الفاطميون Fatimides سلالة أنشأت دولة حكمت أول أمرها في المغرب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفاطميون Fatimides سلالة أنشأت دولة حكمت أول أمرها في المغرب

    الفاطميون
    (297-567هـ/910-1171م)

    الفاطميون سلالة أنشأت دولة حكمت أول أمرها في المغرب، وكان قيامها أعظم نجاح حققته الدعوة الإسماعيلية[ر]، ويُعزى نجاح دولتهم إلى الداعي الحسين بن أحمد أبي عبد الله الشيعي (ت 298هـ) الذي استطاع بمهارته وحذقه أن يجمع إليه قبائل كتامة ويقضي على دولة الأغالبة، ويرسخ دعائم دولة إسماعيلية جديدة في إفريقية تزعمها الإمام عبيد الله المهدي.
    أطلقت هذه الدولة على نفسها اسم دولة الفاطميين نسبة إلى فاطمة الزهراء ابنة الرسول r أو العلويين، تأكيداً على تحدرها من علي بن أبي طالب عبر جعفر الصادق وحفيده محمد بن إسماعيل، الذي تبعه عدة أئمة مستورين كان آخرهم عبيد الله المهدي الذي ظهر إلى العلن، أما خصومها فيطلقون عليها اسم دولة العبيديين، نسبة لعبيد الله المهدي وينكرون تحدرها من محمد بن إسماعيل ومن ثمّ من علي بن أبي طالب، ويؤكدون أن عبيد الله من نسل ميمون القدّاح الفارسي الذي هرب ابنه عبد الله إلى البصرة ومنها إلى سلمية التي أصبحت مقرّاً للدعوة الإسماعيلية.
    انقسـمت حيـاة هـذه الـدولـة التي اسـتمرت من سـنة 297هـ/910م حتى سقوطها سنة 567هـ/1171م إلى فترتين: الفترة الأولى هي الفترة الإفريقية والتي تولى الإمامة فيها عبيد الله المهـدي (297-322هـ) والقائم (322-334هـ) والمنصور (334-341هـ) والمعز لدين الله (341-365هـ) وفي سني إمامة المعز سيطرت قواته على مصر، فانتقل إليها واتخذها مقراً لدولته.
    دخل عبيد الله المهدي القيروان في 20 ربيع الآخر سنة 297هـ/6 كانون الثاني 910م، وسرعان ما باشر أعمالاً يمكن تلخيصها بأنها تنظيم للدولة ومباشرة الحكم فيها بنفسه، وفي سنة 309هـ، استقر في العاصمة الجديدة التي بناها والتي أطلق عليها اسم المهدية، وتدل المعطيات الأثرية التي درسها مارسيه على أنها كانت ميناءً حربياً في غاية المنعة، مزوداً بدار للصناعة وفيها مسجد وقصر، إلا أنها بعيدة عن الترف، وتبدو مدينة حربية أكثر منها مقراً ملكياً.
    كان الأئمة الفاطميون ينظرون لولاية إفريقية كنواة لدولة الدعوة التي يجب أن تشمل ديار الإسلام كلها، ويبدو احتلال المشرق بما فيه من المراكز الإسلامية الكبرى والحرمين الشريفين هدفاً له الأولوية، ولكن وقائع الأحداث دلت على عدم زهدهم بالجناح الغربي، لأنه يدخل ضمن إطار الدولة الكبيرة، ولأن الشمال الإفريقي في هذا الجناح يكون قاعدة الانطلاق والإمداد للسيطرة على المشرق، وفي نص الدعاء الرسمي في الخطبة ما يدل على حدود هذه الأهداف إذ يدعى للإمام بأن تفتح له مشارق الأرض ومغاربها، ويمدح أحد الشعراء عبيد الله بقوله:
    فدولة القائم المهدي قد أزفتْ
    أيامها والذي أنبا به الأثرُ
    عن النبي وفيه قطع مدتكم
    يا آل أغلب أهل الغدر فاقتصروا
    وقطع أمر بني العباس بعدكم
    وقطع آل بني مروان إذ بطروا
    (ويعني ببني مروان أمويي الأندلس)
    كانت الحملات الأولى بعد سنوات من إقامة الدولة موجهة نحو الغرب، حيث قام أبو عبد الله الشيعي بحملتين قبل اغتياله، قام بالأولى ضد قبائل زناتة عام 298هـ، والثانية ضد تاهرت قضي فيها نهائياً على الدولة الرستمية[ر]، وفي مدة لا تزيد إلا قليلاً على عقد واحد من السنين بسط الفاطميون سلطانهم على المغرب كله، لكن هذه السلطة لم تكن مباشرة إلا في إفريقية، أما في المغرب الأوسط، وشمالي المغرب الأقصى وصحرائه، فكان الحكم غير مباشر أو حكم تبعية.
