novel كما في أعمال الفرنسي إميل زولا[ر]، التي امتدت فاعليتها حتى نهاية القرن العشرين عالمياً. وقد بدأت سماتها المميزة تتبلور في روايات الفرنسيين ستندال[ر] وبلزاك[ر] وفلوبير[ر]، مستمرة من دون انقطاع تقريباً حتى النصف الأول من القرن العشرين، حين تجلت في فرنسا تحديداً الرواية الواقعية ذات النزعة الاشتراكية كما في أعمال هنري باربوس H.Barbusse ولوي آراغون[ر]. وفي إنكلترا ظهرت الرواية الواقعية على نحو خاص في المرحلة الممتدة بين ديكنز[ر] وغولزروثي[ر]، في حين تزامنت الواقعية النقدية في روسيا مع تيار الطبيعية[ر]. وكان من أبرز أعلام تلك المرحلة روائياً دستويفسكي[ر] وليف تولستوي[ر] وألكسندر تولستوي[ر] ونيكولاي غوغول[ر]. ومن أهم روائيي الواقعية الاشتراكية socialist realism في الاتحاد السوڤييتي السابق غوركي[ر] وشولوخوف[ر] وليونوف[ر] وبولغاكوف وغيرهم.
    إن تأثير النماذج الروائية الأوربية قد أسهم، إلى حد كبير، في تطوير التجارب الروائية في أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية، وخاصة في القرن العشرين، ولاسيما على صعيد قضايا التحرر الوطني، وحركة مناهضة الهيمنة الإمبريالية، في دول ما سمي بالعالم الثالث؛ وقد حدث مثل هذا التأثير في بلدان متعددة في إفريقيا وآسيا، عن طريق ترجمة النماذج الروائية، إما عن اللغات الأصلية وإما عن لغات وسيطة، مثلما حدث في معظم البلدان العربية. وقد بلغ هذا التيار ذروته مع انتشار الأدب الثوري، على صعيد الشعر والرواية والمسرح خاصة، ومع التركيز على دور الطبقة العاملة، باعتبارها المحرك الرئيسي لتطور المجتمع على جميع الأصعدة، بتعاونها مع طبقة الفلاحين. وقد تحوّل عدد هائل من روايات هذا التيار إلى أفلام سينمائية كان لها تأثيرها آنذاك، سواء محلياً أو عالمياً. ومع التحولات السياسية التي عصفت بالعالم الثالث عامة وبالمعسكر الاشتراكي خاصة، انكفأت موجة الأدب الثوري لتحل محلها التيارات المنتشرة عالمياً، التي تروج لها أسواق النشر والإعلام المختلفة.
    وقد كان للحربين العالميتين أثرهما العميق في الأدب، انعكس على نحو لافت في الكتابة الروائية التي عبرت عن انهيار القيم الوطنية والأخلاقية و الدينية وعن لاجدوى الحياة وهيمنة العبثية في العلاقات ما بين البشر. ومن الأسماء التي كان لها تأثيرها عالمياً على هذا الصعيد، التشيكي ـ الألماني كافكا[ر] والأخوان هاينريش وتوماس مَن[ر] وهاينريش بل، والسويسري ماكس فريش[ر] والإيرلنديان جويس[ر] وبيكيت[ر]، والألماني غونترغراس والفرنسيون سارتر[ر] وكامو[ر] وبروست[ر] وجيد[ر] ومالرو[ر]، والأمريكي همنغواي[ر]، والإنكليز غراهام غرين[ر] ووليم غولدينغ[ر] وسمرست موم[ر] ولورنس دَرِل[ر] والإيطاليون مورافيا]ر] وكورسيومالابارته[ر] وبيراندللو[ر].
