بوبليوس ڤرجيليوس مارو Publius Vergilius Maro هو أمير الشعر اللاتيني في عصر روماالذهبي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بوبليوس ڤرجيليوس مارو Publius Vergilius Maro هو أمير الشعر اللاتيني في عصر روماالذهبي

    ڤِرجيليوس
    (70ق.م - 19ق.م)

    بوبليوس ڤرجيليوس مارو Publius Vergilius Maro المعروف بـ «ڤرجيل» Virgil، هو أمير الشعر اللاتيني في عصر روما الذهبي، عصر أغسطس Augustus، وقد بقي تأثيره في الشعر الأوربي مستمراً حتى منتصف القرن التاسع عشر.
    ولد ڤرجيليوس في قرية أندِس Andes القريبة من مدينة مانتوا Mantua (حالياً مانتوڤا Mantova) شمالي إيطاليا. كان والده ڤرجيليوس مارو صاحب مزرعة، إتروسكي الأصل، وكانت والدته ماغيا بولاّ Magia Polla من أصل أوسكي. ويرجّح بعض كتّاب السيرة أن والده من أصل كلتي (سلتي) بعيد، وأنه تمتع بحقوق المواطنة الرومانية، على الرغم من أن منطقته لم تدخل تحت سلطة روما قبل عام 40ق.م، ومع أن أحوال العائلة كانت متواضعة مالياً، أمَّن له والده تعليماً مستمراً، بدأ في كريمونا Cremona ثمَّ في ميلانو Milano ثمَّ في روما ونابولي Napoli، فدرس فن الخطابة، وعندما اكتشف انعدام موهبته على هذا الصعيد، نتيجة خجله الشديد في مواجهة الآخرين، تحوَّل إلى الفلسفة والأدب، وانضم إلى حلقة المعلم سيرو Ciro الأبيقوري، ثم تحوَّل بالتدريج نحو الرواقية[ر]Stoicism. وعندما بلغ سن الرجولة توفي والده، ثمَّ تزوجت والدته، ثمَّ صُودرت مزرعة العائلة مع الأراضي الواقعة شمالي نهر البو Po لصالح محاربي معركة فيليبي Philippi. لكن رجل الدولة أسينيوس Asinius الذي أدرك أهمية موهبة ڤرجيل أمَّن للأسرة تعويضاً مناسباً عن خسارتها، وذهب خطوة أخرى، إذ قدَّم ڤرجيليوس لأوكتاڤيانوس Octavianus (أغسطس لاحقاً) الأمر الذي مهَّد أمامه الطريق لعقد صداقات مع شخصيات مهمة في الدولة مثل مايكيناس Maecenas، وفي أوساط المثقفين والشعراء مثل غايوس كورنِليوس غاللوس[ر] G.C.Gallus وهوراتيوس[ر] (هوراس) Horatius ولوكيوس ڤاريوس روفوس L.V.Rufus.
    شرع ڤرجيليوس في عام 19ق.م برحلة بحرية إلى اليونان وآسيا (المقصود هو الشاطئ الغربي لتركيا) بغرض مراجعة وتدقيق درّة أعماله، ملحمة الإنيادة[ر]، وليكرّس بقية أيام حياته لدراسة الفلسفة في أثينا، حيث التقى بالامبراطور أغسطس، وعاد معه مريضاً إلى إيطاليا على سفينته، ومات بعد فترة وجيزة من رسو السفينة في ميناء برونديسيوم Brundisium (برينديزي Brindisi اليوم). وفي أثناء الاحتضار أوصى ڤرجيليوس بأن تُحرق مخطوطة الملحمة. لكن الامبراطور أغسطس أوقف تنفيذ الوصية وأمر بنشر «الإنيادة» بإشراف الشاعرين الموثوقين من قبله ڤاريوس روفوس وبلوتيوس توكا P.Tucca، فقد أدرك أغسطس بخبرته السياسية الدور الكبير الذي ستضطلع به الملحمة عند الرومان، وكان مصيباً في ذلك، إذ منحتهم شعوراً بالوحدة القومية ذا بعد سحيق في التاريخ يصل بانتمائهم إلى الآلهة، وهذا هو ما كانت الامبراطورية تحتاجه بعد تجربة الحروب الأهلية التي كادت أن تسحقهم رحاها.