    كان جوهر الصقلي[ر] مولى المعز لدين الله الفاطمي هو الذي حقق الانتصارات الكبرى للفاطميين في التوسع غرباً، ثم أحرز لسيده نصراً آخر بفتحه مصر سنة 358هـ، وبنائه القاهرة التي انتقل إليها المعز سنة 362هـ واتخذها مقراً له، بدلاً من المهدية. كان لهذا الانتقال نتائجه، إذ تحول وضع هذه البلاد من قاعدة للفاطميين إلى ولاية يديرها بالنيابة عنهم أتباعهم من بني زيري الصنهاجيين[ر] الذين استمروا في السير على السياسة السابقة نفسها لأسيادهم الفاطميين، في اتخاذ المغرب الأدنى (ولاية إفريقية) قاعدة لهم ومحاولة ضمان سلطانهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة على المغرب الأوسط والأقصى.
    بعد اسـتقرار المعـز لدين الله الفاطمي في مصر، تمّ إحكـام نظام إداري للدولة يمكن وصفه بالعلمية لرقيه ودقته، كما أحكم نظام الدعوة، ويعدُّ يعقوب بن كلـس (ت380هـ) وزير العزيز بالله (365-386هـ) أهم بناة النظام الإداري والدَعَوي للدولة الفاطمية، واستطاع هذا النظام أن يبقي الدولة الفاطمية حيَّة مدة تفوق القرنين، على الرغم من أن الخلفاء الذين تعاقبوا على عرش القاهرة لم يتسموا بالمقدرة والكفاءة السياسية والإدارية التي اتسم بها من سبقهم من الخلفاء.
    وبعد أن توطد سلطان الفاطميين في مصر، صار تحدي الإسماعيلية للنظام العباسي والفكر السني أكثر قرباًُ وأشد خطراً، وصار للفاطميين دولة واسعة الأرجاء، شملت وهي في ذروة قوتها، مصر وسورية وشمالي إفريقيا وصقلية والحجاز واليمن بما في ذلك المدينتان المقدستان مكة والمدينة، وسيطر الفاطميون على جيش من الدعاة، وعلى ولاء عدد لا يحصى من الأتباع في الأراضي التي كانت خاضعة للحكم العباسي فعلياً أو اسمياً.
    لم تكن ردات فعل السنة والخلافة العباسية تجاه قيام الدولة الفاطمية في البداية فعّالة، إذ لم تتعَدَّ بعض إجراءات أمن ضد الدعاة، وحرباً دعائية ضد السلالة الفاطمية التي اتهمت في محضر نشر في بغداد سنة 402هـ/1011م بأنها لا تمت بنسب صحيح إلى فاطمة وعلي بن أبي طالب، ومع الأيام بدأت جذوة الحركة الفاطمية تخبو، وأخذ الإسلام السني يسترد نشاطه وكانت أهم أسباب إخفاق الدعوة الفاطمية ما عانته من تمزق داخلي وظهور الأتراك على مسرح الأحداث وإقامتهم للدولة السلجوقية.
