رومي Ibn al-Rumi - Ibn al-Rumi

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رومي Ibn al-Rumi - Ibn al-Rumi

    رومي

    Ibn al-Rumi - Ibn al-Rumi

    ابن الرومي
    (221ـ 283هـ/836 ـ 896م)

    ابن الرومي هو الشاعر العباسي علي ابن العباس بن جريج (جورجيوس)، ولد في بغداد وتوفي فيها. كنيته أبو الحسن، وجده من موالي بني العباس. أصله رومي من ناحية أبيه، فارسي من ناحية أمه، فاشتهر باسم ابن الرومي، وقال معتداً بأصوله: كيف أغضي عن الدنية، والفرس خؤولي والروم من أعمامي. وكان القرن الثالث الهجري من الحقبة العباسية، عصر استقرار نسبي، وازدهار حضاري وترف اجتماعي. وقد عاصر فيه ابن الرومي الجاحظ[ر] من أعلام الفكر والنثر، والبحتري[ر] من أعلام الأدب والشعر، وجمهرة من كبار النحاة واللغويين، والفقهاء والمؤرخين.
    كان طبيعياً أن يغدو ابن الرومي نتاج عصره وابن بيئته، كما كان طبيعياً إلى جانب ذلك أن تكون له شخصيته المتفردة، وطباعه الخاصة. كان زري الهيئة، بالغ الصلع، مغايراً في مشيته لمألوف الناس.فقد مات والده وهو حدث، فأخوه الأكبر فأولاده الثلاثة، الواحد تلو الآخر، فزوجته، فما زاده ذلك إلا ضغينة ونقمة على الدنيا وما فيها. وطبيعي لمن كان في مثل حاله أن يقابل بنفور الخاصة، ويتعرض لسخرية العامة. فقد غلب عليه التشاؤم وتملكه التطير، وبدا في مجتمعه رجلاً غريب الأطوار، ضيق الصدر، سيء الظن في الناس. ونجم عن ذلك كله انغلاقه على نفسه وعدم رغبة الخلفاء والولاة في احتضانه، ولاسيما بعد الذي ظهر من تطاوله على الكثيرين ممن حوله ومن هجائه لعدد من نابهي عصره. وهذا التفرد في طبعه كان فيه بعض الخير على صعيد نتاجه الشعري، إذ كان ابتعاده عن البلاط وخلاصه من التقيد بمراعاة الكبراء ومجاملة ذوي الشأن سبباً لإرضاء ذاته، وانعطافه إلى تناول موضوعات جديدة قلما كانت معهودة من قبل لدى سائر الشعراء، ولاسيما في مجال الوصف. فقد التفت إلى وصف الطبيعة من منظوره الذاتي كتصويره المتميز لمشهد غروب الشمس في رؤية نافذة مفعمة بالمشاعر الإنسانية الغامرة.
    من ملامح أصالة ابن الرومي تبعاً لمسلكه الفني المتفرد الذي انعطف إليه وارتضاه، وصفه نماذج بشرية مختلفة من عامة الناس وبسطائهم الذين يعيشون من حوله ويضطربون في غمار حياتهم اليومية، فوصف الأحدب والمغني والصياد والخباز وبائع الحلوى، كما وصف أصنافاً من الأطعمة الشعبية كالقطائف، وأنواعاً من الفواكه كالعنب والموز وصفاً حسياً لا يُجارى. وكان في كل ذلك يصدر عما يروقه في النظم، تاركاً نفسه على سجيتها، ملبياً أيضاً نوازعه الذاتية في التعبير عن مشاعره وأحزانه وسوء حاله، كشكوى زمانه، وفجيعته بأولاده وأحبته.
    طرق ابن الرومي، على معهود شعراء العربية، معظم أغراض الشعر وموضوعاته، فنظم في المديح والهجاء والرثاء والفخر والغزل والوصف، إلى جانب موضوعات متنوعة أخرى عرف بها دون سواه. وكان في مجمل شعره هذا وصّافاً من الدرجة الأولى. على أن نظم أي شاعر في هذه الأغراض والموضوعات على الرغم من أهميتها لا يكفي وحده لرفع القيمة الفنية للنص الأدبي، إذا لم يصحب ذلك مستوى رفيع من الابتكار والإبداع، وقدر معجب من الطرافة والخصوصية في الأداء والتعبير. وقد توافر ذلك إلى مدى بعيد في قريحة ابن الرومي، وارتقى به إلى مصاف كبار الشعراء، حين قدر لـه أن يضع مياسمه على الأدب العربي، ويكفل لنفسه الذكر، ولشعره البقاء.