    لقد سطّر ڤرجيليوس للرومان تاريخاً بطولياً مشرفاً. قال الباحث أحمد عتمان: «وإذا كان أبطال هوميروس أبطالاً نموذجيين فإن إنياس ڤرجيليوس هو الممثل المثالي للشعب الروماني، ومن ثم فهو يفتقد الخصوصية الفردية. وبوصفه تجسيداً للنموذج الروماني فإنه دائماً واسع الأفق، وشديد الورع والإحساس بالواجب، وإذا كان البطل الهوميري لا يستطيع أن يفلت من قدره، فإنه قادر على اتخاذ قرار لنفسه ويصبح سيداً لهذا القرار. أما إنياس البطل الڤرجيلي فإن قدره الإلهي أن يصبح جَداً ومؤسساً للسلالة الرومانية، وهذا هو السبب الوحيد لوجوده. وهذا القدر هو أيضاً بالنسبة لمعاصري ڤرجيليوس مغزى تاريخ العالم كله». ولقد برع ڤرجيليوس كذلك في تصوير أقدار الأفراد الذين يتصل بهم إنياس، على نحو رومنسي، حتى إنه يمكن القول إن صياغة أقدار هؤلاء الأفراد كلّ على حدة، وبهذه الطريقة البارعة، يعدُّ من أروع إنجازات الشاعر، ولاسيما قدر ديدو Dido (أو إليسا Elissa ) ملكة قرطاج. وهكذا استطاع ڤرجيليوس أن يزرع هموم الفرد وسمات الشعر الذاتي في ملحمة قومية.
    لم يزاول ڤرجيليوس في أثناء حياته القصيرة نسبياً أي عمل، سوى الدراسة ونظم الشعر، وقد كفته معونات مايكيناس وأغسطس منذ أن تجلَّت موهبته الشعرية الواعدة، فجعلته ثرياً يملك قصراً صغيراً في روما وآخر على شاطئ نابولي لا يسكنهما إلا نادراً، إلى جانب مزرعة جميلة متواضعة الحجم على إحدى هضاب كمبانيا Campania حيث كان يقضي جلَّ وقته في الدراسة والنظم والتنقيح. وتذكر المراجع أنه أحرق كثيراً من مخطوطات أشعاره في اللحظات الأخيرة، لظنه أنها غير صالحة للنشر، إذ كان يَنشُد الكمال الفني. وعلى الرغم من أن إلقاءه الشعر كان مؤثراً في المنصتين إليه، ويغطي بعض جوانب الضعف في بنية القصيدة، إلا أن وعيه الفني كان متيقظاً دوماً، عارفاً حقيقة ما نظمته مخيلته الشعرية وعقله العلمي المثقف. ولهذا فإن ما نُشر من إبداعه الشعري لا يعادل إلا جزءاً يسيراً مما صدر عن قريحته الشعرية، وحادثة «الإنيادة» أكبر دليل على ذلك.
    سمح ڤرجيليوس في عام 37ق.م بنشر مجموعته الشعرية الأولى «الرعويات» Bucolica التي ضمَّت عشر قصائد مختارة eclogae، تمثَّل فيها تجربة الشاعر الإغريقي الاسكندراني ثيوقريطس[ر] Theokritos، معلناً بدء مرحلة جديدة تنبئ بنهوض الشعر اللاتيني من كبوته التي طالت. إن الجو الذي يغلف القصائد جميعها ريفي مثالي يسوده الانسجام وتنبع من حناياه السعادة التي تبعث على الطمأنينة. ولما كان الشاعر ابن بيئة ريفية وأسرة فلاحية ولم يتخل طوال حياته عن نمط هذه الحياة وسلوكياتها، ولاسيما في كمبانيا، فليس غريباً أن يتسم وصفه بالصدق والحميمية، على الرغم من الجنوح باتجاه الطوباوية[ر]. يتحدث الشاعر في بعض هذه القصائد بضمير المفرد المتكلم ويذكر أصدقاءه وعلاقاته بهم، وثمة خلفية سياسية تكمن وراء أحداث بعض القصائد، كما في الأولى والتاسعة، حيث يتحدث عن «الشاب الإلهي» ويقصد به أوكتاڤيانوس الذي يأمل الشاعر أن يكون مخلّص روما من محنتها. وترد في القصيدة الرابعة نبوءة عودة عصر ساتورنوس الذهبي بعد انتهاء العصر الحديدي، ولكن بصورة تدريجية غير مفاجئة، بما يواكب ظهور «الطفل الإلهي» الذي سيخلص العالم. وقد تعرضت هذه القصيدة تحديداً، على الرغم من ارتباطها بحدث تاريخي موثق هو صعود أوكتاڤيانوس إلى سدة الامبراطورية باسم أغسطس، إلى تفسيرات شتى، أكثرها غرابة هو عدَّها نبوءة بقدوم السيد المسيح المخلّص. وعبر القصائد العشر يؤسس الشاعر لعالمه الريفي الفاضل، أركاديا Arcadia المتخيلة، التي صارت جزءاً من الأدب العالمي، ومسعىً يتوق الأدباء إلى تحققه على أرض الواقع.