    كان من أهم الأحداث التي واجهت الدولة الفاطمية، انفصال شمالي إفريقيا عن جسم الدولة، ففي عهد الأمير الزيري المعز بن باديس (407-454هـ) تم الانفصال عن الفاطميين رسمياً، وعندما لم تستطع الخلافة الفاطمية إيقاف حركة الانفصال هذه، شجعت عدداً من القبائل العربية التي كانت قد هاجرت إلى مصر وعلى رأسها قبائل سليم وهلال، على عبور النيل والاتجاه غرباً بعد أن كانوا يمنعونهم منه، ومنحوا كل عابر منهم ديناراً مع أشياء أخرى كفروة أو بعير، واجتاز هؤلاء مصر إلى الغرب موجة إثر موجة، وأقامت سليم في ليبيا وانتشر بنو هلال في ولاية إفريقية، ولكن هذه الهجرة لم تحقق عودة إفريقية للحكم الفاطمي، وإن كانت قد حققت بعض التغيير، فقد أشاعت الفوضى وانعدام الأمن من جهة، ولكنها من جهة أخرى صبغت شمالي إفريقيا بالصبغة العربية نهائياً.
    كذلك عانت الخلافة الفاطمية أمورَ السيطرة على فلسطين وغيرها من أجزاء الشام ونجم عن ذلك ردات فعل شديدة، ولاسيما بين صفوف القبائل وسكان المدن، فلقد ثارت قبيلة طيء في وجه الفتح الفاطمي وحاول زعماء القبائل إنشاء خلافة في فلسطين، فجلبوا أحد أفراد الأسرة الحسنية من الحجاز، ونصبوه خليفة ولكن محاولتهم باءَت بالفشل.
    ومن أهم المشكلات الداخلية التي تعرض لها الفاطميون، كانت تلك المتعلقة بالدعوة، ثم بعض الأزمات الاقتصادية، وأخيراً استيلاء الجند على مقاليد الأمور. فمنذ بداية قيام الخلافة الفاطمية كان هناك خلافات داخل جسم الحركة الإسماعيلية بين فئات يمكن تسميتها بالمتطرفة، وأخرى يمكن دعوتها بالمحافظة، وكان على الخلفاء أن يواجهوا بين الحين والآخر انشقاقاً في الحركة وحتى مقاومة مسلحة. ولعلَّ أهم حركات الانشقاق كانت تلك التي بدأت زمن الحاكم بأمر الله[ر] الخليفة السادس، ولاسيما بعد اختفائه سنة 411هـ/1021م في ظروف غامضة، فاعتقد جماعة من الإسماعيلية بأن الحاكم كان ذا صفات إلهية وأنه لم يمت، بل ذهب إلى الستر والغيبة، ولذلك رفضوا الاعتراف بخليفة على العرش الفاطمي، وانفصموا عن الجسم العام للفرقة، ونالوا بعض النجاح وخاصة في بلاد الشام، وعرفوا باسم الدروز، وما تزال فئات كبيرة منهم تعيش في بلاد الشام.
    وفي عصر الخليفة المسـتنصر بالله (427-487هـ)، وصلت الخلافة الفـاطمية إلى ذروتها ثم هوت بـسرعة كبيـرة، وجرى في أيامه ما لم يجر في أيام أحد من أهل بيته، فخطب البساسيري في بغـداد باسـمه مدة سنة، وخطب علي بن محمد الصليحي في بلاد اليمن باسمه ولكن الخطبة قطعت باسمه في إفريقية سنة 443هـ، وقطع اسمه من الحرمين سنة 449هـ وذكر اسم الخليفة العباسي القائم بأمر الله (422-467هـ)، وفي سنة 446هـ نكبت مصر بالوباء والقحط وكان وقعهما شديداً فيها فعمت الفوضى والمجاعة وعاد الوباء أشد ما يكون في سنة 456ﻫــ، والذي استمر حتى 464هـ/1064-1071م مقترناً بالفتن والحروب، وامتدت يد السلاجقة إلى الشام حتى كادت تخرج من أيدي الفاطميين، فاستدعى المستنصر بالله بدر الجمالي[ر] إلى مصر من عكا سنة 466هـ/1073م، ليكون القائم بتدبير الدولة وإصلاح الأمور.
