فرانسوا ماري آروِه François-Marie Arouet المعروف ب ڤولتير Voltaire أديب وفيلسوف فرنسي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فرانسوا ماري آروِه François-Marie Arouet المعروف ب ڤولتير Voltaire أديب وفيلسوف فرنسي

    ڤولتير
    (1694-1778)
    ولِد الأديب والفيلسوف الفرنسي فرانسوا ماري آروِه François-Marie Arouet المعروف بـ «ڤولتير» Voltaire في باريس، لعائلة ميسورة، جانسينيّة Janséniste تؤمن بالجبريّة والغائيّة - العنائيّة Providentialisme. بعد مرحلة تأسيسية، حَصَّل فيها ثقافة أدبيّة متينة اتّجه إلى دراسة الحقوق، وما لبث أن انصرف عنها إلى حياة اجتماعيّة ماجنة، أبرزت ميله إلى التحرر والاستقلال، فتألّقت قريحته في نَظم أشعارٍ ناقدة طالت حتى الوصي على عرش فرنسا، مما قاده إلى سجن الباستيل Bastille مرتين. بعد خروجه الأول، اتخذ لنفسه لقب «ڤولتير»، ونشر مأساة «أوديب» Oedipe التي شَهَرته، ومن ثم ملحمة «الهنرياد» La Henriade الشعرية تمجيداً لهنري الرابع Henri IV. أثار ذلك سخط السلطات، فاغترب إلى إنكلترا (1726-1729)، حيث ارتاد البلاط الملكي وحلقات أهل العلم، فأفاد من مناخ فكري يتّسم بحرية التعبير، ونهل من الثقافة والفلسفة الإنكليزية التجديدية مما تركَ أثراً بالغاً في نمط حياته وتفكيره وهكذا تحوَّل الشاعر الظريف المغرم بالأدب إلى فيلسوف داعية إلى التجديد والحرية الفكرية والدينية من جهة، وإلى العدالة الاجتماعية من جهة أخرى.
    نشر فولتير إثر عودته إلى وطـنه مسرحـيات «بروتُس» Brutus عام (1730)، و«مـوت قيصر» La Mort de César عـام (1731)، و«زاييـر» Zaïre عام (1732)، و«تاريخ شارل الثاني عشر» L’Histoire de Charles XII عام (1731) التي أمرت الحكومة بمصادرتها. أصدر فيما بعد «الرسائل الفلسفيّة» Lettres Philosophiques عام (1734) عالج فيها مسائل المجتمع والعلوم والآداب والدين والفلسفة، وضمَّنها مدحاً للأعراف السياسية الإنكليزية ونقداً للكنيسة الكاثوليكية، والملكيّة المطلقة في فرنسا. وقد أظهرت الرسائل تطوّراً في نهج ڤولتير الفكري الناقد للأنماط السائدة، وأثارت غضب البرلمان، مما اضطره إلى الابتعاد واللجوء إلى قصر السيدة دي شاتليه Mme de Chatelet على حدود مقاطعة اللورين Lorraine، حيث أمضى عشر سنوات (1734-1744)، انكبّ فيها على استكمال ثقافته في مختلف مجالات العلم والمعرفة من فيزياء وفلَك وفلسفة وأدب، على الرغم من انصرافه إلى حياة الترف واللهو والتسلية. كتب في هذه المرحلة «رجل المجتمع» Le Mondain عام (1736) و«خطاب حول الإنسان» Discours sur L’homme عام (1736)، عبر فيهما بأسلوب ساخر وتهكمي عن ميله إلى الفلسفة الأبيقورية Épicurisme، ودعا إلى التسامح والأخوة والتمتع بالحياة.