    أكثر مدائح ابن الرومي في نبهاء عصره كانت وسيلة للتكسب. وهي حافلة بإغداق آيات الحمد والثناء على ممدوحه، والإشادة بسجاياه وخصاله، وهو القائل مع ذلك:
    وإذا امرؤ مدح امرءاً لنواله
    وأطال فيه فقد أراد هجاءه
    أما في هجائه فقد كان ابن الرومي فردياً ذاتياً واجتماعياً شاملاً، وهذا الهجاء مليء بالحركة والحياة، وكثير منه في بعض الذين سبق أن مدحهم. وطابعه حاد جارح أحياناً، وربما بلغ فيه حد القذع. على أن أجمله من الوجهة الفنية ما امتاز بطرافة المعنى ودقة التصوير وسلامة المنطق، ففي وصف البخيل
    يقتر عيسى على نفسه
    وليس بباق ولا خالد
    ولو يســتطيع لتقتيره
    تنفس من منخر واحد
    تظهر موهبة ابن الرومي في قدرته على التصوير الدقيق الوجيز واللماح الحي الذي ينطوي على السخرية ويولد في النفس الضحك، ولعله أشبه في إيجازه وإيحائه بالرسم الساخر (الكاريكاتور). فهي مشاهد حية من واقع الحياة أحسَنَ التقاطها وأجاد في رسمها بالكلمات والمعاني الطريفة. ولعل وصفه لرجل أحدب يبين منهجه:
    قصرت أخادعه وطال قذاله
    فكأنه متربص أن يصفعا
    وكأنما صُفعت قـفـاه مرة
    فـأحس ثانية بها فتجمعا
    وتظهر هذه الموهبة أيضاً في نقده الاجتماعي اللاذع الذي لا ينطبق على عصره فحسب بل على العصور كافة. وفي هذا النوع من الهجاء يظهر إحساس الشاعر بالمرارة والنقمة على مجتمع يسود فيه الظلم والشر، حيث يُكافأ الجاهل السفيه الذي يطفو على وجه الماء كالجيفة، في حين ينحدر صاحب العقل إلى الأعماق كاللؤلؤ الثمين:
    طـار قـوم بخفة الوزن حتى
    لـحقوا خـِفـةً بـقـاب العقاب
    ورسا الراجحون من جِلّة النا
    س رُسوَّ الجـبال ذات الهضـاب
    جـِيـَف أنتنت فأضحت على
    اللجـة والدرُّ تحتها في حـجـاب
    أما مراثيه فليست على قدر كبير من الغزارة، ومن أشهرها مرثيته المطولة في رثاء البصرة التي شهدت مأساة خرابها ومقاتل أهلها إثر اجتياح الزنج لها، وتتجلى فيها مشاهد مفصلة مؤثرة تنم على شعور إنساني نبيل لدى الشاعر. كما ذاعت مراثيه في أولاده والأقربين من أهله على الألسنة بسبب حزنه الواري عليهم، ومما قاله في ولده الأوسط محمد:
    توخى حمام الموت أوسط صبيتي
    فلله كيف اختار واسطة العقد
    إلى أن قال في منزلة الأولاد ومحبتهم دونما تمييز تجاههم لدى الآباء والأمهات:
    وأولادنا مثل الجوارح أيها
    فقدناه كان الفاجع البيّن الفقد
    كان ابن الرومي شاعراً محباً للحياة، نهماً لمباهجها وملذاتها، لذا فقد ثار حين قتّرت هي عليه أو حرمته، سواء كان ذلك في أهله وأولاده، أو في أموره الحسية، أو في شبابه المتهاوي المتراجع على مر الأيام. وكان شعره في كل هذا معبراً صادراً عن عاطفة عميقة صادقة مثقلة بهمومه ومصائبه ولما يجول في داخله من انفعالات. وكان يُشرك في رسمه حواسَّه كلها فيرسم بدقة ومهارة مشهداً كاملاً، فشعره لوحات فنية متكاملة بأشكالها وألوانها وحركاتها. وتتمتع قصائده بترابط فكري إذ تسوق الفكرة أخواتها لتصبح القصيدة وحدة عضوية متناسقة الفكرة والكلمات والمعاني. وهو مع تأثره بتيار الصناعة البديعية السائدة في عصره إلا أنه كان عبقرياً فذاً متفرداً في شعره الذي كان سابقاً لعصره، مما ضمن له مكانة رفيعة في الشعر العربي.
    عمر الدقاق
يعمل...
X