    أبحر بدر في حرسه الخاص من الأرمن وفي جنده المخلصين من عكا قاصداً مصر، وقضى على الأمراء الذين أثاروا الفتن، وأعاد الهدوء إلى العاصمة، واستمر يتتبع المفسدين في كل جهة من جهات مصر حتى استتبت الأمور وسكنت الفتن وفرض النظام والهدوء. ونصب المستنصر بالله بدراً أميراً للجيوش ولُقب بكافل قضاة المؤمنين (قاضي القضاة) وهادي دعاة المؤمنين (داعي الدعاة) وعيَّن وزيراً للسيف لا يتقدمه أحد، وفوَّض إليه جميع سلطاته فأصبح بدر الجمالي صاحب الحل والعقد، له أن يولي كبار موظفي الدولة ويعزلهم، وهكذا أصبحت الوزارة في أواخر عهد المستنصر بالله حتى نهاية العصر الفاطمي وزارة تفويض بعد أن كانت وزارة تنفيذ في الفترة ما بين 358-465هـ.
    ضعف نفوذ الخلفاء الفاطميين كثيراً بعد وفاة المستنصر، بينما زادت سلطة الوزراء الذين استفحلت قوتهم وتضخمت ثروتهم وأصبح في أيديهم أمر تعيين الخلفاء وعزلهم، وكان بعضهم يؤثر اختيار أحد أمراء البيت الفاطمي الضعاف حتى يكون ألعوبة في أيديهم، وتجلت هذه الظاهرة في عهد الوزير الأفضل بن بدر الجمالي أمير الجيوش فعندما عزم المستنصر بالله على أخذ البيعة لابنه الأكبر نزار، ماطل الأفضل في مبايعته لأنه كان يميل إلى أبي القاسم أحمد بن المستنصر من زوجته أخت الأفضل، فلما مات المستنصر بالله، اجتمع الأفضل بالأمراء والخواص وخوَّفهم من نزار وأشار عليهم بمبايعة أخيه الأصغر أحمد، وكان حديث السن، فبايعوه، وأجلسه الأفضل على مقعد الخلافة سنة 487هـ، ولقّبه المستعلي بالله، فهرب نزار إلى الإسكندرية وثار هناك فلاحقته قوات الأفضل أمير الجيوش وقضت عليه وعلى ثورته، وأدّى اختيار المستعلي إلى انشقاق الدعوة الإسماعيلية إلى قسمين، فقد رفض الإسماعيلية في المشرق الاعتراف بالخليـفة الجديـد وفي سنة 525هـ/1130م بعد مقتل الخليفة الآمر بن المستعلي، رفض الإسماعيلية المستعلية الاعتراف بالخليفة الجديد في القاهرة، وتبنوا عقيدة فيها أن طفلاً رضيعاً للآمر يدعى الطيب كان قد فُقِد حيث استتر وهو سيكون الإمام المنتظر، وهكذا لم يعد للمستعلية أئمة بعده.
    حكم بعد الآمر أربعة خلفاء من الأسرة الفاطمية، لكنهم كانوا بلا صلاحيات أو نفوذ، وضعفت مصر في عهدهم ضعفاً شديداً، وكانت الحروب الصليبية قد بدأت، وحـاول الصليبيون احتلال مصـر، فاستنجد الخليفة الفاطمي العاضـد بنور الـدين زنكي الـذي أرسل قواته لنجدته وأبطل التدخل الصليبي، وفي عام 567هـ/1171م ألغى صلاح الدين الأيوبي بأمر من نور الدين الخلافة الفاطمية وأعاد مصر إلى حظيرة الخلافة العباسية.
    الحياة الثقافية: اهتم الفاطميون منذ أن استقر سلطانهم في مصر بالعمل على نشر الثقافة العلمية والأدبية، فضلاً عن الثقافة المذهبية التي تتصل بالدعوة الإسماعيلية، كالفقه والتفسير، وكان للجامع الأزهر أثر كبير في النهوض بالحياة الثقافية في مصر، وفاقت شهرته جميع المساجد الجامعة في مصر منذ أن أشار الوزير يعقوب بن كلس سنة 378هـ على الخليفة العزيز بتحويله إلى معهد للدراسة بعد أن كان مقصوراً على إقامة الدعوة الفاطمية، فاستأذنه في أن يُعيّن بالأزهر بعض الفقهاء للقراءة والدرس على أن يعقدوا مجالسهم بهذا الجامع في كل جمعة من بعد الصلاة حتى العصر، فرحب العزيز بذلك ورتب لهؤلاء الفقهاء أرزاقاً شهرية ثابتة وأنشأ لهم داراً للسكنى بجوار الأزهر، وظل الأزهر مركز الفقه الفاطمي إلى أن بنى الحاكم بأمر الله جامعه، فانتقل إليه الفقهاء لإلقاء دروسهم.