    عرض مسرحية «زاديغ» عام 1978
    عُيِّن دارجِنسن D’Argenson صديق ڤولتير وزميل دراسته وزيراً للخارجية عام 1744، فعاد إلى باريس، والتحق كنبيل بالبلاط، وسُمّيَ مؤرخاً رسمياً للملك، ومن ثم صار عضواً في الأكاديمية الفرنسية إلا أن طباعه الحادة و«فكره الهدّام» أقلقا الملك لويس الخامس عشر، فأبعده. أقام المنبوذ في مدينة سو Sceaux فترة، كتب في أثنائها قصة «زاديغ» Zadig عام (1747) التي عبرت عن تشاؤمه من خلال نقد اجتماعي وديني لاذع. والتحق بالسيدة شاتليه ثانية. وبعد وفاتها عام 1749 استجاب لدعوة فردريش الثاني ملك بروسيا، الذي كان قد راسله منذ عام 1734 وكان لا يزال وصياً على العرش. ودغدغ ڤولتير حُلم أن يصبح الوزير الفيلسوف لصديقه الملك المستنير، ولكن سرعان ما اصطدمت الشخصيتان القويتان، ونشب الخلاف بين الرجلين، فعاد أدراجه إلى بلده عام 1753. أصدر في هذه الفترة «ميكروميغاس» Micromégas عام (1725)، وهي قصة فلسفية حول نسبيّة المعرفة، و«عصر لويس الرابع عشر»Le Siècle de Louis XIV انتقص فيه من مكانة الملك عام (1736).
    هام الأديب باحثاً عن مكان بمنأى عن السلطة والبلاط، يستقر فيه سيداً في بيته، يمارس نشاطه الفكري بحرية تامة إلى أن استقر عام 1758 في فرنيه Ferney بالقرب من مدينة جنيڤ Genève على الحدود السويسرية، اشتراه بفضل الثروة التي ورثها وكسبها بتقربه من ملوك فرنسا وإنكلترا وبروسيا وبولونيا. ولم يثنِه ترحاله عن الإنتاج، فجاء «بحث الأخلاق» Essai sur les Mœurs عام (1756) تأريخاً للحضارة الإنسانية في الصين والهند وبلاد فارس وبلاد العرب، ويشتمل على فصول حول الأخلاق والطبائع والأنظمة والأدب والاكتشافات الكبرى، قيّم المؤلف فيه أداء الحكّام والملوك بالنسبة إلى الرفاه والتقدم الذي نشروه أيام السلم، وليس إلى الانتصارات والفتوحات التي حقّقوها أيام الحرب.
    نظم ڤولتير عام 1755 قصيدة طويلة دحض فيها مفهوم الغائية - العنائية ومبدأ التفاؤل الذي نادى به الفلاسفة أمثال لايبنيتس Leibniz، وتساءل عن ضرورة هلاك الأبرياء ووجود الشر على وجه الأرض، فخلُص إلى القول إنّ سرّ الأشياء يتخطى الفهم الإنساني، وما على المرء إلاّ الانصراف إلى محاربة الظلم الاجتماعي والأخلاقي، بدل إضاعة الوقت في متاهات الماورائيات، وعلى خلفية هذا الموقف نشأ خلاف بينه وبين جان جاك روسّو[ر]، فجاءت قصته الأشهر والأوسع انتشاراً «كَنديد» Candide عام (1759)، دعَّم من خلال أحداثها المأساوية، وبسخرية بارعة، رفضه القاطع للاتّكال على العناية الإلهية، واقترح على الإنسان أن يسعى، من خلال جهده وعمله اليومي، إلى تحسين وضعه والتغلّب على قلقه أمام المجهول، وهذا ما عبّر عنه بمقولته الشهيرة «ليحرثْ كلٌّ بستانَه» Il faut cultiver son jardin.