    ومنذ ما بعد الحرب العالمية الثانية تشعبت أشكال الرواية وموضوعاتها وتقاناتها ووسائل تعبيرها في جميع أرجاء المعمورة بحيث صعب على الباحثين تصنيفها إلى مدارس وتيارات وصاروا يميلون إلى البحث في تجربة كل روائي على حدة، على الرغم من إطلاق تسميات عامة في محاولة لتسهيل البحث، كتسمية الرواية الجديدة Le Nouveau Roman التي جمعت بين الفرنسيين ألان روب غرييه A.Robbe-Grillet وميشيل بوتور M.Butor، أو كتسمية الواقعية السحرية magic realism التي جمعت بين عدد كبير من روائيي أمريكا اللاتينية من مثل كارلوس فوينتس[ر] في أعماله الأخيرة وخوليو كورتزار[ر] وماريو فارغارس لوسا M.F.Llosa وأستوياس[ر] وغابرييل غارثيا ماركيز G.G.Marquez. ولاشك في أن الولايات المتحدة الأمريكية التي ورثت التقاليد الأوربية قد أنجبت أعلاماً مهمين على صعيد الرواية كان لهم تأثيرهم وانتشارهم عالمياً، من مثل مارك توين[ر] وهنري جيمس[ر] وجاك لندن[ر] وثيودور درايسر[ر] وسنكليرلويس [ر] وسكوت فيتزجيرالد[ر] وجون دوس باسوس[ر] ووليم فوكنر[ر]، ونورمن ميلر[ر] وجيمس بولدوين وغيرهم. ومن بريطانيا لابد من ذكر وليم ثاكري[ر] وشارلوت برونتي[ر] وجورج إليوت[ر] وتوماس هاردي[ر] وجوزيف كونراد[ر] ود.هـ. لورنس[ر] وفرجينيا وولف[ر] وجورج أورويل[ر]. وهناك من القارة الأفريقية عدد كبير من الروائيين الذين أسهموا على نحو مؤثر في تطوير الرواية فنياً ومعالجة قضاياهم القومية والإنسانية سواء من السكان البيض أو السود، من مثل دوريس ليسنغ[ر] وتوماس موفولو[ر] وألكس لاغوما[ر] وشِنوا أتشيبي Chinua Achebe، و وولِه شوينكا[ر] ونغوغي واتيونغو Ngugi wa Thiongo، وسيمبين أوسمان Sembene Ousmane ومونغو بيتي[ر] ونادين غوردمر.
    ومن بين الروائيين الحديثين في اليابان لابد من ذكر تانيزاكي[ر] وكاواباتا[ر] وميشيما[ر]. ومن الهند هناك نارايان[ر] وراجا راو Raja Rao وبلاشاندرا راجان Balachandra Rajan. وثمة تجارب روائية لافتة قدمها عدد من روائيي القرن العشرين، من مثل جوفاني فرغا[ر] ودنونتسيو[ر] وسفيفو[ر] وكالفينو[ر] من إيطاليا، وسينكييفيتش[ر] وغومبروفيتش[ر] من بولونيا، وميلان كونديرا Milan Kundera من تشيكيا، وكازانتزاكيس[ر] من اليونان، وهامسُن[ر]من النروج ولاغرلوف[ر] من السويد، ولاكسنس[ر] من إيسلندة، ويشار كمال[ر] وعزيز نِسين[ر] من تركيا، وجنكيز آيتماتوف J.Aitmatov من قيرقيزيا على سبيل الذكر لا الحصر.
    وهناك مجموعة من الروائيين العرب [ر.الأدب العربي] الذين كتبوا أعمالهم بلغات غير العربية، كالفرنسية مثلاً، لأسباب مختلفة، ومن أهمهم الجزائري محمد ديب[ر] والمغربي الطاهر بن جلون واللبناني أمين معلوف، وقد ترجمت معظم أعمالهم إلى العربية، فكان لها تأثيرها في سياق تطور الأدب العربي.
    تقدم الرواية، بفضل قدرتها على مواكبة تاريخ حياة الإنسان حتى في معيشته اليومية والحميمية، الصورة الأكثر تفصيلاً ودقة وشمولاً عن الحياة في تباينها وتنوعها التاريخي والجغرافي والفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي. إن «شمولية رؤية العالم والحياة في الرواية» كما أبرزها هيغل[ر] في كتابه «علم الجمال» Ästhetik التي ينعكس في معطياتها الفردية تعدد وتنوع المادة الروائية ومغزاها بحيث تشكل المركز لكل ما يحيط بها»، تبيِّن حدود الاختلاف بين الرواية والأقصوصة novelle والقصة[ر] story والحكاية fable. وما يعمِّق هذه الحدود بصورة أوضح في المرحلة الأخيرة من القرن العشرين هو تفجر الشكل الروائي بلا حدود.
    نبيل الحفار
يعمل...
X