    كذلك اهتم الفاطميون بإنشاء المكتبات، فألحقوا بالقصر الشرقي الكبير مكتبة زودوها بأندر المؤلفات في مختلف العلوم والفنون حتى تميزت من غيرها من مكتبات العالم الإسلامي بما في خزائنها من كتب قيمة، وقد فقدت مكتبة القصر الفاطمي عدداً غير قليل من الكتب القيمة في غضون الشدة العظمى التي حلت في عهد المستنصر بالله، فاستولى الجند والأمراء على الكثير مما في خزانة الكتب، وعلى الرغم من ذلك كله، بقي في خزائن القصر كتب لم تصل إليها يد العبث، واستطاع الفاطميون فيما بعد أن يعوضوا ما فقدوه، فجلبوا إلى مكتبة القصر كثيراً من الكتب الجديدة، حتى أصبح في قصر العاضد آخر الخلفاء الفاطميين مكتبة كبيرة، ومن المراكز الثقافية بمصر دار الحكمة التي أسسها الحاكم بأمر الله سنة 395هـ، وأطلق عليها هذه التسمية رمزاً إلى الدعوة الشيعية لأن مجالس الدعوة كانت تسمى مجالس الحكمة، وزود الحاكم هذه الدار بمكتبة عرفت باسم دار العلم، حوت الكثير من الكتب في سائر العلوم والآداب من فقه ونحو ولغة وكيمياء وطب، وسمح لسائر الناس على طبقاتهم بالتردد عليها.
    وكان لتشجيع الفاطميين للعلماء والكتّاب أثره في ظهور طائفة كبيرة منهم في مصر، فاشتهر من المؤرخين في العصر الفاطمي، أبو الحسن علي بن محمد الشابشتي (ت 388هـ) صاحب كتاب «الديارات» الذي اتصل بخدمة الخليفة العزيز فولاه خزانة كتبه واتخذه من جلسائه، كما نبغ من المؤرخين الأمير المختار عز الملك المعروف بالمسبحي (ت420هـ) وكان من جلساء الحاكم بأمر الله وخاصته وشغف بكتابة التاريخ، وألَّف فيه عدة كتب منها تاريخه الكبير «تاريخ مصر» ومن أعلام المؤرخين أبو عبد الله القضاعي (ت 454هـ) وكان من أقطاب الحديث والفقه الشافعي، له كتاب «مناقب الإمام الشافعي وأخباره» أوفده الخليفة المستنصر بالله سفيراً إلى تيودورا إمبراطورة الدولة البيزنطية سنة 447هـ ليحاول عقد الصلح بينها وبين مصر. ومن الكتاب المؤرخين الذين ظهروا في أواخر العصر الفاطمي، أبو القاسم علي بن منجب الصيرفي (ت 542هـ) الذي اشتهر ذكره وعلا شأنه في البلاغة والشعر كما برع في الخط، كذلك نبغ في العصر الفاطمي بعض العلماء من أمثال محمد بن الحسن بن الهيثم[ر] الذي أتى مصر من العراق بدعوة من الحاكم بأمر الله لما بلغه أن له نظرية مهمة في توزيع مياه النيل، واشتهر من الأطباء والفلاسفة علي بن رضوان (ت 460هـ) الذي أصبح بفضل جده واجتهاده رئيس الأطباء في البلاط الفاطمي.