    قَرَن «شيخ فرنيه» Le patriarche de Ferney، وهو لقب ڤولتير، القول بعمل دؤوب لتطوير مُلكيّته اقتصادياً وزراعياً واجتماعياً، كما ضاعف مراسلاته مع عظام عصر التنوير من رجال الثقافة والحكم، على امتداد القارة الأوربية، ومنهم كاترين الثانية، قيصرة روسيا، التي اشترت مكتبته ونقلتها بعد وفاته إلى سان- بطرسبورغ Saint-Pétersbourg. علاوة على ذلك ثابر في نشر أفكاره الفلسفية عبر مسرحيات كتبها، وأصدرها، وأدى أدواراً في تمثيلها على خشبة المسرح الذي أقامه، ومن خلال قصص أشهرها «الساذج» L’Ingénu عام (1767) و«أميرة بابل» La Princesse de Babylone عام (1768)، تمحورت حول نقده للخبث الاجتماعي والتقاليد البالية والعقائد الفارغة. ولم تثنِ السنون الفيلسوف عن مداخلاته العديدة والصاخبة في قضايا عدليّة شغلت عصره، دفاعاً عن حقوق المظلومين في وجه محاكم دينية أو مدنية جائرة. وقد أسهمت مثل هذه الاهتمامات بازدياد شهرته وتعاظم نفوذه. من أهم أعماله في سنواته الأخيرة «مقالة في التسامح» Traité sur la tolerance عام (1763)، و«القاموس الفلسفي»Dictionnaire philosophique عام (1764).
    في عام 1778، وبعد أن اطمأن إلى مكانته وضعف السلطة، وعند عرض مسرحية «إيرين» Irène في باريس قرر حضور العرض، فاستقبلته جماهير المدينة بحفاوة أثبتت الريادة التي آلت إليه. ولكن سرعان ما أنهكه الجهد، فتُوفِّي في مدينة مولده وهو في قمّة مجده.
    عاش ڤولتير، صاحب المزاج الحاد والذهن المتوقد، حياة صاخبة زاخرة بالإنتاج، لم يترك موضوعاً إنسانياً إلا اقتحمه بجرأة فريدة. كتب ونشر ما يزيد على مئة وستين مؤلفاً، وصارع على جبهات المعرفة جميعها، فجسد مثال المثقف الجديد في عصره. أشعل ثورة في الفكر، طالت الأعراف والمؤسسات والعقائد، وأسهم مع ديدرو[ر] Diderot وروسّو في إطلاق حرية التعبير والصحافة وفي تكوين مناخ فكري تقدّميّ لم تلبث الثورة الفرنسية أن أفادت منه. تمكّن الكاتب ـ الفيلسوف من اللغة الفرنسية، وأغناها بفنّه وبراعته، فجاءت بأسلوب مبتكر، حديثة، سهلة القراءة، لم تفقد شيئاً من سلاستها حتى العصر الحاضر.
    قيَّم فولتير، بنظرة الناقد العارف، آداب الكلاسيكيين، أمثال راسين[ر] Racine وموليير[ر]Molière وكورنِيْ[ر] Corneille وبوالو[ر] Boileau ولافونتين[ر] La Fontaine، وثمَّن دورهم في تكوين الذوق الأدبي والفني. وبرع في نظم الشعر، وجدّد الكتابة المسرحية موسعاً آفاقها إلى الدين والفلسفة والسياسة والتاريخ، على وجه الخصوص، الذي جعل منه فناً وعلماً في محاولة مبتكرة لإحياء الماضي على حقيقته، باعتماد الوثائق، فمهَّد الطريق لرؤية اجتماعية إنثروبولوجيّة راجت في القرون التالية. وقد استند في عقيدته إلى مذهب الفيلسوف الصيني كونفوشيوس Confucius ومقولته الشهيرة «عامل جارك كما تحبّ أن يعاملك». أما في ميدان الدين فقد حارب التعصب، وناهض العقائد، ورفض الطقوس، ودعا إلى مبدأ إلهي يثبته العقل، فأقرَّ بخالقٍ سامٍ وأزلي، مُوجِدٍ للعالم وفق قوانين ثابتة، أسماه المهندس الأكبر، وهذا ما يُعرف بمذهب «التأليه» Le Déisme.
    لم يكن لڤولتير نظرية فلسفية معينة أو مشروع سياسي محدَّد، واقتصر في رسائله التي هي مرآة عصره (2054 رسالة نشرت في 102 مجلّد)، وفي قصصه الفلسفية على الدعوة إلى مجتمع حرية وتسامح وحضارة توفر الرفاه والسعادة لإنسان مسلّح بالعقل، مُحرَّر من القيود والرقابة، يوسّع أفقه ليصبح مواطناً في عالم واسع، أعظم فضائله عمل الخير، وأشرف قوانينه العمل.
    أنطوان زينون
يعمل...
X