    أما في مجموعة «الزراعيات» أو «الفلاحيات» Georgica فيهبط ڤرجيليوس من أركاديا الخيالية إلى أرض الواقع؛ فهي قصيدة مطولة عن عمل وحياة الفلاح الروماني، وكما ينبغي أن يكون عليه (رجلاً طيباً منتجاً ومخلصاً، كونه خبيراً بالزراعة) حسب تصور أوكتاڤيانوس/أغسطس. حاول ڤرجيليوس أن يكون في «الزراعيات» للرومان ما كانه هِسيودوس[ر] Hesiodos للأغارقة في «الأعمال والأيام»، ولم يكتف ڤرجيليوس هنا بخبرته الشخصية، فالقصيدة تشي بتأثره بالشاعر الاسكندراني أراتوس Aratos وبلوكريتيوس[ر] Lukretios وثيوفراستوس[ر] Theophrastos وأرسطو[ر] وكاتو الأكبر Cato في الجوانب العلمية التفصيلية على صعيد عمل الفلاح وحياته.
    وقد امتد عمل ڤرجيليوس على هذه القصيدة بين 36-29ق.م أي نحو ثلاث عشرة سنة، فوصل بها إلى درجة من الكمال في البنية الشعرية واللغة، حتى إن درايدن[ر] يعدّها أفضل قصيدة لأفضل شاعر. ويرى بعض النقاد ذوي الإحساس بالإيقاع الداخلي، بأن هذه القصيدة تشبه سمفونية من أربع حركات، فهي تنطوي على موضوعات مختلفة، تنطلق مستقلة في البداية، ثم تتآلف في ما بينها لتشكِّل في الختام وحدة عضوية؛ وهي تتألف من أربعة كتب كل اثنين منها تتصدرها مقدمة. ويرى الباحث دَكوورث G.E.Duckworth أن نهايات الكتب الأربعة تعالج على التوالي الحرب، السلام، الموت، الانبعاث، وبها معاً يكتمل المفهوم حول السبب والأصل في فكرة الانبعاث، حين يجدُّ الإنسان ويكدح ويمارس كل قواه ويكرّس حياته للعمل ويضحّي في سبيل الوطن. كان الكتاب الرابع في الأصل، وفي جزئه الأخير تحديداً، مكرساً لصديقه الشاعر والسياسي غاللوس الذي كان والياً على مصر واتُهِمَ بالخيانة فآثر الانتحار عام 27ق.م، وكان لهذه الحادثة أثر بعيد العمق في نفس ڤرجيليوس. وقد حذفت هذه الخاتمة وحل محلها بديل جديد هو أسطورة أريستايوس Aristaios حيث رُبطت أجزاء القصيدة ببعضها البعض ووحدت ما بين النشاط البشري والمقاومة الطبيعية أحياناً، وما بين القوة البشرية المدمرة والقوى الطبيعية الخلاقة أحياناً أخرى.
    ظهرت عظمة ڤرجيليوس بين معاصريه، وقد أدخل كوينتوس كايكيليوس إبيروتا Quintus Caecilius Epiruta دراسة ڤرجيليوس في المدارس الرومانية. ولا يخلو شاعر أو ناثر روماني منذ عصر أغسطس من تأثير ڤرجيلي. واحتلَّ هذا الشاعر منزلة خاصة حتى لدى آباء الكنيسة الأوائل، فأوغسطين[ر] يبجّله أيما تبجيل، ورأت فيه العصور الوسطى لا مجرد النموذج للأسلوب اللاتيني الأصيل، وإنما مبشراً بالمسيحية. ومنذ القرن الثاني عشر صارت لأعماله قوة سحرية، فقلَّده كلّ شعراء العصور الوسطى، وسارت ملاحم كثيرة على دربه، وتدين له الملاحم الشعبية مثل «أغنية رولان» و«أغنية نيبلونغن»، وتعد «الكوميديا الإلهية» لدانتي[ر] بمنزلة إحياء لملحمة ڤرجيليوس.
    م. ن. ح
يعمل...
X