    جدول بأسماء الخلفاء الفاطميين
    المهدي بالله أبو محمد عبيد الله 297-322هـ/910-934م
    القائم بالله أبو القاسم محمد 322-334هـ/934-945م
    المنصور بالله أبو طاهر إسماعيل 334-341هـ/945-953م
    المعز لدين الله أبو تميم 341-365هـ/953-975م
    المعز بالله أبو منصور نزار 365-376هـ/975-996م
    الحاكم بأمر الله أبو علي المنصور 376-411هـ/996-1021م
    الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن علي 411-427هـ/1021-1036م
    المستنصر بالله أبو تميم معد 427-487هـ/1036-1094م
    المستعلي بالله أبو القاسم أحمد 487-495هـ/1094-1101م
    الآمر بأحكام الله أبو علي المنصور 495-524هـ/1101-1130م
    الحافظ لدين الله أبو الميمون 524-544هـ/1130-1149م
    الظافر بأمر الله أبو المنصور 544-549هـ/1149-1154م
    الفايز بنصر الله أبو القاسم 549-555هـ/1154-1160م
    ولما كان يدرّه الخلفاء الفاطميون من العطايا الجزيلة والخلع والجوائز والأرزاق على رجال الأدب، أكثر هؤلاء قول الشعر لمدح الخلفاء الفاطميين ودفعت الرغبة في الحصول على هذه الجوائز والهبات الشعراء من أهل السنة إلى محاكاة الشعراء الشيعيين في مدحهم للخلفاء.
    من أشهر شعراء الشيعة محمد بن هانئ الأندلسي الذي ولد في إشبيلية ببلاد الأندلس حيث قضى أيام صباه، ثم اتصل بالخليفة الفاطمي المعز الفاطمي الذي بالغ في الإنعام عليه، فلما توجه المعز إلى مصر، تبعه ابن هانئ ثم رجع إلى المغرب لأخذ أولاده واللحاق بمولاه، وأعدّ العدة للرحيل وسار في طريقه إلى مصر، فلما بلغ برقة توفي سنة 362هـ، فلما بلغت المعز وفاته وهو بمصر قال: «هذا رجل كنا نرجو أن نفاخر به شعراء المشرق، فلم يقدّر لنا ذلك»، ولاشك في أن المعز أصاب فيما قاله، فالمتصفح لديوان ابن هانئ يرى أكثر شعره قد نظم في مدح المعز وأسرته، حتى لقد ذهب به هذا التحمس إلى أن ينسب لحسامه من صفات التشيع ما نسبه إلى نفسه، وبالغ في مدحه للخليفة المعز حتى جعله في منزلة عيسى u ومحمد r، بل ونسب إليه بعض صفات الألوهية، كقوله فيه:
    ما شئتَ لا ما شاءت الأقدار
    احكم فأنت الواحد القهَّار
    ومن أشهر الشعراء الفاطميين أبو حامد أحمد الأنطاكي، عاصر المعز والعزيز والحاكم بأمر الله وأشاد بذكر جوهر الصقلي ويعقوب بن كلس وغيرهما، ومن قوله يمدح يعقوب بن كلس:
    لم يدعْ للعزيز في سائر الأر
    ض عدواً إلا وأخمد ناره
    فلهذا اجتباه دون سـوا
    ه واصطفاه لنفسه واختاره
    ذو يدٍ شأنها الفرار من البخل
    وفي حومة الوغى كرّاره
    ومن الشـعراء الذين وفدوا على مصر وأفادوا من تشـجيع الخلفاء الفاطميين ووزرائهم، أبو الحسن علي بن جعفر بن البُوَين، وهو من أهل معرّة النعمان صار ثقة الوزير الفضل بن بـدر الجمالي الذي قربه وأدرّ عليه صلاته، وكذلك أمدّنا عماد الدين الأصفهاني (ت 597هـ) بمعلومات عن الشاعر أبي الحسن علي بن محمد الأخفش وهو من أشراف المغاربة، مـدح الخليفتين الآمـر (495-521هـ) والحافظ (521-544هـ). ولعل من أشهر الشعراء الذين عاشوا في العصر الفاطمي المتأخر عمارة اليمني السني الشافعي المذهب الذي أصبح من أنصار الفاطميين ومن مشاهير شعراء البلاط الفاطمي في عهد الخليفة الفائز (549-555هـ) والعاضد (555-567هـ) ولكنه أبى أن يعتنق عقائد الفاطميين وأشار إلى ذلك في ديوانه ببضعة أبيات خاطب بها الوزير ابن رزيك الذي ألح عليه في التحول إلى المذهب الشيعي ومنحه 3000 دينار، ووعد أن يزيد في إغداقه عليه إن هو أجابه إلى ما طلبه منه، ولكن عمارة اعتذر بلباقة وهو يشير إلى هذا الاختلاف في العقيدة في هذا البيت:
    مذهبهم في الجود مَذهبُ سنة
    وإن خالفوني في اعتقاد التشيع
    ظل عمارة على ولائه للفاطميين حتى بعد أن زال سلطانهم وسقطت دولتهم ولكن تحيزه للفاطميين جلب عليه نقمة الأيوبيين، وانتهت حياته الحافلة بالصلب لأنه اتهم بالاشتراك بالتآمر لإعادة سلطان الفاطميين.
    وقد أدى مجيء الفاطميين إلى مصر بمذهب شيعي إلى ظهور فريقين من العلماء يعمل أولهما على تأييده، ويُفندُ الآخر آراءهم، واستتبع ذلك نشاط علماء الدعوة الفاطمية في تأليف الكتب وكان لابن حيون (ت 363هـ) النعمان بن محمد بن منصور أبي حنيفة التميمي وأبنائه، وهم جميعاً من كبار رجال القضاء والأدب الفضل الكبير في نشر الثقافة المذهبية التي تتصل بالدعوة الإسماعيلية، ويُعدُّ النعمان من أهم دعائم الدعوة الإسماعيلية، وله في الفقه الإسماعيلي مؤلفات عدة، منها «دعائم الإسلام في ذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام»، وكان دعاة الإسماعيلية يرجعون إلى كتاب دعائم الإسلام في أحكامهم ونهج الوزير يعقوب بن كلس في كتابه «مصنف الوزير» منهج كتاب الدعائم، وأشاد بذكره حميد الدين الكرماني داعي الحاكم بأمر الله في فارس في كتابه «راحة العقل» حتى جعله في المرتبة التي تلي القرآن والحديث.
    ومع أن الفاطميين كانوا متعصبين للمذهب الإسماعيلي ويشجعون فقهاءه فقد ظهر في عهدهم بعض الفقهاء الشافعية والمالكية والحنبلية، منهم أبو بكر محمد النعماني المالكي (ت 380هـ) وكانت حلقته بجامع عمرو بن العاص تدور على سبعة عشر عموداً لكثرة من يحضرها. وفي سنة 405هـ ولىّ الحاكم بأمر الله أحمد بن محمد العوّام الفقيه الحنبلي منصب قاضي القضاة، فلما قيل للحاكم إنه ليس على مذهبك ولا على مذهب من سلف من آبائك أجابهم بأنه ثقة مأمون، مصري عارف بالقضاء وبأهل البلد وليس بين المصريين من يصلح لهذا الأمر غيره، وأضيف إليه أحكام مصر وبرقة وصقلية والشام والحرمين ماعدا فلسطين، وجعل له النظر في العيار ودار الضرب والصلاة والمواريث والمساجد والجوامع، ولم يزل على وظيفة القضاء إلى أن مات سنة 418هـ، فصلى عليه الخليفة الظاهر بن الحاكم، كما أن الباحث إذا تتبع أسماء قضاة دمشق وجد عدداً منهم لم يكونوا على مذهب الخلفاء الفاطميين، ففي سنة 369هـ كان قاضي دمشق عبد الله بن أحمد بن راشد الفقيه الظاهري، وفي سنة 375هـ ناب القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الشافعي المحدث عن قاضي قضاة مصر أبي الحسن علي بن النعمان.
    وقصارى القول إنّ الحركة الثقافية في العصر الفاطمي سارت بخطى واسعة نحو التقدم والارتقاء، فظهر في مصر طائفة من علماء الدعوة الفاطمية، والمؤرخين والفلاسفة والأدباء أسهموا في النهضة الثقافية التي تجلّت في ذلك العصر.
    نجدة خماش
يعمل...
X